رواية شيخ في محراب قلبي الفصل الثلاثون 30 بقلم رحمة نبيل

رواية شيخ في محراب قلبي الحلقة الثلاثون 30 بقلم رحمة نبيل
رواية شيخ في محراب قلبي الجزء الثلاثون 30 بقلم رحمة نبيل
رواية شيخ في محراب قلبي البارت الثلاثون 30 بقلم رحمة نبيل
رواية شيخ في محراب قلبي الفصل الثلاثون 30 بقلم رحمة نبيل

رواية شيخ في محراب قلبي الفصل الثلاثون 30 بقلم رحمة نبيل



الفرق بين الناس والورى؟!

- الناس: تقال علىٰ الأحياء والأموات.
- الورى: الأحياء منهم دون الأموات.

-خديج.
لغويات_الروضة.

صلوا على النبي ❤️

________________________

" مدام ؟؟؟ فاطمة الصغننة بقت مدام ؟؟؟ وياترى اللي اتجوزك عارف انك مستعملة ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟"

كانت مجرد جملة صغير تتكون من بضع كلمات، لكنها ابدا لم تكن كذلك على وقع من بالغرفة...استشاط هادي غضبا وهو يفتح عينه بصدمة من تلك الجملة الوقحة التي وصلت لمسامعه ولم يكد يستدير لمواجهة صاحب الجملة الا و وجد قذيفة تنطلق جهة جمال بغضب كبير ....

لم يشعر زكريا بنفسه سوى وهو ينهض منطلقا له بشكل مرعب ينقض عليه بغضب جحيمي وجملته مازالت تتردد على مسامعه ...أمسك زكريا رأس جمال ليضربها في الحائط خلفه بكل جنون وغضب وهو يصرخ بكل ما يعرف من سباب والغضب قد عماه حتى عن فاطمة التي كانت تفتح عينها بصدمة لما يحدث وقد بهتت ملامحها وشعرت أنها على وشك الدخول لتلك الحالة مجددا وهي نفسها الحالة التي كانت عليها أثناء الاعتداء مخدرة لا تستطيع الحديث أو الحركة لذا كلما خافت أو حزنت تدخل في نفس الحالة ......

كان زكريا يصرخ كـ المجنون وهو يضرب بعنف شديد يبعد العساكر عنه وقد تحول لزكريا الذي جاهد على أخفاءه بعيدا عن زوجته ...جاهد ألا تراه ابدا بتلك الهيئة وها هو في ثواني فقط يتحول إليه ضاربا بكل شيء عرض الحائط ......

كاد العساكر يتدخلون لمنع ما يحدث وسحب زكريا للخارج، لكن توقفوا بإشارة من وكيل النيابة الذي شعر وكأن نيران تحترق داخله من حديث جمال لذا رأى أن افضل شيء هو أن يدع زوج المعنية هو من يتصرف...وهو بالنهاية رجل شرقي يعلم جيدا حساسية تلك الامور لذا هو ابدا لن يمنعه..........

كان هادي يحاول جذب زكريا بصعوبة من فوق جمال الذي لم يعد بقادر على فتح عينه حتى...ولم يبتعد زكريا عنه سوى عندما تدخل جمال الاباصيري ورشدي اللذان دخلا سريعا بسبب الصراخ .....

جذب كلا من جمال ورشدي زكريا للخارج بينما زكريا ما زال يصرخ بجنون في جيمي ومصطفى يسبهم بكل ما يعرف من سباب لم يتخيل يوما أن ينطق بها فمه وقد اعماه غضبه و نسى مبادئه في لحظة جنون .....

واخيرا أُغلق الباب بعدما خرج زكريا ومن معه، لكن صرخاته ما زالت تصل واضحة وبشدة للجميع بالداخل ...

كان جسد فاطمة ينتفض بعنف شديد وهي تتنفس بصعوبة تحاول اجبار عقلها على عدم الدخول في تلك الحالة اللعينة ليس الان ...وليس بعيدا عن زكريا فهي بدونه لن تجد من يطمئنها لتعود كما كانت ...

في الخارج كان زكريا يصرخ كالمجنون ودموع تهبط من عيونه دون وعي ولا أحد يستطيع إيقافه عن ذلك وكأن غضبه قد أعطاه قوة جيش بأكمله ....

بك هادي لما يحدث مع رفيقه وهو يضمه بخوف هامسا له :

" خلاص يا زكريا اخر الحكاية قربت بس ابوس ايدك بلاش تعمل في نفسك كده "

توقف زكريا عن الصارخ وهو يشعر بهادي يكبله في أحضانه ليبكي أكثر وهو يقول :

" دبحوها يا هادي ولسه بيدبحوها "

ضمه هادي أكثر وهو يحاول أن يقويه ثم ابتعد عنه وهو يشير للمكتب قائلا :

" انا هدخل عشان التحقيق وعشان لازم حد يكون مع فاطمة تمام بس انت اهدا ارجوك "

جلس زكريا بتعب على أحد المقاعد وهو يشعر أن غضبه قد استهلك كل قوته ليهز رأسه بتعب وهو يقول :

" ادخل ليها يا هادي وقولها اني مستنيها برة "

هز هادي رأسه ليدخل سريعا وهو ينظر لزكريا بحزن وخوف من سقوطه لكن اطمأن حينما رأى رشدي وهو يجلس جواره جاذبا رأسه لتستقر على كتفه ثم أخذ يربت عليها بحنان كأم تهدأ طفلها وهو يهمس له ببعض الكلمات .....

ابتسم هادي بسمة صغيرة وهو يدخل للمكتب تاركا زكريا رفقة رشدي _ الحضن الدافئ للمجموعة _

تقدم هادي ليجلس على المقعد المقابل لفاطمة وهو يميل قليلا هامسا لها يتساءل :

" فاطمة أنتِ كويسة !؟؟"

نظرت إليه فاطمة برعب وهي تهمس :

" زكريا ؟؟؟"

" هو بخير ومستنيكِ برة هنخلص ونطلع ماشي ؟؟؟"

هزت رأسها تحاول بث الدفء والقوة _ اللتان فقدتهما بمجرد خروج زكريا _ لنفسها ...لتسمع صوت وكيل النيابة يعلو مجددا في المكان :

" ها يا مدام فاطمة هما دول ؟؟؟"

رفعت فاطمة رأسها بخوف قليلا لهم لتجد أن جمال كان شبه مستند على أحد العساكر بينما جواره مصطفى الذي كان يرمقها بخبث وبسمة ذكرتها جيدا ببسمته ذلك اليوم بعدما انتهوا من قتلها لتحتد نظراتها فجأة وهي تهمس بنبرة مخيفة أودعت بها كل ما تحمل من غضب واشمئزاز وكره :

" اه هما ........"

________________________

" حسنا ضع الصناديق في هذا الجزء ...نعم نعم هنا شكرا لك "

أنهى فرانسو كلماته وهو يدون شيء في دفتر ثم رفع نظره لتلك السيدتان اللتان تنظران له بشغف وترقب ليبتسم وهو يقول فاردا ذراعيه بفرحة :

" الطلبية وصلت يا سيدات وبكده نقدر نقول إن المحل بقى شبه جاهز "

وفي لحظة كان فرانسو يتراجع للخلف بفزع يخفي وجهه خلف الدفتر الذي كان يحمله بخوف من القردتان اللتان كانتا تقفزان بشكل مخيف أمامه .....

كانت بثينة تضم ماريانا وهي تقفز معها بفرحة كبيرة جدا فها هي أول خطوة في بناء مستقبل للصغير قد تمت ....فعندما وافق فرانسو أن يترك الصغير لماريانا كان بشرط أن يظل في فرنسا شهرا ليرتب له مستقبله والذي كان بدايته هو محل الهدايا الذي سيفتتحه لأجل ماريانا ....

ابتسم فرانسو يراقبهما ببسمة واسعة حتى شعر بشيء يتمسك بقدمه بعنف شديد ليخفض نظره ويرى الصغير الجميل صغير صديقه الذي رحل وهو مازال ابن بضع شهور فقط لا يعي على شيء ....

" شكرا الك بابا فرانسو ...امي كتير سعيدة بهالمحل "

ابتسم فرانسو وهو يحاول منع دمعة من الهبوط لينحني وهو يحمل الصغير باسم يقول ببسمة واسعة مقبلا خده :

" اه انظروا لذلك الرجل الصغير الذي يساعد والدته "

ابتسم باسم بشدة وهو يضم فرانسو أكثر سعيدا بذلك الحب الذي بدأ يستشعره مؤخرا من والدته بعد قطيعة طويلة باردة ...يشعر واخيرا أنه طفل طبيعي كأصدقاءه بعدما كان يرى نفسه منبوذا من الجميع حتى والدته ....واخيرا توقفت والدته عن إحضار أصدقائها المقرفين للمنزل وأضحت تهتم به كثيرا ....

بكى فرانسو بحنين شديد يتذكر رفيقه الحبيب الذي رحل في حادث سير تاركا خلفه ابنه و زوجته ...تنفس براحة أكبر وهو يضم الطفل بعد أن نفذ وصية رفيقة الأخيرة وهو يهمس بشوق :

" وصيتك اتنفذت يا حبيبي وصيتك اتنفذت ربنا يرحمك يارب "

" بالضبط وهنا هنحط الورود عشان الشمس وبكده يكون المحل بقى فلة اوي "

ضحكت ماريانا وهي تنظر حولها لذلك المحل الكبير الذي اشتراه لها فرانسو ذو الجدران الزجاجية وهي تقول ببسمة :

" ايه والله ما في احلى من هيك "

ابتسمت لها بثينة وهي تنظر خلفها لترى زوجها وهو يلاعب الصغير أمام المحل لتبتلع ريقها وهي تقول :

" شكلهم حلو اوي سوا "

لم تفقه ماريانا ما تقصده بثينة إلا عندما استدارت لترى ما تراه ...ارتسمت بسمة واسعة على شفتيها وهي تهمس بدموع حزن :

" الله يرحمك محمد ...كنت بتمنى يكون معي لهلا "

ابتسمت لها بثينة وهي تتجه لها وتضمها بحنان هامسة :

" هو معاكم ...وشايفكم ...هو فوق جنب بابا وهما الاتنين شايفينا واكيد هما فرحانين لاننا فرحانين "

مسحت ماريانا الدمعة التي سقطت منها وهي تبتسم لبثينة بامتنان شديد فهي أضحت أقرب رفيقة لها في الآونة الأخيرة ....

" يلا يا جماعة عشان باسم جعان وانا كمان جعان اوي "

ابتسمت ماريانا وهي تنظر لفرانسو الذي قال وهو يغمز لبثينة :

" يلا بوسي عزماكم على أكل مصري "

صرخت ماريانا بفرحة كبيرة وهي تضم بثينة قائلة :

" اوووه بوسي حبيبتي اشكرك ...لكم تمنيت أن اتذوق الطعام المصري يوما .."

ابتعدت وهي تتجه لطفلها تحمله بفرحة ثم قالت بسعادة وهي تسبقهما بعدما رأت النظرات بينهما :

" سأنتظركما مع باسم في السيارة لا تتأخرا "

استدار فرانسو لبثينة وهو يبتسم لها ثم فتح ذراعيه وهو يدعوها له لتركض إليه وهي تهتف بسعادة كبيرة :

" انا فرحانة اوي اوي يا فرانسو حاسة كأني ...كأني واخيرا حرة "

" يسلملي البطل "

___________________________________

كانت نظرات فاطمة تخترقهما بقوة واحتقار واشمئزاز وهي تتذكر معاناتها وتعبها وكل ما حدث لها بسببهما ....مكوثها في مصحة نفسية ثلاث سنوات وتلك الأيام التي كانت تخشى النوم فيظهروا لها بكوابيسها ...ثلاث سنوات جحيم عاشتهم في تلك المصحة بعدما تدهورت حالتها وأضحت تخشى الاقتراب من أحد أو النوم ...كانت تشعر وهي نائمة بأيادي عديدة تمتد لجسدها بطريقة قذرة ...كان عقلها لا يشفق عليها وهو يرسم لها أنها ما زالت في تلك الغرفة الصغيرة ...كان يجعلها تشعر بأنفساسهم مازالت تتلمس بشرتها لتحرقها ....ثلاث سنوات قضتهم في عذاب حتى تمكنت من العيش شبه طبيعية كالجميع هذا إن تغاضينا عن الحالة التي تأتيها كل فترة أو عن الرعب وهي نائمة أو عن خوفها من النظر لاي رجل حتى لا ترى نظرة شهوة بعينه لها تعيد إليها ذكرى تلك الليلة ......

واخيرا انتهى التحقيق مع الجميع ليصدح صوت وكيل النيابة وهو يملي الشخص جواره بعض الكلمات ثم ارفق بهم شهادة فاطمة والأدلة التي تم العثور عليها في حاسوب مصطفى ...

