رواية النمر الجامح (كاملة) بقلم أميرة أنور

 رواية النمر الجامح (كاملة) بقلم أميرة أنور

رواية النمر الجامح (كاملة) بقلم أميرة أنور


مقدمة رواية النمر الجامح

المقدمة...
"النمر الجامح"

وحشٍ قاتل لا يسير بطريق الرحمة... يعشق التحديات
النساء بالنسبة له ولا شيء فهو لا يتعرف على فتاة رأها مرة لأنها غير مسموح لها برؤيته للمرة الثانية فهذا يعني موتها... ولكنها كانت مختلفة تحدت قواعده بل هانتها

رواية من نوعها الخاص اتمنى تعجبكم�
يتبع»»»»»»»

رواية النمر الجامح الفصل الأول 

_ مش عاوز أشوف وشك هنا مرة تاني فهمتي!!
جحظت به بصدمة فمازلت على مضطجعه عارية، ابتسمت حيث كانت تفكر بأنه يمزح معها فمن يرفض أمراة شديدة الجمال مثلها، اقتربت منه حتى تطبع قبلة صغيرة على خده ولكنه قال بحد بعد أن قام من جانبها:
_ بقولك امشي وعلاقتي معاكِ خلصت
استغربت حديثه فقالت بسخرية:
_ علاقتك بيا خلصت دا إحنا لسة عارفين بعض إمبارح إنت بتتكلم بجد والله!!
جلس على الأريكة ووضع رجله على الأخرى ومن ثم أمسك علبة سجائره والتي كانت ذات ماركة عالية، وأخرج منها واحدة وأشعلها بعد أن وضعها بفمه، نظر لها بغضب مكتوم قائلاً بقسوةً:
_مفيش حد أبداً من جنسك بيبقى له علاقة بيا غير يوم واحد بس ومتنسيش نفسك وإني جايبك من ملهى ليلي فروحي في شيك في مبلغ كويس عشان الليلة الزبالة دي وأصلا خسارة كبيرة في واحدة زيك يالا مع ألف سلامة عندي شغل..
شعرت بأن كبريائها أصبح لا شيء أمام جبروته، تسهر وتفعل كل ما يغضب ربها لا أحد يقول لها شيء ولكنه كان أول من ذلها، الجميع يسيروا ورائها من شدة أنوثتها، أي أحمق هذا ليجعلها تغادر قصره...
مازالت تقف أمامه لا تفعل شيءٍ، حيثُ أن الصدمة انتابتها بقوة، عاد يتحدث من جديد بانفعال:
_ هو مش أنا قولت تمشي ولا لازم أخلي الأمن يرموكي برا..
زدات وقاحته فقالت بعنف:
_ احترم نفسك إنت متعرفش أنا مين وبنت مين وبابي ممكن يعمل فيك إيه..!!!
_بابي...!!!
قالها بسخرية، لاحت على ثغره بسمة واثقة من نفسه، بدأ يتمم حديثه بـ:
_ طب يا بنت "حمدي المغربي" باباكي الحنون الكويس اللي ميعرفش عن بنته اللي بتسهر في الكباريه وبتروح مع الرجالة بس اللي على مزاجها للآسف ميعرفش عنك حاجة كل اللي يعرفه هو إنه بيشحنلك الفيزا بتاعتك كل أول شهر بس للآسف واديني يا حلو كتبتلك شيك مقابل الليلة دي عشان أبوكي دخل صفقة غير مربحة ودخلها عشان يلعب مع الوحش فدا كان عقابه خسر نص فلوسه يا حرام
تركته وغادرت من أمامه بعد أن أخذت ذاك الخبر، شعرت بأنها تريد قتله ولكنه قوي، يمكن أن يوقفها بأقل مجهود.
تاكد بأنها غادرت، ليقوم بعد ذلك من مكانه، ويحضر نفسه حتى يغادر لعمله، أخرج من دولابه بدلة شديدة السواد، وضعها على الأريكة ومن ثم دلف إلى المرحاض ليأخذ حماما ساخن...
.........................................
في تلك المنطقة الراقية، في منزل بسيط للغاية كل شيءٍ فيه بذوقٍ عالٍ، تحديداً في غرفة النوم الخاصة بتلك الشقة، كانت هناك فتاة غافلة بارهاك على الفراش، تستمتع بنومها ولكن لحظة شروق الشمس بالنسبة لها عذاب حيثُ تفتح الستائر المغلقة، تبغض اسمها الذي يخرج من فم المربية الخاصة بها حين تقوله بلهجة أمر:
_ "ملاك" قومي بلاش كسل يا بنتي شغلك مستنيكي.
بتلقائية تضع الوسادة على رأسها حتى تهرب من ضوء الشمس ونداء المربية لها، اعتادت أن تفعل هكذا كل يوم..
اقتربت منها المربية الخاصة بها بعد أن تأففت بقوة قائلةٍ بصراخ بعد أن أخذت الوسادة منها:
_ "ملاك" قومي يالا..!!
جذت "ملاك" على نواجذها بغضب طفولي، فتحت عيناها الجميلتان والتي تتميز بلون الرمادي، تنهدت بقوة قبل أن تقوم بعنف قائلةٍ لها بحزن:
_"ملاك" "ملاك" مفيش غيري طبعاً فجاية تصحيني يا "سامية" والله حرام نفسي أنام أنا يعني ولا في الشغل راحمني ولا البيت..
أومأت لها المربية "سامية" برأسها وقالت بحنو:
_ عشان إنتي أحلى صحفية في الدنيا فلازم تتعبي في شغلك ولازم تصحي وتفوقي عشانه...
رفعت سبابتها في وجهها قائلةٍ بوعي:
_إنتي صح..
ثم نظرت لها بقوة وسألتها ببسمة صغيرة عنـ:
_ هي الساعة كام؟
ردت عليها بفتور فهي تعلم مالذي ستفعله بعد أن تعلم إلى أي حد وصلت الساعة:
_ الساعة ٧.٣٠ بالظبط
انتفضت "ملاك" من فراشها بفزعٍ جم، تثاءبت بنعاس فهي لم تأخذ الجرعة الكافية لأي إنسان في نومه، أمسكت رابطة الشعر من على الكومود ومن ثم عقدت شعرها الطويل في شكل ذيل الحصان، دلفت على المرحاض بعد أن قالت بصراخ:
_ حرام والله يا "سامية" اللي بيحصل دا الواحد ميعرفش يروح الشغل في معاده قولتلك صحيني على ٦ عقبال مالبس وجهز نفسي وأفطر أوف ياربي...
لم ترد عليها "سامية" قط حيثُ بدأت في ترتيب غرفتها الصغيرة والتي تملأها العرائس البلاستكية، والألعاب وكأن تلك التي تسكن بها طفلة وليست فتاة في السن الثالث والعشرون...
توقفت "سامية" عن فعل أي شيء حين سمعت صوت "ملاك" التي صرخت بـ:
_"سامية" الحقيني المية باينها قطعت... سناني فيها معجون ووشي فيه صابون هعمل إيه أنا دلوقتي!!!!...
قهقهت "سامية" بقوة من تصرفاتها، ضربت كفيها ببعضهما قبل أن تقول بعتاب يومي:
_"ملاك" الأستاذة اللي دائماً ناسية نفسها المطور بتاع حمامك متفتحش يا ناصحة هانم..
ردت عليها "ملاك" بتذكر لما تقوله:
