رواية لمن يهوى القلب الجزء الأول كامل بقلم فاطمة حمدي

رواية لمن يهوى القلب الجزء الأول كامل بقلم فاطمة حمدي


رواية لمن يهوى القلب الجزء الأول

رواية لمن يهوى القلب الجزء الأول كامل بقلم فاطمة حمدي - مدونة يوتوبيا


وقفت أمام المرآة خاصتها تضع آخر لمساتها الفنية الخاصة على وجهها الفاتن الذي تزين بمستحضراتها الفخمة، ومن ثم تطيبت بعطرها النفاذ وأعادت وضعه في مكانه برقةٍ، انحنت برأسها تُدلك شعرها -الكيرلي الأصفر الذهبي- ثم استقامت مجددا وتأملت فستانها القصير الضيق للغاية ذا اللون الأسود الكاحل، ثم علقت حقيبتها الصغيرة على كتفها وأرسلت لنفسها قبلة في الهواء عبر المرآة تعبر عن مدى إعجابها بنفسها.. ثم مضت تتهادى بحذائها الأنيق الأحمر الذي يتماشى مع لون حقيبتها الراقية..
خرجت من غرفتها بخطواتٍ متمايلة مصدرة صوتا عاليًا اثر حذائها المُهلك!!

فتقول بنبرة رقيقة للغاية:
-بونسوار بابي.
نهض الأب عن مجلسه بقامته الطويلة متجهاً نحوها ورمقها بنظرة ثاقبة مع قوله الغاضب:
-على فين رايحة يا تمارا؟!.
-الديسكو يا بابي.
هكذا نطقت بلا مبالاة وهي تهندم شعرها الطويل بلا اكتراث، فيقول والدها "فاخر" ثائرًا:
-أنتِ عارفة الساعة كام؟
-1 يا بابي.. أوووف!


-هو في بنت محترمة تخرج في الوقت دا، فين مامتك اللي دلعتك وبوظتك هي فييين.
ختم جملته بصياح ونادى على زوجته قائلًا بحدة عارمة:
-أنتِ يا هانم، أنتِ يا سُهيــر!
حضرت الأم هابطة درجات السلم بحذرٍ في خطواتها المتمايلة تماماً كخطوات ابنتها، توأمتان هي وفتاتها، نفس الشعر.. القوام.. الملامح الفرنسية الناعمة الجذابة..
لا يميزهما سوى فرق العُمر..
راحت تقف أمامه وطالعته بلا اكتراث مع قولها:
-بونسوار فاخر، بتزعق ليه يا بيبي؟

زفر وكأنه نفث لهيب من شدة غضبه، إنه يحترق الآن، حتمًا سيموت مقهورًا في أي لحظة جراء ثلجية الأم وابنتها..
-مساء الزفت يا سهير والبرود المستفز!
هكذا صرخ بوجهها، بينما يتابع بعنف:
-أنا مش فاهم، أنتِ إزاي تسمحي للبنت تخرج في الوقت دا، طيب رجوع كل يوم الساعة 1 وسلمت أمري لله، إنما النهاردة تخرج الساعة 1!! ، طب ترجع إمتى؟؟؟
-بابي، أنا مش صغيرة زائد إن كل صحباتي هناك دلوقتي وأنا لازم أخرج بليز بابي، عن إذنك.

انصرف في سرعة قبيل أن تسمع كلمة أخرى منه، فهتف مجددًا بقلة حيلة:
-طب خُدي الحرس معاكِ يا بنت!
بينما تبتسم زوجته "سهير" بدلال وهي تقترب منه قائلة:
-اهدى حبيبي، سيبها تكون سعيدة وتعمل كل حاجة بتحبها، تمارا قوية كتير وأنت متخافش عليها أوك حبيبي؟
ابتسم رغمًا عنه بينما يقول بداخله بغيظ شديد:
-حبك بُرص يا حياتي.

لاحقاً.. وصلت "تمارا" إلى الملهى الليلي أو -الديسكو-، بصحبة ثلاث أشخاص في طول وعرض الباب، تلقت هجوما وترحيبا حارًا من صديقاتها حيث أنها برنسيس -الشلة- كان مجيئها لهذا الوكر الآن مفاجأة للجميع على غير موعدها، لكنها أتت عمدًا كي ترى ماذا يفعل في غيابها؟، زاغت بعينيها الخضراوتين الواسعتين المكان فوقعت عيناها عليه، إنه هُناك بصحبة عدة من الفتيات، نعم إنه خائن وهذا ما توقعته، كلهم خائنون يبتزونها لأجل مالها، لكن لا بأس هو يتسلى بها وهي أيضاً، مثله كمثل السابقون، فليذهب إلى الجحيم ولكن ليس قبل أن يأخذ واجبه، ستريه من هي -تمارا- أولا صبرًا!