نهض هادي وهو يصافح وكيل النيابة شاكرا إياه على تعاونه ثم نظر لفاطمة يدعوها لتتقدمه ...نهضت فاطمة من مقعدها بتردد وهي تتجه للخارج في نفس الوقت الذي بدأ بعض العساكر في جذب كلا من مصطفى وجمال للخارج ليتوقفوا بمحازاة فاطمة التي نظرت لهما قليلا بشر ثم وفي ثانية كانت يدها ترتطم بوجه مصطفى في عنف شديد لم تعرفه يوما اتبعته بعدها بصفعة أشد على وجه جمال وهي تردد بتشفي وانتصار ونبرة حاقدة :

" هكتفي بقلم بس وهسيب الباقي لجوزي واظن إنه مش هيقصر معاكم ...أصله كريم جدا "

أنهت حديثها وهي تتحرك للخارج تحت بسمات هادي الشامتة بنظرات الفزع على وجوه الاثنين وقد كان يقف خلفها تحسبا لأي شيء يستدعي تدخله ....

بمجرد فتح الباب كان زكريا ينتفض من أحضان رشدي وهو يركض مستقبلا فاطمة بين أحضانه وكأنها عادت بعد سنين بعد وشوق ....

ضمها بشدة وهو يتأكد أنها بخير هامسا :

" أنتِ كويسة ؟؟؟ صح ؟؟؟؟"

ابتسمت فاطمة تنظر له بدموع تتخللها تنهيدات راحة :

" لأول مرة احس اني كويسة كده يا زكريا شكرا ليك "

ضمها زكريا إليه بحب وهو يحمد ربه على انتهاء تلك المحنة واخيرا بعدما نفذ لها وعده وانتقم لأجلها ...رفع نظر لهادي الذي أشار له بعينه أن كل شيء تم كما خُطط له والان هم فقط في انتظار المحاكمة .....

______________________________

كانت تتحرك صوب الباب بسرعة ولهفة شديد تمسح كفها في إحدى المناشف بعدما خرجت من المطبخ صوب الباب ظننا منها أن ابنتها قد عادت، لكنها توقفت فجأة وهي تلمح وجه زوجها يقف أمام الباب بنظرات مرهقة وتعب قد أخذ كفايته منه ....

" ايه يا منيرة مش هتدخليني ؟؟؟؟"

نظرت له منيرة بتحفز شديد وهي تبتعد عن الباب تفسح له مجال المرور ليدخل مرسي بخطوات متراخية يجلس على اول مقعد قابله ....تبعته منيرة وهي تفكر في سبب مجيئه بعد كل ذلك الوقت .....

" خير يا مرسي ؟؟؟ فيه حاجة حصلت ولا ايه ؟؟؟"

" وهو لازم يكون في حاجة حصلت عشان اجي اشوف عيلتي يا منيرة ؟؟؟"

رفعت منيرة حاجبها بتعجب شديد من نبرته تلك وهي تردد :

" لا ابدا يا خويا براحتك ده بيتك طبعا بس اصلا مش من عادتك يعني "

انتبهت منيرة لملامح الوجع التي ارتسمت على وجهه وهو يبتلع ريقه مرددا :

" انا طلقتها...."

فتحت منيرة عينها بصدمة كبيرة وهي تنظر له لا تفهم حديثه أو أنها تدعي عدم الفهم ليوضح هو الأمر :

" طلقتها يا منيرة ورجعت ليكم تاني "

كانت حقا ترغب في أن تنفجر ضحكا الان وهو يخبرها أنه طلق زوجة أخيه المرحوم التي تزوجها بعد وفاة أخيه بفترة بدعوة أنه أحق من الغريب ليهتم بأبناء أخيه وزوجته و دون حتى أن يأخذ شورتها ذهب وأحضر زوجة ارتها الويل والذل بالاعيبها حتى ملّ هو الشجار اليومي ليقرر أن يحضر لها منزلا رفقة ابنتها حتى يريح رأسه من المشاكل وايضا ليبعد ابنته عن أي أحد يعرفهم .....

" والله مش عارفة اقولكم مبارك ولا ربنا يجعلها اخر الاحزان ؟؟بس معلش هو ايه اللي رجعك تاني لينا ؟؟؟"

صمتت تراقب ملامح الخزي التي اتخذت طريقها على وجهه وهو يقول :

" رجعت عشانك وعشان بنتـــ....."

" لا ....لا يا مرسي اوعى تقول الكلمة دي ...لان من وقت ما عملت اللي عملته في بنتك و انت خلاص فقدت حقك في إنك تكون كده "

" فيه ايه ؟؟؟ ايه الصوت والزعيق ده؟؟؟؟"

كان هذا صوت نحمده التي كانت في الفترة الأخيرة تحاول قدر الإمكان الابتعاد عن فاطمة ومشاكلها لتجد الان صوت أخيها وزوجته يعلو لذا اعتزلت غرفتها واخيرا وهي تذهب لترى ماذا حدث ...

" متدخليش أنتِ يا نحمده عشان ده حساب بيني وبين اخوكِ وبنصفيه "

صمتت نحمده بصدمة من حديث منيرة ذاك وهي تبتلع اعتراض كاد ينفلت منها تتابع بصمت ما يحدث وتخاذل أخيها وهو يطأطأ رأسه بشكل غريب ....

استدارت منيرة تواجه مرسي مجددا وهي تهتف بوجع :

" كنت فين انت وبنتك محجوزة في مصحة نفسية عشان مش قادرة تعيش طبيعي زي اي بنت في سنها ؟؟؟ها قولي كنت فين ؟؟؟ "

صمت مرسي ينظر للاسفل يحاول منع دموع النظم من غزو عينيه لتكمل منيرة بصراخ حرق قلبها قبله :

" اقولك انا ؟؟؟ كنت وقتها بتدور على اي واحد كبير في السن يتجوزها عشان يغطي على العار اللي انت بتقول عليه ....طب ..طب كنت فين وهي كل يوم بتدبل وبتصرخ إن حد يسمعها ...كنت فين وغيرك بيقوم بدور انت اتكسفت تقوم بيه عشان كلام الناس ؟؟؟ كنت فين ؟قولي كنت فين وانا وبنتي الكل بينهش فينا ؟؟؟"

صمتت منيرة وهي تتنفس بعنف تراقب مرسي الذي تصدعت قشرته الواهنة .......

" بابا ؟؟؟"

صمت الجميع فجأة وسكتت الاصوات بسماع تلك الهمسة التي خرجت وكأنها خرجت من بئر سحيق ....

تقدمت فاطمة للداخل يتبعها زكريا الذي كان متحفزا لأي شيء ....

_________________________________

" ايوة يعني هفضل طول حياتي بوزي في بوزك كده ؟؟؟"

انتبهت شيماء لحديث ماسة لتنظر لها بتعجب لا تفهم حديثها ...لتوضح ماسة ما تقصده من وراء حديثها :

" يعني اخوكِ مش عايز يتحرك ؟؟؟ انا زهقت وعايزة اتجوز بقى "

ابتسمت شيماء عليها ثم قالت بعد صمت ثوانٍ :

" تعرفي اني احيانا بشفق على اخويا ؟؟؟ اه والله ساعات بقعد مع نفسي افكر يا ترى هيفضل مستحملك لامتى ؟؟؟ "

زفرت ماسة باستخفاف ثم قالت وكأنها لم تسمع ما قالته شيماء :

" البيت بتاعنا توضيبه خلص من اسبوع وماما عايزة تمشي بس انا مش راضية ...بقنعها نفضل قاعدين على قلبكم كده يمكن اخوكِ يتكسف على دمه ويتجوزني ونخلص ...بس نقول ايه اخوكِ عديم احساس ما شاء الله "

" من بعض ما عندكم يا استاذة ماسة "

انتفضت كلا من ماسة على صوت رشدي الذي دخل المنزل للتو يتبعه هادي ...

" أباظة ؟؟؟ انت سمعت انا قولت ايه ؟؟؟"

كانت تتحدث بفزع شديد أن يكون سمع ما قالته للتو عنه ...ليجيب رشدي عليها ببسمة مع هزة رأس صغيرة منه ..لتبتسم هي له وهي تنهض قائلة :

" حلو اوي ...ومتكسفتش على دمك؟؟؟؟"

" انا برضو اللي اتكسف ؟؟؟ اقولك يا ماسة انا جبت اخري منك وخلاص تعبت هادي اتصل بالمأذون "

نظرت له ماسة ببسمة غبية وهي تقول بتفاجئ :

" مأذون ايه بس يا حبيبي ركز احنا كاتبين الكتاب ...بس فاضل نعمل فرح "

ابتسم رشدي لها قبل أن يتجه لغرفته قائلا بخبث :

" وده ملفتش نظرك لحاجة ؟؟؟"

لحق هادي برشدي وهو مازال يرسل قبلات وغمزات لشيماء التي كانت تحمر خجلا من أفعاله ....

نظرت ماسة للباب الذي اغلقه هادي للتو خلفهم تفكر في مقصد رشدي من حديثه هي حقا لم تفهم مقصده ...لما سيحضر مأذونا وهما متزوجان بالفعل منذ زمن ؟؟؟

" هو اخوكِ قصده ايه بكلامه ؟"

نظرت لها شيماء بسخرية كبيرة وهي تردد :

" يعني مش بتاعة مشاكل وبس لا وكمان غبية ؟؟ أعانك الله يا رشدي يا اخويا "

أنهت حديثه وهي تتجه صوب الغرفة الخاصة بها تفكر في ذلك الذي سرق قلبها ويجلس الان مع أخيها تاركة خلفها ماسة وهي تفكر في مقصد رشدي والذي يبدو أنه سيأخذ سنين حتى يصل إليها ........

_____________________

" واخيـــــــرا "

كانت تلك كلمة هادي وهو يرتمي على الفراش بتعب شديد بعدما انتهوا من تلك القصة التي نغصت حياة الجميع في الآونة الأخيرة ....

ابتسم رشدي وهو ينزع ثيابه ملقيا إياها ارضا :

" مش مصدق إن أخيرا خلصنا من الحوار ده ...ناقص بس يوم المحكمة ويبقى اتعشت "

لم يلقى رشدي ردا من هادي ليستدير بتعجب كبير وهو يناديه، لكنه وجده يتسطح على بطنه مبتسما بغباء للهاتف لذا تحرك رشدي ببطء ليتسطح على معدته جواره وهو ينظر لهاتف هادي ويجد أنه يتحدث مع أخته ....

ضحك هادي بخفوت وهو في عالم بعيد كل البعد عما يحيط به وهو يكتب بمهارة عالية وأصابع سريعة :

" طب ايه نخلي الفرح اخر الاسبوع مع زكريا ولا نخليه لوحدنا احسن ؟؟؟"

ثوانٍ ووصل الرد له والذي كان عبارة عن كلمات وجوارهما وجه خجول :

" لا خليها لوحدنا احسن "

ابتسم هادي أكثر وهو يكتب لها :

" طب تحبي نقضي شهر العسل فين يا عسل إنت يا عسل ؟؟؟"

ابتسم رشدي وهو يستدير برأسه للهاتف يتابع ذلك الحوار الشيق الذي يثير اشمئزازه :

" اي حتة فيها تلج عشان نفسي العب بالتلج اوي "

مصمص رشدي شفتيه بشفقة مصطنعة وهو يهمس :

" يا مسكينة محرومة يا عيني من التلج "

لم يهتم له هادي أو ينتبه له بالأحرى بل أخذ يكمل حديثه بها :

" اي رأيك نخرج انهاردة سوا ؟؟؟"

ابتسمت شيماء من الجانب الآخر بخجل وهي تكتب له :

" ايوة يا ريت عشان بجد زهقانة اوي وماسة قرفتني في عيشتي ....بس قول لرشدي الأول "

تحدث رشدي بسخرية :

" عندك حقك والله ماسة مقرفة فعلا ...بعدين يقولي ايه يا ستي توكلوا على الله "

ابتسم هادي وهو يبتعد قليلا عن رشدي متجاهلا إياه وهو يكتب :

" لا فكك من رشدي أنتِ مراتي يعني ميقدرش يفتح بقه "

أنهى كلماته وهو يستدير لرشدي الذي يلتصق به قائلا :

" لا مؤاخذة يا رشدي "

" ولا يهمك يا حبيبي خد راحتك "

ابتسمت شيماء بشدة من الجانب الآخر وهي تنهض بسرعة تقول بلهفة :

" طب هقوم اجهز لبسي بسرعة "

" ماشي يا حبيبتي لا اله الا الله "

" محمد رسول الله "

تشنج رشدي وهو ينظر له هامسا :

" ايه الاستاذ استدعوه يقف على الحدود ولا ايه ؟؟؟"

ألقى هادي الهاتف جواره وهو يتسطح بحالمية مغمضا عينه يمني نفسه بساعات مع حبيبة القلب وجواره رشدي ينظر له ببسمة غبية وهو يهمس له :

" حلو الحب يا هادي صح ؟؟؟"

" اوي اوي يا حبيبي"

ابتسم رشدي وهو ينهض ينظر له بشر ثم قال قبل ان يهجم عليه بغضب شديد :

" لا والأحلى بقى مرارة الحب ...دوق معايا مرارة الحب يا هادي "

___________________________________________

استدار الجميع لصوت فاطمة الذي اخترق الأجواء المشتعلة منذ قليل ليجدوها تقف على باب المنزل ترمقهم بتعجب، لكن لم تتمكن من فتح فمها لتكرير سؤالها لتجد فجأة والدها يركض صوبها جاذبا إياها لاحضانه بشكل افزعها وهي تعود للخلف كرد فعل غير إرادي منها .....

