رواية اشتهي عناقًا كاملة بقلم اسما سيد

رواية اشتهي عناقًا كاملة بقلم اسما سيد

رواية اشتهي عناقًا كاملة بقلم اسما سيد
اقرأ ايضًا لنفس الكاتبة:

رواية اشتهي عناقا الحكاية الأولى 

أنا (إيلاف) أنا تلك التي ينعتوها بغريبة الأطوار، إسمي غريب وهيئتي غريبه لست كأهل المشرق، ولا أهل البلاد أنا ذات النمشات الغربية وذات العيون الزرقاء، أنا من أخفي مفاتني جميعها عن الأعين أنا ذات الرداء، من يتمناها الجميع لأنفسهم، ولا أعجب ذاك الذي ينعتني دوماً بالبكماء، أنا من أبكي ليلاً حسرةً علي ما صابني، وأنا الغريبة الوحيدة ، بلا أهل ولا دار،.. أنا تلك الغبية التي وقعت لعشق رجل، جعلني لا أستطيع عنه الإستغناء، أنا من يأتي ليلاً يقبلها، ويهديني بأثمن الاشياء، أنا من يحسدونني علي كل شيء، ولا يعلمون أنني أفتقر حتي لأبسط الأشياء، أنا من تشتهي ذاك العناق..أنا من تتقوقع علي نفسها ليلاً بعد عشقة الجارف، أخبر الله بكل الاشياء، وأنني فقط لا أشتهي منه إلا ذاك العناق..
أنا من تبكي ليلاً علي أتفة الأسباب..أنا أيلاف..أنا تلك التي لا تشعر بالأمان..أنا الغريبة، بلا وطن ولا إنتماء..
ــــــــــــــــــــــــــــ

ـ إيلاف..يا إيلاف..إنتي يابت مش هتقومي تروحي بقي، ولا ناوية تباتي هنا الساعه بقت خمسة؟

زفرت إيلاف بهم وهي تستمع لنفس ذات الكلمات التي تخبرها بها جيداء كل نهاية دوام لهم في الجامعه..

ـ خلينا شوية ياجيداء..ما أنتي عارفة إللي فيها، أنا باجي الكلية عشان أفك عن نفسي..

جيداء بحزن عليها..

ـ أنا عاملة عليكي يا إيلاف هتروحي متأخرة زي كل مرة وجوزك هيقلق عليكــي ويقلب الدنيا، دا أنتي وراكي لسة طريق سفر طويل..

ادمعت عين إيلاف وهي تتذكر زوجها التي أجبرتها والدتها علي الزواج منه حتي تتخلص من عبئها وهي بسنتها الاولي من كلية الأداب جامعة القاهرة، جواد إبن عمها الغير شقيق لوالدها، الذي سافر لإحدي الدول الأوربية لسنوات وجمع مبلغاً من المال لا بأس به، ووضعة وديعة بإحدي البنوك ويعيش علي العائد الذي يأتي منه، بالحادي والثلاثتين من عمره، منذ تزوجتة وهو لا يشغل بالة الا السهر ليلاً وشرب المكيفات مع أصدقاءه، وطيلة النهار نائماً علي أثرة..أو هكذا خُيل لها..

لا أحد يعلم ما تعانية بدقة معه إلا هي..أو هذا ما تود هي إخبارهم به، لا أحد يشعر بها، ما يروه هم نعيماً، هو الجحيم بذاته لها..
أربعة سنوات قضتهم من عمرها هباءً منثوراً، لم يتغير، وبنظرها لن يتغير أبداً، حاولت مراراً، ولا امل منه،تعاني وتعاني ولا يشعر بها، لا تريد أموالة ولا تشتهي شيئاً مما يأتي لها بة…
تشتهي فقط منه عناقاً دافئاً..حتي بتلك اوقاتهم الخاصة تفتقر لة..
هبطت دموعها تباعاً بغزارة، ومالت برأسها تنظر لذاك البعيد الذي يلهو أمامها، وكأن الدنيا لا تسعه من السعادة، طفلها..ذات الثلاث سنوات..الذي يحارب معها في معركتها الخاصة مع والدة..
(جواد) وما أدراك ما هو؟
ليست غبية ليخفي عليها، عشقة المتملك لها، لقد عاشوا معاً ببداية زواجهم أجمل لحظات معاً، وكم كانت تعشق دلالة لها، حتي لو لم يصرح بعشقة، ولم تصرح هي، ولكن لا تعلم اين رحل كل ذاك الدلال، أم هي من كانت عمياء منذ البداية..وكل ذاك الدلال فخاً لتقع هي بعشقة البائس

هتفت جيداء بتنهيدة…

ـ هتفضلي لحد أمتي كده يا إيلاف..جوزك بيضيع منك لازم تحافظي علي بيتك وجوزك..أنتي ملكيش غيرهم..يا إيلا..حاربي ورجعي جوزك لحضنك..

دفنت إيلاف وجهها بين قدميها، وأنفجرت بالبكاء..

هتفت جيداء سريعاً، بلهفه وندم..

ـ طب خلاص ياإيلاف أنا آسفة والله ما كان قصدي..أنا خايفة عليكي..اقسم بالله..نفسي اشوفك سعيدة، انتي تستحقيها يا إيلا..

رفعت إيلاف رأسها ودموعها تنهمر بغزارة علي وجنتيها..وهتفت ببكاء..

ـ فكرك أنا مبسوطه بإللي بيحصلي ده..أنا موجوعه علي نفسي، وعلي حياتي أكتر من أي حد..
أنا حاسة إني عايشة في دوامه، ومحدش حاسس بيا، اه مرتاحة مادياً، ومعايا فلوس، وفلوس كتير، وبلبس أحسن لبس، صحيح واسع ومجبورة عليه، ومفروض عليا فرض، بس مش رخيص أبداً، جواد بيصرف علية اكتر ما بيصرف علي نفسة، وتليفوني بيتجدد كل شهر، واكلنا معظمه من برا، ومعايا عربية أحدث موديل بسافر بيها وارجع، زي ما انتي شايفة، بس…

جيداء بترو..

ـ بس إيه.... إيلاف كملي ياحبيبتي..أنتي مخبية عني حاجة تانية، في إية يا إيلا....
من أسبوع، وأنتي مهمومه وحزينة..

عاودت البكاء بحدة أكبر..

ـ أنا حامل يا جيداء..حامل تاني..

جيداء بصدمه،

ـ حامل؟

هزت جيداء رأسها بلا فهم وهتفت ببلاهة..

ـ طب ودي حاجه تزعلك أوي كده..المفروض تكوني فرحانه..

