رواية وعشقها ذو القلب المتبلد الحلقة الثانية والثلاثون 32 بقلم آية محمد

رواية وعشقها ذو القلب المتبلد الحلقة الثانية والثلاثون 32 بقلم آية محمد

رواية وعشقها ذو القلب المتبلد الفصل الثاني والثلاثون 
رواية وعشقها ذو القلب المتبلد الجزء الثاني والثلاثون 
البارت 32
رواية وعشقها ذو القلب المتبلد الحلقة الثانية والثلاثون 32 بقلم آية محمد
بكى كالطفل الصغير ولأول مرة منذ أعوام يزوره بقبره فكان يخشى الأقتراب فقط ولكن هذة المرة أراد ذلك وبشدة، ربما يخفف البكاء الآلآم المتراكمة من شعوره بالندم، هزم خوفه من ذهابه المقابر بمثل هذا الوقت ولكنه بأمس الحاجة لذلك...
خلع "جان" جاكيته ليلقي به أرضاً وجلس ليستند برأسه علي الشجرة الصغيرة المزوعة لجوار القبر الصغير الذي سكنه رفيقه ويسكنه الجميع، مساحة صغيرة للغاية لا تتسع سوى شخصاً واحداً بالكاد لذا لا يوضع معه منزله الفاخر ولا ماله الوفير أو سيارته ذو الماركة العالمية، فقط يبقى معك العمل الذي حصدته طوال فترة حياتك!...
خرج صوت "جان" الباكي بعد فترة قضاها بالصمت ليتحدث بتأثر ونظراته مسلطة علي اللافتة الصغيرة الحاملة لأسم رفيقه:
_عارف أيه أصعب لحظة بتمر عليا...
وجفف دمعات عينيه بأطراف أنامله ليستكمل حديثه الهام بكلماتٍ باكية:
_لما بفتكر اللي حصلك بسببي...
وأشار علي موضع قلبه بألم:
_إحساس بشع مش بقدر إتحمله فبلاقي نفسي بهرب من غير أي دافع....
لم يعبئ بجلوسه أرضاً فعقليته وحياته لم تمنحه التعارف على قواعد وأساسيات الدخول للمقابر، كل ما شعر به حاجته الشديدة للحديث،للبوح عما يتعب الصدر ويؤلم القلب حد الموت!، إستنشق الهواء من فمه بصوتٍ مسموع وكأن أنفه لم تمده بالهواء المطلوب ليخفف غصة القلب المؤلمة ليعود للحديث الذي ينبش حوائط الماضي من جديد:
_أنا كل يوم بموت بالبطيء يا "خالد"، ربنا عاقبني وحرمني ٥سنين من اكتر إنسانة حبيتها، كانت جانبي شبه ميتة كنت بشتكي ليها ومش بتطمني، أنا عشت عذاب صعب يتوصف...
وإشتدت به الأوجاع فقال بصوتٍ مبحوح من إختناق تنفسه :
_دفعت حياتك يا "خالد" قصاد لحظة سكوتي، إتعاملت مع اللي حصل ببرود ومتوقعتش للحظة أنك ممكن تضحي بحياتك....
وإسترسل حديثه مجدداً بتأثر مما فعله :
_أنا كنت أعرفها قبل ما انت تقابلها، منكرش إني أول مانت عرفتني عليها على أنها خطيبتك فرحت عشان نجدد علاقتنا اللي إتقطعت بسفرها، عرفت منها أنها إتقربت منك عشان ترجع اللي فات بينا فأغير من وجودك معاها وإرجعلها وفعلاً دا اللي حصل يا "خالد"، بس وقسماً بالله ما خنتك ولا عرفت أعملها، أنا إتظلمت باليوم دا صدقني أنا معرفتش أكون خاين ليك...
قال كلماته الأخيرة بدموع لا حصر لها وبندم لا فائدة له لعدما خسر رفيق دربه، فربما عليه كشف الحقيقة كاملة حتى لا يفقد صديقه الأخر....
************
تطلع لمن يقف أمامه بذهول فنهض عن الأرض ليقف أمامه قائلاً بدهشة:
_عرفت مكاني منين؟.
خلع "رحيم" نظارته القاتمة ليجيبه وهو يتحاشي النظر بالأرجاء! :
_الحرس لمح عربيتك وإحنا رجعين القصر فنزلت أطمن عليك لحد ما وصلتلك هنا...