ضمها مرسي بشدة وهو يبكي طالبا منها بدموع صامتة أن تسامحه على تقصيره في حقها كأب...لكن فاطمة شعرت بالغرابة وهو يضمها شعور عجيب اكتنفها في تلك اللحظات وهي تستشعر ضمته هل هذا عناق الاب ؟؟؟ هل هو باهت هكذا ؟؟؟ بلا مشاعر وبلا اي دفء ؟؟؟ام أن هذا الأمر معها هي فقط ؟؟؟

ابتعد مرسي عن ابنته وهو يستشعر برودتها لينظر في وجهها يجدها تناظرة بتعجب شديد وكأنه للتو قام بعمل خارق...لكنه لم يأبه بل مد يده وأمسك وجهها بحنان :

" حبيبتي أنتِ بخير ؟؟؟ حد منهم كلمك ؟؟؟انا عارف انك كنتِ انهاردة في النيابة "

استدارت فاطمة ببطء وهي تنظر لزكريا متأكدة أنه هو من اخبرها ليخفض زكريا نظهر يتلاشى نظراتها تلك ...

نظرت فاطمة بعدها لوالدها وهي تهز رأسها بنعم :

" اه صحيح فعلا انا كنت انهاردة في النيابة بجيب حقي يا بابا "

قالت اخر كلماتها وهي تضغط عليها بقصد ليبهت وجه مرسي وهو يبتعد عنها قائلا بخذلان كبير وخجل :

" فاطمة يابنتي انا بـ...."

" ولا يهمك "

نظر لها مرسي بتعجب لا يفهم ما تقصد لتقول فاطمة ببسمة تحاول بها منع تساقط دموعها :

" مش انت برضو كنت هتبرر تصرفك وتعتذر وانا بختصر كل ده وبقولك ولا يهمك انا مش زعلانة "

" فاطمة "

استدارت فاطمة تنظر لزكريا الذي كان يحدجها بنظرات معاتبة لحديثها ذاك مع والدها وبهذا الشكل لكنها تحدثت وهي تنظر له وقد بدأت دموعها تتساقط :

" ايه يا زكريا ؟؟؟ انا قولت حاجة غلط ولا ايه ؟؟؟ انا بس بوفر عليه الكلام يمكن يكون مستعجل ولا حاجة "

نظرت فاطمة في أعين والدها الذي ولأول مرة ترى دموعه تهبط :

" ولا يهمك يا بابا محصلش حاجة دول هما يا دوبك كام سنة عشتهم بعيدة عن حضنك وكله بيتهمني ويشاور عليا كأني مجرمة وانت كنت واقف تتفرج ...ولا يهمك محصلش حاجة دي حياتي بس اللي اتدمرت وانت معملتش حاجة عشان تصلحها يا بابا "

بكت وهي تتحدث لا تتذكر شيء واحد قد يشفع له عندها حتى قبل الحادثة كان دائما باردا معها هي و والدتها يعاملهم وكأنهم شيء ثانوي في حياته لا أهمية لهم ابدا ....

" أنا اسف يابنتي حقك عليا انا اسف "

سقطت دموعها وهي تهز رأسها تهمس بوجع :

" متعتذرش يابابا متعتذرش، انا مش زعلانة منك والله لاني لما قعدت وفكرت لقيت إن كان عندك حق ..اصل مين اللي هيتحمل إن بنته تكون من غير شر....."

" فـــــــاطـمـــة "

" تعبت ...فاطمة تعبت يا زكريا تعبت وملت من كل ده ...هو انا مش مكتوب ليا اعيش زيي زي اي بنت في سني ؟؟؟"

كانت تتحدث وهي على وشك الانهيار بعد كل ما مرت به اليوم بينما زكريا يغمض عينه بوجع على ما يحدث معها ليسمع صوتها يردد قبل أن تتحرك صوب غرفتها ....

" انا مسمحاك يا بابا ..مسمحاك بس مش عشانك لا عشان نفسي "

أنهت حديثها وهي تدخل لغرفتها ثم أغلقت الباب بهدوء تاركة خلفها الجميع كل في حال مختلف عن الاخر لكن ما يجمعهم هو الحزن والوجع لما حدث مع فاطمة .......

______________________________

يسير في ممرات المدرسة بتعب شديد وارهاق كبير لعدم أخذه ما يكفيه من النوم البارحة وهو يفكر في فاطمة وحالتها النفسية تنهد وهو يدلف أحد الفصول وعينه موجهه على واحدة معينة ثم أخبرهم أن يخرجوا كتبهم الخاصة ......

كانت اسراء تشعر بالرعب الشديد كلما استدار زكريا صوبها وقد غابت عن المدرسة لايام خوفا من المواجهة والان يبدو أنه حان الوقت لذلك .....

كان زكريا يشرح لهم كعادته وقد نحى أفكاره جانبا يحاول تصفية ذهنه لما هو مقدم عليه فها هو على وشك إنهاء آخر مشكلة في حياته حتى يتفرغ بعدها لحبيبته الجميلة ويفكر كيف يكسر جبال الاحزان التي تستوطن قلبها ....

واخيرا انتهى من شرح الدرس ليبتسم بسمته المعتادة وهو يضع قلمه على المكتب :

" احنا بكده نكون انتهينا من نصف المنهج بالضبط وباذن الله بكرة في مراجعة شاملة عليه "

صمت قليلا ثم قال بجدية :

" وبما أننا خلصنا الحصة بدري ممكن اللي عنده اي سؤال في أي جزئية من اللي درسناه يتفضل يسأل "

جلس زكريا على مكتبه وهو يستقبل بعض الأسئلة من الطالبات أمامه غير غافلا عن اسراء التي كانت تحاول بأقصى جهدها أن تختفي عن أنظاره ....

نظر زكريا في الوجوه أمامه وهو يقول :

" ها حد تاني عنده سؤال ؟؟؟؟"

صمت عم المكان ليتنهد زكريا وهو يعود بظهره للخلف ثم قال وهو يدعي التفكير :

" طب ايه رأيكم نستغل الوقت الفاضي ده ونتكلم شوية اعتبروني اخوكم "

صمت وهو ينظر في الوجوه وقد انتبهت له جميع الفتيات ليقول ببسمة لهن :

" عايز اعرف كل واحدة حلمها ايه ؟؟؟"

سؤال بسيط افتتح به زكريا الحوار بينه وبين طالباته ...لتبدأ كل واحدة في رفع يدها والتحدث بحماس شديد عن حلمها ليبتسم لهن زكريا وهو يشاركهن الحديث بلهفة توازي لهفتهن ثم وفجأة تحدث :

" انسة اسراء ؟؟؟؟"

انتفضت اسراء بفزع بعدما كانت تحاول الاختباء خلف صديقاتها وهي تستمع لاسمها من المعلم لتقف وهي تبتلع ريقه تكاد تبكي تتخيل ابشع السيناريوهات وهو يخرج رسالتها ويقوم بفضحها على مرأى ومسمع من الجميع ........

" نعم يا استاذ "

ابتسم زكريا بسمة صغيرة وهو يتحدث بنبرة عادية وكأن لا شيء حدث :

" مقولتيش ايه هو حلمك ؟"

" ها ؟؟؟ حلمي ؟؟؟ "

هز زكريا رأسه بنعم وهو ينتظر اجابتها لتتحدث هي بتوتر شديد لا تفهم ما يحدث ولما لم يتحدث في أمر الرسالة :

" عايزة ابقى ...هو يعني نفسي لما اكبر ابقى زي اختي "

" اختك ؟؟؟ وهي اختك بتشتغل ايه ؟؟؟"

ابتسمت اسراء بتوتر وهي تقول :

" ممرضة "

ابتسم لها زكريا بتشجيع :

" حلو ممرضة مهنة جميلة جدا ونافعة ...اتفضلي اقعدي "

جلست اسراء وهي تتنفس الصعداء ليبدأ زكريا في التحدث عما يريده بطريقة غير مباشرة :

" كل احلامك جميلة جدا باذن الله تحققوها...بس متنسوش وانتم في طريق تحقيق حلمكم انكم تحطوا ربنا قدام عينكم دائما ...بلاش خلال الطريق ده تقفوا في محطة غلط او تتعلقوا بشخص غلط ....وقصدي هنا بالشخص هو شخص من الجنس الآخر "

صمت ينظر للوجوه أمامه يحاول معرفة إذا كان مقصده قد وصل اليهن ام لا ليكمل حديثه :

" بنات كتير اوي ممكن أثناء رحلة تعليمها أو عملها أو حياتها عامة تتعلق بشخص وتقعد تبني أحلامها عليها وبمجرد رحيل الشخص ده بتدمر أحلامها عشان كده اللي قصدي عليه أن أحلامكم تتبني عليكم انتم مش على حد تاني واحذروا الفتن اللي منتشرة حاليا "

صمت ثم قال وهو يستمع لحرس انتهاء اليوم الدراسة :

" نصيحتي ليكم هي انكم تحطوا ربكم دائما قدام عينكم واتقوا الله دائما في كل تصرفاتكم وبلاش تمشوا ورا أي ذنب لمجرد أن عدد مرتكبيه كبير وبقى في عيون الكل عادي .... و بلاش ترخصوا قلوبكم لأنها غالية ...غالية جدا "

أنهى حديثه وهو يتجه للخارج سريعا يتنفس براحة وقد رأى صدى رسالته على وجه اسراء ..توقف فجأة وهو يسمع صوتها وهي تناديه وكأنها خرجت من أفكاره لتتمثل أمامه ...

توقفت اسراء امام زكريا وهي تخفض رأسها للاسفل بخجل شديد تبكي :

" استاذ انا اسفة والله مش....."

" على ايه يا آنسة اسراء محصلش حاجة ...اهم حاجة دلوقتي اجتهدي عشان تكوني اضطر ممرضة اتفقنا "

رفعت اسراء نظرها لزكريا بامتنان شديد وهي تهز رأسها بنعم ليبتسم لها زكريا ثم رحل ينظر في ساعته وبعدها أخرج هاتفه ليجد اتصالات عديدة من هادي ورشدي وقد نسي أنه وضع هاتفه في وضع الصامت ...

" الو يا رشدي.....انا جاي في الطريق اهو .....اجهزوا انتم بس ....نص ساعة واكون عندكم "

_________________________

خرجت فاطمة من الغرفة الخاصة بها في فزع شديد وهي تستمع لصوت الطرق العنيف على الباب ......

كانت تعدل من وضع الحجاب على رأسها وهي تضع قطعة بسكوت اي فمها تتحدث بصعوبة بسببها :

" طيب جاية ...قولت جاية "

فتحت الباب بحنق شديد وهي تصرخ في الطارق :

" فيه ايه قولت جااااا......زكريا ؟؟؟؟ بتعمل ايه هنا ؟؟"

ابتسم زكريا وهو يكسر قطعة البسكوت التي تتناولها ليأخذ قطعة منها وهو يتناولها غامزا :

" ما هذا ...بسكوت يأكل بسكوت؟"

ضحكت فاطمة على حديثه وهي تمضغ القطعة التي تبقت في فمها تقول بخجل :

" لسه جاي ولا ايه ؟"

هز زكريا رأسه وهو ينظر داخل المنزل متساءلا عن والدتها لتقول هي أنها خرجت منذ قليل للسوق ...

ابتسم لها زكريا ثم سحبها خارج الشقة وهو يغلق الباب قائلا

" حسنا تعالي معي "

نظرت فاطمة بيده التي تجذبها بتعجب شديد :

" اجي فين ؟؟؟ طب اصبر طيب اغير العباية دي اصبر بس "

لم يعطها زكريا الفرصة لقول كلمة وهو يجذبها خارج البناية متجها للبناية الخاصة به بلهفة وحماس شديد ثم أخذ يركض بها على الدرج تحت صرخاتها المتعجبة من تصرفاته وهو الرزين الهادئ ....

