رواية عروس من باريس الفصل الثاني 2 بقلم سارة علي

 رواية عروس من باريس الفصل الثاني 2 بقلم سارة علي

رواية عروس من باريس البارت الثاني

رواية عروس من باريس الفصل الثاني 2 بقلم سارة علي


رواية عروس من باريس الجزء الثاني 

الفصل الثاني
في مطار القاهرة الدولي ..
كانت ليديا تحمل حقيبتها وهي تتجه نحو بوابة المطار الخارجية ... اتجهت نحو احدى سيارات التاكسي حيث استقبلها السائق وحمل الحقيبة عنها ووضعها في صندوق السيارة بينما جلست ليديا في الخلف وجلس هو في مكانه وسألها :
" على فين العزم ..؟!"
ابتسمت ليديا وقالت بلهجة مصرية غير صحيحة :
" أنتَ يقصد نروح فين ..؟!"
اومأ السائق برأسه وهو يقول :
" عليكي نور .."
ردت ليديا بصعوبة :
" ممكن تاخد انا على أوتيل قريب شوية .."
" من عيوني .. بس عاوزاه فايف ستارز ولا اقل ولا ايه النظام ..؟!"
تطلعت اليه ليديا بنظرات حائرة ليحاول السائق التفسير لها :
" معاكي فلوس قد ايه ..؟!"
قالت ليديا :
" فلوس يعني money ..؟! صح ..؟!"
" تقريبا اه .."
ابتسمت ليديا وقالت :
" معايا شوية .."
اومأ السائق برأسه متفهما وقال :
"خلاص انا عرفت هاخدك فين .."
ابتسمت ليديا بغباء بينما اخذها السائق الى احد الفنادق المتوسطة في العاصمة ..
هبطت ليديا من السيارة وهبط السائق بدوره ليعطيها الحقيبة بينما اخرجت ليديا بضعة وريقات مالية واعطتها للسائق لينظر اليها السائق ببلاهة وهو يقول :
" ايه دي ..؟! انا عاوز فلوس مصرية .."
ردت ليديا بعفوية :
" انا معنديش غير باليورو .."
نظر اليها السائق بحيرة قبل ان يسألها بفضول :
" هو انتِ نظامك ايه ..؟! مصرية ولا اجنبية ..؟! الشكل اجنبي بحت واللهجة مصري مكسر .."
تطلعت اليه ليديا بعدم فهم خصوصا انه كان يتحدث بشكل سريع فحاول ان يشرح لها بتأني :
" انتِ مصرية ولا اجنبية ..؟!"
ابتسمت وهي تجيبه :
" نص نص .."
ابتسم السائق وهو يقول :
" طب بصي انتي لازم تجي معايا نصرف الفلوس دي ونحولها للجنيه المصري عشان تقدري تدفعي وتصرفي .."
تطلعت اليه ليديا بحيرة محاولة فهم كلماته بينما قال هو بجدية وهو يشير الى النقود :
" الفلوس دي لازم تبقى بالجنيه المصري .. العملة المصرية .."
فهمت ليديا كلماته فقالت بجدية :
" اوك .. نروح فين دلوقتي ..؟!"
اجابها بجدية :
" هاخدك على اقرب مكتب صيرفة نحول الفلوس واخد اجرتي وارجعك هنا .."
بالرغم انها لم تستوعب ما قاله الا انها ابتسمت بسذاجة وركبت في السيارة مرة اخرى حيث اخذها السائق الى اقرب مكتب للصيرفة ثم طلبت منه ليديا ان يشتري لها خط هاتف مصري كي تستطيع التحدث مع صديقتها .. عاد بعدها السائق الى الفندق حيث اعطته ليديا ما طلبه واستغربت انه لم يكن كثيرا ثم اتجهت ليديا الى داخل الفندق وطلبت لها غرفة بسيطة بثمن قليل نوعا ما .. اتجهت ليديا الى الغرفة وجلست على السرير بوهن قبل ان تبعث رسالة الى كريستين تخبرها انها وصلت وهي بخير .. فتحت حقيبتها واخرجت منها بيجامة بسيطة .. حملت البيجامة مع منشفة عريضة واتجهت الى الحمام الملحق بالغرفة حيث اخذت شاور سريع قبل ان تخرج وترمي بجسدها على السرير وتغط في نوم عميق ..