تدفق دمعات "سليم" التي تركت أثراً كبيراً على وجهه جعله يتساءل بلهفة :
_أنت كويس؟..
وكأن كلمته لامست أحزانه العميقة وهو بحاجة له ولأي دعم يحتضنه مما يشعر به فأشار برأسه بالنفي ليردد بأنكسار يرأه به "رحيم" لأول مرة:
_أنا إنتهيت يا "رحيم"...
ضيق عيناه بذهول لرؤية "سليم" منكسر لهذا الحد ولأول مرة، رفع يديه علي كتفيه بهدوء وكأنه يحاول التهرب من المكان المتواجد به :
_طب تعالى نتكلم بره...
خوفه نابع من القلب بوجوده ببيت الله حاملاً ذنوباً فاضحة، كاد "سليم" بأن ينصاع ليديه ليتبعه للخارج ولكنه توقف قائلاً بأستغراب :
_مش هتصلي الفجر او ركعتين للمسجد بما أنك دخلته!...
جف حلقه من صعوبة إجابته، المكان الذي كان يعشق ريحه أصبح يخشاه بمعاصيه المخجلة، لا يعلم بماذا سيجيب إبن عمه علي سؤاله الذي لا ينبغي له الرفض علي طاعة الله المحببة، أشار له بعدم وعي لما يفعله فأمامه سجل يعاد له حينما كان يتسابق بالطاعات ويزور المسجد يومياً بنشاط حتى أنه إذا شعر بالكسل مرة ليؤدي صلاته بالمنزل كانت والدته تعنفه بقسوة، وقف أمام صنبور المياه لمرحاض المسجد بأرتباك، أعوام مرت عليه جعلته ينسى فرضه فلم يعد يتذكر كيف يتوضأ ليلبي نداء ربه!...
من بعيد كان يتابع مسؤول المسجد حديثهما بعدما أنهى تلاوة كتاب الله العزيز فلحق برحيم للداخل ليجده ينظر للمياه بحيرة وهو منحسر بين طفولته وافعاله الشنيعة، جسده يرتجف خوفاً من لقاء الله ممتلأ الذنوب بأبشعها، حتى أنه لم يمر يوماً دون تناوله للخمر وغيرها من محرمات...
وقف الشيخ لجواره ليبدأ بالوضوء ببطء لكي يتابعه رحيم ويتبع خطاه، علم "رحيم" بأنه يريد مساعدته بدون أن يتسبب له بالحرج..
إبتسم بخفة حينما تذكر بأن الله سبحانه وتعالى يخصص للعباد جند من السماء وأناس ترسل بمواقف يكن بها العبد بأمس الحاجة لربه، فربما مر من هذا المكان ليصيله الله لبيته الطاهر ويكون السبب إبن عمه!..
إتبع خطوات الشيخ المبجل ومع كل عضو يغتسل داخلياً كالذهب الذي إنطفيء أسفل غبار عتيق يزيح تدريجياً، رأى ذاته أمامه حينما كان يغتسل براحة نفسية قبل أن تقتلع تلك العاصمة جذوره الطيب، خرج خلف الشيخ بمنتهى الهدوء ليقف جواره ويتبعه خطوة خطوة وخلفه يقف حرسه الخاص بذهول مما يحدث معه....
إنحنى لله وحده ثم سجد لتنزاح حواجزه فلم يعد يشعر بدمعاته التي حررت من أسر كبريائه أمام قوة لا تضاهي قوته كون بأكمله، أمام الله عز وجل، وكأنه طفل صغير حرم من أحضان والده لأعوام عديدة فأحتضنه بشوق وندم وعتاب وألم...
أنهى الشيخ صلاته ثم جلس ينتظره حتى انهى "رحيم" صلاته هو الأخر ليتطلع للشيخ المبتسم بود له، وجهه مشع بنوراً غامض رغم إسمرار بشرته وكأن قوة إيمانه جعلت الضوء يجعلها منيراً بنوراً ربانياً، أشار الشيخ ذو الخمسون عاماً لرحيم قائلاً بمحبة وغموض بحديثه حتى لا يحرجه:
_باين أن مشوارك كان طويل...
إبتسم "رحيم" لتفهمه ما يود الشيخ الفاضل قوله فأجابه بألم:
_طويل ومؤلم وكله معاصي يا مولانا...
ربت علي قدميه بثبات عجيب والسبحة بيديه الأخرى :
_مهما طال يا ولدي نهايته بيد الخالق بيغيرها كيف مهو رايد زي الجلوب بالظبط...