أخذ زكريا يطرق الباب بعنف وهو ينظر لها ببسمة غريبة لم تفهم لها معنى، لكن فجأة فُتح الباب بواسطة وداد التي ابتسمت لهما غامزة لزكريا الذي قبلها بحب شديد وهو يهمس لها بشكرا ...ثم تحرك صوب البهو وخلفه وداد وفاطمة التي كانت تشعر بالغرابة، لكن كل ذلك تلاشى بمجرد ما دخلت البهو لتجد المكان كله مزين بشكل جميل والجميع يقف به ينتظرونها وهم يطلقون في وجهها قصاصات ملونة جميلة وهم يصرخون في صوت واحد والبسمات تعلو الوجوه كلها :

" مفـــــاجــــأة "

صدمت فاطمة وهي تنظر للوجوه حولها فالجميع بلا استثناء كان هنا والدتها وعائلة كلا من زكريا ورشدي وهادي وحتى ماسة وفرج وجمال رفيق الشباب وايضا ام اشرف التي تعرفت عليها سابقا وشاب اخر يقف جوارها يحجز بينها وبين فرج خمنت أنه اشرف ..

سقطت دموع فاطمة بعدم فهم وهي تنظر للجميع الذين كانوا يبتسمون لها باتساع لتنفجر فجأة في البكاء بتأثر مما فعلوه لها ...

اتجه زكريا صوبها بسرعة وهو يضمها لاحضانه بحب كبير ...

" ليه كده يا فاطمة المفاجأة معجبتكيش ؟؟؟"

بكت فاطمة أكثر وهي تمسح وجهها في ثيابه ليبتسم بحنان :

" لا لا دي جميلة اوي اوي "

" وأنتِ بتعيطي عشان جميلة اوي اوي ؟؟؟"

بكت فاطمة وهي تهز رأسها بنعم ليضحك زكريا وهو يبعدها عنه قائلا بصوت عالي :

" طب يا جماعة الغوا الحوار عشان فاطمة بتعيط خلاص مش هنكمل المفاجأة "

انتفضت فاطمة بسرعة وهي تصرخ بهم :

" لا لا محدش يعمل حاجة "

انفجر زكريا يضحك عليها وعلى ملامح الرعب التي تلبستها عندما تحدث لتضربه هي بخفة في صدره ثم نظرت للجميع وهي ترى أمامها عائلة كبيرة كانت جوارها دائما ولم تبخل يوما عليها بشيء لتمسح دموعها وهي تقول بصوت متأثر :

" انا بحبكم كلكم اوي اوي "

" البنات بس "

قال زكريا وهو ينظر للجميع بتحذير لتهز فاطمة رأسها بنعم وهي تضحك :

" ايوة البنات بس والشباب شكرا ليكم "

" لا متشكريش حد برضو انا اللي عملت كل ده لوحدي "

خرج صوت مستنكر من حنجرة جمال وهو يصيح به ملقيا ما بيده ارضا :

" نعم يا خويا ده انتم كنتم معلقيني فوق عشان الزق الزينة لما ضهري انكسر "

تحدث هادي بحنق شديد وهو يمسح أصابعه من الحلوى متحدثا وفمه ممتلئ بقطعة جاتوه :

" وانا فضلت ساعة متذنب في محل الحلويات عشان الاقي تورتة تليق بجنابك "

" وفي الاخر أكلتها لوحدك "

ابتسم هادي بغباء وهو يقول :

" ايوة ما انا هبطت من كتر الوقفة "

نظر زكريا لرشدي وهو يقول سخرية :

" وانت مش هتذلني بحاجة ؟؟"

هز رشدي رأسه بلا وهو يجيبه ببسمة :

" لا انا كنت بشرف بس على التجهيزات معملتش حاجة اساسا "

ضحك زكريا وهو يتجه لهم ثم ضمهم جميعا سويا كأب يعانق صغاره قائلا بمشاكسة :

" يا ختي على الحلوين يا ختي "

ضحك جمال بعنف وهو يبادله العناق :

" تستحق السعادة كلها يا زكريا ربنا يسعد قلبك دايما "

ابتسم له زكريا وهو يهمس بالشكر ثم ضم رفاقه بقوة وهو يمطرهم بوابل من الشكر ....

ركضت جميع النساء صوب فاطمة معانقين إياها وخاصة وداد التي كانت تضمها بحنان شديد مربته على رأسها وهي تتذكر ما قصه عليهم زكريا البارحة وقد أخبرهم كل ما حدث مع تلك الصغيرة المسكينة .....

علت الضحكات في المكان بين الجميع وايضا الصرخات السعيدة علت المكان ليقطع كل ذلك صوت عالي جذب انتباه الجميع والذي لم يكن صادرا سوى من فرج الذي كان يقف على أحد المقاعد وهو يهتف بساعة كبيرة :

" وبالمناسبة السعيدة دي حبيت أبلغكم الخبر السعيد اللي كل الحارة كانت مستنياه ...."

صمت قليلا ثم نظر لام اشرف وأشرف الحانق وهو يقول بصراخ سعيد :

" اشرف وافق على جوازي انا وامه "

اغتاظ اشرف من حديثه وهو يتحدث لوالدته بغضب :

" شوفي برضو بيقول ايه طب والله لا...."

قاطع حديثه صراخ هادي الصاخب وهو يركض لفرج حاملا إياه على كتفه بفرحة وجميع الشباب حوله يهللون له وكأن فريقهم المفضل قد نال للتو كأس العالم .......

ضحكت فاطمة بشدة لما ترى لتشعر فجأة بأحد يسحبها لإحدى الغرف ....لكنها لم تفزع أو تخاف فهي تعلم جيدا من فعل ذلك لتبتسم باتساع وهي ترى زكريا يرمقها ببسمة واسعة هامسا لها :

" اذا سيدتي ألا اجد بسمة تكافأني على ما فعلت ؟؟؟"

ابتسمت فاطمة وهي تلقي بنفسها بين أحضانه تهتف بعشق :

"وفي وقت ألمي الذي لا أعرف مصدره قد يكون صدرك هو ملجأي "

" إذا أما حان الوقت لتدفئِ ملجأك وتسكنيه ؟؟؟"

ابتسمت له فاطمة باتساع ليكمل هو حديثه :

" اعتقد أنه حان الوقت لتصبحي اجمل عروس ..............."

_____________________________________

قد تبدو هذه نهاية سعيدة لقصة كتلك، لكن لم يحن بعد وقت نهاية قصتي ...فمازال هناك فصل من السعادة نشاركه هذه العائلة لذا كونوا على الموعد مع نهاية حكايتنا يوم الجمعة القادمة بمشيئة الرحمن، وحتى ذلك الوقت اقول لكم .........

" حكمت المحكمة حضوريا على كلا من مصطفى عادل الاباصيري و جمال عبدالعظيم السيد بالسجن المؤبد ...رُفعت الجلسة "

هزت تلك الجملة أرجاء المحكمة بعد ساعات وساعات من المرافعات والشهادات والصرخات والاهات ..ومع انطلاق تلك الكلمات كانت صرخة عالية تخرج من جوف فاطمة وهي ترتمي في أحضان زكريا تبكي لا تعرف لِمَ ؟؟؟؟ بينما هو يقبل رأسها بسعادة كبيرة واخيرا يستطيع النوم دون أن يحلم بها تبكي أو يتردد صراخها في أذنه ....انتبه زكريا بعينه لهادي الذي غمز له بفرحة كبير فقد عمل هادي طوال الأيام السابقة على الذهاب لكل أهالي الضحايا الذين وجد لهم فيديوهات في حاسوب مصطفى واقنعهم جميعا بتقديم بلاغات ...منهم من استجاب والبعض اتخذ الجبن ذريعة تحت غطاء أن الأمر انتهى ولن يقوموا بفضح ابنتهم ...وكأنه ما يفعلونه ليس فضحا ...ومع البلاغات الكثيرة حُكم واخيرا على الثنائي بمؤبد ....

ابتسم هادي وهو يشاهد العساكر يسحبون الشابين وصرخات جمال تكاد تصم الآذان وهو يترجى والده أن ينجده من تلك المصيبة فأي مؤبد هذا الذي سيقضيه داخل جدران السجون ...بينما كان مصطفى يسير وهو يشعر وكأنها النهاية صوت صراخات والدته وبكاءها وهي تندب حظها وتنعيه يكاد يقتله ...انحرف بعينه قبل أن يسحبه العسكري ليرى انهيار والدته داخل أحضان جمال الذي حاول السيطرة عليها وهي تكاد تسقط ارضا من حزنها وصدمتها في ابنها ......

كان رشدي يبتسم بسعادة وهو ينظر لرفيقه ولتلك البسمة والتي واخيرا خرجت من قلبه كما كان يحدث قديما ....

خرج الجميع من المحكمة والضحكات تعلو الوجوه والشباب جميعا يهللون ...فقد كان كلا من زكريا وهادي ورشدي يضعون ايدي بعضهم البعض على كتف الاخر وهو يحركون قدمهم وكأنهم يرقصون وهم يهبطون الدرج يغنون بصوت عالي وكأنهم خرجوا من زفاف للتو ....

وبمجرد أن اطل الجميع للخارج حتى انطلقت الزغاريد لتكمل الجو الذي كان منتشر بينهم والتي تبين انها تخرج من فم كلا من ماسة و وداد اللتان جائتا رفقة فرج وشيماء و لؤي والسعادة تعلو الوجوه ....

ركض الجميع صوب فاطمة والبسمات تعلو الوجوه وكأنهم في إحدى المناسبات السعيدة.................

________________

بعد شهر من تلك الأحداث :

" سأشتاق لكما كثيرا يا الله كيف سأعيش دونكما ؟؟؟"

بكت بثينة أكثر وهي تبتعد عن أحضان فرانسو تضم ماريانا بحزن شديد تهتف لها بفرنسية جيدة إلى حد ما :

" حبيبتي لا تقلقي انا أخبرت فرانسو أننا سنأتي لزيارتك كل فترة ...صحيح فرانسو ؟؟؟"

أنهت حديثها وهي ترمي فرانسو بنظرات رجاء ليبتسم لها فرانسو وهو يهز رأسه موافقا ....ثم انحنى حاملا الطفل الذي كان مشغولا بالالعاب بيده ليقبله فرانسو بشدة :

" نعم هذا صحيح فأنا لن اتمكن من الابتعاد عن الصغير كثيرا "

ابتسمت لهما ماريانا ثم قالت مجددا بحنين :

" سأكون في انتظار ذلك الوقت حقا "

ابتسم فرانسو وهو يستمع لنداء الطائرة المتوجهه لمصر لذا مد يده لها بالصغير بعدما قبله قبلة كبيرة ...ثم ابتعد يضم إليه بثينة مودعا ماريانا وتوجه الاثنان لبوابة التفتيش ومازالت بثينة شاردة بعد الوقت ليقول فرانسو بتعجب :

" سرحانة في ايه يا قلبي ؟؟؟"

نظرت له بثينة بقلق وتوتر قد بدأ يسري بجسدها الذي كان يرتجف :

" خايفة ....خايفة ارجع واواجه الكل بعد كل اللي عملته ..."

صمتت قليلا تتذكر ما فعلته وهي تقول بدموع :

" انا ...انا كنت هكفر واعمل عمل و...."

قاطعها فرانسو سريعا وهو يجذب رأسها لصدره بنعنف يصمتها عن قول تلك الحماقات وهو يردد بحزم :

" اول واخر مرة يا بثينة سامعة؟؟ اول واخر مرة تقولي كل ده ...انتِ كنتِ مريضة وكل اللي حصل ده كان شبه بدون إرادتك وعقلك الباطن مكنش واعي للي بتعمليه ده غير انك توبتي لربك يا قلبي وكمان فاكرة الشيخ قال ايه ؟؟؟ قال كويس إن العمل محصلش للبنت والا وقتها كان هيبقى الموضوع اكبر "

بكت بثينة أكثر وهي تحاول أن تسامح نفسها :

" بس ده ده قالي أنه من الكبائر ووو....."

قاطعها فرانسو وهو يعلم إلى أين سيصل هذا النقاش الذي كانت تفتحه منذ ذهبت لشيخ أحد المساجد وعلمت توابع فعلتها :

" من الكبائر والمحرمات والسبع الموبقات بس كمان متنسيش يا قلبي أبواب رحمة ربك دايما مفتوحة ومتنسيش كمان إن ربك بيطمنئك ويقولك {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ﴾ [طه: 82] "

هزت بثينة رأسها وهي تصدق على حديثه ثم ابتعدت عنه بسرعة وهي تسمع النداء الاخير المتوجهين لمصر ...اشتاقت كثيرا للجميع وتود لو تطير الان إليهم بسرعة لذا أمسكت يد زوجها الحبيب الذي عانى كثيرا معها ورأى ما لم يتحمله غيره... طوال ذلك الشهر كان دائما ما يحاول مساعدتها ليعالجها من تلك الحالة التي كانت بها بل وإنه كان احيانا يأخذها لإحدى الصديقات في نفس المجال حتى لا تخجل منها كما تفعل معه في بعض الأحيان ....ابتسمت وهي تراه يلوح بالاوراق الخاصة بهما بعدما تسلمها من الشرطي المسئول عنها :

" وها قد انتهينا ..هيا يا حلوتي "

" والله ما فيه حلويات غيرك "

تحدث فرانسو بتعجب وقد اقترب منها :

" قولتي ايه ؟؟؟"

" ولا حاجة يلا عشان نلحق الطيارة "

ابتسم لها فرانسو وهو يمسك يدها يتحرك معها وهو يميل عليها هامسا :

" لكم انا متحمس حتى اعود واتمم زواجي بكِ يا جميلة ......."