........................................................................
كان ادهم يجلس مع عليا في احد المطاعم الراقية يتناولان طعام الغداء ..
ابتسمت عليا وهي تقول :
" حبيبي كنت عاوزة اوريك حاجات هتعجبك ..؟!"
ابتسم وهو يسألها :
" حاجات ايه ..؟!"
نهضت من مكانها وجلست بجانبه ثم فتحت الهاتف الخاص بها واخذت تريه صور لمجموعة من الفلل الراقية ذات تصميم هندسي عالي الذوق ومساحة واسعة ..
تطلع ادهم اليها وسألها بالرغم من فهمه لما يدور في داخلها :
" انتي بتوريني الصور دي ليه ..؟!"
ابتسمت بتصنع وهي تقول :
" عشان نختار الفيلا اللي هنعيش بيها بعد الجواز يا حبيبي .."
ابعد الهاتف عنه وقال بهدوء :
" نختار ايه ..؟! اظن احنه متفقين اننا هنسكن فقصر العيلة مع اهلي .."
ردت بضيق :
" انا مش فاكرة اننا اتفقنا على كده .. "
رد هو ببرود :
" وانا مش فاكر انك طلبتي اننا نسكن لوحدنا .."
قالت عليا بجدية :
" دي حاجة بديهية مش لازم اطلبها .."
قال ادهم بنبرة جادة :
" شوفي يا حبيبتي .. انا يستحيل اسيب اهلي واسكن بعيد عنهم .. موضوع اننا نعيش لوحدنا تنسيه تماما .."
رمقته بنظرات باردة قبل ان تقول بجمود :
" يعني انت عايزنا نعيش فبيتكم اللي مليان ناس .. "
" ناس مين ..؟! مفيش غير عيلتي .."
قالها بجدية لترد بضيق :
" وهما عيلتك قليلة .. امك وابوك وحسام ومصطفى .. غير جدتي .. غير لبنى ونور اللي بيجوا دائما هما وعيالهم ويباتوا عندكم احيانا .. انت عاوزني استحمل كل دول وكمان العيال الصغيرة المقرفة .."
صاح بها ادهم بلا وعي :
" انتِ اتجننتي ولا ايه ..؟! لاحظي انك بتتكلمي عن اهلي .."
شعرت بفداحة ما قالته فتوترت وهي تقول بأسف شديد :
" انا اسفة يا حبيبي .. مكنتش اقصد والله .. بس انا حابة يكون لينا استقلاليتنا وحياتنا الخاصة بينا .. يعني نكون لوحدنا وناخذ راحتنا .."
ثم اردفت بنعومة :
" نعمل اجواء رومانسية .. البسلك حاجات تعجبك .."
رمقها بنظرات جامدة وهو يقول :
" انتِ عارفة اني مليش فالاجواء الرومانسية والحاجات التافهة دي .. انا مش بتاع الكلام ده .. اما اللبس فعندك جناحنا تلبسي بيه اللي يعجبك .. "
" يعني انت مصر على رأيك ..؟!"
سألته بوجوم ليومأ برأسه وهو يتناول العصير ببرود لترد بقوة :
" وانا بردوا مصرة على رأيي ومش هتنازل عنه .."
قال ادهم بهدوء :
" خلاص يبقى بلاها الجوازة دي .."
ارتجف قلبها وقالت بخوف :
" انت بتقول ايه ..؟! انت عايز تفسخ الخطوبة ..؟!"
رمقها بطرف عينيه وقال :
" انتي اللي عايزة تفسخيها بكلامك وتصرفاتك دي .."
ارتبكت ملامحها وهي تقول :
" طب خلاص اقلب الموضوع ده .. خلينا نتكلم فحاجة تانية .."
" يكون احسن .."