أغمضت إيلاف عينيها وهتفت بتهكم، وهي تمسح دموعها

ـ ما انا فرحانه أهو..شفتي الفرحة إللي انا فيها..

جيداء بتساؤل..

ـ أنا مبقتش فهماكي ياإيلاف وخايفة عليكي من نفسك أوي..

ـ لية؟

ـ حاسة إنك مش راضية بعيشتك يا إيلاف، مع إن ناس كتير غيرك تتمناها..

ـ تقصدي إية؟

ـ مقصدش والله يا أيلاف..بس والله إللي يشوف بلاوي الناس يهون علية بلوته، تعالي شوفي حفصة بيحصل فيها إية؟ولا حالها وصل لإية؟

إيلاف بإنتباه..

ـ هي عاملة إية صحيح؟
ـ معرفش عنها حاجه.من آخر مرة كانت هنا، بس سمعت أن جوزها جالة اللهم احفظنا المرض الوحش..وهي من آخر مرة غضبت فيها، قاطعت أهلها ومبقتش تيجي، لأنهم منصفوهاش، وضيعوا حقها هي كمان..

إيلاف بحزن..

ـ لا إلة إلا الله، ياريت بإيدي كنت رحتلها هناك، بس الصعيد بعيدة أوي عن هنا..ربنا يشفية ويعافية..

جيداء بغيظ..

ـ قولي ربنا يرحمها منه..

إيلاف بصدمه من حديثها..

ـ لية بس بتقولي كده..عشان بناتها..

جيداء بتهكم..بناتها..وهو يعني كان عاوزهم، دا كان عاوز يتجوز عليها اللي تجيبلة الواد..بس ربك منتقم جبار، واهو كلهم بعدوا عنه، وهي أللي شيلاه..

زفرت إيلاف بهم، وإستقامت تحمل مالك طفلها علي يديها..

ـ يالا يا جيداء نروح، عشان أنا فعلا اتأخرت أوي الساعة بقت خمسة والطريق بياخدله ساعتين سفر..

تمسكت جيداء بيدها، وهتفت برجاء..

ـ ماتباتي هنا انهاردة يا إيلاف بالله عليكي وحشني قعدتنا ونومتنا سوا…

إيلاف بوجع..

ـ هبات عند مين يا جيداء..عند اخويا إللي بيني وبينه مصانع الحداد ولا مراته إللي بتعاملني كأنها صاحبة البيت، ولا عند أمي اللي طردتني آخر مره..

جيداء بحزن عليها..

ـ لا باتي معايا يا إيلاف فوق علي السطح ماا أنتي عارفة مرات أبويا طردتني من الشقة وقاعدة فوق أنا واختي جيلان..واهو تونسينا ونقضي ليلة من بتوع زمان..ونفرج الواد ملوكة علي سطحنا الجميل..

ـ مش هينفع يا جيداء..أنا مقولتش لجواد وأنتي عارفة دماغة بتحدف شمال..

إبتسمت جيداء علي زوج صديقتها..

ـ والله الواد ده بيحبك بس مبيعرفش يبعبر عن مشاعيرة..

لوت إيلاف فمها، وهتفت بسخرية..

ـ يبعبر..ضيعتي اللغة الله يحرقك يا جيداء..

جيداء بحنق وهي تلكذها بيدها..

ـ والله هبلة، مفتاح جواد ده في أيدك، وأنتي إللي خايبه، مش عارفة تشكلية علي إيدك..

إيلاف بتهكم..

ـ ياراجل..
ـ ياست..
ـ هاااا..رخمه..أووي..

جيداء بحماس وهي تقف أمام سيارة إيلاف..

ـ يالا ياإيلاف بالله عليكِ..تعالي باتي معانا انهاردة..وبكرة روحي..مفيش محاضرات، دا إحنا هنهيص مع بعض..

ـ مش هينفع ياجيداء..جواد مش هيرضي يخليني أبات برة..

ـ طب انا عندي فكرة خطيرة…

ـ إية هي يا ناصحة؟

ـ كلمية وقوليلة انا تعبت وهروح أبات عند ماما وكدا، وأهي مامتك مش حد غريب..

ـ ياسلام..هو عارف إني لو هموت مش هروح عند أمي..

جيداء بتساؤل..

ـ هو عارف أللي بينكم..؟

إيلاف بحزن..

أيوا، ماهو الكلام كان قدامة لما جة ياخدني أخر مرة..قالتلي مادام جوزك بيصرف عليكي وبيتك مش ناقصة شيء، يبقي مشوفش وشك تاني.. ولا زايرة ولا متزاره..الراجل ميعيبوش إلا جيبة، ومادام بيصرف عليكي ملكيش حجة..

جيداء بشهقة..

ـ يا جبروتها...أمك دي قلبها جامد أوي يا إيلاف..مش عارفة جايبة جومدية القلب دي منين؟

إيلاف بتهكم..

ـ واحدة مصاحبة مرات ابوكي عاوزاها تبقي إية..ملاك..؟

حكت جيداء رأسها بتذكر..

ـ عندك حق..نسيت والله..بتفكريني لية، ربنا ينتقم منك يا شكران يابنت نحمدة، إلهي ربنا ياخدك وارتاح منك..

قهقهت أيلاف عليها..وهي تضع مالك بالخلف..

ـ طب إركبي يختي اوصلك وألحق أروح أنا، لقدري ..
ـ طب وربنا بتعشقية، وباين عليكي..
ـ طبعا بحبة، مش جوزي يابنتي..
ـ امممم، ياسيدي يا سيدي..أوعدنا يارب..

صعدوا للسيارة، وهمت بالرحيل إلي أن قاطعها صوت هاتفها برنتة المميزة بإسمة هو..

ـ جواد..
إنتقضت برعب، ومدت يدها بيدين ترتجف لتخرجة من حقيبتها..

أشفقت جيداء عليها، ولمعت عينيها بمكر، وخطفت الحقيبه من يدها، وأخرجت الهاتف...و..

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بالبلدة..