____________________________

" زكـــــــريـــــــــــا "

انتفض زكريا من جلسته برعب وهو يضع مصحفه على الطاولة جانبا ثم ركض صوب المطبخ حيث توجد هي زوجته وحبيبته الجميلة ....يصرخ برعب :

" ايه ؟؟؟ حصل ايه ؟؟؟؟ "

كام يصرخ بهلع شديد وهو يظن أن شيئا خطرا قد حدث معها لكن بمجرد أن خطت قدمه للمطبخ حتى انزلق فجأة على أرضية المكان ليسقط بعنف شديد على ظهره وتصدح صرخاته في الشقة كلها ....

فتحت فاطمة عينها بصدمة وهي تنظر له ارضا يتأوه بعنف لا يستطيع التحرك ......

" ربـــــــــاه كُسر ظهري "

ابتسمت فاطمة فجأة بعدما كانت ملامحها مرعوبة وهي تقول بحنين ضامة يديها جانب وجهها تسرح خيالها في ذكريات قريبة :

" يااه تصدق الكلمة دي وحشتني اوي ..فاكر يا زكريا فاكر لما كنت دايما تقولها زمان كل ما تشوفني "

ابتسم زكريا بسخرية وهو يحاول النهوض لكن الارض أسفله لا تساعده على ذلك :

" نعم صحيح كنت اقولها من كثرة المصائب التي تتقاذف على رأسي كلما لمحتك "

انمحت بسمة فاطمة بحنق شديد وهي ترمقه بغيظ متفاجئ :

" لا لحظة كده هو إنت مش كنت بتقول الكلمة دي من جمالي ؟؟؟ يعني فكرتك بتقول في بالك ...رباه ايه الجمال ده ياربي "

توقف زكريا عن محاولة النهوض وهو ينظر لها يرفع طرف شفتيه لأعلى بحنق كبير لا يصدق حقا ما تقوله تلك الغبية أي جمال هذا ؟؟؟ هو حتى لم يعرف كيف تبدو سوى بعدما جائت لمنزله مع والدتها ....

زفرت فاطمة بضيق وهي تتجه نحو إحدى الأواني تحملها وهي تقول ببسمة ارتسمت سريعا على وجهه :

" اه صحيح نستني كنت بنادي عليك ليه ؟؟؟"

قالت بحماس شديد وهي تتجه له تحمل الطبق الكبير بيدها :

" بص وانا بعمل الكيكة لقيت بيضة فيها صفارين "

" سبحان الخالق ..لا فعلا تستاهل ينكسر ضهري عشانها مش عارف كنت هنام الليل ازاي من غير ما اشوف البيضة أم صفارين"

ردد زكريا بسخرية وهو يحاول النهوض ليجد فاطمة تقترب منه سريعا وهي تشير للطبق قائلة بلهفة :

" بص اهي صفاريــ......"

لم تكمل كلمتها وكانت فجأة تسقط ارضا وهي تسقط الطبق الذي في يدها على وجه زكريا الذي وللمرة الثانية تعلو صرخته في المنزل :

" ربـــــــاه ....اغثيني يا وداد "

كان يتحدث وهو يزحف برعب خارج المطبخ قبل أن تقتله هذه المرة صارخا بخوف :

" ساعدوني ...النجدة ...النجدة "

راقبت فاطمة خروجه بتلك الطريقة وهي تقول بحزن ترمق الأرض حيث سقط البيض :

" البيضة وقعت في الأرض وباظت "

أنهت حديثها وهي تنهض بحذر تحضر ممسحة الأرض تمسح ما سقط ارضا بحسرة، لكن فجأة انمحت تلك النظرة من عينها وهي تتذكر أن اليوم هو زفاف كلا من هادي ورشدي واخيرا .......ارتمست بسمة حنين على وجهها وهي تسرح بخيالها لذلك اليوم الذي حصلت فيه على اكبر هدية في حياتها ..يوم أصبحت زوجة لزكريا بكل ما تعنيه الكلمة ....

كانت تجلس أمام المرآة وهي تشعر بضربات قلبها تتسارع لا تدري حقا هل هي قادرة على ذلك ؟؟؟ هل ستستطيع أن تفعل ذلك ؟؟؟ خرجت من شرودها بفزع وهي تسمع صوت فتح الباب بعنف شديد يتبعه زغاريد عالية من ماسة وشيماء وضوضاء عالية تتبعهما ...

" انهاردة فرحي يا جدعان ...عايز كله يبقى تمام "

ابتسمت فاطمة لماسة وهي تراقب حركاتها الراقصة فقد كانت تقفز في أرجاء الغرفة كما لو أنه زفافها هي ...

اتجهت شيماء لفاطمة بسعادة كبيرة وهي تطلق زغاريد عالية تضمها بحب :

" مبارك يا حبي مبارك والله قلبي بيتنطط من الفرحة وكأنه فرحي انا "

بكت فاطمة من التأثر لتأتي ماسة سريعا تبعد شيماء بعنف حتى كادت تسقط ثم أمسكت فاطمة من كتفها تخبرها بكل جدية وحسم :

" بت أنتِ شغل العياط والهبل بتاع العرايس ده ميتعملش سامعة ؟؟؟ أنتِ تقومي دلوقتي ترقعي زغروطة وترقصي لما وسطك يقع ...مش فاهمة ايه الهم ده ؟؟؟ ده انا يوم فرحي هروح انا اللي اجيب رشدي من صالون الحلاقة "

أطلقت فاطمة عدة ضحكات على حديث ماسة تتخيلها وهي تقف أمام السيارة بفستانها تحمل بوكيه من الورد وتنتظر أن يطل عليها رشدي من صالون الحلاقة كما تقول ....

دخلت منيرة للغرفة سريعا وهي تقول ببسمة تحاول منع دموعها :

" فاطمة يا قلبي عريسك تحت مستني عشان ياخدكم الكوافير "

ابتسمت فاطمة بتوتر، لكن لم تكد تتحدث حتى وجدت ماسة تمسك يدها ساحبة إياها للاسفل سريعا وخلفهما شيماء تحمل حقيبة بها كل ما قد يحتاجونه ثم اتجه الجميع للاسفل حيث كان يقف كلا من زكريا وهادي ....

بمجرد أن خطى الجميع خارج بناية فاطمة حتى توقفت ماسة عن السير وهي تنظر لمن يقف أمامها بحنق شديد :

" ايه ده فين رشدي ؟؟؟"

نظر زكريا لفاطمة لا يرفع عينه من عليها :

" رشدي بيظبط مكان الفرح مع الرجالة "

اغتاظت ماسة بشدة من حديث زكريا ثم قالت باعتراض مشيرة لهادي الذي لم يتوقف ثانية عن الغمز ومشاكسة تلك الشيماء الخجولة جوارها :

" يا سلام واشمعنا يعني هادي ميعملش كده ؟؟؟؟"

لم يهتم لها هادي وهو يفتح السيارة لشيماء يقول ببسمة :

" يلا يا قمر عشان منتأخرش "

ضحك زكريا وهو يسحب فاطمة بعيدا عن الجميع تاركا ماسة تكاد تحترق في أرضها .....

نظر زكريا لفاطمة قليلا وهو يتحدث بهدوء وحنان وتلك البسمة المعتادة منه قد عادت للارتسام على وجهه :

" ما بها جميلتي ؟؟؟ أخائفة أنتِ ؟؟؟ "

رفعت فاطمة نظراتها بتوتر لزكريا وهي تفرك يدها تسمع صخب قلبها :

" شوية ...متوترة مش خايفة يا زكريا ...انا عمري ما اخاف طول ما انت جنبي "

" اه ...رفقًا يا صغيرة فهذا القلب قد نال ما يكفيه اليوم حقا "

ابتسمت له لتتسع ابتسامته وهو يردد يجب شديد :

" اشعر بقلبي يرقص فرحا بالداخل ...يا الله لو تعرفين مقدار الفرحة التي تسكنني الان "

ابتسمت فاطمة أكثر وهي تقول له للمرة التي لا تعلم عددها :

" زكريا انا بحبك "

" حسنا جميلتي ...ردي سيصل لكِ اليوم "

أنهى حديثه بغمزة وهو يسحبها مع للسيارة ثم تحرك الجميع صوب الـ " كوافير " للاستعداد لذلك الزفاف الذي كانت جميع بيوت الحارة في ترقب له والمكان كله يُغطى بالاضواء .........

هبطت الفتيات من السيارة ثم تحرك الجميع صوب المكان سريعا ليتحرك هادي بسيارة ابراهيم " والد رشدي " صوب الحارة حتى يبدأوا في اعداد زكريا للمناسبة السعيدة ...كان يتحرك بالسيارة بسعادة كبيرة وكأنه يرقص بها ...

ابتسم زكريا وهو يلمح مقدار السعادة على وجه هادي ليقول بمزاح :

" براحة يا هادي خليني اوصل سليم "

ابتسم هادي وهو يردد بسعادة كبيرة جدا و صادقة.... لا يصدق أن اليوم زفاف رفيقه وأخيه واقرب الأشخاص لقلبه هو ورشدي بعد كل ما عاناة :

" براحة ايه ؟؟؟انا لو اطول انزل اشيل العربية وارقص بيها هعمل كده "

ضحك زكريا بشدة وهو يحاول امساك دموعه عن الهبوط ليقترب فجأة من هادي و يضمه سريعا هامسا بصدق :

" انتم ثروتي يا هادي اقسم انني لا امتلك أثمن منكم يا رفيقي "

ابتسم هادي له وهو يتوقف بسيارته أمام محل والد زكريا ثم هبط سريعا يتجه لمقعده بسعادة كبيرة وهو يشير له ليهبط :

" انزل يلا خلينا احضنك حضن عدل "

ضحك زكريا وهو يهبط سريعا يرتمي في أحضان أخيه ورفيقه بينما هادي كان يدمع من التأثر وهو يربت على كتف زكريا هامسا :

" مبارك يا صاحبي ...مبارك "

ابتسم له زكريا وهو يبتعد عنه لينتبه كلا منهما لصوت جوارها يصيح :

" يمين يا كابتن تعالى يمين اكتر ...لا بص انزل انا هطلع اعملها "

وبالفعل هبط الشخص من الدرج وصعد ذلك الذي كان يتحدث وهو يمسك فرع من الإضاءة يضعها كما يريد ....نظر الاثنان بصدمة له ليقول هادي بتعجب :

" جمال ؟؟؟؟"

انتبه جمال الذي كان معلقا أعلى الدرج لصوت هادي ليقول ببسمة وهو يعدل من وضع الإضاءة :

" اصبر يا هادي هعلق الفرع ده وانزل ؟؟؟"

لم يصدق زكريا أنه أتى حقا فهو عندما أخبره بيوم زفافه كان فقط كواجب آداه لم يعتقد أنه قد يأتي بعدما حدث لأخيه ....

" انت جيت ؟؟؟"

كان سؤالا متعجبا حرج من فم زكريا دون وعي ...