ابتسمت بتصنع وقالت :
" انا عايزة فستان الفرح يبقى من اهم مصممي باريس .."
اومأ برأسه وهو يبتسم :
" اللي تحبيه .."
" وانت هتختاره معايا ..؟!"
سألته بلهفة ليجيبها بهدوء :
" لو انتي حابة اكيد هختاره معاكي .."
تنهدت براحة قبل ان تكمل تناول طعامها وهي تتحدث معه في شتى المواضيع ..
انتهى العشاء فأوصلها ادهم الى منزلها .. اوقف سيارته امام الفيلا الخاصة بعائلتها فإقتربت منه وقبلته من شفتيه ليستجاب هو لقبلتها قبل ان تهمس له بعذوبة :
" بحبك .."
رد بجدية :
" وانا كمان بحبك يا عليا .."
طبعت قبلة اخرى على شفتيه قبل ان تخرج من السيارة وتتجه الى داخل المنزل لتجد والدتها جيجي في انتظارها حيث استقبلتها وهي تقول :
" شكلك مبسوطة اووي .."
ابتسمت عليا بسعادة شديدة وقالت :
" اوي يا مامي .."
ثم اكملت بضيق :
" لو بس يوافق على موضوع اننا نسكن لوحدنا .."
ردت جيجي بملل :
" يا بنتي قلتلك مية مرة الموضوع ده مش مهم .. المهم انك تتجوزيه وساعتها هتبقي انتي الكل فالكل بالقصر .."
رفعت عليا حاجبها وقالت :
" وبالنسبة لفريال نظامها ايه ..؟! دي هي مسيطرة على كل حاجة .."
ردت جيجي بخبث :
" وانتي قليلة يا رووحي .. انتي بذكائك تقدري تسيطري على فريال زي ما سيطرتي على ادهم قبلها .."
نظرت اليها عليا بضيق وقالت :
" يعني برأيك اوافق اعيش معاهم ..؟!"
قالت جيجي بسرعة :
" طبعا .. دي فرصتك .. بكره القصر ده كله هيبقى ليكي ولعيالك يا روحي .. شغلي مخك بقى وبطلي غباء .."
لمعت عينا عليا للحظات قبل ان تقول :
" طب واخوات ادهم ..؟! هعمل فيهم ايه ..؟!"
ردت جيجي ببساطة :
" حسام ومصطفى بكره يتجوزوا ويخرجوا من القصر .. ولبنى ونور انتي بطريقتك هتعرفي ازاي تقطعي رجليهم عن القصر .. وفريال وسليم مصيرهم يموتوا ساعتها القصر كله باللي بيه هيبقى ملكك .."
" برافو يا مامي .. انا ازاي محسبتهاش كده ..."
قالتها عليا بسعادة قبل ان تحمل هاتفها وتقول :
" انا هتصل بادهم حالا واقوله اني غيرت رأيي وموافقة اعيش مع عيلته بالقصرين.. واقوله اني عملت ده عشان خاطره بس وعشان عايزة سعادته وراحته .. وساعتها هيفهم قد ايه انا بحبه ومطيعة ايه .."
" برافو يا روحي .. ايوه كده اشتغلي بذكاء .."
ارسلت عليا لوالدتها قبلة في الهواء قبل ان تتجه مسرعة الى غرفتها وهي تجري اتصالا بادهم ..
............................................................................
في صباح اليوم التالي ..
استيقظت ليديا من نومها ونهضت من مكانها مسرعة واخذت حماما سريعا قبل ان ترتدي ملابسها البسيطة المكونة من بنطال جينز بسيط فوقه تيشرت اخضر ذو اكمام قصيرة .. رفعت شعرها على شكل ذيل حصان وحملت الورقة الخاصة بالمحامي عماد الصاوي وقررت ان تذهب اليه .. حملت حقيبتها التي تحوي هاتفها والاموال القليلة التي تبقت معها ثم اتجهت خارج الفندق واستأجرت تاكسي اعطته الورقة التي يوجد بها عنوان عماد وتمنت ان يكون عنوانه كما هو لم يتغير ..