استيقظ يتحسس بيدية مكانها بشوق..زفر بنفاذ صبر بعدما تأكد أنها ليست هنا كالعادة بجانبه..استقام بتكاسل يجر بجسدة جراً، حتي انحني علي طرف الفراش، ومد يدة بخمول، ليجلب علبة سجائره، أشعل سيجارة، تبعها بأخري، وهو شارد الذهن بها، أين ذهبت ومع من تقابلت اليوم؟
يعشقها ولكن غيرته المرضية عليها دوماً كانت سبب كل مشاكلهم..
حتي بات لا يفهمها ولا تفهمه..إيلاف إبنة عمة الغير شقيق لوالدة، دوماً والدها كان مكروها من جميع العائلة، لانه أخاً لهم غير شقيق، ولكنة عشقها منذ كان شاباً مراهقاً، وكانت تأتي للبلدة مع شقيقها ووالداها، طلبها من عمه ووعدة بتزويجها له ولو بعد سنوات، تغرب وعاني الأمرين من أجلها، حتي كون ثروة لا بأس بها، وعاد وتزوج بها بعد موت والدها بعد خطبة سرية دامت لسنوات بينه وبين والدها..لم يخبرها يوماً كم يعشقها، وأنه مريضاً بها، وأنه فضل المكوث بجانبها غيرةً، وخوفاً عليها..
ليس إلا..
يظلمها دوماً، وهو يعلم ذلك، ولولا وعده لعمة رحمة الله لما جعلها تكمل تعليمها
لا تعلم كم مرة ذهب خلفها مراقباً لها، ولتحركاتها، يجبرها علي أخذ طفلها معها ليعلم الجميع أنها ملكاً لأحدهم..وها هو ثمرة عشقة لها..
أغمض عينيه وسحب هاتفة، يمني نفسة أنها ربما هاتفته، ولكن كالعادة لا شيء، خواء، كخواء علاقاتهم البكماء، كما ينعتها دوماً..
بقي شارداً بصورتها التي تزين هاتفة هي وطفلة كثيراً بعشق متملك لهم..حتي وقعت عينه علي الساعه..

جز علي أسنانه، وعادت شعلة الغضب له من جديد..أين هي للأن؟

دق رقمها بغضب، ثواني واستمع لصوت ما..وسرعان ما أغلق الخط..
جز علي أسنانه، وألقي بالهاتف علي الفراش بغضب..هاتفاً بغيرة..
ـ إيلاف...إصبري عليا..
ـــــــــــــــــــــــــ

خطفت الهاتف من يد جيداء، واغلقته سريعاً، وهي تمتم برعب..

ـ لا يا جيداء بالله عليكي، أوعي تعملي كده..أنتي عاوزه تجننيه..

جيداء بتساؤل..

ـ ليه يا إيلا..عادي كنت هستأذن منه واقوله إنك تعبانه ويخليكي تباتي معانا..

زفرت إيلاف بتعب وهي تضع يدها علي بطنها، تشعر ببوادر ذاك الدوار المصاحب لحملها مجدداً..

ـ عمرة ما هيوافق جوزي، وأنا عرفاه لو ميته هيقولي تعالي بردة..
رفعت الهاتف ودقت هي علية..وسرعان ما أجابها بغضب..

ـ أنتي فين يا إيلاف واتأخرتي لية لدلوقت..؟

لوت فمها بسخرية وهي تجيبة..

ـ هكون فين ماانت عارف..

صرخ بها عاليا بغضب..
ـ اتكلمي عدل ياإيلاف..أنتي فين دلوقت بالظبط...طلعتي من المحروقة دي ولا لا؟

إيلاف بتعب ووجع بقلبها علي طريقة تعاملة معها..

ـ طلعت ياجواد طلعت..وجاية بالطريق أهو..

حاول التحكم بأعصابة، وهو يمسح علي وجهه بعصبية بعدما وصلة صوتها المجهد..

ـ طيب يا إيلاف أنتي فين بالظبط، ومالك نايم ولا صاحي؟

نظرت بقلق لجيداء التي تراقب ملامح وجهها بإهتمام..
وهتفت..

ـ لسة طالعه حالا أهو، اتأخرت كان عندي محاضرة متأخرة..

جن جنونه مرة أخري وصرخ بها..

ـ كان عندك محاضرة ولا بتهربي بقعدتك مع الست جيداء وأختها..قولتلك تبعدي عنهم خالص..أنا..

وصل لجيداء صوته العالي فوضعت يدها علي فمها بصدمه..

ابتلعت إيلاف ريقها وهتفت بصبر..

ـ أنا هقفل يا جواد أنا علي الطريق..سلام..

استمعت لصراخة عليها، ولكنها أغلقت سريعاً..تنظر لتلك التي هتفت بصدمه..

ـ اوعي تقولي إللي سمعته، وفهمته صح.؟

خفضت إيلاف رأسها بخجل من صديقتها التي لا تقل تعاسة عنها..

ماذا تخبرها أنه منعها من مجرد إلقاء السلام عليها..

ـ لية يا ايلاف..هو أنا عملت إيه بس؟

ايلاف ببكاء..

ـ معملتيش ياجيداء، ولا أنا عملت، بس هو دماغة كده، أي حاجه بحبها لازم يحرمني منها..

جيداء بصدمه..ليه؟...ليه؟
ـ معرفش..نصيبي كده..

اخذت جيداء نفسا عميقاً تهدأ به من نفسها،حتي تستطيع تهدأت تلك التي نكست رأسها علي المقود وتبكي بقوة..

ـ طب اهدي ياقلبي، اهدي كده مش كويس عشان البيبي..أهدي كل حاجه هتبقي كويسه..

ايلاف ببكاء..

ـ سامحيني ياجيداء والله غصب عني..مش بإيدي..
جيداء بتصنع المرح..

ـ عارفه ياختي..جوزك دا عامل زي أبو لهب..أعوذ بالله، بس سيبك أنا وراكي والزمن طويل..محدش يقدر يفرقنا ابدا..

إبتسمت ايلاف علي حديث صديقتها..

ـ طبعا محدش هيفرقنا، بس لو لقيتيني متغيرة ولا بعدت فجأه اعرفي أنه مش بإيدي، والله غصب عني..

أحتضنتها جيداء بأعين دامعه..

ـ عارفة ياقلبي..عارفه..ربنا يصلحلك الحال ويهديك ياجواد يارب …

ودعت صديقتها علي باب العمارة التي تقطن بها جيداء وعائلة إيلاف، رفعت عينها تنظر لشرفة شقة والدتها، علها تلمحها، فوقعت علي تلك الحرباء زوجة أخيها وهي ترمقها بحقد..
عادت بسيارتها من حيث أتت، وهي تعيد علي نفسها، أن تصبر، وتحتسب فلم يعد لها مكاناً هنا..
فرغم عيوب زوجها، إلا أن النار معه أحسن من الجنة، ببيت عائلتها..
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بالبلدة..