أشارت بيدها للحراسة التي تُصاحبها، بينما تهتف بغيظٍ:
-أنا عاوزاه يتكسر، أوكى؟
انصاعوا لها على الفور، جاذبين إياه من ملابسه، ثم كيلوا له الضربات من كل الاتجاهات ووقفت هي تبتسم بتشفي جراء ذلك، ضحكت بشدة وهي تقترب منه بعدما ألقوه أرضًا شبه فاقدًا للوعي لكنه أخذ ينظر لها يحاول التحدث لكنه لم يستطع، فأردفت هي غير مكترثة:
-أنا تمارا يا بيبي، اللي يلعب بيا بلعب بي، بس أنا لعبي غبي شوية!!


(قبل أن نبدأ يجب توضيح أن هذه الرواية هي إعادة كتابة رواية بونسوار التي لم تكتمل، حيث قامت الكاتبة فاطمة حمدي بالتوقف عن كتابة بونسوار وأعادت كتابتها بشكل جديد بعنوان جديد لمن يهو القلب)

رواية لمن يهوى القلب الجزء الأول الحلقة الأولى بقلم فاطمة حمدي



الساعة الثانية بعد منتصف الليل.. مُغامرة أخرى من مغامرات "تمارا" حيث خرجت من قسم الشرطة بصحبة والدها بعدما أصلح ما أفسدته بأعجوبة.. بينما يهتف مستاءً :
-حسبي الله ونعم الوكيل فيكِ يا تمارا يا بنتي.
عقدت "تمارا" ساعديها أمامها بلا اكتراث وقد قالت بهدوءٍ استفزه:
-كنت عاوزني أعمل إيه يا بابي؟؟، مكنتش أقصد أبدًا إني أكسر الديسكو، كنت حابة أربي الزفت اللي حاول يضحك عليا.


-ما هو العيب مش عليكِ، العيب على الحرس المغفلين اللي بيسمعوا كلامك الأهبل دا، أنا لعاشر مرة هغيرهم بسببك!

واصلت بابتسامة ثلجية:
-بابي أنا أصلا مش محتاجة حراسة أنا أعرف أكسره لوحدي.
اقترب منها وشدها إليه دافعًا إياها نحو السيارة خاصته صائحًا :
-بلطجية!!، أنا مخلف بلطجية.. إركبي يا عملي الأسود في الدنيا..


ركبت السيارة على مضض وانطلقت بهما، وبعد مرور الوقت قد وصلا إلى الفيلا.. وقامت العاصفة من قِبل "فاخــر " ولكن دون جدوى، فهو يعيش مع قطعتين من الثلج.. إبنته وزوجته.. لله الأمر سيتحملهما.. بينما يتذكر قول بواب فيلتهم وهو يقول لزوجته التي تشتكي من زميلتها بالعمل..
"اصبر على جارك السو يا يرحل يا تجيله مصيبة تاخده"
فيتنهد ضاغطا على شفتيه قائلًا:
-بالظبط...


أقبلت عليه إبنته الأخرى.. المريحة في حديثها والمريحة أيضاً على نفسه... تلك التي تشبهه إلى حد كبير..
"ساندرا "..
الجميلة الرقيقة التي تأخذ من ملامحه.. حتى لون بشرته البرونزية المصرية.. وعيناها الكاحلتين..
راحت تجلس جواره مع قولها الهادئ:
-بابا حبيبي.. بلاش تزعل من تمارا، بكرا تعقل..
نظر لها وقال متنهدًا بقلة حيلة:
-بكرة دا هيجي امتى بالظبط يا ساندرا، دي عندها 27 سنة يعني خلاص المفروض تكون أعقل من كدا بكتير!!


-معلش حبيبي، بنتك بقى ولازم تستحملها..
-كان نفسي تكون بربع عقلك انتِ يا صغنن..
هكذا قال بمرح وهو يضمها إلى صدره في حنان، بينما يتابع بغيظ:
-ساعات بحس انها اختك الصغيرة مش الكبيرة، انتِ صحيح أصغر منها بست سنين بحالهم لكن عقلك أكبر بمراحل..
قبلت ساندرا والدها برفق وقالت:
-بحبك يا بابا..
-يا قلب بابا..