وصلت بعد حوالي نصف الساعة الى العنوان المطلوب لتحاسب السائق قبل ان تتجه نحو المنزل والذي بدا فخما للغاية وراقيا .. توترت ليديا ففي حياتها كلها لم تدخل الى منزل بهذا الفخامة والرقي ..
ضغطت على جرس الباب لتفتح الخادمة الباب لها بعد لحظات فتسألها ليديا بتردد :
" عماد الصاوي موجود هنا .."
استغربت الخادمة من الفتاة التي تراها لأول مرة واستغرب اكثر من طريقة لفظها للكلمات الا انها أومأت برأسها وهي تشير لها كي تدخل لتتنهد ليديا براحة وهي تلج الى الداخل ..
اجلستها الخادمة في صالة الجلوس ثم نادت على عماد الذي جاء بعد لحظات ليتسمر في مكانه ما إن رأي ليديا التي نهضت من مكانها فور رأيته ليهمس بلا وعي :
" انجيلا .."
توترت ملامح ليديا وقد وصلها همسه لتعرف عن نفسها :
" ليديا .. بنتها .."
ظهر التوتر جليا على ملامح عماد قبل ان يبتسم وهو يحييها بحرارة ويجلسها بجانبه وهو يهتف بعدم تصديق :
" معقول .. بعد السنين دي كلها .."
ثم اكمل بدهشة :
" انتي شبه والدتك جدا .. نسخة منها .. هي اخبارها ..؟!"
لمعت عينا ليديا وهي تجيبه بحزن :
" ماما ماتت .."
تنحني عماد وقال بأسف :
" انا اسف .. البقية فحياتك .."
اجابته ليديا بصوت متحشرج :
" ميرسي .."
ثم اكملت وهي تضغط على حقيبتها بتوتر :
" انا عرفت من فترة حقيقة بابا .. ماما قالت انوا مصري واسمه كمال حاجة السوفي .."
صحح لها عماد :
" كمال ادهم السيوفي .."
ابتسمت ليديا وقالت :
" ايوه كده .."
ثم اكملت بخجل :
" ماما سابت عنوانك ومعلومات عنك وقالتلي انك يقدر يساعد انا .."
ابتسم عماد وقال :
" اكيد هقدر اساعدك .."
ثم اردف بتلعثم :
" بس يا ترى كمال بيه هيعمل فيا ايه لما يعرف اللي عملته زمان .."
نظر الى ليديا التي تطلعت اليه بحيرة فقال مطمئنا اياها :
" متقلقيش .. انتي ربنا جابك ليا عشان تريحيني من ذنب كان كاتم على قلبي .. انا هبلغ كمال بيه واللي يحصل يحصل .."
لم تستوعب ليديا كلماته فقال بجدية :
" خليكي هنا فبيتي .. انا هروح اكلم كمال بيه والدك عشان يشوفك ..."
أومأت برأسها وهي تبتسم محاولة اخفاء توترها ليخرج عماد مسرعا من المنزل بعدما حمل هاتفه ومفاتيح سيارته بينما ظلت ليديا جالسة في مكانها تنظر الى ارجاء المكان بتوتر شديد ..
فوجئت بفتاة شابة تقتحم المكان وهي تنادي على والدها قبل ان تنصدم بها فتسألها بحيرة :
" انتي مين ..؟!"
تلعثمت ليديا وهي تجيبها :
" انا ليديا .."
عقدت الفتاة حاجبيها باستغراب :
" ايوه ليديا مين ..؟! "
ثم اكملت وهي ترمقها بنظرة مفصلة من رأسها حتى اخمص قدميها ؛
" انتي شكلك مش مصري خالص .. انتي مين بالضبط وعاوزة ايه ..؟!"
اشارت لها ليديا كي تصمت ثم قالت بخجل شديد ولهجة متقطعة تحاول انتقاء الكلمات الصحيحة :
" انا اعرف استاذ عماد .. وهو سابني هنا شوية وهيجي .."