تحدث جمال بعدم فهم وهو يهبط الدرج بعدما انتهى مما يفعل :

" ايوة هو مش إنت عزمتني اجي ؟؟؟ بعدين الواد ده قالي انكم اخواتي ولا ايه ؟؟؟؟"

كان يتحدث مشيرا لرشدي الذي كان يحمل أحد المقاعد مع بعض الرجال ...فتح زكريا فمه بغية إجابته لكن قاطعه جمال وهو يقول ببسمة حزينة بعض الشيء :

" وانا الصراحة الفترة دي بقيت مقطوع من شجرة مليش غير امي فقولت امسك في العرض ده واعمل نفسي اخوكم واجي أرتب الفرح وجبت امي معايا هي دخلت دلوقتي عن الستات جوا "

أنهى كلامه ببسمة وهو ينتظر اجابتهما والتي أتت في شكل عناق مفاجئ من زكريا وهادي ...ليهتف هادي بفرحة كبيرة :

" واخيرا حد جه يرحمنا من رشدي اللي كل ما حد يكلمه يقوله انا الكبير ؟؟؟ خلاص من انهاردة فيه كبير تاني "

ضحك جمال بتأثر وهو يبادلهما العناق هامسا بنبرة خافتة :

" افهم من كده انكم قابلني بينكم ؟؟؟"

تحدث زكريا سريعا ببسمة حنونة :

" زي ما هادي قال بقيت انت الكبير في الشلة دي ...بس هو إنت كام سنة صح ؟؟؟"

ابتعد الجميع عن أحضان جمال ليقول جمال ببسمة :

" ٣٠ سنة "

ابتسم له زكريا وهو يردد بحنان متأصل في فطرته :

" اطال الله بعمرك يا اخي "

لم يكد جمال يجيبه حتى وجد الجميع رشدي يتقدم منهم وهو يصرخ بغضب :

" أنت وهو لسه واقفين ليه ؟؟؟ ما تتنيلوا ادخلوا المحل خلينا نجهز الاستاذ "

ابتسم هادي بسخرية وهو يشير لرشدي بحنق :

" لا بقولك ايه متكلمناش كده ....انت اساسا مبقتش الكبير عشان تزعق وتتأمر لان جمال هو الكبير ..صح يا رجالة ؟؟؟ "

نظر له رشدي بملامح جامدة وهو ينظر خلفه بتعجب يحاول البحث عمن يتحدث عنهم هادي وهو يقول :

" كلام جميل بس هو فين اللي انت بتتكلم عليهم ؟؟؟؟"

نظر له هادي بعدم فهم ليستدير مشيرا لجمال، لكن لم يجد أحد خلفه ليهمس بحنق :

" اخص على اشكالكم شوية عرر "

أنهى حديثه وهو يلتفت لرشدي مبتسما بغباء ولم يكد يفتح فمه ليجد رشدي يسحبه داخل المحل بحنق :

" يلا ادخل شوف بدلة زكريا اكويها ...."

تحرك هادي بحنق تحت دفعات زكريا ليرى زكريا يجلس على مقعد و لؤي يحلق له شعره رأسه قليلا ويهندم لحيته ...وعلى الكرسي المجاور كان يجلس فرج وهو يحمل مجلة ما يشير لصورة بها :

" اهي يا لؤي القَصة دي عايزة تعملها ليا "

اقترب هادي بفضول من فرج ينظر لتلك الصورة التي يشير لها ثم بعدها نظر لرأس فرج التي تكاد تخلو من الشعر وهو يقول بعدم فهم :

" دي هتعملها فين القَصة دي يا فرج ؟؟؟ في شعر رجلك ؟؟؟"

نظر فرج بغيظ لهادي بعدما تعالت الضحكات على حديثه :

" لا يا خفيف يا ظريف هعملها في شعري عشان كتب كتابي على ام اشرف "

صفق هادي بسعادة ثم أطلق بعض الصفير وهو يقول بمرح :

" ايوة بقى يا خلبوص ....بس مش شايف يعني يا فرج إن كثافة شعرك لا تسمح ليك بالقصة دي ؟؟؟"

نظر فرج في المرآة قليلا ثم قال ببسمة باردة مستفزة :

" لا مش شايف "

ضحك لؤي عليهما وهو ينحني ارضا ليصل عند لحية ابنه يهندمها بحنان شديد لا يصدق أنه الآن يجهز ابنه الحبيب والوحيد للزواج ...ابتسم زكريا وهو يرى دمعات والده التي تكاد تهبط لينحني وهو يقبل رأسه هامسا له :

" شكرا لك يا ابي ...على كل شيء فعلته لي سابقا ...شكرا على تربيتي بشكل افتخر به يا غالي "

هنا وسقطت دموع لؤي وهو ينهض ليضم رأس ابنه مقبلا إياها بحنان شديد هامسا بحب :

" حبيبي مش مصدق إن انهاردة فرحك يا قلبي "

ابتسم زكريا وهو يضم والده هاتفا بحب :

" انا وصلت هنا يا لؤي بفضل الله ثم دعواتك انت وست الكل واكيد مساعدة الشباب "

أنهى حديثه وهو ينظر لأصدقائه بفرحة ليبادله الجميع البسمة ....

تحدث هادي ليقطع حالة الشجون تلك :

" بعدين ما تنساش يا حاج لؤي إن الاسم اللي سميته لزكريا والموسيقى بين اسمكم دي هي اللي عرفتنا على بعض ولا ايه ؟؟؟"

ضحك رشدي بعنف وهو يتذكر كيف تعرف عليهما :

" رفيقا الكفاح "

تحدث جمال بعدم فهم بعدما كان يختار كارفات مناسب لبذلة زكريا :

" ايه ده مش فاهم ازاي ده ؟؟؟"

ضحك هادي بشدة وهو يشير لزكريا :

" أنت ما اخدتش بالك من الاسم ؟؟؟ الاستاذ اسمه زكريا لؤي ..شوفت جبروت أبوه "

ضحك جمال بشدة ليس على الاسم بل على طريقة هادي وملامحه وهو يخبره الأمر ليرى هادي يشير لرشدي الذي حذره :

" تعرف اسم رشدي ايه ؟؟؟"

تحدث جمال بتعجب من السؤال :

" رشدي ابراهيم "

" لا رشدي أباظة ابراهيم "

أنهى هادي حديثه وهو يسقط ارضا من الضحك على ملامح الحنق في وجه كلا من زكريا ورشدي ليقول رشدي بسخرية :

" تعرف الاستاذ اسمه ايه ؟؟؟"

كان جمال يضحك بصخب أثناء حديثهما لا يستطيع تحمل الأمر ليقول رشدي بسخرية :

" الاستاذ اسمه هادي عبدالهادي المهدي ...تقريبا الحاج الله يرحمه كان عايز يأكد على حاجة معينة، لكن للاسف محصلتش "

هنا وانفجرت قهقهات جمال على الجميع ليشاركه الكل في تلك الضحكات ....وبعدها بدأ كل واحد منهم يقوم بعمله في جو من السعادة والفرح .........

اتى المساء حاملا مع بذور السعادة ليغرسها في قلوب الجميع فها هو اليوم واخيرا حان وقت اتحاد القلوب بعد وقت طويل من المعاناة .....

كان يقف أمام المكان الذي يوجد به قلبه ينتظر بترقب شديد أن تطل عليه بهيئتها البهية ...و ها هي وكأنها استمعت لأفكاره تخرج بخطوات بطيئة من المكان بهيئة جعلته يحبس أنفاسه وهو يردد دون وعي :

" تبارك الرحمن "

كان يتنفس بسرعة وهو يتجه صوبها بتمهل شديد لا يصدق أنها واخيرا أصبحت ملكه وستقطن معه تحت نفس السقف ....وقف أمامها وهو يتأمل وجهها الذي كانت تخفصه ارضا بخجل لينحني هو قليلا حتى يصل لها :

" والآن فقط علمت سبب اختفاء القمر ...ربما خشي أن يقارنه الجميع بكِ فيخسر تلك المقارنة جميلتي ...فوالله أن جمالك قد تخطى كل جمال في عيني أشعر بقلبي يصارع للخروج "

ابتسمت فاطمة وهي ترفع رأسها واخيرا تواجهه هامسة :

" انا بحبك اوي "

ضحك زكريا بشدة عليها فهي كلما شعرت بالخجل من حديثه أو توترت تقول تلك الكلمة ...فهي أضحت ملجأ لها في تلك المواقف ...اقترب منها زكريا يقبل جبينها بكل الحنان الذي يمتلكه في قلبه هامسا لها :

" حسنا قد لا أجد يوما إجابة على كلمتك تلك، لكني والله يشهد أنني متيم بكِ حتى أنني تخطيت تلك الكلمة منذ زمن "

ابتسمت له فاطمة وهي تحاول منع دموعها من الهبوط .....

ابتسم زكريا وهو يمد ذراعه لها لتتمسك فاطمة به وهي تسير جواره لا ترفع عينها من عليه تتبعها زغاريد والدتها وماسة وشيماء ...

بينما بدأ الشباب في ضرب الدف بعيدا عن النساء قليلا و رشدي غني بصوت جهوري بديع يردد خلفه جميع الرجال في زفة جعلت أعين فاطمة تلتمع بالدموع فهي في الأساس لم تتخيل أن تتزوج أحد كــ زكريا وفي زفاف كهذا .....

وصلت السيارات بعد زفة طويلة مبهرة إلى المكان الذي تم ترتيبه سابقا لتلك المناسبة ليهبط زكريا من السيارة وهو يمسك بيده فاطمة يسير بها بكل سعادة نحو المكان الذي تم تجهيزه للنساء بعيدا عن ضوضاء الرجال ....والذي كان في منزل فرج بعد أن اقترح فرج عليهم أن يستغلوا كبر مساحة منزله فهو الأنسب لتلك المناسبة وقد رحب ابنه البكر بذلك خاصة بعدما علم ما فعله الشباب لأجل والده اثناء سفره .....

ابتسم زكريا وهو يجلس رفقة فاطمة يشاهد فرحتها تلك وهي تراقص الجميع بسعادة كبيرة وتستقبل التهاني منهم كان يرمقها بأعين سعيدة فخورة بما وصلت له حبيبته القوية .....

حضر والد العروس ليهنأها لتتوقف فاطمة عن الرقص قليلا وهي تنظر لوالدها الذي كان يبكي بتأثر مما يراه، يعض أنامله ندما مما فعله بابنته، لكن وللمفاجأة وجد ابنته تركض صوبه وهي تلقي نفسها في أحضانه بحنين شديد متذكرة حديثها مع زكريا حول أمر والدها وقد أقنعها زكريا أن تعفو عنه فوالله هذه الحياة لا تستحق أن نعيشها بحزن أو غضب أو تكون هناك غصة بقلوبنا ....

بكى مرسي بشدة وهو يقبل وجه ابنته يعتذر لها بينما منيرة كانت تقف بعيدا وهي تمسح دموعها بتأثر وقد قررت أن تسامح هي أيضا زوجها ليس لأجلها بل لأجل ابنتها فقط ...فهي تستحق أن تجد دائما عائلة خلفها تدعمها كأي فتاة....

خرج زكريا بعد أن جلس قليلا رفقة فاطمة حيث الرجال، ليركض الثلاثة شباب صوب زكريا جاذبين إياه للرقص لتنقضي الليلة بين رقص وغناء وعزف وضحكات وتهاني من الجميع .....

وصل كلا من زكريا وفاطمة للشقة بعد دموع كثيرة من الجميع وكأنها مهاجرة ليس وأنها تسكن في الشقة التي تقع أسفل شقة عائلتها فزكريا منذ فترة وقد اشترى شقته في العمارة التي يمتلكها هادي وكذلك فعل كلا من هادي ورشدي لتصبح الثلاث منازل في نفس الطابق بتدبير من هادي الذي منع تأجير أو بيع أيا من تلك المنازل فهي كُتبت لهم منذ أن شبوا معا ........

" فاطمة ....فاطمة "

استفاقت فاطمة بفزع وهي تسمع صوت زكريا جوار اذنها تقول بحنق :

" ايه يا زكريا فزعتني يا اخي ..."

ابتسم زكريا وهو يستند بجسده على الرخام خلفه :

" كنتِ سرحانة في ايه ؟؟؟"

ابتسمت فاطمة وهي تنظر له ببسمة واسعة تقترب منه وهي تضم رقبته بحنان :

" كنت بفتكر في يوم جوازنا "

ابتسم زكريا وهو يغمز لها يضمها إليه أكثر :

" ايه رأيك نعمل فرح كمان مع العيال "

انطلقت ضحكة فاطمة ترج جدران المنزل ليقول زكريا بتأثر :

" افدى تلك الضحكة بعمري يا عمري "

استقامت فاطمة وهي تقول بغمزة تبعد قليلا عنها وهي تهمس :

" زوجي العزيز ربما لن نقوم بزفاف معهم في الاسفل، لكنني بالتأكيد سأقيم زفاف لنا هنا في الاعلى يا حبيبي "

" اوووه انظروا لتلك الجريئة ...لقد فسدت أخلاقك اميرتي "

" حسنا ربما يجب أن تعتاد هذا عزيزي "

أنهت كلماتها وهي تغمزه بمشاكسه ثم خرجت نحو غرفتها لتجهيز نفسها حتى تذهب مع الفتاتين للصالون ليبتسم زكريا وهو يضع يده على قلبه :

" غمزاتك كالسهام يا جميلة لذا توقفي عن قذفها لقلبي ........"

___________________________________

" وانهاردة فرحي يا جدعان عايز كله يبقى تمام ...وهتجوز هتجوز ..هتجوز هتجوز هتجوز هتجوز انا هتجوز هتجوز "

كانت شيماء تراقب حركات ماسة في الغرفة وهي تتحرك هنا وهناك تجمع الاشياء التي ستأخذها معها ...