_ أوبس طب معلش يا "سوسو" افتحيه لو سمحت..!!!
نفذت "سامية" ما قالته لها، وبعد ذلك خرجت حتى تعد لها وجبة الإفطار...
...................................................
في مكان آخر تحديداً في فيلا "ال عزمي"
استيقظ الجميع على الخبر المشووم، موت الأب الروحي للعائلة، لم يتمكن "مالك" حفيده الوحيد أن يتحمل الخبر، والذي يبلغ من العمر خمس وعشرون، لم يستطيع جسده العريض مسنتده بهذا الوقت، فهو لا يستطيع أن يبقى بدون جده الحبيب، اتجهت نحوه زوجة عمه حتى تكن بجانبه حيثُ قالت:
_ بس يا بني متعملش في نفسك كدا قوم وكون صلب إنت الوريث الأول والراجل اللي في وسط البنات جدك "عزمي" مات بس إنت يا "مالك" موجود معانا..
حبس "مالك" دموعه التي تعلقت في مقلتيه، عاد ليقف مرة أخرى، رافعًا رأسه، شامخً كما كان يفعل جده، انتظر حتى يخرج الطبيب الشرعي من غرفة جده، فالطبيب الذي أخبره خبر الوفاه قال أن الموت حادث مدبر..
تقدمت نحوه إبنه عمه الصغيرة والتي مازالت لم تكمل عامها التاسع، كانت تبكي بشدة، قائلةٍ له بهلعٍ:
_ أبيه "مالك" أنا خايفة وبعدين هو كدا مش هشوف جدو تاني..
ملس "مالك" على شعرها وقال بحنو لها بعد أن إنحنى على أقدامه حتى يكون في طولها:
_ حبيبة قلبي كل حاجة هتبقى تمام خليكي واثقة فيا مش إنتي بتحبيني؟
أومأت الصغيرة برأسها فعاد ليتمم ما بدأ في قوله:
_ يبقى يا بنوتي الحلوة روحي على اوضتك ومتخرجيش منها غير أما أجيلك، روحي إفطري يا قمري الصغنن...!!
ثم وبعد إنهاء الحديث معها، نظر إلى زوجة عمه وقال بأمر:
_ طلعى "ريناد" فوق لو سمحت..!!
وافقته على قراره وجاءت بالفعل حتى تصعد ولكنه عاد يواصل حديثه بـ:
_ إطمني على "دنيا" من ساعة ما عرفت الخبر وهي ما بتقوليش حاجة..
_ ماشي يا "مالك"..
صعدت إلى غرفة بناتها، تاركة"مالك" واقف صلب بعد أن فاق من إنهياره من أجل عائلته التي تحتوي من زوجة عمه وبناتها "دنيا" و "ريناد"
خرج الطبيب بتلك اللحظة ليقول ما كان يتوقعه قط:
_ "مالك" بيه...!!!!
.............................................
خرج من المرحاض الخاص به، وارتدى كسوته،ظبط شعره، ثم خرج من منزله، تجمع الأمن خلفه، فهناك من سيفتح له السيارة، ومن يحرصه، أوقفه أقرب شخص له من الأمن من يكن السند له في أعماله، قائلاً له بلهفة:
_ "جبل" بيه وصلنا خبر بإن السيد "عزمي" جد صديق حضرتك تعيش إنت...
جحظ "جبل" به، وقام بإزالة نظارته الشمسية، لتظهر عيناه الحدتان المرعبتان برغم من أن لونهما أخضر، كالأزهار والنباتات، ولكن الجمال لا يكتمل، كور يده الكبير حتى يضرب بها حائط المبنى وكأنه يستعرض قوته حيثُ أنه عريض المنكبين، متوسط الطول، "جبل" المنشاوي أكبر رجل الأعمال برغم.من صغر سنه، الذي لم يصل للثلاثين؛
لا يطلب المساعدة من أبيه برغم من كونه ثري ولكن لا يحب أن يقول أحد أنه عظيم بسبب والده...
تحدث أخيرًا بعد صمته الذي طال :
_يالا بسرعة على بيت ال "عزمي"
أومأ الحارس له برأسه ومن ثم أسرع حتى يفتح له سيارته الفاخرة؛ حرك. السائق مكبحها وإنطلق إلى منزل صديق رب عمله...
بداخل السيارة كان يحاول "جبل" أن يهاتف "مالك" ولكن المحاولة فاشلة حيثُ لا يجيبه أحد..
صرخ بشدة :
_ أوف رد بقى يا " مالك"
_إن شاء الله هيكون بخير يا فندم...
كان هذا ما خرج من فم حارسه ولكنه تجاهله وقال بأمر :
_ خلص يا بني آدم كل دا في الطريق بقالك خمس دقايق سايق وموصلتش ..
نظر له السائق باستغراب قائلًا بخفوض:
_ يا فندم خمس دقايق وبأقصى سرعة يعني دا وقت الطريق.
جذ "جبل" على أنيابه حين قال :
_ غلطان وبتجادلني إنزل ..
ثم وبعد أن قال هكذا وقف السائق السيارة بخوف، لينزل "جبل" من المقعد الخلفي ويصعد لمقعد السائق مستعد للإنطلاق ، واصل كلامه بثقة :
_ خمس دقائق وهوصل هناك إركب مكاني وشوف يا "عباس" افندي ..
............................................
خرجت "ملاك" من غرفتها واتجهت نحو منضدة الطعام تنهدت بقوةً قبل أن تقول بحزن:
_ تعرفي بابا وماما وحشوني أوي الواحد بيكره الوحدة وأنا انكتب عليا أرافقها لولا وجودك أنا كان حصلي حاجة
أمسكت "سامية" يدها بحنو وقالت :
_ وأنا مليش غيرك يعني إنتي الدنيا عندي وما فيها يا "لوكا" يالا حبيبتي إفطري عشان تجهزي وتبقي قادرة تفوقي في الشغل..
هزت "ملاك" برأسها لتمسك بعد ذلك قطعت الخبز وتضع عليها بعد الجبن والخضار وتبدأ في تناولها، انهت طعمها وقامت بعد أن تناولت رشفة من عصير البرتقال، اتجهت نحو المرآة حتى تتمم على مظهرها حيثُ أنها تركت لشعرها العنان
تحسست بشرتها السمراء وابتسمت لأنها تذكرت والدها حين كان يخبرها بـ:
_ أخدي الجمال كله من أمك وخدي عني السمار فعملتي مزيج شرقي رائع يا طفلة..
كم تشتاق إليهم، مر ثلاث سنوات على موتهم ولازال ألم الفراق صعب وكأنهم أختفوا في الليلة الماضية..
أخذت زفيرها لتخرج كل العذاب التي تمر به، حاولت أن تمنع تلك الدمعة اليتيمة التي تقف على جفنها، أمسكت أوراق المناديل لتزيلها..
ثم قالت بصياح:
_ سوسو أنا ماشية يالا سلام..
_ سلام يا حبيبة قلبي...
هذا ما قالته "سامية" والتي قامت من مكانها ونظرت في صور أهل "ملاك" قائلةٍ بحزنٍ :
_ الحزن اللي شايله "ملاك" في قلبها كبير يا سيد "ناصر" حاسة إنها وحيدة وأنا بقالي مدة حاسة بحاجة غريبة هتحصل وياعالم هي إيه ؟