رفعت الفتاة حاجبها وقالت :
" وانتي تعرفي ابويا منين ..؟!"
ابتسمت ليديا بحرج وقالت :
" انا مش هعرف افهمك .. هو هيفهمك لما يجي .."
" تمام .."
قالتها الفتاة بحيرة قبل ان تقول معرفة عن نفسها :
" انا ريهام .. بنت عماد .."
" ممكن تكرري اسمك لاني مش عارفه اقوله .."
ابتسمت ريهام وقالت بتأني :
" ريهام .. ريهام .. ريهام .."
قالت ليديا بسرعة :
" خلاص فهمت .. ريام .."
صححت ريهام لها :
" لا ريهام .. ريهام .."
قالت ليديا بتأني :
" ريهام .."
صفقت ريهام بعفوية لتبتسم ليديا بخجل فقالت ريهام بإعجاب :
" ماشاءالله زي القمر .. انتي منين يا ليديا ..؟! مهو مستحيل تكوني مصرية ابا عن جد .."
اجابتها ليديا بهدوء :
" انا فرنسية .. والدتي فرنسية ومولودة وعايشة ففرنسا .."
ابتسمت ريهام وقالت بمزاح :
" انا قلت بردوا انوا الخلقة دي لا يمكن تكون مصرية .."
لم تفهم ليديا معنى كلامها لكنها ابتسمت بخفة لتجلس ريهام بجانبها وتسألها عما تحب ان تشرب وعندما رفضت ليديا اصرت ريهام عليها ان تتناول شيئا فجلبت لها اخيرا عصير البرتقال الطازج واخذتا يتحدثان سويا حتى نسيت ليديا لماذا جائت هنا من الاساس ..
..........................................................................
كان عماد يجلس امام كمال الذي رحب به قائلا :
" كده بردوا يا عماد .. تغيب كل الفترة دي .. ده انا مشفتكش من يجي سنة .."
ابتسم عماد بتوتر وقال :
" مانت عارف يا كمال بيه .. انا من ساعة مسبت الشغل وتقاعدت قعدت لبيتي واتفرغت لبنتي ريهام عشان اربيها واهتم بيها .."
ابتسم كمال وقال :
" ربنا يخليهالك .."
ثم نظر اليها وسأله :
" شكلك عايز تقولي حاجة يا عماد .. خير فيه حاجة ..؟!"
تطلع عماد اليه بتردد ثم قال بعد صمت استمر قليلا :
" انجيلا .. اكيد فاكر الاسم ده .."
تشنجت ملامح كمال الذي قال بصوت حزين :
" طبعا .. انجيلا حب حياتي ومراتي الاولى اللي ماتت من اكتر من عشرين سنة .."
ثم اردف بتعجب :
" بس انت عرفتها منين ..؟! انا مش فاكر انوا كان فيه حد عارف بالموضوع ده غير ابويا وامي .."
ابتسم عماد بتوتر وقال :
" انا اعرفها وشفتها كمان .."
لمعت عينا كمال وهو يسأله بدهشة :
" شفتها فين وازاي ..؟!"
تلعثم عماد وهو يقول بتوسل :
" ارجوك تسمعني وتفهمني .. دي كانت اوامر الباشا الكبير .. انا مليش دعوة .. انا كنت بنفذ وبس .."
قال كمال بنفاذ صبر :
" اتكلم يا عماد .. انطق .."
قال عماد بجدية :
" لما والدك عرف انك متجوز وحدة فرنسية فالسر اتجنن ومكانش عارف يعمل ايه .. كلمني وطلب مني اسافرلها واتعرف عليها بعد ما منعك انك تروح هناك .."
اومأ كمال برأسه وهو يتذكر تلك الفترة حينما عرف والده بالصدفة بموضوع زواجه من انجيلا الفتاة الفرنسية اليتيمة التي تعرف عليها اثناء دراسته هناك .. لقد جن جنونه وقتها وحاربه بكل الطرق ومنعه من السفر الى هناك ..
اكمل عماد بحزن :
" وقتها طلب مني اني اقولها انك طلقتها .. وعملنا ورقة طلاق مزورة باسمك ووريناها ليها .."