بدى بلهجته بأنه من الصعيد فشعر "رحيم" براحة بالحديث معه حتى أنه ود لو ظل جواره عمراً كاملاً يستمع إليه ولحديثه الطيب، فقال بتأثر :
_في طرق بتكون فيها عقبة او إتنين وطرق تانية كلها عقبات يا شيخنا...
إبتسم الشيخ ذو الوجه الحسن ليحرك يديه علي السبحة الزرقاء بهدوء :
_العقبات عشان تقربنا من رب العباد يا ولدي، حطها بطريق عبده عشان يقول يارب ويفتكره، يطلب منه السماح والعون ووجتها يا ولدي بيبعتله الفرج...
أجابه "رحيم" بحزن إلتمسه بنبرته الجافة:
_الفرج للمؤمن اللي ربنا حابه يا شيخ...
أشار له ليستوقفه عن إسترسال كلماته قائلاً والبسمة لا تفارقه :
_لا يا ولدي ربنا عادل علي عباده كلهم، بيدي العاصي أكتر من فرصة لأجل انه يرجع عن طريقه وبيمتحن المؤمن بحياته وبنهاية طريق دا ودا الفرج يا ولدي لأجل نشوف بعيونا النور والمكافأة للصبر والدعوات...
تاه بكلماته فحينما شعر الشيخ بأهتمامه لسماع المزيد فأستكمل حديثه بمحبة :
_زي مأني متأكد انه بيحبك فجابك لحد بابه وزي ما سخرني أني أشوفك بالوقت دا وأرجعك للطريق الصحيح والأختيار بيكون ليك أنت...
أشار له بأستنكار ليعترض علي جزء من حديثه بألم:
_بس أنا عملت ذنوب كتيرة أوي صعب انه يغفرها..
أجابه بحكمة وبود بحديثه ليجعله يشعر بأنه بصفه :
_إعترفك بأن عندك ذنوب دي بداية طريق التوبة يا ولدي، وكل دي مؤشرات أن ربنا رايدك تبعد عن طريقك وتسلك الخير...
ثم إعتدل بجلسته ليريح قدميه اليسري أرضاً ليستكمل حديثه:
_ربنا غفوراً رحيم يا ولدي، مبيردش عباده مكسرين الخاطر، إجتهد بطاعاتك وإبعد عن الذنوب اللي إنت بنفسك إعترفت بيها ووقتها هتحس بالفرق بنفسك وهتحس برضا ربك عليك...
_"رحيم"!..
قطع صوت" سليم" الحديث بينهما حينما أتى ليتفقده بعدما تأخر بالذهاب إليه بالسيارة، نهض" رحيم" عن الأرض ليبتسم للشيخ بود وبوقار :
_شكراً علي كلامك وكل حاجة عملتها بأحترام عشان متحرجنيش...
وتوجه للخروج ليستوقفه الشيخ قائلاً بنصيحة غير مباشرة :
_كرر زيارتك، خالينا نشوفك..
أشار له بأحترام :_أكيد يا شيخنا..
وخرج من المسجد ليجلس جوار "سليم" بالسيارة ليتحرك بهم السائق على الفور....
عاد لقناع ثباته الملازم له قائلاً بهدوء:
_مش هتقولي مالك؟...
مال برأسه علي نافذة السيارة قائلاً بغموض يعتصره :
_إرتكبت ذنب كنت عايش طول حياتي خايف منه وياريت كدا دا أبشع من تخيلاتي...
تطلع له "رحيم" بعدم فهم فأشار له بدمعة شقت الطريق علي وجهه:
_كنت خايف أغلط مع "ريم" قبل ما أعلن جوازنا بس اللي حصل أبشع من دا...
رمقه بنظرة شك ليصيح بنفاذ صبر:
_في أيه يا "سليم"؟!..
قص عليه سريعاً ما حدث منذ تناوله للقهوة وفقدانه للوعي ثم إستعادته لوعيه علي كارثة بشعة، ختم حديثه بأنين يصافح عذاب روحه :
_هو دا اللي حصل، أنا إعتديت علي بنت يا "رحيم" ومش عارف عملت كدا إزاي!!...
ضيق عيناه بغموض وهو يستمع لأطراف قصته فربما نسى" سليم" بأنه يتحدث مع ضابط شرطة محترف، خرج عن صمته المطول قائلاً بشك:
_البنت دي شغالة معاك من أمته؟..