............................................
للتو خرج الطبيب وبصدمةً قال :
_ للآسف يا "مالك" بيه المتوفي مات مسموم ولازم نبلغ حالًا و "عزمي" بيه يدخل تشريح..
_ لا....!!!
صرخ "مالك" بها بقوةً لتتحول عيناه الحمروتان إلى الشرار وكإن النيران تخرج منها بشدة، رد عليه الطبيب الذي كان يعارض لأمره :
_بس يا فندم لازم نعرف المصدر دي حاجة ما ينفعش أبدًا نسكت عنها...
جذ "مالك" على نواجذه بحد، رفع سبابته ليقول بعنف وتحذير :
_ أنا خلصت كلامي معاك المبلغ اللي عاوزه هيتكبلك أهم حاجة جدي يدفن بخير وأما في حكاية التسمم فأنا مش هيغمض ليا جفن غير وأنا عارف إيه اللي حصل ولو مطعم هقفله ولو كان حد قاصد فهو هيموت أهم حاجة محدش أبدًا يعرف حاجة...
أومأ الطبيب برأسه بعد أن تنهد بخيبة الأمل في إقناعه، غادر من أمامه، لتبدأ مراسم التغسيل...
دلف إلى الغرفة محاولً ألا يبكي حيث أنه أجبر دموعه أن تجف، تحدث بقسوةٍ :
_ وغلاوتك عندي يا غالي ليجيلك حقك ربنا يرحمك يارب ويجعلك في الجنة يا غالي ...
إقترب منه الخادم الخاص به وقال :
_ "مالك" بيه "حازم"باشا والدك اتصل وبيقول إنه مش هيقدر يجي لإن عنده شغل وبيقول خليك إنت مع مرات عمك وبناتها وإنهي مراسم العزاء
.........................................
أوقفت محرك سيارتها أمام جريدة "...." التي تعمل بها، ولكن وقبل أن تصعد مرت سيارة من جانبها بسرعة فائقة ولسوء الحظ كانت هناك مياه على طريق السير فتبللت ملابسها مما جعلها تصرخ بشدة :
_ حيوان ماشي لا وكمان عديم الذوق والله لعلمك درس يا حيوان
نظرت للوحة السيارة فحفظت رقمها حيث أنها تتصف بالذكاء وسرعة الحفظ..؛ أغمضت عيناها بإستياء وكانت ستغادر ولكن سمعت صوت صاحب الجريدة يناديها بصرامة :
_ أستاذة "ملاك" حضرتك راحة فين ومطلعتيش للشغل ليه...؟؟؟
التفت له بصدمة فكانت تتمنى ألا يراها أحد من العمل ولكن رأها من تبغضه بشدة..
ابتسمت له وقالت بتوتر :
_ أستاذ "فؤاد" أسعد الله صباحك يا غالي عامل إيه ؟
نظر لها بحد ثم قال بصراخ :
_ إنتي أشطر صحفية وبرغم من كدا متهورة ومتأخرة
ابتلعت ما.في حلقها وحدقت به بقهر وقال بحنق :
_ يافندم إحنا مظهر الجريدة وواحد مش كويس ماشي بعربيته فبهدلني هروح أغير وأرجع
_ امم لا تروحي تغيري وتجهزي عاوزاك تروحي شركة وبيت "حمدي المغربي " عاوزين نفهم إزاي خسر وترجعي تروحي لشركة "جبل المنشاوي" وتعرفي إزاي قدر يكسب الصفقة ويخسر "حمدي" نص أملاكه أخبار رجال الأعمال لأزم تكون متكملة قبل أي حد عاوز باقي الصحف يقلدونا عاوزك كمان...
قاطع أحبال ما يقول حين رن هاتفه وأخبره أحد شيءٍ ما جعله يقول :
_ إيه طيب برافو عليك تمام سلام...
قفل الهاتف مع المتصل ليقول بأمر :
_"ملاك" إنسي اللي قولته عشان "عزمي النصراوي" مات وهتروحي تغطي أحداث العزاء وبكرا هتروحي للشركتين يالا يا أستاذة...عاوز أعرف مات إزاي وإيه اللي بيحصل في بيته تمام...
أومأت برأسها بعد أن كورت يدها بغضب قائلةٍ بطاعة:
_ تحت أمرك يا فندم عن إذنك
صعدت سيارتها وبدأت تحرك مكبحها، ظلت تسب وتلعن في هذا المدير الذي لا يرحم قط...
..............................................
وصلت سيارة "جبل" أمام منزل ال "عزمي"وبالفعل كما قال في سرعة؛ نزل منها يهرول نحو المنزل بعد أن صفها وقال بجموح للسائق :
_ لولا إني في ظروف كنت قولتلك خد حسابك وأمشي أنا مش أحسن منك عشان أوصل في خمس دقايق
رد عليه "عباس" بإعتذار:
_ آسف يا فندم مش هتقرر تاني
تجاهله ودلف لصديقه؛ كان سيسأل عنه الخادم ولكنه سمع صوته الصارخ يأتي من غرفة جده؛ أسرع للغرفة وفتحها قائلًا بهدوء:
_ إهدأ يا صحبي دا نصيبه من الحياة
_ذنبه إيه يا "جبل"عشان يخلف ابن زي أبويا اللي عشان صفقاته ومش قادر يحضر العزاء هو مغلطش لمَا قال إن ولاده ماتوا هو كان صح...
حضنه "جبل" بقوة ومن ثم هتف بحب :
_أنا وإنت والبنات كل حاجة له يالا يا حبيب أخوك قوم كدا
همس في أذنه بقهر :
_جدي مات مسموم يا "جبل" !
نزل الخبر على أذن "جبل" كالصاقعة ، ابتلع ما في حلقه وقال بوعد :
_ والله لأعرف إزاي دا حصل بس دلوقتي لازم نغسله وندفنه عشان العزاء
انكمش حاجب "مالك" باستغراب ألقى سؤاله بفضول :
_ إزاي عرفت الخبر أنا جدي مات الصبح يعني الخبر لسه داخل حيطان البيت
_مش عارف بس ممكن خدام أو مرات عمك اتصلوا بحد أو "دنيا" كلمت صحابها وتلاقيه كمان وصل للصحافة..
...................................................
حل الليل سريعًا، نُصب صوان كبير في حديقة المنزل، تجمع الراجل فيه، كان صوت المقرء عذب؛ وقف "جبل" ومعه "مالك" لإستقبال الأقارب، كانت العبرات متجمدة في عيناهم التي كانت تحمل الحزن، تقدم والد "جبل" السيد "جلال المنشاوي" حتى يصافح "مالك" قائلًا له بصلابة :
_مش عاوز أشوف أي نظرة حزن في عينك إنت كبير عيلتك خليك قوي
هز "مالك" رأسه ورد عليه بـ:
_ حاضر يا عمي..
لمح "جبل" شيءٍ ما فقال بستأذن:
_ طيب بابا "مالك" ثواني وجاي
سأله والده باستغراب:
_على فين!
لم ينتظر أمامه حتى يجيبه، فقط هتف بـ:
_خليك مكاني دقيقة
ذهب باتجاه سياراته وعيناه حدتان وكأنه وجد فريسته، تحدث بغضب:
_ إنتي مين وبتعملي إيه هنا•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
يتبع<<<<<<