بادلها القبلة كذلك وربت على ظهرها، بينما يسمع صوتا اخرا يقبل عليهما:
-طبعا ما هي ساندرا حبيبتك وأنا بنت البطاية السمرا!!
تكلم فاخــر مغتاظا :
-دي حبيبة ابوها اللي بتريحه على طول، وبعدين اسمها بنت البطة السودة مش البطاية السمرا.. يا بنت سهير!
-بابي أنت بتدقق في حاجات عجيبة، ممكن بليز تديني ريموت الـ TV عشان الفيلم هيبدأ..
والدها كاظمًا غيظه :
-أنتِ لسة ليكِ نفس تتفرجي على حاجة!!


نظرت له مبتسمة وقالت بلا اكتراث:
-مافيش حاجة تستاهل إن نفسي تتسد عشانها بابي..
بينما تهتف:
-يا دادة راوية..
فتردف ساندرا:
-دادة راوية نامت من بدري يا تمارا، هي الست هتلاحق على إيه ولا إيه دا أنتِ هارياها طلبات ليل ونهار..
-دي وظيفتها هنا يا قلبي ولازم تنفذ كل حاجة..

نهض والدها قائلًا وهو يعض شفته السفلى :
-أنا هطلع أنام بقى عشان كدا كفاية جداً عليا..
انصرف على ذلك بينما تتابع ساندرا بهدوءٍ :
-مش ناوية تعقلي بقى يا ريري؟ حرام عليكِ كل يوم تزعجي بابي معاكِ بالشكل دا، بليز اهدي شوية..
تمارا وقد ابتسمت قائلة :
-صدقيني مش بتمنى أزعج بابي ولكن كل الناس بيضحكوا عليا طمعانين فيا وفلوسي ما عدا واحد بس، ونفسي إنه يموت عليا!


تأففت ساندرا بضجرٍ وهي تخبرها:
-يابنتي شليه من دماغك بقى، دا لا يمكن يفكر فيكِ يا تمارا، هو شخصية مختلفة خالص عن أي حد بتعرفيه وجد جداً مش راكب مع شخصيتك أبدا..
-ما هو دا اللي عاجبني يا ساسو!، غريب ومختلف وجنتل أوي، وعنفه بجد حاجة وااااو..!!
ضربت ساندرا كفا بكف ورددت:
-أنتِ كريزي أوي يا تمارا، على فكرة أنتِ ماتقدريش أصلا تتحملي طبعه لأنه شرس وعصبي ومش بيحب البنات المجنونات اللي زيك..

ضحكت تمارا وتابعت:
-متهيألك يا قلبي، هو هيلاقي زيي فين؟ أنا تمارا جميلة بشهادة كل الناس متعلمة وأخدت ماستر في فرنسا، عاوز ايه هو اكتر من كدا؟؟
ساندرا بتهكم:
-هو دا كل مفهومك يا تمارا؟؟، على فكرة بقى كل دا ميفرقش مع أدهم نهائي..
تمارا بثقة عارمة:
-مبقاش تمارا إن ما وقعته فيا!

صباح يوم جديد..
على مائدة طعام ضخمة حملت كل لذ وطاب..
يترأس المائدة "شوقي الجزار " وعن يمينه جلست زوجته "جيهان" التي ابتسمت بإشراق وهي تقول بهدوئها المعتاد:
-أدهم وحشني جدا.. الحمدلله إنه جاي النهاردة من السفر، حقيقي مبعرفش أعيش من غيره..
رفع شوقي حاجب مع قوله المشاكس:
-طبعا، وأنا ماليش أي لازمة..

ضحكت وربتت على كفه بحنوٍ، ثم قالت بنبرة حنون حملت بعض العتاب:
-ماتقولش كدا، أنت عارف غلاوتك عندي ومأقدرش أعيش من غيرك أبدا ربنا يبارك فيكم..
-وأنا وأنا أنا فين!!
هتفت المدللة الصغيرة التي اندفعت إلى والدتها تعانقها بمحبة وتقبل وجنتيها، ثم تنتقل إلى والدها مع قولها:
-صباح الخير على حبايب قلبي..
ابتسم والدها وأجلسها جواره.. فيما تتابع بشوقٍ:
-أدهم وحشني موووت بجد..

والدها بمرح:
-إيه حكايتكم هو أول مرة يسافر؟؟ وبعدين أنا بعمل إيه هنا لما كل حاجة أدهم أدهم!!
عانقته "ميـرال" مجددًا وهي تقبله بوجنته مع قولها الحاني:
-بابي حبيبي، أنت الخير والبركة كلها..
ابتسم شوقي وراح يستكمل وجبة الإفطار خاصته بتمهل وهو يقول بحسم:
-وحشني أنا كمان بس يارب لما يجي مايعملش مصيبة ويحرجني مع الناس!!