ضربت شيماء كف بكف وهي تسمعها تردد نفس الكلمة وكأنها لا تصدق ما يحدث :

" يا عيني البنت مصدومة بقالها ساعة بتردد هتجوز وكأنها بتقنع نفسها "

ضحكت سحر وهي تراقب ابنتها وقد انتهت من إعداد حقيبتها التي ستنقلها لشقتها هي ورشدي مرددة :

" خليها تفرغ اللي جواها بدل ما تنفجر في الواد ويرجعها تاني "

ضحكت شيماء وهي تنظر لهاتفها تنتظر أي رسالة من هادي الذي لم يحدثها منذ الصباح ولا تعلم لماذا ؟؟؟ أليس اليوم زفافهما لما إذن لا يتصل ويتغزل بها ؟؟؟

" مش عارفة هادي متصلش لغاية دلوقتي ليه ؟؟؟ "

هكذا اخرجت شيماء كل ما تفكر به وهي تلوي شفتيها بضيق لتجيبها ماسة بعدم اهتمام :

" عادي يعني ما انا أباظة ما اتصلش بيا لغاية دلوقتي "

" ماسة حبيبتي اخويا اساسا متصلش بيكِ بقاله اسبوع يا حبه عيني معتزل الدنيا ويحاول يستوعب اللي هيحصل ليه "

نظرت لها ماسة ثواني قبل أن تهز رأسها بنعم مؤيدة حديثها :

" ايوة صح هو متصلش بيا من اسبوع ...يكونش خلص رصيد ؟؟؟"

قلبت شيماء عينها بملل ولم تكد تفتح فمها حتى وجدت الباب يفتح فجأة وصوت فاطمة يصدح في الأجواء مهللا ......

" العرايس الحلوين جهزتوا ؟؟؟؟ "

ابتسمت ماسة وهي تنظر لنفسها في المرآة :

" انا خلاص جهزت باقي بس ااااا......."

قاطع حديث ماسة رؤيتها لأحد يقف خلف فاطمة لتتغضن ملامحها فجأة وتنمحي بسمتها وكأنها لم تكن، وهي تنظر لذلك الضيف الغير مرغوب به أبدا ......

قبل ذلك الوقت بساعة ....

اجتمع الشباب الأربعة أمام منزل هادي وهم يجهزون لكل شيء حتى اقتحم ذلك الاجتماع الصغير صوت رجولي جذاب وهو يهتف :

" شكلي جيت في الوقت المناسب "

التفت الجميع بتعجب لذلك الصوت ليتحول التعجب فجأة لبسمة واسعة وهم يلمحون اقتراب فرانسو وبرفقته بثينة التي كانت تلتصق به بخوف وكأنها تساق للاعدام أو ما شابه .....

ابتسم فرانسو وهو يجذب بثينة من خلفه يقول :

" ايه يا حبيبتي ايه يا ماما هياكلوكِ ولا ايه؟؟ تعالى سلمي عليهم "

كانت بثينة تنظر من خلف فرانسو للجميع وهي تتمنى لو تنشق الأرض في التو واللحظة ثم تبتلعها بلا عودة تشعر بمرارة في حلقها لا تعلم كيف تنظر في أعينهم وهي قد كانت على وشك إفساد حياتهم ....

" ايه يا بوسي مش هتسلمي عليا ؟؟؟ "

كانت تلك كلمة هادي التي خرجت حنونة وهو يرى تخبطها وخوفها راقبها وهي ترفع عينها التي كانت تلتمع بالدموع تتحدث بصوت مكسور ومقهور :

" ازيك يا هادي "

ابتسم هادي باتساع يلاحظ نبرتها وطريقة حديثها نظراتها ...كل شيء بها تغير ...ابتسم وهو يراها تنظر لفرانسو وكأنها طفلة تستأذن والدها التحدث مع غرباء .

" هو ...هو انهاردة فرح مين ؟؟؟"

ابتسم رشدي وهو يتحدث معها بهدوء :

" فرحي انا وهادي عقبالكم "

ابتسم فرانسو وهو يرفع يده مؤمنا دعائه :

" امين يا خويا ...يسمع من بقك ربنا ..ما تيجي نعمله معاهم ؟؟؟"

كان يتحدث بجدية كبيرة وهو ينظر لبثينة وقبل أن تفتح فمها التحدث عاجله هادي حانقا وهو يخبره :

" ايه يا عسل هو سلق بيض ؟؟؟ جواز ايه اللي تعمله معانا ؟؟؟ اختي يتعملها فرح مخصوص و تجيب احسن فستان وتكون احلى عروسة ..ولا ايه يا بسبوسة ؟؟؟ "

هزت بثينة رأسها وهي تمسح دمعات تخللت بسمتها السعيدة من حديث هادي فيبدو من حديثه وصدق نبرته أنه سامحها وهي من ظنت أنها ستعيش حياتها كلها تعاني لنيل عفوه .....

ابتسم لها هادي ثم قال وهو يجذب فرانسو لهم :

" تعالى معانا انت عشان تتظبط وانتِ يا بثينة البنات فوق عند رشدي اطلعي وشوية والست اللي بتعمل ميكب دي هتجيلكم "

ابتسمت بثينة بفرحة شديد ثم نظرت لفرانسو الذي غمز لها محدثا إياها بالفرنسية وبنبرة مغوية :

" اذهبي حُلوتي سأشتاق إليكِ "

ابتسمت له بثينة وهي تخبره قبل أن ترحل سريعا :

" وانا ايضا "

رحلت بثينة سريعا صوب البناية التي يسكن رشدي ليتحدث رشدي بتعجب :

" أنت علمتها فرنساوي ؟؟؟"

هز فرانسو رأسه ببسمة ليسمع الجميع صوت زكريا الحانق وهو يردد :

" يا اخي النبي عربي يا اخي اتكلم نيلة عربي "

أنهى حديثه وهو يتركهم متجها صوب محل والده بغيظ شديد

" هو ماله ده ؟"

تحدث هادي بضحكة يجيب سؤال فرانسو :

" معلش أصله عنده حساسية من اللغات "

ضحك الجميع وهم يتبعون زكريا ليتحدث رشدي بحسرة :

" انا مش شايل قد هم ماسة لما تسمع فرانسو بيكلم مراته بالفرنساوي والله ما هتسيبني في حالي ....واحد يغازل بالفصحى والتاني بالفرنساوي "

أنهى حديثه ينظر لجمال :

" ها حضرتك حابب تضيف حاجة "

ضحك جمال بصخب وهو يغمز له :

" لا انا ليا لغتي الخاصة يا باشا بس تيجي هي "

_________________________

كانت ماسة تنظر لبثينة بغضب شديد لتسمع صوت صرخات شيماء وهي تركض صوبها بفرحة كبيرة تضمها بشدة وهي تبكي :

" بوسي ...واخيرا رجعتي وحشتيني اوي اوي اوي "

أبعدت بثينة نظرتها من على ماسة وهي تنظر بحب وحنان لتلك اللطيفة التي كانت تستحق منها معاملة افضل وحب أكثر لتبادلها العناق وهي تردد بحب صادق :

" شوشو وحشتيني اوي يا روحي ..مبارك ليكِ "

رفعت ماسة حاجبها بسخرية وهي تستمع لحديثها لترى أن فاطمة هي الأخرى اتجهت صوب بثينة ترحب بها كل ذلك وبثينة تبتسم لهن وهي تجاهد ألا تبكي فهي بغباءها كادت تفقد كل ذلك الدفء والحب ...ابتعدت بثينة قليلا عن الفتاتين وهي تقترب من ماسة تمد يدها بقلق :

" ازيك يا ماسة ؟؟؟ "

" احسن منك "

أجابت ماسة وهي تشيح بوجهها بعيدا عنها لتبتلع بثينة غصة استحكمت حلقها لتقول بخجل من ردها :

" يارب دايما ...مبارك ليكِ "

التفتت ماسة تنظر لها بتعجب لتلك النظرة تحاول إيجاد نظرة الخبث التي لطالما زينت نظراتها، لكن كل ما وجدته هو نظرة انكسار وصدق في عينها لتسمع همس بثينة لها وهي تضمها فجأة :

" انسي اللي فات يا ماسة وخلينا نبدأ من جديد ارجوكِ "

فتحت ماسة عينها بصدمة كبيرة وهي تنظر لتلك التي تتعلق في أحضانها وهي تردد بعدم فهم :

" هو فيه ايه ؟؟؟ "

" فيه اني مش عايزة أقضي الباقي من عمري في كره و زعل "

حاولت ماسة منع بصمة من الارتسام على وجهها وهي تقول :

" الاه ؟؟؟؟ هو الجواز بيغير اوي كده؟؟؟؟ "

أشارت بعدها لبثينة وهي تحدث شيماء :

" شوفتي عشان لما اقولك عايزة اتجوز تصدقيني ده انا هبقى بعد الجواز حمامة سلام ...طالما الجواز عمل كدة في بثينة تخيلي هيعمل فيا ايه ؟؟؟ مش بعيد ابقى داعية إسلامية "

ضحكت شيماء هي وفاطمة على حديث ماسة التي ضمت بثينة وهي تربت على ظهرها تهمس بفرحة لتغييرها ولاستوطان السلام في نفوس الجميع :

" حمدالله على سلامتك يا بوسي " ......

________________________________

في المساء أضحت الحارة مضيئة كما لو أنها نجمة ساطعة تتوسط السماء ....

كان رشدي يقف أمام المرآة في منزل هادي وجواره هادي الذي كان يلقي قبلات لنفسه في المرآة كمجنون وهو يتحدث ببسمة جذابة :

" دي شيماء هتموت من جمالي "

نظر له رشدي باشمئزاز وهو يعدل من وضع الكارفات ثم تحدث لجمال الذي يقف في الخلف :

" جمال هو زكريا فين ؟؟؟"

انتهى جمال من ربط حذاءه وهو يستقيم قائلا ببسمة سعيدة بما وصل إليه :

" خرج يرد على تليفونه و...."

قاطع حديث جمال زكريا الذي دخل وهو يقول ببسمة :

" جاهزين يا شباب ؟؟؟ البنات خلصت ومستنية "

ابتسم فرانسو وهو ينهض متجها لهم ثم لوح ببعض المفاتيح وهو يقول ببسمة :

" انا جهزت عربية انما ايه ؟؟؟"

ابتسم هادي والجميع وهم يتحركون نحو الأسفل والفرحة تكاد تجعلهم يطيرون من السعادة ......

____________________

كان الجميع يقف أمام المنزل ورهبة الحدث تطفي ليصمتوا ...انحنى رشدي قليلا على هادي وهو يتحدث بسخرية :

" ايه يا حبيبي رجعت في كلامك ولا ايه ؟؟؟ "

ابتلع هادي ريقه وهو يراقب شيماء التي كانت تتأبط يد ابراهيم بخجل ليهمس وهو يبعد وجه رشدي من أمامه :

" رجعت مين ؟؟؟ ده انا هاخد اختك دلوقتي ومش هتشوفنا غير ومعانا رشدي صغنن....."

فتح رشدي فمه بصدمة من حديثه وهو يراقبه يقترب من أخته ثم أمسك يدها من ابراهيم يقبلها بحنان وبعدها أمسكها هو وتحرك للاسفل متجاهلا تماما نظرة رشدي التي تكاد تحرقه حيا .....

ضحك ابراهيم على ما يحدث ثم صعد مجددا ليأتي بماسة التي كانت تكاد تطير فرحا فها هي وبعد سنوات طويلة ستزف لحبيب الروح ورفيق الحياة ..كانت تشعر بسعادة كبيرة لو وزعت على الجميع لفاضت وأكثر ...

تحركت للاسفل وهي تبحث بعينها عن رشدي الذي بمجرد أن لمحته حتى اتسعت ابتسامتها بشدة لتترك يد ابراهيم وترفع فستانها ثم ركضت على الدرج صوبه وهي تبتسم له ....ضحك رشدي بصخب على أفعالها ليلتقفها في أحضانه قبل أن تسقط بسبب طول الفستان واندفاعها :

" يخربيت سنينك ...طب حتى اعملي نفسك مكسوفة "

ضحكت ماسة وهي تعتدل ثم أمسكت بيده وهي تقول بحماس شديد :

" مكسوفة ؟؟؟ يا راجل دي كلمة تقولها بعد كل الوقت اللي كنا فيه سوا ؟؟؟"

هز رشدي رأسه بيأس يتبعها .....

كان فرانسو يرفع الكاميرا الخاصة به في حماس شديد ولهفة وهو يصور الجميع ليوثق تلك اللحظات لتقع عدسة كاميرته على حورية هاربة تتجه صوبه لينفخ انفاس حارة وهو يهمس :

" يا الله ماذا تفعلين يا امرأة ؟؟؟ كدتِ تقتليني للتو "

ضحكت بثينة بشدة وهي تتمسك به كطفلة صغيرة تتبعه في كل مكان وهو يتحرك ليصور الازواج وهي رفقته ...