رواية النمر الجامح الفصل الثاني


استدارت بخوف فلقد فزعت من الصوت الغاضب؛ حاولت أن تبين قوتها وتصرخ وتقول بأنها تبحث عن عديم الأخلاق الذي تسبب في جعل ملابسها تتسخ، إبتلعت ما في حلقها بهدوء ثم وبيدها أشارت نحو السيارة وقالت بجدية:
_بشوف أرقام العربية دي..!
رفع حاجبه بصدمةٍ؛ واضعًا أنامله على أنفه مانعًا ظهور ابتسامته الساخرة، لوى فمه قبل أن يقول باستهزاء:
_عينوكي إمتى في المرور حضرتك
استدرات له رافعة رأسها وبتحذير قاتل وضعت سبابتها نحو وجهه قبل أن تقوله :
_مش مسموح ليك أبداً تكلمني بالطريقة دي إنت متعرفنيش وبعدين إنت مالك شكلك خدام هنا أو من الأمن...

 
لم يستطيع أن يمنع نفسه من الضحك، تقدم خطوتان فقط نحو السيارة ثم فتحها وجلس بها ليبدأ في تحريك مكبحها تحت نظراتها المذهولة، تيقنت بأنه هو عديم الأخلاق، جذت على نواجذها بغضب قائلةً بانفعال:
_يعني إنت عديم الأخلاق اللي بوظ لي هدومي الصبح وبوظ يومي.
استغرب من حديثها فرد بـ:
_هدوم إيه إنتي شكلك هبلة..!
ثم توقف عن الحديث ليبحث عن أي شخص من الأمن ولكنه عاد يحدق بها حين سمعها تقول بحد:
_ الصبح في حدود الساعة تسعة قدام مقر الصحافة اللي بشتغل فيه حضرتك وبعربيتك اللي كنت بتسوقها بسرعة خليت هدومي عبارة عن مية متوسخة من الشارع.
تذكر الطريق الذي سار منه بأقصى سرعة وجاء المشهد في مخيلته مرة ثانية حيثُ أن الحارس قال له بأن سرعته جعلت الماء تأتي على أحدهم ولكنه لم يبالي لهذا قط.

 
فاق من التفكير فيما حدث، تأفف قليلاً وبعدها قال ببرود:
_والمطلوب يعني.
_الإعتذار اتفضل إعتذر
قالتها "ملاك" بكبرياء ولكنه صدمها بما فعل حيثُ قال:
_ والله تصدقي إنتي بتحلمي بحاجات إنتي سخنة صح..!
_ها ها ها لا مش سخنة ولا بحلم...
رفع حاجبه بتحدي وقال:
_ أصلي إفتكرتك سخنة بصي بقى أنا مش هبرر موقفي ومش هعتذر واللي عندك أعمليه.
فتحت فاهها باندهاش من أسلوبه، ظنت بأنه سيقول لها آسف ولكنه بالفعل كما لقبته عديم الخلاق، تمنت لو قابلت والديه حتى تعانفهم على تلك التربية المنحطة التي يتمتع بها ابنهما، فاقت على صوته الخشن قائلاً بصلابةً:

 
_وقفتي واتكلمتي ورغيتي كتير وصدعتيني وفي الآخر معرفتش جاية هنا بصفتك إيه ومين.
تنهدت بقوةٍ وحاولت ألا ترد بعدم إحترام، كانت تصبر نفسه بأن أخلاقها غيره تمامًا فيجب أن تتعمل بأدب حسب بيئتها التي ترعرعت بها:
_أنا صحفية من جريدة (......) وجاية أغطي أحداث العزاء...
أومأ برأسها وأردف بجمود :
_والله لبستي وجيتي على الفاضي ومفيش جديد عزاء زيه زي أي عزاء هتكتبي مين كان موجود بصي مش بحب أخليه حد ينقطع عيشه روحي خديلك كام صورة وأمشي وياريت ماشوفش الخلقة اللي عكرت مزاجي أكتر ماهو متعكر...
لقد نفذ صبرها التي قيدته حتى تتعامل معه، ولكن عجرفته زادت، وذوقه المنحط أصبح في مقياس النملة،ضعطت على أنيابها وقالت بكره:
_ بجد إنت قليل الذوق ومش محترم
_شكراً من ذوقك
كان هذا رده عليه بكل استفزاز، جعلها تضرب قدمها بالأرض كالأطفال، جاءت حتى ترحل من أمامه ولكنه قال ببرود وكأن حديثه جاء من لوح ثلج كبير:
_ اه نسيت أقولك
استدارت حتى تسمع ما سيقوله ولكنها تفاجئت بكلامه المستفز:
_جزاكي الله الخير يا أختاه صحيح اسمك إيه ولا مش مهم هسميكي الرغاية الغاضبة حلو الاسم ولايق عليكي.
تمنت لو تقتله ويكون هذا العزاء لفردتان وليس لفرد، وتكتب حادث قتل في أول صفحات الجريدة وستكبر العنوان كفتخار بنفسها على ما فعلته...
كورت يديها بغضب شديد، ولكنها لم تقول ولم تفعل شيء، تركته ورحلت من أمامه...
أردف بضيق:
_صنف معفن الحمدلله إنك مدخلتيش مزاجي وإلا إيه يخليني أستحمل ليلة كاملة معاكي يا رغاية هانم...
انسحب من جانب سيارته، وعاد يقف مع "مالك" الذي قال باستفسار:
_ في إيه يا "جبل"؟ كنت فين كل دا بقالك نص ساعة لحظت إنك كنت واقف مع بنت بالله لو دي واحدة جديدة عاوزها بلاش النهاردة بالذات موت جدي مش عاوز يحصل حاجة وحشة فيه
هز"جبل" رأسه بهدوء ليقول بعد ذلك بحزن:
_ هو مش جدك لوحدك يا "مالك" وحزنك قد حزني متقلقش...
.................................................
كانت تجوب المكان يمينٍ ويسارًا؛ تبكي بشدة على ما حدث معها، خمس عشر عامًا وهي بتلك المصح النفسي برغم من أن عقلها سليم من أي مضعفات؛ تنهدت بقوة مخرجة زفيرها بضيق شديد يحمل نيران الانتقام، التفتت لتلك التي تقول لها بنبرة تساؤل :
_ مدام "فوقية" قولي لي إيه اللي خلاكي كل دا هنا برغم من إن عقلك سليم تمامًا
ابتلعت "فوقية" ما في حلقها؛ هذه السيدة شديدة الجمال عيناها وبرغم علامات الحزن والخذلان التي تحملهم مازلت تسحر من ينظر لهم، حاولت ألا تبكي حيثُ أنها أجبرت دوعها أن تجف.
تكلمت أخيرًا ولكن بقسوة ردت بـ:
_القسوة والجبروت رموني هنا أنا عقلي سليم حاولت وبرغم من دخولي للمكان دا أخليه سليم لكن نفسيتي صفر في المية كان ممكن اتجنن بس مسكت نفسي وفي كل يوم مر هنا كنت بقول هطلع عشان اللي بيحبوني بس متوصي عليا إني مطلعش وأفضل هنا.
ابتسمت لها الطبيبة وقالت:
_إزاي دا إنتي مسموح ليكي تخرجي طالما عقلك سليم
قهقهت "فوقية" بسخرية وعادت تتحدث بنبرة ثقة:
_كل واحد بيشتغل هنا بياخد فلوس عشان ابقى مجنونة مدير المتشفى قابض ومقبضهم حاولوا كتير عشان ابقى مجنونة أخدت جلسات كهرباء بس عشانهم بقيت بعافر عشان ماتجننش
صمتت قليلاً حتى تخرج زفيرها ثم تكلمت متممة ما كانت تقوله ولكن بنيرة بها نغزة قاتلة متيقنة ما سيحدث:
_بتبصي كدا ليه وفري دموعك اللي في عينك كل دكتور قعد مكانك كانت شفقته بتقتلني وفي الآخر كان بيبقى زيهم بيكتب مجنونة مية في المية وينكتب عليا حبسة جديدة ودا اللي هتتجبريه عليه يا دكتورة
قامت الطبيبة "لميس" تلك الفتاة السمراء التي تتميز بطيبة قلبها، جلست بالمقعد المقابل لها ومدت يدها قائلةٍ بوعد :
_أقسم بالله العظيم ولو هخسر فيها مهنتي لهساعدك وهكون زي بنتك اللي مش هتوافق إن أمها تكون مكانك دا وعد مني والله
مالت عليها "فوقية" لتهمس بنبرة ساخرة بـ:
_كلهم قالوا كدا والمرة دي أنا واثقة إنك زيهم رني الجرس خلي الممرضة تيجي تاخدني خليني أروح أوضي مستسلمة للوضع اللي أنا فيه مش مستعدة أخد جلسة كهرباء.
حاولت بكل قوتها أن تقنعها ولكن فشلت كل الطرق، قامت "فوقية" من مكانها ورحلت تحت أنظارها المذهولة...
تنهدت "لميس" بتعب وقالت بثقة:
_طول ما فيا نفس بيطلع مني هحافظ على حلفاني اللي قولته أما إتخرجت وصدقيني مش هسمح بأي لحظة ظلم...
.....................................................
في العزاء الخاص بـ ال عزمي
بداخل صوان النساء، كانت "دنيا" صامتة لا تبكي وكأنها دخلت في صدمة عصبية جعلتها هكذا، حاول الجميع التحدث معها حتى والدتها قالت بحزن:
_ يابنتي عيطي إتكلمي قولي حاجة
كانت "ملاك" تراقب أفعالهم، تسمع همهمات الحضور وتسجلهم بداخل عقلها، شعرت بأن "دنيا" تقترب من الحالة التي وصلت لها في موت أبويها، استدارت بتركيز حين سمعت صوت طفولي صغير يصرخ بحنو:
_"دنيا" عشان خاطري إتكلمي عشاني فوقي أنا مليش غيرك جدو راح الجنة ليه بتعذبيه كدا.
حاولت "ملاك" ألا تبكي على حال الفتيات، أخرجت زفيرها بحنق، بدأ الضيوف يرحلوا، وأوشك العزاء على الانتهاء ومازالت "ملاك" جالسة لا تريد أن ترحل، شعرت بأنها يجب أن تمد يد المساعدة لتلك الفتاة، يجب أن تصبح صديقتها فالوحدة التي تشعر بها كوحدتها فإذا شاركتها ممكن أن تتعالج، لا تريد أن تجعلها تمر بنفس الأيام التي مرت بها.
إقتربت منها وبدأت تتحدث:
_"دنيا" تعرفي اللي اسمك في معنى
رفعت "دنيا" رأسها، مما جعل "ملاك" تواصل حديثها بدعم:
_أيوا إنتي دنيا لناس كتير هنا مامتك وأختك وابن عمك وصحابك حتى أنا اللي منعرفش بعض حساكي دنيا ليا
من تلات سنين بابا وماما ماتوا يعتبر العيلة خلصت مفضلش فيها غيري أصبحت وحيدة تماماً بس رجعت وفوقت عشان كان ورايا حلم وورايا مربية خلت عمرها كله عشاني ماسبتنيش ولا لحظة قومي عشان أي نقطة ليكي في الحياة عاوزاكي لو اتكسرنا في كل حزن صدقيني يبقى ولا لينا لازمة كل واحد منا له سببب في الحياة وطالما إنتي فيكي نفس يبقى تقدري تنجي وتعيشي وتساعدي وأسباب وجودك لسه مخلصتش فخليكي دايما قوية...