يدور حول نفسة كالأسد الجريح ينظر للساعة كل دقيقة، أغلقت هاتفها، أو هكذا خيل له، وتعدي الوقت التاسعه مساءً، أهلكة أصدقاءه بإتصالاتهم، كالعادة للسهر معهم..وفي كل مرة يتجاهل اتصالاتهم..
يغلي من الداخل، ولم يعد يري أمامه..بيدة سيجارته، سيجارة جرت أخري حتي أنهي علبتين كاملتين..

جلس علي الأريكة منكس الرأس دافناً وجهه بين يدية..شيطانه يتوعد لها..وقلبة يعاتبة ويخبرة أنه السبب بكل هذا..وألف سؤال وسؤال جال بخاطرة..

ـ ماذا ينقصة ليعيش سعيداً معها..يعشقها، عشقاً لو وزع علي الكون لفاض ووفي، لما لا تشعر بة من نفسها..لما لا تعلم من نفسها أن الافعال عندة هي أثباتاً لعشقة لها..، وانة رجل أفعال وكلمات العشق عنده لا تشكل أي أهمية، لقد قاطع أهلة، جميعهم كرامةً لعيونها تلك النمشاء الغبية البكماء التي لا تري..

ـ أين العيب إذن؟ به؟ أم بها؟

عاد بظهرة للخلف، شارداً باللا شيء.. لم يعلم كم مر من الوقت ولكنه استفاق فجأه علي دلوفها من الباب حاملة طفلها علي ذراعها نائماً بعمق..

أستقام سريعاً، وفتح فمة ليصرخ عليها..فقاطعتة هي برجاء..

ـ ششش أرجوك، سيبني انيمة الأول، وبعدين زعق براحتك..

وضعت طفلها بفراشة، ودثرته جيداً..وأستدارت لتخرج من الغرفة وجدته بوجهها..

جذبها من يدها بعنف للغرفة الأخري..

ـ كنتي بتتسرمحي معاها مش كده؟

لم تستطع منع نفسها من البكاء، بكت بحرقة….ومالت برأسها علي صدرة..علة يشعر بها، وبحزنة الشديد منه..
لم تجد منه اي ردة فعل..فتمتمت بألم ينخر بقلبها..

ـ بتعمل ليه كده فيا؟..لية بتمنعني من كل حاجه بحبها..يا جواد..أنا استاهل منك كده؟

صدمه عتابها، وانهيارها هكذا لأول مرة أمامه، أجفلة، وجعل قلبة يرتجف بين ضلوعه، لطالما عهدها بكماء لا تنطق بأي شيء يؤلم قلبها، لا تعاتبة، حتي بأوج لحظات غضبة تلتزم الصمت..وتعود لتحادثه كما لو لم يكن قد حدث شيئاً أبداً..
يعلم أنها دوماً تبكي خفيةً عنه..
وبكاءها الخفي دوماً ما كان يقطع بقلبة ارباً، فماذا عن بكاءها الجهري هذا..؟

أغمض عينيه، وهي تعيد علية سؤالها..مرة بعد مرة بإلحاح…

بماذا سيجيبها، أنه يغير عليها حتي من رؤيتها لنفسها بالمرآه..وأنه مريضا بعشقه لها..!

مد ذراعية ليحتضنها، ولكن ككل مرة يأتي بعقلة حديث والدتها، أن لا يعطي بكاءها اهتماما حتي لا تتمرد عليه، وتحني رقبتة ببكاءها...
أبعدها سريعا عن صدرة، وأخذ سترته وهرول للخارج حتي لا يضعف أمامها..

لم تصدم من رد فعلة، فهو هكذا دوماً يهرب من بكاءها الخفي وحزنها، ارتمت علي الفراش تبكي بقوة، تبكي عمراً يضيع منها يوماً بعد يوم بجانبة، تبكي وحدتها، وقلة حيلتها، تبكي أهلاً لم يكونوا يوماً اهلاً لها، وتبكي عناقاً حاراً تفتقر لة بأحلك وأصعب لحظاتها..
حاوطت نفسها بذراعيها بقوة وهي تمتم ..

ـ أنها لا تحتاج لأحدهم، هي قوية بنفسها..لا تريد عناقة، فيكفي أن تعانق نفسها، بنفسها..

ــــــــــــــــــــــ

هبط من البيت سريعا، يصارع حزنة علي حالة وحالها، لو بقي أمامها لجثي أرضاً، وبكي كما تبكي هي..يخبرها أنها غبية وأنه يعشق التراب التي تمشي علية..

يدور بسيارتة بلا وجهه، هائماً بالأرض، لا وجهه..ولا هدف..
لا يريد أن يذهب لأصدقائه فينتهي حالة أخر الليل، ككل ليلة، ويزيد من كرهها له..

وجد نفسة أمام بيت عائلتة..لا يعلم لما قادته قدمية لهنا..
دلف للمنزل يجر قدمية جراً، يعلم أنه بمجيية لهنا لن يخرج كما اتي، سيشحنوه كالعادة عليها..وربما انتهي بة الأمر لضربها..منذ شهور لم يأت لهنا خوفاً عليها..

فتحت والدته باب المنزل..

دلال (والدته).. بتهكم.. أهلاً..اهلاً..بسيد الرجال..انت شرفت..
جيت ولا الهوا إللي رماك..

تجاهل كلامها، وخطي بثقل لداخل المنزل…

اتسعت عينية بصدمة، وهو يري جميع العائلة مجتمعه بالأسفل

جواد بدهشة..

ـ متجمعين عند النبي ان شاءالله..

هتفت إبنة عمة (نور)..التي يعلم الجميع عشقها له، وانها لم تتزوج للان عشقاً لة…

ـ ما هو انت لو بتسأل علينا كنت عرفت أن انهاردة كانت خطوبة نازلي أختي علي اخوك راسل....

تبعت كلامها بنظرة عتاب منها لة، وأردفت بحقد..

ـ ولا خلاص نسيت عيلتك ياجواد عشان خاطر ست إيلاف..
زفر جواد بحنق من كلامها..
ـ قولتلك ميت مرة ملكيش دعوة بإيلاف..ولما تتكلمي عنها تتكلمي بأدب..

شهقت والدته وهتفت بغضب …

ـ أتكلم بأدب ياجواد..وحسك عينك تعلي صوتك علي بنت عمك تاني..وبعدين تعالي هنا..هي ست الحسن والدلال مقلتلكش إني أتصلت عليها إمبارح وعزمتها..وقولتلها تقولك..

إبتلع جواد ريقة وهو يحاول تذكر، هل أخبرتة أم لا..؟

ولكنة هتف سريعاً..

ـ قالتلي ياأمي وأنا جيت أهو..وايلاف كانت في الجامعه ولسة داخلة من شوية، وتعبانه..