أجابه "سليم" بأستغراب:
_من حوالي أسبوعين، ليه؟!..
تجاهل سؤاله عن عمد ليستكمل حديثه الشبيه بتحقيق المباحث:
_شركة بالحجم دا أكيد فيها كاميرات مرقبة..
أجابه" سليم" بتلقائية دون أن يعي ما يقول :
_طبعاً الشركة كلها كاميرات وخاصة مكتبي ومش مكشوفين لحد أنا بس اللي عارف مك...
بترت كلماته حينما عاد يسترجع كلماته بعقل ليردد بصدمة:
_أنا بس اللي عارف مكانها...
إبتسم "رحيم" بخبث شيطاني ليوجه حديثه للسائق غير مبالي بأبن عمه الذي يعيد حديثه بوعي:
_إطلع على الشركة...
أشار له السائق بأستغراب لمثل هذا الوقت:
_تحت أمرك يا باشا..
سأله "سليم" بتوجس وخيبة أمل:
_وأنت هتعمل أيه بالكاميرات يا "رحيم" ما اللي حصل حصل..
أجابه بثبات دوت النظر إليه :
_الموضوع دا متدبر يا "سليم" مش طبيعي..
تطلع له "سليم" بأستغراب من ثقته البادية بحديثه فحتى هو يتمنى أن يكون حديثه بالصائب ليريح عذاب ضميره القاسي...
**************
طرق باب المنزل غير عابئ بتأخر الوقت فقلبه يأن ألماً على دمعات معشوقته، أفاقت من نومها بخوف وخاصة بعدم وجود أبيها بالمنزل فعمله يحتمه علي السفر أسبوعياً.
وقفت "سلمى" خلف الباب لتردد بخوف ملحوظ :
_مين؟!..
أتاها صوته المنكسر فلهجته جعلتها ترتجف هلعاً عليه:
_إفتحي يا "سلمى"...
لم تتردد لثانية واحدة بالتفكير ففتحت الباب مسرعة لتجده يقف أمامها بملابس شبه متسخة وملامح منهمكة من أثر البكاء، وكأنه لا يستطيع من الوقوف بشكلاً مستقيم، أسرعت إليه بهلع وخاصة حينما إنتبهت لأستناده علي الحائط المجاور لباب منزلها فتمسكت به بخوف:
_انت كويس؟..
شعر بأن العالم يلتف من حوله، فأستند عليها لتتحرك به للداخل، ساندته حتى جلس علي أقرب مقعد لتنحني مقابله بقلق:
_"جان"!...
أغلق عيناه لبرهة ليحجب صداع رأسه القاسي فأسرعت للداخل لتجلب كوباً من المياه فقدمته إليه حتى تناوله بأكمله كأنه كان ظمأن لعامٍ كامل، وضعت الكأس لجواره وكادت بالتوجه لتصنع له كوباً من العصير ولكنه تمسك بمعصمها قائلاً بصوتٍ يكاد يكون مسموع:
_كدابة يا" سلمى" متصدقهاش...
اجابته بقلق علي حالته :
_مش مهم كل دا، طمني عليك الأول...
لم يجيبها علي سؤالها وإستكمل حديثه وهو يجاهد نومه المفاجأ :
_من يوم ما دخلتي حياتي وأنا معرفش ست غيرك، صدقيني أنا قطعت علاقتي بيها من زمان...
قال كلماته الأخيرة ليصاحبها نوماً عميقاً وكأنه وجد الراحة أخيراً، تأملته بنظرات عاشقة، لطابما حماها وكان لجوارها على الدوام، قلبها يرفض تصديقها وكذلك عقلها ولكنها تخشي شيئاً يصعب وصفه، شيئاً خلق بالنساء يجعل خوفهن يلازمها من أبسط الأشياء فتكون الأنثى بحاجة للطمأنينة، تعلم بأن زوجها من المحال خيانتها ولكنها تحتاج لسماع ذلك كثيراً، مجرد ربط أسمه بأخرى حتى ولو كان بالمزح يجعلها تعاني حد الموت، غيرتها مشتعلة كالجمر، تريد زوجها وحبيبها لها وحدها، غير مصرح لأحداً اخر بمجرد التفكير به...