انتفض كمال من مكانه وقال بعدم تصديق :
" انت بتقول ايه يا عماد ..؟! انت واعي الي بتقوله ..؟!"
" يا كمال بيه خليني اكمل .."
جلس كمال على كرسيه وهو يلهث بقوة بينما اكمل عماد :
" انا نفذت كل اللي طلبه والدك واقنعتها انك طلقتها .. لقيت بعدها والدك بيطلب مني ازورله شهادة وفاة بإسمها واكلم صاحبتها المقربة اتفق معاك تبلغك انها ماتت فحادث عربية .."
خفق قلب كمال وهو يسألها بهمس مصدوم :
" يعني انجيلا مماتتش .. هي كانت عايشة طول السنين دي .. كنتوا بتكدبوا عليا ..؟! يعني هي عايشة دلوقتي .."
قال جملته الاخيرة بفرحة عارمة ليهز عماد رأسه نفيا وهو يقول :
" للاسف ماتت من فترة صغيرة .."
انقبض قلب كمال بألم قبل ان يسأله بصوت مبحوح :
" وانت جاي تقولي الكلام ده ليه دلوقتي ..؟! جاي تعذبني تاني بخبر موتها ..؟!"
" لا يا فندم .. انا جاي اقولك على خير هيخفف عنك الصدمة دي ويفرحك كمان .."
ابتسم كمال ساخرا وقال :
" يفرحني ..؟! بعد ما عرفت اني عشت طول حياتي مخدوع .. انا مش مصدق ازاي كنت غبي للدرجة دي .."
قال عماد بسرعة :
" انجيلا ماتت بس سابت ذكرى منها ليك .."
" انا مش فاهم حاجة .."
قالها كمال بعدم استيعاب ليرد عماد بهدوء :
" انجيلا كانت حامل منك يا كمال بيه .. لما رحت وزرتها كانت حامل فالشهور الاخيرة .. لما عرفت انك طلقتها ترجتني اني مقولش لاي حد انها حامل عشان متاخدوش الطفل منها .. وانا زعلت عليها وتعاطفت معاها فمبلغتش ادهم بيه الله يرحمه بالموضوع ده .."
" يعني انا دلوقتي عندي ولد من انجيلا ..؟!"
سأله كمال بنبرة مرتجفة ليرد عماد بجدية :
" بنت .. بنت جميلة وعندها خمسة وعشرين سنه .. جاتني بنفسها وطلبت تشوف حضرتك .."
تطلع كمال اليه بعدم تصديق قبل ان يهمس بلهجة مرتعشة :
" يعني هي هنا دلوقتي ..؟!"
اومأ عماد برأسه وقال :
" عندي فالبيت .. انا سبتها هناك .."
قال كمال وهو ينهض من مكانه بسرعة :
" مستني ايه ..؟! يلا نروحلها .."
نهض عماد مسرعا وهو يركض خلفه داعيا الله الا ينتقم منه كمال لما فعله بالماضي ..
........................................................................
اوقف كمال سيارته امام منزل عماد وهبط منها مسرعا وقلبه ينبض بلهفة .. تبعه عماد الذي ضغط على جرس الباب لتفتح الخادمة له الباب فيدلف عماد الى الداخل يتبعه كمال .. اشار له عماد نحو صالة الجلوس فدلف كمال اليها بقلب ينبض بعنف ليجدها فارغة فيلتفت الى عماد الذي تجهمت ملامحه والذي قال بتوتر :
" انا سبتها هنا .."
ثم اكمل بجدية :
" هشوفها يمكن دخلت الحمام .."
ركض مسرعا نحو المطبخ ليسأل الخادمة عن ضيفته لتخبره انها في الاعلى تجلس مع ريهام في غرفتها ..
تنفس الصعداء وهو يصعد الى الاعلى ليجد الفتاتين تضحكان بصوت عالي فابتسم وهو يطرق على الباب ويفتحها فنهضت ليديا بسرعة من مكانها وقد تذكرت اخيرا لماذا جائت الى هنا ..