فقالت جيهان بضيق:
-بصراحة يا شوقي أنت بتعمل حاجات تعصب.. يعني تحطه قدام أمر واقع وتحدد ميعاد خطوبته وهو أصلا مش بيطيق البنت دي ومش عاوزه يزعل!!؟
-جيهان.. فيه مصالح مشتركة وهو لازم يكون عارف كدا!!
-بس أدهم مش صغير عشان تحدد له حياته يا شوقي، ومش كل حياته هتبقى بيزنس ومصالح مشتركة!!
أدهم عنده 30 سنة من حقه يعمل اللي يريحه ويختار اللي تريحه برضوه!!

من فضلك يا شوقي بطل ضغط عليه، المرة دي هو سكت عشان خاطري بس المرة الجاية أدهم مش هيسكت..
شعر شوقي بالضجر من حديثها الذي اعتبره ثرثرة!، ليقول وهو ينهض بحدة:
-تمام يا جيهان، أنا لازم أمشي دلوقتي بس لما يرجع سلميلي عليه وقوليله يحضر نفسه للخطوبة ومتنسيش تعزمي سهير وأنا هتصل بفاخر النهاردة..
ثم انصرف دون كلمة زائدة ناهيًا الحوار كعادته، فزفرت جيهان وهي تنهض بدورها صاعدة إلى غُرفتها..

ونهضت ميرال وهي تحدث نفسها بضيق:
-كل يوم نفس الكلام!!
خرجت إلى حديقة القصر ذات المساحة الهائلة بأشجارها وزهورها الكثيفة للغاية، استنشقت نسمات الهواء وهي تغلق عيناها بينما شعرها العسلي بتطاير بفعل الهواء..
ثم فتحت عينيها وفؤادها ينبض باشتياق بل كل نبضة منه تصرخ باشتياقه..

هو سافر مع شقيقها هاربا من أسر عينيها الرائعتين المهلكتين.. ظناً منه أنه سيبتعد عنها ويبعدها عنه!!
لكنها وللعجب لم تبتعد عنه فقد كان متربعا على عرش قلبها حتى في غيابه وفي خيالها!!!!
في خيالها رسمت حياتها معه بكل التفاصيل.. وفي نومها كان هو زائر كل أحلامها..!!
وفي اليقظة كان بطل كل أيامها رغم البُعد!!

أي صنف من النساء هي لتعشقه كل هذا العشق!!!؟
هي استثناء كما أخبرها هو.. كل ما فيها مختلف.. كل ما فيها يثير نبضات قلبه التي تضخ عشقا لها..
لكنه و-للأسف- مازال يُكابر!!
لكنها -هي- لن تتخلى عن سيد أحلامها هكذا بمنتهى البساطة!!

غابت الشمس تودع الآفق، وبدأت ستائر الليل تنسدل وأنار القمر في صفحة السماء وترصعت النجوم من حوله بمظهرها الآخاذ..
ووقفت -ميرال- أمام مرآتها وتزينت كما لم تفعل من قبل..
وصففت شعرها الرائع بعناية..
وكحلت عينيها البندقيتن فوهجت بحب..
ولم تضع أحمر شفاه لأنه -هو- لا يحبها تضعه..
لقد كانت جملته عابرة لكنها اتخذتها أمر ووجب عليها الطاعة..!!

انتهت وهندمت ملابسها الطفولية المكونة من بنطالٍ أبيض وكنزة فضفاضة وردية ذات رسومات كرتونية.. فبدت وكأنها طفلة رغم أنها بلغت من عمرها تسعة عشر عاما!
خرجت من الغرفة في سرعة عندما سمعت صوت سيارة أدهم وراحت تركض فوق الدرج هاتفة بطفولية:
-أدهم.. أدهم..

تلقاها أدهم الذي دخل لتوه من باب القصر الداخلي بين ذراعيه في عناق أخوي حنون، وهمست ميرال بصدق:
-وحشتني أوي يا أدهومي..
أبعدها أدهم قليلًا وداعب وجنتها برفق مع قوله:
-وأنتِ كمان يا ميمو وحشتيني موت.. قوليلي بتاخدي علاجك بانتظام ولا لا؟
هزت رأسها بإيجاب وأخبرته :
-أه والله يا حبيبي..