جلست أرضاً أسفل قدميه تحرره من حذائه ثم جذبت مقعد أخر لتضعه أمامه لتضع قدميه علي المقعد ثم داثرته بغطاء من غرفتها لعدم مقدرتها على مساندته للفراش، جلست على الأريكة المقابلة إليه تتأمله بنظرات هائمة ما بين العشق وتذكر ذكرياتها التي جمعتها به لااذكر كل موقف كان به لجوارها فكان خير الزوج والحبيب...
****************
فض "سليم" الكاميرات لتعرض من أمامهم أخر مشاهد لليوم فكان يتابع عرض الشاشات بأنفاس تكاد تنقطع ولهفة مخيفة تسيطر عليه، ظهر "سليم" من أمامهم وهو يفقد وعيه تدريجياً علي أثر كوب القهوة الذي تناوله، ثم بدأ يستفيق بعد ما قرب للخمسة دقائق بحالة تشبه السكير الذي تناول جرعة مكثفة من الخمور، نهض عن مكتبه بحالة غير متزنة فدلفت "هنا" من الخارج حاملة لعدد من الملفات ليقترب منها "سليم" بطريقة مخجلة ثم بدء بالأعتداء عليها...
لم يحتمل "سليم" مشاهدة ما يحدث فأشار لرحيم بصراخ:
_كفايا..
أنصاع لرغبته وأغلق الجهاز من أمامه ليحتضن "سليم" رأسه بصدمة فالأمر أصبح واقع محتوم لا يعلم بأنها نصبت شباكها جيداً للأيقاع به، تعلم بأن هناك كاميرات بمكتبه ومن المؤكد سيلجأ لها لذا كان عليها أن تخوض التجربة طبيعياً حتى وزن كانت ستخسر شرفها ولكنها ستكن معه بنهاية الأمر لأنها تعرف كيف يفكر جيداً، أطاقت علي ذاتها ما فعلته لتنال ممن عشقته؟!..
غضبت ربها وهتكت عرضها ولم تصن عرضة أهلها لتنال حرباً رخيصة السعر لتفرق بين عشقٍ نبض بالقلوب منذ الطفولة...
إحتضن وجهه بيديه فلأول مرة يشعر بعدم الأتزان لما فعله، تركه "رحيم" وتوجه تجاه الطاولة الموضوع عليها كوب القهوة الفارغ فقربه من أنفه ليستنشق ريحه جيداً، بدى علي وجهه الانزعاج الشديد ليستدير لسليم بغضب :
_زي ما توقعت البنت دي عملت كل دا عشان توصلك ..
رفع عيناه إليه بسخرية:
_أعقل الكلام في واحدة هتعمل كدا بنفسها!..
وضع الكوب من أمامه لينحني علي المكتب ليكون مقابله ثم أشار له على شاشة العرض:
_أنا مش شخص عادي يا "سليم" انا أقدر أميز كويس اللي بقولهولك، ملامحها اللي بالفيديو دا متوحيش ببنت بتتعرض للأغتصاب...
ورفع الكوب مستكملاً حديثه المحلل لما حدث:
_القهوة دي فيها نوع من المخدر المذهب للوعي زيه زي الخمرة بالظبط ويمكن ألعن لأنه بيثير الشهوات فهمتني؟!..
إبتسم بسخرية تحمل الألم بمكنونها:
_حتى لو كلامك دا مظبوط فاللي حصل حصل والغلط مش هيبرر كل دا لأن بالنهاية انا غلطت مع بنت عذراء... حاول تستوعب دا...
رمقه "رحيم" بنظرة متفحصه :
_يعني هتسيب البنت دي تخدعك لمجرد النظرية الغبية دي؟!..
أغلق عيناه بألم :
_تأنيب الضمير صعب أوي يا رحيم وأنا مقدرش اعيش معاه....
إبتسم "رحيم" بغموض فكأن تلك الفتاة تعلم تفكير سليم جيداً ومبادئه فعلمت كيف تصيبه بمقتل،سحب الفلاشة الموضوعة بالجهاز بنظرات مخيفة عازمة علي التصدي لتلك الفتاة البائسة التي ستنقلب اللعبة بأكملها حينما يتداخل الأسطورة بالأمر...
*************
بمنزل "يوسف"...
ظل لجوارها الليل بأكمله حتى الصباح فبدأت بفتح عيناها براحة وبأمان شعرت به بعد عناء طويل قضت معظم أيامه بأعين مستيقظة..
ربت علي ظهرها بحنان:
_صباح الخير على اجمل عيون...