دلال بلوية فم…

ـ تعبانه؟ اااه...ماشي..ربنا يشفي..

زفر وهو يجلس بجانب شقيقتة سما..
ـ عاملة ايه يا سما؟
ـ كويسة يا ابية..حضرتك ومالك عامل ايه؟
ـ كويس ياحبيبتي..بيسلم عليكي..بطلتي تيجي عندنا لية؟

نكست سما رأسها بحزن..

ـ ماما منعتني ياابية، وبتقول لراسل وبيضربني..

جز جواد علي أسنانه..وهمس…

ـ بردو راسل..ماشي يا راسل..

سما بخوف..

ـ بالله عليك ياأبية أوعي تعمل حاجه..أحسن هيضربني هو وماما..

جواد بتنهيدة وهو يربت علي كتفها..

ـ ماشي يا سما..مش هقولة..أختك ريم عاملة أيه؟

سما بغيظ..

ـ هتكون عاملة إيه؟..أهي هنا 24ساعه، هي وجوزها واكلين نايمين شاربين..يابختك يا أبية بعدت عن القرف ده..

قرص خدها بخفة، وهتف بضحك..

ـ بكرة تتجوزي وتسيبي البيت كلة انتي كمان..ووقت ماتتخنقي بيت اخوكي مفتوح ليكي دايماً..وانتي عارفة إيلا بتحبك اد إيه؟

قاطع همسهم صوت والدته المتهكم..

ـ وانت بقي ياسي جواد مش أربع سنين جمبها كفاية، وترجع بقي قبل ما اقامتك تنتهي ولا لسه القرشين اللي معاك مخلصوش..

جز علي أسنانه،وهم بالحديث إلا ان قاطعته نور بخبث..

ـ معلش يا مرات عمي تلاقية خايف يسيبها لوحدها، تغلط كده ولا كده..

انتفض جواد صارخا عليها..

ـ ولا كلمة زيادة عنها، مراتي أشرف منك ومن امثالك، ولو رميتها وسط رجاله الدنيا انا واثق انها هتحافظ علي نفسها..

دلف شقيقة راسل للمنزل بنفس اللحظه الذي صرخ بها ودارت بينهما حرب لفظية من التهكم إلا أن طردتة والدته وعمة الاكبر، من منزل العائلة كالعادة بعدما سمموا عقلة بالحديث عنها وعن افعالها.

ظل هائماً بسيارته بالطرقات، حتي وقف أمام محل البيتزا التي تعشقها هي..

ابتسم وهو يمني نفسة أنها ستسعد بها كثيراً..بالتأكيد ظلت تبكي ولم تاكل شيئاً بعد، ونست نفسها....
طلب لها البيتزا التي تعشقها بميكس الجبن الشهير، وطبق البطاطس المقرمشة التي تعشقها..

دلف للمنزل يبحث عنها بعينة..استمع لهدير الماء من خلف باب الاستحمام..

إبتسم بعشق ودلف ببطيء ووقف خلفها....

شهقت بصدمه وهي تراه خلفها في المرآه من أمامها..

ـ جواد؟

ادارها بيديه، قاطعاً شهقتها بشفتية، وهو يقر لنفسة أنه أشتاقها..
أشتاقها كثيراً..واشتاق لتلك اللحظات التي تشعرة بها أنها ملكٌ لة هو..
همساتها وأستسلامها المخزي دوماً له..طمأنة أنه مهما فعل، ستبقي هي وفقط علي إسمة هو مهما فعل بها.…
إيلاف جواد الناردي..وأن غربتة وبعده عن العالم أجمع، لا يهم..مادامت هي هنا..وطناً ، وسكناً له..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أشتهــــــي عناقاً…
من سلسلة..
(أغراب بلا وطن) الحكاية الاولي..
أسما السيد..

رواية اشتهي عناقا الفصل الثاني 2 بقلم اسما السيد 

أشتهي عناقاً..
الفصل التاني..
عن سلسلة..
(أغراب بلا وطن)
أسمــــا السيد..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بسم الله الرحمن الرحيم

2- عانقني
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أغمضت عينيها مستسلمة لتلك اللحظات المميزة التي تميز علاقته بها، لو أخبرت العالم أجمع انها تكرهه، كاذبة..
وهل يستسلم هكذا إلا العاشقون يا مؤمنة...
يحييها بعشقاً ملتهباً صامتاً، ويميتها بإهمالاً متعمداً، أو هكذا دوماً تتخيل هي..

أشبعها عشقاً جارفاً، واستسلمت لنعيم يدية التي تؤرجحها عالياً، ضعفها بين يدية يعطية القوة..
رحلت بثبات عميق، ولم تعي لذاك الذي جلس يتأمل سكناتها وعيونها الدابلة..
اقترب منها مبتسماً، يهمس بإعتذاراً مستتراً، لا يفهمه إلا هو..
رنين هاتفة لم ينقطع بأسماء اصدقاءه الفاسقين هؤلاء..
ولكنة قرر وانتهي، سيبقي الليلة هنا..
فتح ذراعها علي مصراعية وأندث بأحضانها.. يروي عطش صحراء قلبة القاحلة من قربها..
أغمض عينية، شارداً بالماضي..
ولما اوصلة لهكذا حال..
والدته المتجبرة ووالدة العاشق لها.. دعواتها علية ليلاً مع نهار، وتصريحها دوماً أمامهم بقرفها وكرهها لة
وهو كالعجينة بين يديها، تشكلة كما تحب هي..
كرهها، وتمرد علي حياتة، وكرة عشق الرجال وضعفهم
ولكن لم يحسب يوماً حساباً أنة قد يقع بنفس الفخ، ونفس المصيدة(العشق)..
ولكنة ليس كوالدة، وإيلا ليست هي(والدته)
لقد كان دوماً ما يسمع جدتة تخبر جدة بأن والدتة تسحر لأبية حتي لا يثور ويعترض طريقها..لم يصدق يوماً ولكن منذ تزوج بإيلا، وهو بات متيقناً
زفر بتعب وهو يعيد ترتيب شتاته التي يتبعثر بقربها، هنا وهنا..يجب أن يظل كما هو حاسماً، صارماً، فلن يكون يوماً
كوالدة، ويحني رقبتة لها..

إلي هنا وإستقام سريعاً من جانبها..للخارج، متجه لفراش طفلة، سابحاً معه بثبات عميق..

بعد ساعتين..

إستيقظت من غفوتها، تتحسس المكان بجانبها،
تهكمت علي نفسها، وهي ترمق الفراش الخالي بجانبها بمرارة..لقد رحل بالتأكيد كما يفعل دائماً
شردت قليلاً إلا أن قاطع شرودها نداءة عليها…

ـ أيلا..يا إيلا..