دمعت عين "دنيا" بقوة، بل إنهرت بتلك اللحظة أسرع "مالك" لها والذي سمع حديث "ملاك" وكان معه "جبل"
حملق بها قبل أن يأخذ إبنة عمه في أحضانه قائلاً لها بشكر:
_شكراً ليكي يا...
توقف عن حديثه حيثُ أنه مازال لا يعرف اسمها، مما جعلها تبتسم وتقول:
_ "ملاك" صحفية في جريدة(......) جاية أغطي أحداث العزاء وصدقني أنا معملتش غير اللي لو حد في مكاني هيعمله و"دنيا" بجد مشكلتها زيي
أنهت كلامها بعد أن ختمته بـ:
_همشي أنا بقى لإني إتاخرت عن إذنكوا
ابتسم لها "مالك" مما استفز "جبل" الذي قال بغيظ:
_سبحان الله ما إنتي ذوق أهو وبتتكلمي حلو أمال معايا عاملة زي الرغاية الغاضبة ليه...
بدأ الجميع يراقب نقاشهم، تأففت "ملاك" ثم وضعت سبابتها بوجهه وقالت ببرود:
_هما ذوق لكن إنت المفروض تتربى من جديد وأياك شوف إياك تتدخل في مواضيع ملكش فيها...!
لقد لعبت في عداد عمرها، دخلت في غابة دون أن تعلم ولم تكن كأي واحدة فتوعد مع نفسه أن يقطع لسانها السليط، أمسك بسبابتها وقال بحد:
_دي عيلتي وبالنسبة إني مش ذوق فأنا مش ذوق أما التربية فمش أنا لوحدي اللي عاوزها ووعدك إنك على إيدي هتتربي...!
صفقت له بإنفعال وقالت بسخرية:
_لا خوفت والله اترعبت مين إنت أصلاً عشان تربيني أنا أربيك وأربي عشرة زيك وأنا أصلاً متربية غصب عنك
رفع حاجبيه وعاد يتحدث بإصرار:
_هنشوف يا قطة كانت مشكلة عربية وكانت هتتحل بس لسانك طوله زايد حتة عاوز يتقطع
أمسكت حقيبتها ورحلت من أمامه، تحدثت زوجةالعم بعتاب:
_يابني دي ضيفة ليه كدا يا "جبل"
نظر لها بغضب وقال:
_تستحق أنا مفيش حد يقف قدامي ويكلمني بالطريقة دي هي بتنسى نفسها...
جذبته "ريناد" من بدلته حتى ينزل لمستواها، فقال بتساؤل:
_عاوزة إيه يا "ريناد"!؟
ربعت" ريناد" يدها لتقول بضيق وتأفف طفولي:
_وهي لحقت يعني دي لسه أول مرة نتعرف عليها انهاردة
تنهد "جبل" بحرارة قبل أن يقول بصرامة:
_"ريري" ماتتدخليش في حاجة أكبر منك
بعد أن أنهى حديثه تقدم وأقترب من"دنيا" وقال بحب:
_جدي في مكان أحلى من هنا هو في مكان كله حق مفهوش لحظة خيانة واحدة فبلاش صدمتك دي إنتي عارفة إنك غالية عليا أنا أخوكي يا بت إنتي مش لوحدك أنا و"مالك" وأمك وأختك جنبك.
جلس معهم بتلك الليلة، فبرغم من قسوة قلبه إلا أن تلك العائلة لها فضل كبير عليه فوحدته لم تكتر في حياته حيثُ دخلوها ببهجة وسعادة...
........................................................
ذهبت إلى منزلها والغضب يملؤه قلبها، ظلت تسب وتلعن في هذا الشاب الغليظ، فتحت باب شقتها لتجد أن المربية مازالت تنتظرها، لم تلقي عليها السلام واتجهت إلى غرفتها مما جعل "سامية" تقلق وتقول بذعر:
_مالك يا "ملاك"!!؟
توقفت"ملاك" عن السير وبدأت تسرد لها ماحدث مع هذا الغليظ،صرخت بغضب:
_عديم الأدب بارد وتنح
ردت عليها "سامية"ببساطة:
_مش هتشوفيه تاني يا بنتي فخلاص ولو شوفتيه تجاهلي التعامل معاه
أخرجت"ملاك"زفيرها براحة قائلة بيقين:
_صح إنتي عندك حق و....
لم تكمل حديثها حيثُ قاطع محور حديثها رنين هاتفها برقم صديقتها المقربة، ردت على الفور بسعادة:
_قلبي يا قلبي والله بقالك كام يوم في بالي وكنت هتصل اطمن بس في ظروف شغل حصلت ومنعتني
همست الأخرى وكأن هناك أحد يلاحقها لا تريد أن يسمع حديثها:
_أنا في مشكلة يا"ملاك" ومفيش غيرك هيحلها
ردت عليها "ملاك" بفزع:
_مشكلة إيه يا بنتي إتكلمي
_هقولك بصي ياست
بدأت تسرد لها مشكلتها وكانت "ملاك" تستمع لها بتركيز، لتنهي الأخرى حديثها وتقول:
_بس وأنا لازم أحلها ومفيش غيرك هيساعدني
تحدثت "ملاك" بثقة:
_ معاكي طبعاً يا بنتي متقلقيش لو فيه أي حاجة هساعدك بيها أنا مش هتأخر بس خلصي دورك وصدقيني هدخل بدوري
_تسلملي
قالتها صديقتها قبل أن تنهي المحادثة، تأففت "ملاك" بغضب وقالت:
_حسبي الله ونعمة الوكيل...!
إنكمش حاجبيه "سامية" باستغراب وقالت بقلق:
_في إيه يا بنتي..!!؟
أغمضت "ملاك" مقلتيها حتى تطمئنها، لتردف بـ:
_ مـفيش يا "سوسو" إطمني هروح أنا أنام لإني على آخري وورايا كذا حاجة بكرا لازم أروح شركة "جبل المنشاوي" ورجع أروح شركة "حمدي المغربي" واروح أعمل مقابلة لكل واحد قي بيته
أومأت برأسها وعادت تسألها بـ:
_ طب مش هتأكلي إنتي مأكلتيش حاجة من الصبح
تثاؤبت بنعاس قائلة برفض:
_لا تعبانة مش قادرة صحيني بس بكرا بدري
دلفت لغرفتها متجهة إلى مضطجها دون أن تغير ملابسها لترحل في سبات عميق
....................................................
ذهب إلى منزله بعد أن أطمئن على صديقه وعائلته، بتلك اللحظة رن هاتفه برقم والده السيد "جلال" المنشاوي، تأفف بشدة ثم ضغط على زر الرد وبعده المكبر الصوتي ليضع الهاتف على المنضدة، يستمع لما يقوله والده:
_"جبل" برضه هتنام بعيد عني تعالى حتى النهاردة بات معايا...
مد شفتاه إلى الأمام قبل أن يهتف بصرامة:
_إعتبرني مستقل أنا فعلاً مستقل بحالي بنيت نفسي بنفسي بدأت من الصفر وأهي شركتي أضخم من شركتك ومساعدها حياتي ليا لوحدي بقالك خمس سنين كل يوم تعرض عليا نفس العرض وأقولك لا.
أخرج "جلال" تنهيد حار ثم قال بهدوء:
_برحتك بس أختك كانت عاوزة تشوفك خليك فاكر إن أبوك إستحمل عشانكوا وبقى من غير زوجة برضه عشانكوا أختك محتاجة اللي يصاحبها وأنا وإنت بنسب لها كل حاجة تقدر تقولي هي مين هيقعد ويضحك معاها ويكلمها ويحس بيها
ابتسم "جبل" بثقة وقال:
_ماهو إنت لو شاغل بالك بيها كنت عرفت إنت أختي بتكلمني كل يوم وخلي بالك "مرام" جاية عندي أما تسافر.
يعلم والده أنه إذا رفض سينفذ إبنه ما يريد، تحدث بحنق:
_ماشي المهم الصحفية اللي كانت موجودة في عزاء "عزمي" باشا جاية بكرا عشان صفقة نجاحك إتصلوا بالمسؤول عن مواعيدك مردش فأتصلوا بيا وكمان هتروح لحمدي.....
ابتسم "جبل" بانتصار ثم قال لنفسه:
_ حلو أوي هي فاكرة إني مش هشوفها تاني وأهي جاية لي برجلها....
_________________________________
يتبع........................................................