إبتسمت "أشجان" مشيرة له بفرحة لوجودها بمنزلها أخيراً دون قيد :
_صباح النور...
أشار لها بهدوء بعدما نهض ليرتدي جاكيته:_هنزل أجيب فطار وراجع، مش هتأخر
نهضت عن الفراش لترتبه جيداً قائلة ببسمة رقيقة :
_هرتب الشقة لما ترجع...
تذكر ما كانت تفعله كعادتها صباحاً فودعها ببسمة هادئة ليغادر المنزل بينما إستكملت هي عملها المنزلي بحزن حينما طلت على ذكرياتها "حنين" صديقتها المقربة فربما لو لم يعد "مراد" لم كانت تركتها ولكنها إن بقيت أكثر من ذلك لكانت لاقت حتفها لا محالة، تحركت لترتب السراحة فرفعت عيناها علي المرآة لتصعق بفزع حينما رأت زنعكاس صورته بالمرآة فأستدارت بخوف شديد لتجد الغرفة فارغة!، فركت أصابعها بأرتباك شديد فلم يلاحقها؟!، حتى ظله يرفض تركها وشانها، جن جنونها كلما تخيلت صورته بالمرآة فجذبت الطاووس الموضوع لجوار السراحة لتحطمها بقوة والكره يسيطر علي عيناها كالعهد العتيق!!.
*****************
خرجت "سارة" معه بالسيارة لأول مرة للخروج لتناول الطعام سوياً فرصة من "مروان" للتقرب منها فلم تمانع لرغبتها بأن تنسى "ريان" مثلما فعل هو،خرجت معه مغيبة الفكر، ترى "ريان" بوجهه وبوجه جميع المارة حتى حينما حاولت البدأ في تناول طعامها، هوسها جعله الهواء والمياه لها!!!..
***************''
بقصر "رحيم زيدان"..
كان الحزن يخيم علي" نغم" و"ريم" وكأنهما يتقسمان كأساً موحداً من العذاب فكلاً منهن تنتظر عودة حبيبها الغائب، كانت"ريم" قد بدأت صحبتها لحنين فبدأت بأن تخرج ما بداخلها أما "نغم" فكانت مختلفة كلياً تكبت أحزانها بداخلها...
جلست أمام المسبح تتأمل مياهه الزرقاء بشرود بيوسف، إبتعدت عنه حتى ترى ماذا سيفعل لأجلها ولكنه لم يعبيء بها، تناولت كوب النسكافا الموضوع على الطاولة فتساقط أرضاً رغماً عنها لتشعر بالانزعاج مما هى به، أتت الخادمة لتنظف المكان فقررت "نغم" الصعود لغرفتها بدلاً عن مكوثها بالحديقة، صرخت ألماً حينما إخترق الزجاج قدميها دون أن تشعر فكادت بالسقوط لتجد من يحملها لأقرب مقعد فما كان سوى أخيها الذي إنحنى ليزيح الحذاء عن قدمياها ليتفحص حجم إصابتها، فأشار للخادمة بلهفة :
_هاتي علبة الأسعافات الأولية..
أسرعت للداخل قائلة بأحترام:
_تحت امرك يا "مراد" بيه..
وبالفعل أحضرتها سريعاً ليعقم جرحها ويلفه جيداً، إنزعجت مما فعله فتحملت علي ذاتها لتثعد لغرفتها بمفردها فكاد بمساعدتها فعارضته بتعبير قاسي:
_مفيش داعي هطلع لوحدي..
أجابها "مراد" بغضب :
_بلاش عند وسيبني أساعدك يا "نغم"..
لم تهتم لكلماته وإستندت علي قدميها المجروحه فصرخت ألماً ليحملها "مراد" للأعلى دون ان يعبيء بكلماتها ليضعها على فراشها ثم تطلع لها قبل أن يترك غرفتها قائلاً بعتاب يلامس لهجته المؤلمة:
_أنا أخوكِ يا "نغم" مش عدوك..
وتركها وغادر بحزن لتنهار باكية على الفراش فالحياة تعاندها كلما خطت وقررت المحاربة دون إستسلام فكانت تتعمد كسرها وقطع أجنحتها، تذكرت مساعدة مراد و"فريد" الذي خلصها من الموت من قبل حينما حارب الكلاب المفترسة لأنقاذها فوقفت تراقبه بصدمة ليعاد نفس مشهدها مع أخيها الحقيقي "رحيم" فكان بصغره يحميهم قدر ما إستطاع، بتلك اللحظة ظنت بأن "فريد" عوض الله لهما بأخيها الراحل ولكنه بقي علي طغيانه وتمرده الذي جعلها تكره حياتها!...