اغمضت عينيها تستمتع ببحة صوته المميزة التي ينطق بها إسم دلعها المحبب له..وكم تعشقة من بين شفتية..

أستقامت ببطيء تتبع مصدر الصوت، أبتسمت بحنان علية، وهي تراه يعمل بحرفية في المطبخ لإعداد الطعام..
إستندت بذراعها علي باب المطبخ، تتابع ما يفعلة بصمت، إلا أن إستدار مبتسماً لها..
ـ صح النوم..أغسلي وشك وتعالي بسرعه..
دلفت للمطبخ وأكتفت بغسل كفيها..
ـ إغسلي وشك ياإيلا..
إيلا بعناد..
ـ لا كده حلو..الدنيا برد.
إبتسم عليها، وأقترب منها محاوطاً إياها جبراً، وبدأ بغسل وجهها تحت تأففاتها وصراخها..

ـ أيوة كده..خلينا ناكل بنفس..
ـ يا سلام وأنا اللي هسد نفسك..
ـ لا شكلك..
ـ جووواد..
قهقة علي تذمرها، وعاود وضع الطعام علي الطاوله..

زفرت بحزن وهي تسأل نفسها ذاك السؤال مجددا..
ذاك السؤال التي يعيده عليها الجميع ليل نهار..

ـ ماذا ينقصها لتكون سعيدة معه..أحقا هي المسؤلة عن ذاك الانقسام بينهم..؟

فاقت من شرودها علي اصبعه الذي يدسة بفمها ليطعمها إصبع البطاطس المقرمشه التي تعشقها....

ـ جبتلك البطاطس اللي بتحبيها..يالا تعالي عشان تأكلي اكيد مكلتيش من الصبح..

هتفت بدهشة...وهو تبتلع الطعام بصعوبة..

ـ انت مش هتخرج انهاردة ولا إية؟

تذكر اصدقاءه الذين يهاتفوة كل دقيقة، وهز رأسة بالرفض وهو يلك الطعام بفمة..

ـ لا...مش هخرج انهاردة…

رفعت حاجبها بعجب..وأردفت بتساؤل..

ـ انت متأكد يعني؟

هز رأسة مجدداً بتأكيد..قبل أن يزفر بضجر..

ـ مش هخرج يا إيلاف خلصنا..هو خرجت مش عاجب، قعدت في البيت مش عاجب.

أجفلها ردة الجامد كالعاده، فارتجفت يدها التي تمسك بها قطعة البيتزا، وكادت تسقط منها
لولا سيطرتها بمهارة علي رجفتها ووجع قلبها، ورفعت قطعة الطعام لفمها، وشرعت بقضمها بصعوبة..وهي تخبر نفسها أنه لا فائدة..

ترك ما بيدة، ورفع وجهه يرمقها بندم علي طريقتة التي يعاملها بها..وجدها كالعادة تأكل بشرود..

فتح فمة ليتحدث علة يخرح بعضاً مما يحملة بقلبة لها، علة يثلج به علي قلبها، ولكن لسانه أبي كعادتة وكأن به ثقلاً لا يستطع تحريكه ولا نطق أي شيء لها....

خفض رأسة مجدداً..وهو يمسح علي وجهه بعصبية من صمتها الدائم، لما لا تصرخ بة، تعنفة، لما تصمت هكذا..؟

ضرب بيدة الطاولة واستقام خارجاً من المطبخ بأكملة حتي لا يؤذيها بحديث يخرج منة غصباً عنه..

لملمت الطعام وأعدت لة فنجان القهوة خاصته، وخرجت تبحث عنه، وجدته يجلس أمام شاشة التلفاز يشاهد أحدي افلام الرعب الذي يعشق مشاهدتها..وبيدة كالعادة تلك اللعينة (سيجارتة..)

وضعت الفنجان أمامة وجلست بجانبة تعبث بهاتفها..وتجيب رسائل جيداء بسرية..

أنتبة لشرودها بالهاتف، فأطفأ سيجارتة وأقترب منها حد الألتصاق..

ينظر لما تفعلة ..مد يدية لا إرادياً، يزيح تلك الخصلات الكستنائية التي تخفي وجهها عنه..
رفعت وجهها سريعاً، فاصطدمت بوجهه، وملامحه المبهمة تلك..
أمتدت أصابعه تلمس تلك النمشات التي يعشقها علي وجهها، وما أوقعتة بعشقها صغيرة..

لطالما رأها مميزة بها..عينة لا تراها إلا جمالاً..

همست بخجل..
ـ جواد
اجابها بنفس الهمس، واصابعة إنتقلت، لتعبث بنمشاتها التي تزين مقدمة صدرها..

ـ نعم ياإيلا..؟
ـ بتحبني؟

لا تعلم كيف خرج ذاك السؤال هكذا من بين شفتيها بكل سهولة..
وعت لما قالتها، وهي تتمني لو تنشق الأرض وتبتلعها....

سؤالها فجأة هكذا أجفلة، فتوقفت أصابعه مكانها..

جف حلقة فجأة من سؤالها..
قرأت توترة بسهولة، فهتفت بمرارة.

ـ ياااه السؤال صعب أوي كده يا جواد..؟

رمقها بندم علي ما يسببة لها، وهم أن يصرخ بها..
( أنا أعشقك، يا نمشاءي الغبية) ولكن دوماً ما تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن..
قاطع حماسة صوت مالك الباكي، فلم يشعر بنفسة إلا وهو يهرول سريعاً ملبياً نداءة..

ـ حاضر يا قلب بابا..جاي أهو..

سالت دموعها بصمت، وصوت ضحكاته هو وطفلة تشق اذنها…

دفنت وجهها بين كفيها، وانفجرت بالبكاء بحرقة..وهي تناجي ربها…
ـ يااارب...
ــــــــــــــــــــــــــــ
ببيت العائلة..

نازلي بتأفف..

ـ ما تهمدي بقي خيلتيني، عمالة رايحة جاية زي الهبل لية كده؟
نور بحقد وهي تصرخ عليها…

ـ طبعا وانت همك إية ما أنتي هتتجوزي حبيب القلب، إنما أنا هفضل طول عمري زي ما أنا؟

نازلي بأستنكار..

ـ زي ما أنتي إزاي، وأنتي كل يوم جايلك عريس شكلك، انتي اللي بتتبطري، والبطران عشته قطران..

نور بغضب..