ابتسم زكريا وهو يحدث والده :

" ايه يا لؤي هتاكل وداد بعينك "

ابتسم لؤي وهو يغمز له :

" بفكر اعمل فرح تاني مع فرج اخر الاسبوع ايه رأيك ؟؟؟"

ضحك زكريا بشدة وهو ينظر لوالده بيأس :

" يا راجل مش دي اللي كل خمس ثواني تقل مننا بسبب زعلها وتتمنى يرجع بيك الزمن وتصلح غلطتك ؟؟؟"

ابتسم له لؤي وهو يتجه صوب وداد غامزا :

" يا غبي الخناق ده محبة مننا "

هز زكريا رأسه وهو يكرر جملته باقتناع ليرفع ساعة يده أمام عينه بتعجب عدم نزول فاطمة حتى الآن فالجميع بالفعل هبط عدا هي ...كاد يتحرك بقدمه للاعلى لولا أنه تسمر فجأة وهو يراقب ملاك صغير يخرج من البناية لا يظهر منه شيء سوى عيون كحيلة تختبئ خلف نقاب ...تنفس زكريا بعنف وهو ينظر لعينها بتركيز شديد يكاد يقسم انها هي زوجته ليتأكد من ذلك وهو يسمع صوتها جواره :

" نمشي ؟؟؟"

تنفس زكريا بعنف شديد وهو ينظر لها بصدمة ...هي ارتدت النقاب ؟؟؟ كيف وهي حتى لم تخبره ؟؟؟ يالله كم جعلها جميلة كملاك صغير :

" فاتنة "

ابتسمت فاطمة بخجل وهي تقترب منه أكثر هامسة :

" عجبتك ؟؟؟؟"

ابتسم زكريا لها بسعادة وهو يردد بانبهار ممسكا بيدها :

" بل فتنتيني ...."

__________________________________

بدأت الاحتفالات ليبدأ الجميع في الرقص والضحك والبهجة تعلو ملامحهم حيث كان جمال يحمل على كتفه رشدي وزكريا بدوره يحمل هادي ...والأثنان يرقصان فوق الأكتاف بفرحة كبيرة ...

ضحك زكريا وهو ينظر للاعلى يراقب فرحة رفيقيه وهو يشكر الله في قلبه على هذه النعمة وعلى تلك السعادة التي تشع من وجوه الجميع ...

" خف نفسك يا هادي لاحسن شوية وانا وانت هنلزق في الأرض .."

بينما في الداخل عند النساء كانت كلا من ماسة وبثينة تتنافسان في الرقص وكلا منهما قد ابدعت حقا في الأمر والضحكات تعلو من كل مكان ...بينما تولت النساء أمر توزيع المشاريب والحلوى على النساء ...

وبعد مرور ساعة تقريبا سمع الجميع صوت فرج يستأذن الدخول ...انزلت فاطمة نقابها بسرعة واعتدلت جميع الفتيات والنساء ليدخل فرج وهو يدعوهم للمجئ لالتقاط صورة لهم جميعا ....

وبالفعل خرج الجميع ليجدوا أن فرانسو كان يلتقط بعض الصور للاربعة شباب في أوضاع مضحكة ثم بعدها بدأ يلتقط صور لكل زوج وبعدها أعطى الكاميرا لهادي ليلتقط له صورة مع بثينة وهو يضمها بحنان ...

ابتسمت بثينة وهي تنظر للكاميرا تستعد لالتقاط الصورة ثم نطقت فجأة ببسمة :

" بحبك "

تيبست يد فرانسو فجأة على كتفها وتحولت بسمته بصدمة وهو يستدير له هامسا بتعجب :

" ايه ؟؟؟؟"

وعند هذه اللقطة أخذ هادي الصورة لهما ليصيح هادي بحنق :

" اتعدل يلا "

لكن فرانسو لم يهتم له وهو يلوح بيده وهو يقول لبثينة بتوتر :

" انا سمعتك صح ؟؟؟ يعني أنتِ قولتي اللي أنا سمعته فعلا ؟؟؟"

ضحكت بثينة بشدة وهي تتجه للفتيات قائلة قبل أن ترحل :

" ايوة يا فرانسو انت سمعت صح "

أنهت حديثها وهي تقف جوار الفتيات يراقبن تراقص الشباب سويا ومعهم فرج الذي كان يرقص بسعادة كبيرة وكأنه زفاف ابنه هو وللحق كانت سعادته صادقة من قلبه فهؤلاء الشباب كانوا ومازالوا اولاد له ...منذ طفولتهم فهم روح تلك الحارة حقا .....

انقضت السهرة ما بين ضحكات ورقصات وصيحات سعادة و هرج الشباب وهم يقذفون الاصدقاء للاعلى بسعادة كبيرة ...ليقترح فرانسو على الجميع أخذ صورة جماعية لذا سريعا اجتمع الجميع في الصورة بلا استثناء ليأخذ أحد شباب الحارة الكاميرا من فرانسو وينضم هو جوار زوجته ومعه جميع الأزواج وفرح وام اشرف التي عقد قرانه عليها من ايام وأشرف ابنها وايضا عائلة فرانسو كلها و عائلة جميع الشباب ليبتسم الجميع بسمة صادقة سعيدة ويتم التقاط الصورة لهم في مظهر مؤثر ....

بعد التقاط الصورة بدأ الجميع يستعد لرحيل الأزواج صوب المطار لتقضية شهر العسل ....

كان فرانسو لا ينزع عينه من على بثينة وهو يغمز لها كل ثانية ليجد فجأة أحدهم يمسكه من الخلف وكأنه امسك بلص ما ليرفع يده بسرعة وهو يصرخ :

" والله العظيم مراتي ..."

نظر له جمال بعدم فهم وهو يردد :

" مراتك ؟؟؟ مراتك مين ؟؟؟"

استدار فرانسو بغيظ لجمال وهو يبعد يده مرددا بحنق :

" فكرتك الزفت هادي يا عم ...فيه ايه؟؟ ايه المسكة دي ؟؟؟"

ابتسم جمال وهو يفرك شعره بحرج مرددا :

" معلش متعود المهم كنت عايز أسألك عن حاجة كده "

" حاجة ؟؟؟ حاجة ايه ؟؟؟"

ابتسم جمال بخجل شديد وهو يحاول ايجاد نقطة ليفتتح بها ذاك الأمر :

" هو الآنسة اللي كانت واقفة معاك و لابسة فستان اخضر فاتح دي تقربلك ؟؟؟"

نظر له فرانسو بعدم فهم :

" آنسة مين ؟؟؟؟ مش فاهم وضح "

اغتاظ جمال بشدة من غباء فرانسو وهو يهتف بغيظ :

" الأستاذة صابرين المحامية يا زفت تعرفها ؟؟؟؟"

صمت فرانسو قليلا يفكر :

" قصدك صابرين بنت خالي ؟؟؟ "

" هي بنت خالك ؟؟؟"

كان جمال يتحدث ببسمة واسعة يتذكر تلك السيدة العنيدة والجادة التي كانت تزور المركز الذي يخدم به في الآونة الأخيرة بسبب قضية كانت تدافع عنها وقد أعجب وقتها بجرئتها وقوتها في الدفاع و عنادها ...

" طب وهي مرتبطة ؟؟؟"

ابتسم فرانسو بخبث وهو يلمح ابنة خاله تقف في الخلف مع احمد تعنفه على شيء ما :

" لا مش مرتبطة بس بتسأل ليه ؟؟؟"

" لا ولا حاجة هطلع ليها بطاقة تموين "

أنهى جمال حديثه وهو يترك فرانسو ويرحل وهناك بسمة واسعة مرتسمة على وجهه تاركا فرانسو خلفه يطالعه ببسمة واسعة لا يصدق أنه واخيرا قرر أحدهم اقتحام قلعة صابرين وللحق لن يكون هناك أحد مناسب لها بقدر جمال ............

___________________________

دخل لمنزله بعدما اوصل الشباب بنفسه للمطار فقد قرر كلا من رشدي وهادي أن يقضوا شهر العسل سويا بعدما رفض زكريا مرافقتهم مقترحا أن يظل هو هنا يهتم بالجميع في غيابهم ....

دخل للمنزل ليقابله صمت انبأه بنوم فاطمة ليزفر بتعب شديد وهو يتجه صوب غرفته ينير الاضواء ليتفاجأ بالغرفة مزينة بشكل بديع وكأن اليوم زفافه هو ...ليتذكر كلمات فاطمة وهي تخبره أنها ستجعل من اليوم زفاف له أيضا ...ابتسم بحب وهو يمرر نظره في أرجاء الغرفة يبحث عنها ...

ليجدها فجأة تخرج من المرحاض وهي ترتدي الاسدال تبتسم له بسمة سلبت لبه ثم اتجهت صوبه سريعا تتعلق برقبته وبعدها قبلته قبلة صغيرة تهمس له بحب :

" انا اتوضيت ومستنياك عشان تصلي بيا القيام "

ابتسم زكريا لها بحنان وهو يربت على رأسها بحنان يتذكر حبها دايما لأن يأم هو بها الصلاة تحب دائما أن تستمع لصوته في تلاوته القرآن...

هز رأسه وهو يتجه صوب المرحاض ثم غاب به لدقائق قبل أن يخرج وقد بدل ثيابه ثم اتجه صوبها ببطء يبتسم لها بسمته المعتادة؛ بسمته التي تخرج منه خصيصا لها هي ...

" نصلي يا اميرتي ؟؟؟ "

ابتسمت له فاطمة وهي تقف خلفه ونفس الراحة التي سبق وشعرت بها يوم زواجها تغشاها الآن ...هل يعقل أن يكون الامان متعلق بشخص؟؟ إن وجد وجد الامان وإن غاب ضاع معه الامان ؟؟؟

كانت فاطمة تصلي خلف زكريا وهي تستمع لتلاوته ليهتز قلبه من خشوعه في الصلاة وقراءة القرآن ....

أنهى الاثنان الصلاة ليستدير زكريا ويجد أنها بعدما انتهت من الصلاة سجدت مجددا تدعو ربها لتطيل في سجودها ..ابتسم في حنان وهو يجدها ترفع رأسها ووجهها ممتلئ دموع لذا دون قول كلمة واحدة فتح ذراعيه يدعوها للاقتراب منه عله يمدها ببعض دفء قلبه ....

ومن دون أي تردد كانت فاطمة تلقي نفسها في أحضان زكريا وهي تتنهد براحة كبيرة تهمس له :

" زكريا "

" قلبه "
ابتسمت فاطمة وهي تتحدث بخفوت :

" بعد شهور بس هيكون فيه معانا شخص كمان في الصلاة "

انكمشت ملامح زكريا بتعجب ليتحدث وهو يبعد الحجاب عن رأسها يفرك شعرها بحنان كما اعتاد بعدما أدرك أن تلك الحركة تريحها وبالفعل أغمضت فاطمة عينها براحة كبيرة تنعم بتلك اللحظات الجميلة رفقته

" شخص كمان مين ؟؟؟"

" شخص صغير شبهك "

تعجب دام ثوانٍ قبل أن يفتح زكريا عينه بصدمة وهو يبعد فاطمة بسرعة يهمس لها مبتلعا ريقه :

" طفل ؟"

هزت فاطمة رأسها بنعم وهي تراقب تعابير وجهه التي تتابعت من الصدمة لعدم التصديق للسعادة وهو ينهض فجأة كالملسوع :

" طفل ؟؟ طفل صغير ؟؟؟ يعني انا هيكون عندي طفل ؟؟؟ مين قالك ؟؟"

نظرت له فاطمة بصدمة ثم انفجرت ضاحكة على سؤاله وهي تشير لبطنها :

" مين اللي هيقولي يعني يا زكريا ؟؟؟ هو في بطني يعني هحس بيه ...بعدين انا من كام يوم عملت تحاليل لاني شكيت والتحاليل أكدت ليا الموضوع "

بكى زكريا من السعادة وهو يجذب فاطمة لاحضانه يدور بها في سعادة كبيرة يصرخ بها أنه سيصبح أب لا يصدق الأمر حقا وهي كانت تتعلق في رقبته تضحك بصخب كبير على حديثه وسعادته تلك تشكر ربها على تلك الشعلة التي انارت ظلمتها في وقت قد بدأت تعتاد فيه الظلام فبعد كل تلك السنوات في حزن جاء هو حبيبها وسندها وكل ما لها في هذا العالم جاء بعدما أغلقت محراب قلبها وقد أصبح مهجورا ...جاء هو ليتربع على عرشه دون حتى أن تسمح له ...بل اقتحمه اقتحاما ليصبح شيخ في محراب قلبها .......

واتضح في النهاية أن الطريق الصعب المخيف لا يحتاج سوى رفيق ..صحبة ...عائلة...بسمة من القلب....حب صادق ...عناق دافئ ..بهذا وهذا فقط يمكنك عبور حتى أكثر الطرق ظلمة .....
ياريت رايكم بكلمه عشان نستمر🌹
تمت بحمد الله

 لقراءة باقي الفصول اضغط على : ( رواية شيخ في محراب قلبي )
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-