***************
مازال يرفض لقائها منذ اخر لقاء جمعهم، تاتي كل ساعة وتطرق باب غرفته ولكنه لم يستمع لها، ومع ذلك لم تيأس فطرقت " منة" بابه مجددًا ولكن دون جدوى، توجهت للمغادرة بخيبة امل وحزن يسيطر على وجهها بعدما رفض أن يستمع لها مجددًا..
_"منة"..
طرب قلبها أشعاراً ودفوفاً حينما إستمعت لأسمها يتردد بصوته فأستدارت لتجده يقف أمام عيناها، إحتلت البسمة وجهها المنطفئ لتسرع إليه بفرحة عارمة :
_كنت متأكدة أنك هتسمعني وأ...
بترت كلماتها بقسوة حينما رأته يقدم لها دبلته!!.. بنهي علاقاتهم بسهولة بعد عشقها وهوسها المجنون به...
إلتقطت منه الدبلة بعدم تصديق ليخرج عن صمته بهدوء مخادع يخفى خلفه عاصفة من المشاعر :
_مش هقدر أكمل في علاقة مش مبنية على الثقة..
حينما تمسكت برباط حبهما بيدها لم تشعر بالعالم وكأن صاعقة ما أصابتها، لم تلتفت لحديثه وأكملت سيرها شاردة يحاربها الدمع ويعتصرها الألم، عانت بما يكفي من الألم النفسي فسقطت مغشي عليها بأستسلام لقدرها، قبض قلب "فارس" ليصرخ بجنون بعدما إنبطح أرضاً يحركها بصدمة وألم يقتلع قلبه من بين أضلاعه ليصيح بأعلى صوت يمتلك:
_"منة"!..
***************
عمارة كاملة من الطراز الرفيع تحمل إسم المحامي الشهير"عباس صفوان" يحدها عدد من السيارات ويدب حولها وبداخلها الحركة الكثيفة لأناس تتمنى اللقاء به وقبوله لقضياهم، هبط"يامن" الدرج قاصداً سيارته التي تصف بالخارج مستكملاً حديثه بالهاتف بذهول:
_يعني أيه مرجعش البيت من إمبارح؟!..
أتاه صوت "فاطمة" الباكي :
_زي ما سمعت كدا وحولت اتصل عليه موبيله مقفول..
بكائها أخرجه من حالة القلق علي رفيقه ليحتل دوره كحبيب وزوج لها فقال بهدوء:
_طيب خلاص متبكيش أنا هتصرف..
لم تكف عن البكاء فقال بعشق بعدما هبط للأسفل وبدأ بالأقتراب من سيارته :
_خلاص بقى عشان خاطري طيب يرضيكي أروح اترافع عن أول قضية في حياتي وأنا سامعك بتبكي؟!.. صدقيني كدا الراجل هيأخد إعدام وأهله هيشقوني مكاني...
تعالت ضحكاتها قائلة بصعوبة بالحديث :
_بعد الشر..
أجابها بهيام بعدما فتح باب سيارته ليضع حقيبته السوداء بداخلها ثم هم بالصعود :
_بتخافي عليا يا بطة...
قالت بتلعثم لخجلها :
_أكيد مش جوزي..
تلاشت بسمة "يامن" حينما رأى من يقترب منه فقال بأستغراب:
_أنت؟!..
إحتضنه بقوة ليغرز خنجره ببطن يامن مبتسماً بكره:
_هتوحشني .
وتركه ينزف بقوة ليأن "يامن" بألم حتى فقد واعيه ليسقط أرضاً محاط بالدماء وبجواره الخنجر الحاد الذي إستخدمه "إياد" ليبرد نار حقده منه ولتعاني "فاطمة" مثلما عاني هو فتكون له بالأجبار ولكن هل سيتخلى عنها بتلك البساطة؟!...
نفوذ وقوة لم تصنع الحب بل بهزيمة الكبرياء سيولد عشق فريد من نوعه ليهز أرجاء مملكة "زيدان" بأكملها ليروا الأن لهيب كون من كره فعداء فحب!!!!...
يتبع .. 
لقراءة باقي حلقات الرواية : أضغط هنا 
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-