ـ انتي بتقوليلي انا الكلام ده..انتي نسيتي نفسك ولا إية، ولا تكونيشي مفكرة أن راسل بصلك علي حلاوتك، وطعامتك، في إية يا ست نازلي ما إحنا دافنينه سوا..

ابتعلت نازلي ريقها، وهي تغير مجري حديثها..

ـ في ايه يا نور..الله هو أنتي كل شوية هتفكريني، اسكتي شوية الحيطان ليها ودان..الله…

زفرت نور بحده..
ـ سكت أهو ….ودلوقتي لازم زي ما ساعدتك تساعديني أنا كمان؟

ـ إزاي؟

ـ هقولك...؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بالأسفل..
اه ياني ياغلبي يااني..بت الشافعي طيرت عقل اخوك ياراسل، ولازم نخلية يفوق لنفسة..

راسل بلا مبالاه....هو حر ياأمه في حياته، شيلية من دماغك خالص..

ـ ازاي ياراسل دا إبني البكري، والخير اللي معيش فية بنت الشافعي أنا وانتم أولي بية، شقي غربته وتعبة، لهفاه ببطنها كله، ولازم ناخدة في صفنا عشان يرجع من جديد لينا..

تأفف راسل، وهتف بحقد..

ـ متفكرنيش ياامه، انا كل ما افتكر ان بنت الشاقعي راكبة عربية أحدث من بتاعتي بتجنن..فمتجننيش أنتي اكتر الله لا يسيئك..

لوت شفتبها، وهتفت بتهكم..

ـ مركب بنت سوسن عربية كمان..والله وعال العال..
عشان كده أنت لازم تساعدني ناخد أخوك تحت جناحنا تاني، وشوية شوية، هيتخلص هو بنفسة منها..

ـ ازاي يعني؟

ـ هقولك؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ببيت أهل إيلاف..

تجلس علي طرف الفراش تقضم أطراف أصابعها بفمها بغضب..
ـ مالك يا يمني؟
ـ مفيش..
ـ ازاي يعني، هو انا مش عارفك؟

انتفضت يمني من علي الفراش، واقتربت منه تدس السم بالعسل كالعادة..

ـ هيكون في إيه يعني يا نسيم، غير موضوع الست اختك..

نسيم بتساؤل..

ـ أختي، وايه اللي فكرك بيها دلوقت؟
ـ ما هي كانت هنا انهاردة؟
ـ هنا في البيت.؟
ـ لأ..تحت كانت بتوصل الست جيداء، بعربيتها..
ـ طب وفيها اية..؟
ـ ما انت مش فاهم حاجه، ان المحروسة اختك جاية عشان تعايرني انها راكبة عربية ومعاها فلوس زي الرز، واحنا علي قد حالنا...دا حتي مكلفتش خاطرها تطلع تسلم علينا، ولا علي أمها…

هتف نسيم بغضب..

ـ ما ان شاءالله ماطلعت، هي عارفة انها مش مرحب بيها هنا، هتطلع لية أصلا..

إبتسمت يمني بمكر، علي إصابة هدفها..وهتفت بمسكنه
ـ يالا الله يسهلها..اللي عطاها يعطينا..
جز نسيم علي اسنانه بغيظ..واردف بحقد…
ـ يااا
قاطعهم صوت صراخ قادم من الأسفل..
دلف للخارج سريعاً..وسرعان ما صرخ بإسمها..
(أمي)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بالمشفي..

ـ لازم نعمل عملية دلوقت..
نسيم بصدمة..عملية إيه، انتو مش قولتو هتبقي كويسة.؟
ـ يا أستاذ والدتك عندها كسر في حوض الماية، ونزيف داخلي من الواقعة علي مخها، وأنا قلت للمدام بتاعتك كده من الأول، وقالت أنها هتقولك..غير كسر رجليها…
ولازم عملية دلوقت حالاً، وإلا هيحصلها مضاعفات ممكن تأدي لموتها....

تمتمت يمني بكرة..
ـ يسمع من بوقك ربنا عشان نخلص..أف

ـ والعملية هتتكلف كام يا دكتور..
ـ مش كتير يعني حوالي….

يمني بشهقة..

ـ نعم..دا كلة؟

الطبيب بغضب لنسيم..

ـ يااستاذ خلص لازم تدفع حاجه تحت الحساب دلوقت عشان والدتك تخش العمليات..عن اذنكم…

ذهب الطبيب، وهتفت هي سريعاً بلهفة ومكر..
ـ اتصل بأختك أكيد معاها المبلغ كلة..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اليوم التالي …

فاق منزعجاً علي رنين هاتفها المتكرر..صاح عالياً بغضب باسمها..
ـ إيلاف..
ـ لا رد..
انتفض من الفراش يبحث عن ذاك اللعين الذي قطع منامه
وجدة بالخارج، التقطة ونظر بة وجدها صديقتها تلك التي منعها مراراً من الحديث معها..
لم يجيبها، ولكن يبدو انها لم تيأس، فشرعت بإرسال العديد من الرسائل الالكترونية لها...
جن حنونه وهو يحاول فتح ذاك اللعين، ولا فائدة، كم مرة أخبرها أن لا تغلقة هكذا

دب الشك قلبة مجدداً، وأشتعلت نار الغيرة بقلبه..

دقائق ودلفت هي تمسك بيد طفلها الصغير وبالأخري بعض المشتريات..

ـ كنتي فين؟

انتفضت علي صوتة، وهتفت برغب…

ـ كنت في الماركت..
دارت حرب نظرات بينهم، إلا أن قطعته هي..

ـ مالك يا جواد في إية؟

اجابها باستنكار.

ـ مالي؟
ـ لا مليش..تصوري..مراتي تخرج وتدخل من غير اذني عادي كده؟
أفرح انا بقي..

ارتسمت الصدمه علي ملامحها، وهتفت بريبة، وهي تعلم أن هذا ما يسبق العاصفة…

ـ انااا..لقيتك نايم مردتش أصحيك..وبعدين ماأنا بروح الجامعه وأنت نايم في إية المشكله..؟

ضرب بيده تلك المزهرية التي تزين الطاوله، فسقطت أرضاً، وصارت قطعاً صغيرة..

ـ دي غير دي..ياهانم..الزفت الكلية ببقي عارف من بالليل انك رايحة المخروبه..أما هنا..إزاي تخرجي من غير إذني..

حاوطت طفلها بحماية الذي شرع بالبكاء خوفاً من صياح والده علي والدته، واخذت تهدهد به..متجاهلة ذاك الواقف تماما..

اقترب منها جواد ورفع وجهها بيده، هاتفاً بغضب..