رواية النمر الجامح الفصل الثالث 


أشرقت الشمس لتعلن عن صباح يوم جديد، وكالعادة لم تستيقظ "ملاك" إلا حين دخلت "سامية" وفعلت ما تفعله كل يوم، ولكن هذا الليلة تشعر "ملاك" بأنها ليست بخير مما دفع "سامية" أن تقول بهلعٍ:
_اعتذري يا بنتي شكلك تعبان
لاح على ثغر "ملاك" بسمة صغيرة حتى تجعلها تطمئن ثم قالت بهدوء:
_متقلقيش يا "سوسو" أنا مش تعبانة هما شوية صداع يا حبيبتي بس يالا جهزيلي الفطار خليني أنزل
أومأت "سامية" برأسها بحب ثم خرجت وتركتها تختار ملابسها التي ستذهب بها تلك المقابلة، والتي كانت عبارة عن جيب من الكلاسيك لونها أسود وقميص أبيض، أخرجت حذائها الجملي ومعه حقيبة من نفس اللون، ارتدتهم وبدأت في تسريح شعرها لتعقده كذيل الحصان، تنهدت بقوة لتقول بعد ذلك بتوتر:
_ناسية إيه ياربي؟
تذكرت بأنها لم تخرج أشيائها من الكمود ولم تضعها في حقيبتها، بدأت في ترتيبها ثم خرجت لتجد "سامية" جهزت لها وجبتها، ووضعت لها في علبة صغيرة بعد الفواكه، انكمش حاجب "ملاك" باستغراب وقالت باستفسار:
_إيه العلبة دي يا "سوسو" أنا هاكل بس
التفت برقبتها نصف التفتا لتنظر لها بحد وترد عليها بـ:
_حضرتك بتفطري حاجات قليلة وطول اليوم بتشتغلي وبترجعي يا بتتعشي يا لا بقيتي زي اللقمة هتلاقي نفسك فجاة وقعتي من طولك وساعتها أنا هزعقلك
ابتسمت "ملاك" بحب لتخرج من فاهها بعض الكلمات بحب:
_خلاص خلاص هاخدهم معايا يا ست
ثم جلست على مقعدها لتبدا في تناول القليل من الطعام، وبعد ذلك تأخذها علبة الطعام وحقيبتها وتردف بـ:
_يالا همشي يا "سوسو" ادعيلي
حملقت بها "سامية" بغضب لتصرخ بوجهها:
_يا بنتي فين أكلك هو لقمتك اللي هتاخرك عن شغلك وبعدين ولا شربتي عصير ولا شربتي لبن
_ما إنتي عارفة مش بحب اللبن بصي هشرب حبة عصير وبعدين لازم أكون خفيفة قبل ما أمشي وروح الشغل
يائست معها فهي تعلم بأن "ملاك" عنيدة جداً، قامت حتى توصلها إلى باب الشقة، بعد أن وصتها بـ:
_النهاردة بالذات خلي بالك من نفسك عشان شكلك تعبان ولو حسيتي بأي تعب ارجعي بسرعة
قهقهت "ملاك" بشدة من تصرفات المربية معها لتصرخ بمزح:
_حاضر حاضر والله هما شوية صداع بس
_ماهو الصداع دا من قلة الأكل عرفتي
رفعت "ملاك" أنفها لتداعبها ثم وضعت يدها على خدها لترد عليها بشقاوة:
_ها ها ها دا تفكيرك دا أنا باكل كتير وبعدين يا قلبي لازم الواحد يحافظ على وزنه وجسمه
تركتها بعد إنها حديثها وذهبت إلى المقابلة التي تنتظرها، ابتسمت "سامية" التي قالت بدعاء:
_ربنا معاكي يا بنتي و يوفقك يا حبيبتي
....................................................................
في فيلا آل عزمي
استيقظوا جميعاً وجلسوا على مائدة الطعام، مازال الحزن يسكن قلبهم، كان "مالك" ينظر للجميع بشك، يريد أن يعلم من وضع السم بطعام جده، تحدثت "دنيا" بفضول مما جعله ينتبه لها:
_"مالك" إيه اللي شغلك وليه بتبص للكل كدا
ابتسم "مالك" لها ثم وقبل أن يرد حدق بخادمه وأمره بـ:
_دوق كل الأطباق اللي قدامنا يا "محسن"
تقدم بالفعل "محسن" وتذوق من جميع الأطباق، ليتأكد بعدها "مالك" بأن الطعام لم يحمل مكروه، بتلك اللحظة أشار لهم بأن يأكلوا، ثم عاد يتحدث مع "دنيا" بحنو:
_مفيش يا حبيبتي بس خايف عليكوا مش أكتـ...
توقف عن حديثه حين صدر صوت هاتفه وكان المتصل والده، ابتسم بسخرية ليمسك بعد ذلك هاتفه ويحطمه مما جعل زوجة عمه تقول بغضب:
_مالك يا "مالك" في إيه يا حبيبي ومين اللي اتصل
_أبويا اللي ما يستحقش ارد عليه اللي عمله ما جدي هعمله معاه يا طنط "عبير" أنا لسه مضايق منه..
قامت "عبير" من مكانها لتتقدم باتجاهه متحدث بحنو:
_لا يا حبيبي مينفعش كدا يا "مالك" اللي بتعمله دا غلط أنا مش حابة حد فيكوا أبداً يشيل الحزن او الحقد في قلبه فاهمين
قبل "مالك" يدها متحدث بفخر:
_هفضل فخور إنك من عيلتي إنتي بتقفي جنب العيلة في كل الظروف عمرك ما مليتي أخدي بالك مننا كلنا أنا بحبك يا "بيرو"
ملست "عبير" على شعره ثم قبلت رأسه وعادت حتى تجلس بمكانها، بهذه اللحظة دخلت "مرام" والتي لم تقدر على حضور العزاء بسبب أنها تمرض حين تجلس في عزاء والجميع من حولها يصرخون، تشعر بأن قلبها يتمزج، قامت "ريناد" بصراخ طفولي:
_"مرام" جت أيوا بقى!
استدار بتلك اللحظة "مالك" ليجد صغيرته التي تتميز بقصر قامتها، بشرتها بيضاء، شعرها أسود ينسدل حول رقبتها، تقدمت للأمام وبكل حزنٍ قالت:
_آسف والله كنت هاجي امبارح بس مقدرتش وبابي قال روحي بكرا فجيت أول ما الشمس طلعت إنتوا عارفين قيمتكوا عندي
تنهد "مالك" الذي قال باقتضاب:
_اقعدي افطري يالا
لم تبالي له فهي تعلم شخصيته حين يحزن، انحنت حتى تحضن "ريناد" وبعد ذلك سلمت على "عبير" بحب ثم قالت بهدوء:
_البقاء لله يا طنط وربنا يجعلها آخر الأحزان
ابتسم "مالك" بسخرية ليرد عليها بيقين:
_للآسف هي مش آخر الأحزان
حملقت به "مرام" بصدمة، فما الذي اضحكه وما الذي يقوله، ايرد أن تكون عائلته في عذاب وحزن، ردت عليه باستفسار:
_مش فاهمة يا "مالك" هو إنت عاوز حياتكوا يكون فيها حزن
قام من مكانه ثم أشار لها أن تجلس وهتف بـ:
_عشان كلنا هنموت يا "مرام" بلاش ساذجتك دي الدنيا عذاب والفرح فيها مش هيخلص ولا حتى الحزن وبعدين دا نصبنا في الحزن كبير أوي حتى ما بنلحقش نفرح اقعدي كلي
حديثه صحيح لا أحد يعلم كم تنزف بسبب كل حزن بداخلها بالفعل هو على صواب، ابتسمت لـ "دنيا" وقالت بحب:
_البقاء لله يا "دنيتي"
_ونعمة بالله يا "مرام"
جلست بجانبها، تراقب أفعال "مالك" الذي قام واستعد حتى يغادر من الفيلا بعد أن قال بصرامة:
_إحنا هنعزل من الفيلا وهنمشي من غير ولا خدام هنروح نقعد في فيلا جديد جهزوا نفسكوا هنمشي بعد يوم واحد من دلوقتي
....................................................................
وصلت أمام شركة المنشاوي، صفت سيارتها لتحملق بعد ذلك في البناية التي تقف أمامها، حيثُ أنها فاخمة بشدة، لا يظهر أن مديرها مازال صغير ولم يساعده أحد، بتلك اللحظة فاقت بل فُزعت حين سمعت من يقول:
_مش معقول بصيتي في عربيتي إمبارح وجاي تبحلقي في شركتي عشان بس غرقتك وأنا مستعجل
التفتت له بعد أن ابتعلت ما في حلقها بهلعٍ ثم قالت بخوف:
_يا ساتر يارب في حد يتكلم بالطريقة دي مالك وبعدين هو إنت "جبل" بيه المنشاوي صاحب الشركة
مد شفتيه للأمام ثم قال بفخر:
_والله بيقولوا
ليضيف بعد أن صمت قليلاً:
_تعرفي إنك الوحيدة اللي شفتها مرتين في حياتي مع إن دا مش بيحصل مع كل اللي بشوفهم
ابتسمت بسخرية لترد بعد ذلك قائلةٍ باستفزازٍ:
_والله أنا كنت بتمنى إني ما شوفكش أولاني عشان أشوفك تاني ولو أعرف إنك "جبل" لكنت والله اعتذرت عن المقابلةوخليت حد زميلي يعملها ما علينا ممكن أخد من وقتك شوية عشان أعمل مقابلة معاك
رفع حاجبه بلا مبالاة ليتركها ويرحل بدون حديث، كيف له أن يهينها هكذا، هو ليس إلا عديم ذوق وأخلاق، دبت بأقدامها بالأرض بقوةٍ لتردف بصراخ خافض:
_هتفضل قليل الذوق والله ما عندك دم
ثم ذهبت وراءه حتى تنتهي من العمل التي جاءت من اجله، صعدت معه بنفس المصعد الكهربائي، لتقف بنفاذ صبر تتأفف، مما جعله يقول بنبرة ساخرة:
_اللهم طولك يا روح بقولك يا بنت الناس أنا مطلبتش اقبلك أصلاً ولو عاوزة تمشي وتبعتي زميلك عادي وخليكي واثقة إنتي لو راجل كنت ذليته عشان ياخد معلومة بس معملتش معاكي كدا فتعدلي معايا
لم تهتم لحديثه، بل واقفت المصعد قبل الطابق الذي يتقن مكتبه فيه، خرجت منه تحت أنظاره المندهشة، هذه أول من بغضته ولم تحب حتى وسامته ولا قوته، متمردة بطريقة تجعله يضعها بجمجمته وبرغم من أنه لم يعجب بها قط في الليلة الماضية، ولكن يريدها ليس لتعدل له مزاجه وتكون أسيرة فراشه ليلة بل ليعلمها درسًا، يرد أن يخسرها كبريائها وكرامتها، دخل معركته وسينتصر ولم يخرج مهزوم هكذا وعد نفسه، قفل المصعد وعاد يصعد للطابق المطلوب وبالفعل ما هي إلا ثوانً ووصل "جبل" للمكتب الذي كان يأخذ مساحة الشركة باكمالها، تحدث بأمر للسكرتيرة الخاصة به:
_في صحفية جاية ياريت تقول لها إن "جبل" باشا مشغول لتقعدي وتستني لتمشي.
أومأت له السكرتيرة بطاعة، ليدلف بعدها إلى مكتبه
...................................................................
_قصدك إيه يا بني؟
كان هذا ما خرج من فم "عبير" والتي اوقفته قبل أن يغادر، تحدث أيضاً كل من "ريناد" و "دنيا" بنفس واحد:
_لا يمكن نسيب الفيلا دي آخر ذكرة من روح جدو
بصرامةٍ حملق بهم، رفع حاجبيه ثم أشار لهم بأمر:
_هنروح ودا لمصلحتكوا كلكوا ومتخافوش الفيلا الجديد بتاعت جدي وذكرياته كلها فيها.
تشاجروا جميعاً أمام "مرام" التي تحدق به بصدمة، تفكر هل لصاحب القلب الطيب أن يتحول للقسوة بلحظة، فاقت على انتهاء الموضوع هذا بانتصار "مالك" في اقناعهم، لم تقدر على الجلوس أكثر حيثُ صدر رنين هاتفها برسالةٍ ما، قامت من مكانها وقالت باستئذان:
_طب همشي أنا سلام
رفعت "دنيا" رأسها بصدمة، تستغرب رحيلها الباكر، أمسكت أناملها وردت برجاءٍ:
_اقعدي شوية
انحنت، مرام" قليلاً لتقبل رأسها وتهمس لها بـ:
_معلش يا "دنيا" لازم أمشي وهجيلك تاني والله بس في الفيلا الجديدة إنتوا بتستعدوا للنقل.
أومأت "مرام" رأسها، توافقها على حديثها، مما جعل "مالك" يقول باستعجال:
_طب يالا هوصلك في طريقي
_لا السواق برا متقلقشي
_عاوزك يالا مستنيكي في عربيتي
لا تعلم لِمَا يعاند بكل شيءٍ، هي لا تريد أن تغادر معه، تبغضه حين يكون غاضب، لا تريد أن يتدخل في حياتها ويتعامل معها بصرامة، لا تحب من يأمرها، تفضل ألا يكون بحياتها قيود.
خرجت وراءه ومازالت عند رأيها، سترحل بمفردها في سيارتها، كان يقف ينتظرها، تحدثت به بنبرة جادة:
_كنت عاوز إيه يا "مالك"
وضع نظارته على مقلتيه بوقار، ثم أشار لها أن تصعد ولكنها قالت بحزمٍ:
_معلش يا "مالك" هروح في عربيتي أنا عندي مشوار تاني وبعدين هروح.
_مشوارك فين؟
تلعثمت قليلاً قبل أن تجاوبه بـ:
_حاجة شخصية
_اممم طب اركبي وإلا مش هيحصلك كويس
تأففت بشدة من طريقة تعامله معها، صعدت بالسيارة، ليحرك مكبحها وينطلق بها..
.........................................................................
_لو سمحت عندي معاد مع "جبل" بيه
هذا ما قالته "ملاك" فور وصولها لمكتب "جبل" والتي إنذهلت من كبر حجمه، الطابق باكمله له فقط، كانت تحدق بالمكان بـ اِنبهار شديد، انتبهت بهذه اللحظة إلى رد السكرتيرة التي قالت ببسمة صغيرة:
_آسفة يا فندم للآسف الشديد الباشا عنده شغل فلو حابة تستنيه اتفضل مش حابة خدي معاد جديد
تأففت بشدة، كيف له أن يكذب، ما الانشغال الذي أصابه في تلك اللحظة، معادها بهذا الوقت، كيف له أن يتحجج حتى يهينها، لا يحترم مواعيده، جلست تنتظره، ساعة تليها الأخرى لتصبح الثانية عشر ظهرًا، التعب اشتدت عليها، حست بأن هناك دوران يدور بجمجمتها، أغمضت عينها بتعب ثم وضعت يدها على أنفها، ابتلعت ما في حلقها لتقوم من مكانها وتقول بحنق للسكرتيرة:
_تلت ساعات أنا هنا معادي الساعة 8 ونص كل دا مشغول لحظي إني مش فاضية عندي مواعيدي
بكل برود ردت عليها السكرتيرة بـ:
_يا فندم دا شغلي و"جبل" باشا عنده شغل أما يخلص هيطلع
_اممم
تلك الحركة فعلتها من فمها قبل أن تقول بكبرياء:
_تمام وأنا همشي ومش هرجع هنا تاني بس هكتب اللي حصل في الصحافة وهقول إن "جبل" المنشاوي مش بيحترم مواعيده فازاي بينجح ممكن يكون بينجح بالخداغ
_لا بس "جبل المنشاوي" مش بيلتزم بمعاده غير مع الناس اللي بيحترموا وجوده تمام اتفضلي أنا خلصت شغلي
هذا ما خرج من فم "جيل" الذي خرج وسمع حديثها لتحملق به "ملاك" بغضب وترد بـ:
_لا شكراً أنـ...
لم تكمل كلامها حيثُ وقعت مغشى عليها، ليصرخ بها "جبل" بجمود:
_"ملاك"!!
........................................................................
_مش ناوية تقولي فين مشورك دا!
كان هذا ما أردفه "مالك" بغضب،مما جعلها ترد عليه بتمرد:
_لا
صرخ بوجهها بعد أن أوقف مكبح سيارته ليجعل جسدها يفقد توازنه ويندفع للأمام لولا حزام الأمان لكانت رأسها انجرحت، حدقت به بفزعٍ ثم وبعلو صوتها قالت:
_إنت غبي يا "مالك" لو موت جدو خلاك تبقى مريض نفسي يبقى على نفسك فاهم ولو لا
_لا..!
كانت هذه كلمته الذي أخرجها من فمه ببرود شديد ليكمل بعدها حديثه بانفعال:
_أنا عارف اللي بيحصل أوعي تكوني فاكرة إني نايم عن تصرفاتك
حملقت به بغضب ومن ثم قالت بجموح:
_وبصفتك مين عشان تكون نايم أو صاحي على اللي بيحصل مين إنت يا "مالك" عشان تصرفاتي متعجبكش أخويا أبويا لا
لوى ثغره بسخرية ليرد عليها بعد ذلك بيقينٍ:
_لا ولا أخوكي ولا أبوكي بس خطيبك اللي هيتجوزك واللي طلب إيدك تمام
قهقهت بشدةً حيثُ أن حديثه كان كمزحة بالنسبة لها، ردت على حديثه بنبرةٍ ساخرة قائلةٍ:
_واو بجد طلبت إيدي وأنا مش موافقة خالص أنا وإنت مش هينفع نرتبط تاني خلاص خلصنا
جذ على نواجذه بغيظ شديد فى حديثها لم يعجبه، تحدث بعصبيةٍ:
_والله وليه إن شاء الله هو أنا عملتلك إيه لكل دا عرفيني بقى
وبأعين دامعة أجابته:
_إنت عارف كويس إنت عملت إيه يا "مالك" نزلني لو سمحت
قهقه "مالك" بشدةٍ فحديثها جعل غضبه يزداد، رفع سبابته بوجهها ثم قال بتوعد:
_أقسم بالله يا "مرام" وبأقسم كمان بحبي ليكي لهتجوزك وهتشوفي بس أشوف المشاكل اللي فوق رأسي وهتلاقيني فوق رأسك
رفعت "مرام" حاجبها باستغراب وقالت بتساؤل:
_واللي هيبقى إزاي ونبي قول لي عشان أبقى واخدة باللي ونبي قول عشان أبقى عاملة حسابي بس
بتلك اللحظة فضل أن يرد عليها بخبث حيثُ أنه فتح ذراعيه وأشار لقلبه وقال بعشقٍ متيم:
_داخل حضني وعلى سريري اللي هيكون سريرك وفي شقتنا وعلى سُنة رسول الله وهتشوفي يا
ثم وقبل أن يكمل كلمته توقف حتى يغمز لها يأعينه ويقول بعد ذلك:
_عروسة يا عروستي الحلوة يالا وصلنا إنزلي
بعد أن أوقف مكبح سيارته أمام منزل ال منشاوي، صمت إلى أن نزلت من السيارة ثم مد شفته للأمام وقال بتحذير قاتل بعد أن رفع نظارته الشمسية:
_تطلعي فوق ولو عرفت إنك نزلتي هطلع خنقتي عليكي ومتقلقيش السكن الجديد هيبقى قريب منكوا.....................................................................................................................................
يُتبع ..

رواية النمر الجامح الفصل الرابع


الرواية متوفرة كاملة على مدونة يوتوبيا
ولكن لا تظهر سوى بعد كتابة تعليق.


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-