نظرت اليه بتوتر ليبتسم عماد وهو يهمس لها :
" كمال بيه والدك تحت يا انسة ليديا وهو عاوز يشوفك .."
نظرت ليديا الى ريهام التي اتسعت عينيها بتعجب بينما اكمل عماد بجدية :
" مش يلا تنزلي تشوفيه .."
أومأت ليديا برأسها وهي تتجه خارج الغرفة نحو الطابق السفلي ..
حيث كان يقف كمال في صالة الجلوس منتظرا قدوم ليديا وفي عقله يرسم ملايين السيناريوهات من ضمنها ان الفتاة خرجت من المنزل وقررت الرحيل دون رؤيته ..
عندما وصل الى هذه النقطة هم بالخروج من المكان ليصطدم جسده بليديا التي تراجعت الى الخلف بينما وقف كمال ينظر اليها مصعوقا وهو يهمس بلا وعي :
" انجيلا .. انتي انجيلا .."
اخذت ليديا تنظر اليه بتمعن فهذا الرجل والدها الذي انجبها .. لم تشعر بأي شيء ناحيته فهو غريبا عنها تراه للمرة الاولى بعد خمسة وعشرين عاما .. عندما سمعته يهمس باسم والدتها همست بعينين دامعتين :
" انجيلا ماتت .. ماتت .."
تفاجئت ليديا بكمال يجذبها نحوه ويحتضنها بينما انسحب عماد من المكان ليجد ابنته تقف على السلم وتنظر له بحيرة فأشار لها ان تصعد الى الطابق العلوي ..
ظل كمال محتضنا ليديا بقوة وكأنه قد وجد ضالته اخيرا .. لقد اعادت له ليديا ذكريات الماضي كلها واعادت له حب حياته التي ظن انه فقدها مبكرا ..
اغمض عينيه محاولا السيطرة على دموعه التي تساقطت رغما عنه اما ليديا فلم تستوعب ما يحدث ..
كانت هذه التصرفات غريبة عنها بعض الشيء .. هي تعرف ان العرب عاطفيين بطبيعتهم لكنها لم تتوقع هذا الاستقبال الحافل من والدها .. لقد ظنت انه سيرفض الاعتراف بها او يقابلها ببرود وضيق لظهورها في حياته بعدما تخلى عن والدتها مسبقا ..
ابعدت هذه الافكار عن رأسها بعدما ابتعد عنها واخذ ينظر الى وجهها بحب قبل ان يقبلها من جبينها ويهمس لها :
" ليديا .. بنتي .."
ابتسمت بحرج وهي تومأ برأسها لتجده يجذبها على الكنبة ويسألها :
" احكيلي كل حاجة عنك .. كنت عايشة فين وازاي ..؟!"
تلعثمت ليديا وهي تجيبه بتردد :
" دي حكاية طويلة اووي .."
انتبه الى لهجتها المصرية الغير صحيحة لكنها مفهومة فسألها :
" انتي اتعلمتي تتكلمي مصري فين ..؟!"
ابتسمت وهي تجيبه:
" ماما اصرت اني اتعلم اللهجة المصرية .. فضلت تعلمني اتكلم مصري من انا طفلة .."
ابتسم وهو يقول بشرود :
" انا اللي علمت انجيلا تتكلم مصري .. فضلت اعلم فيها طول خمس سنين لحد ما بقت تتكلم لهجتنا كويس بس بردوا مكسر زيك .."
صمتت ليديا ولم ترد عليه بينما نظر كمال الى رقبتها فوجد الصليب معلق فيها فسألها بتردد:
" ايه ده يا ليديا ..؟!"
لمست الصليب وقالت بحب :
" ده الصليب .."
سألها بخوف :
" ليه ..؟! انتي ديانتك ايه بالضبط ..؟!"
ابتسمت واجابته :
" انا مسيحية كاثوليكية زي ماما .."
وهذه نقطة اخرى جعلته ينظر اليها بصدمة ..
يتبع

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-