ـ وانا بكلمك بصيلي هنا..اتكلمي وردي علية يا بكمه أنتي؟

أبتلعت اهانته المتكررة لها، بذاك الاسم..وهتفت وهي تحاول نزع يدة عنها..

ـ اقول ايه بس ياجواد..أنت عاوز تعمل مشكله وخلاص؟
ـ ليه شيفاني مجنون..؟

همست برجاء وهي تتحسس كف يدة التي يمسك وجهها به..
ـ طب أهدا بس..عشان خاطري، بلاش مالك يسمع خناقنا، أنت عارف انه من كتر الزعيق متأخر وبيتأتأ بالكلام…

يديها الحانية التي تجيء وتذهب علي كف يدة، وهمسها الحنون الراجي، وكأنه مطفأة للحريق أطفأت ثورة غضبة، واثلجت علي قلبة..

ترك وجهها سريعاً، وارتمي بجانبها علي الاريكه..هاتفاً بأمر، وهو يمد يده لها بهاتفها..
ـ افتحي الزفت ده؟
ابتلعت ريقها بخوف وهي تتذكر حديثها المسجل ليلة امس بينها وبين جيداء، ودب الرعب بقلبها..
وهتفت بقلق..
ـ ليه.؟
ـ هو إيه اللي ليه..قولت افتحية..
أخذته منه بيد مرتجفة وهي تدعو الله أن يمر اليوم علي خير..
فتحتة أمام عينية المراقبة لها باهتمام واعطتة لة بأيد مرتجفة..

استقامت سريعاً من أمامه واغلقت علي نفسها هي وطفلها، خوفاً من بطشة بعدما يقرأ تلك الرسائل التي بينها وبين جيداء..
صدم من هروبها واغلاقها للباب..استقام سريعاً خلفها كالمجنون..ولكن أوقفتة تلك الرسالة الإلكترونية التي أتت لها ..
ـ أمك في المستشفي..وحالتها خطيرة جدا يا إيلاف…
دق الباب عليها بلهفة، وكالعادة تناسي كل شيء..
ـ إيلا افتحي بسرعة….
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ الله يحرقك، انتِ كده هتنيلي الدنياا..حرام عليكِ
ـ قولتلك..يا أنا..يا هي.؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

لا تعلم كيف أتوا لهنا للمشفى، بتلك السرعة، ولا ماذا حدث؟
أخبرها جواد، وأصطحبها معه للمشفي هنا..

ظلت صامتة...لا تبكي ولم تسأل حتي ما بها..تكفل جواد عنها بكل شيء..
وفعل تماماً ما طلبوها من أجلة..ولولا ذاك ما كانوا أعترفوا بوحودها..
منذ قدمت للمشفي، وهي متقوقعه علي ذاك المقعد بأحضانها طفلها..
أنهي تعاملات المشفي، وإطمأن علي نجاح عمليتها وجلس بجانبها..
رمقها بإبتسامه، وهتف بحنو.

ـ إيلا..تحبي تدخليلها..؟
نظرت حولها بأعين خاوية، إلي من تذهب؟
لقد سمعت الممرضة تنادي لشقيقها، وتخبرة أن والدتة تريدة هو.
نكست رأسها بخزي منه…وصمتت ولم تجبة..
إحساس الظلم الذي مازال طعمة بحلقها، يؤلمها، ولم تصفي لها بعد..
والدتها لم تترك لها أي ذكري حلوة لتتذكرها بها، لطالما كانت جامده، قاسية معها، ولا تعلم ما السبب، ولكنها كانت مدللة أبيها الوحيدة، والجميع بعدها، وربما كان هذا دوماً سبب عداءات والدتها معها..ولكن ماذا كان ذنبها؟

كم كانت تشتاق فقط لعناق منها، وكلمة حانية..
لم تجد بقلبها لها ما يشفع لها.
يدية التي أمتدت لتحاوط خصرها، صدمتها..
ـ متسكتيش يا ايلا….ردي عليا..
سالت دموعها علي وجهها غصباً عنها..وهي تتوسلة بعينها أن يفهم آناتها وتعبها..
ولكن ملامح وجهه التي تغيرت فجأه لاخري غامضة جعلتها تمسح دموعها سريعاً، حتي لا يراها ويجن جنونه عليها…
ويصرخ بها عالياً قائلاً
ـ متبكيش..
اتسعت عينيها بصدمه، وهي تستمع لنبرته الهادئة علي عكس طبيعته التي تعلمها..
ـ أنا جمبك متخافيش..
يدية التي امتدت لتمحي دموعها الخائنة بحنان، اسكرتها، ادخلتها بعالم وردي لطالما حلمت بة..
ارتمت علي صدرة تتمسك بة بقوة….
أغمض عينية يقاوم رغبتة في اعتصارها هنا علناً بين يدية..وليذهب العالم أجمع للجحيم ولا يري دموعها أبداً..
يسب الغربة، وسنوات الفراق التي اكسبتة قلباً صخراً جلمداً كقلبة..
ووالداً ضعيفاً خانعاً كوالده، عشق فتجبرت علية والدته..
ولم تحترمة يوماً قط..

يديها التي تحاوط عنقة بقوة، أوقفت عقلة..جعلتة طوع بنانها..

بئساً لوالدته ووالدتها، ولتلك العائلة البغيضة بأكملها ولتبقي وحدها سكناً لة..
أحتضنها بقوة..ذاك الحضن النادر الذي لم يخرج إلا لها، ولم يشتهي يوماً أن يمنحة لغيرها…
يدية التي أعتصرت خصرها أسكرتها، رحلت بها لغيمة وردية أنستها كل شيء، كسرتها، وحزنها، وحدتها، وكرة الجميع لها..
إبتسمت وبكت كمن جنت..لم تشتهي عناقاً ألا ذاك العناق..عناق المجنون زوجها..
لم تعي بعدها ما حدث..غير أنها أخرجت تلك الكلمة التي جعلتها تجني علي نفسها بنفسها..
ـ بــــ…..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عانقني..فبين ذراعيك يجتمع حنين العالم أجمع..تتفتح ورداتي، وتتسع إبتساماتي..
عانقني بلا خوف ولا تردد فأنا لم اشتهي شيئاً بالدنيا، كما إشتهيت ذاك العناقِ..

رواية اشتهي عناقا الفصل الثالث 3 بقلم اسما السيد 

الفصل قيد الرفع الآن على الموقع 
عُد لزيارتنا بعد قليل 
اكتب في جوجل ( مدونة يوتوبيا ) او ( رواية اشتهي عناقًا مدونة يوتوبيا ) 
وستجد الرواية كاملة داخل الموقع.
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-