فيما أقبلت -جيهان- عليه بخطواتٍ سريعة أشبه للركض وهي تهتف بشوق:
-قلبي.. قلبي
اندفع نحو والدته واحتضنها برفق وهمس:
-وحشتيني..
فيما تردف بعتاب:
-كل دا وقدرت تستحمل يا أدهم تبعد عننا المدة دي كلها..؟
تنهد أدهم بعمق وقد قال:
-معلش حقك عليا يا ماما بس كنت محتاج أبعد شوية.. بابا فين؟

-في الشركة.. تعالى يا حبيبي استريح..
مضى معها نحو الأريكة وجلسا سويا، بينما انتهزت ميرال فرصة انشغالهما وتسربت إلى الحديقة وعيناها تدوران بحثاً عنه وها قد وقعت عيناها عليه حيث كان هناك عند البوابة الخارجية ينهي اتصالا مع أحد..
اخذت تقترب بخطواتٍ بطيئة في خجل بينما لاحت منه هو التفاتة حين اشتم رائحتها المميزة..
فاصطدمت عيناه بعينيها فازدرد ريقه بارتباكٍ لكنه لم يتأثر خارجياً ؤقال هادئاً :
-ازيك يا أنسة ميرال؟

تغضن جبينها لعدة ثوانِ من لهجته الرسمية معها، لتقول بضيق:
-حمدالله على سلامتك..
فقال بنفس الهدوء :
-الله يسلمك..
تنهدت بغيظ وهي تقول بعصبية:
-مش عاوز تقول حاجة؟
هز رأسه نفيًا.. ثم صمت ثوان وعاد يتحدث بمراوغة:
-أه أه عاوز أقول..
-ايه خير؟!
-احم.. ممكن تشوفي أدهم بيه عاوز مني إيه تاني قبل ما أمشي؟

عقدت ساعديها وهي تحاول كظم غيظها.. فقالت:
-هو آنت مش من طقم الحراسة، يبقى تمشي ليه، مين هيحرس القصر؟؟
فأخبرها مبتسما برسمية أيضًا:
-دي تعليمات يا فندم، أنت لسة صغيرة بكرة تكبري وتفهمي..
اشتعلت عينيها المهلكتين كما يراهما دوماً فخفق قلبه وصرخت دقاته.. هذه الفتاة تشكل خطرا كبيرا عليه.. لن يتحمل أبدا..

لذا التفت وأولاها ظهره قائلًا بجدية شديدة:
-مستعجل يا أنسة ميرال من فضلك شوفي أدهم بيه..
زفرت بعنف وأسرعت في خُطاها إلى الداخل مجددًا.. فالتفت ومسح بكفه على جبينه المُتعرق وهو يهمس لنفسه بتوتر شديد:
-إيه مالك يا "علي".

لجمت الصدمة لسانها وهي تسمع مكالمة والدتها مع السيدة "جيهان "..
حيث أخبرتها عن موعد خِطبة أدهم!، ويا لها من صدمة!!
بل فاجعة!!
هل -أدهم الجزار - شخصيا تقدم لاحداهن هكذا بمنتهى البساطة؟
وهو الذي لم تحوذ واحدة فقط على إعجابه!!
ضاقت عينا تمارا بغموض وهي تتوعد له..

-هي- ستتخطط كيف تصل إليه.. وفي أقرب وقت ممكن.. وستحصل عليه!
هكذا وعدت نفسها بثقة.. وقامت من مجلسها متجهة إلى غُرفتها تنتقي فستانا يليق بالخطبة.. ويليق بـ تمارا أيضاً!!
إن كان هو أدهم الجزار..
فهي أيضاً تمارا الجزار!!
العرق واحد.. والدم واحد..
وطريقهما! سيكون واحداً أيضًا .. هذا هو رهانها مع نفسها..
أخيراً انتقت فستانا ورديا من خزانة ملابسها، وهمست لنفسها ببسمة ماكرة:
-ماشي يا إبن عمي!

حفل خِطبة إسطوري قد تجهز على قدمٍ وساق في قصر الجزار..
الجميع كان في حالة من الانبهار التام، هذا ليس حفلا عاديا.. فاليوم خطبة -أدهم الجزار - نجم عائلة الجزار..
له هيبة طاغية في حضوره.. خاصةً على الفتيات.. كلهن يتحدثن عن وسامته..
لكنه كان يزفر بضيقٍ شديد وهو يتابع الحاضرين يريد أن يفتك بأي أحد الآن.. الجميع يستفزه وبشدة.. ما هذا العالم المستفز الذي يحيطه..؟!
تلك العروس اللاصقة في ذراعه كاد يقتلها من شدة غيظه...

لا يريد سماع صوتها حتى..
-يلا يا قلبي استعد لـ السيشن.
هكذا همست العروس في أذنه بدلالٍ لم يرُق له قط!
فزفر بحدة وهو يعتدل في وقفته.. بينما يقترب المصور وهو يقول بحذر:
-هستأذن حضرتك تمسك إيد العروسة وتبوسها وحضرتك بتبصلي تمام؟
-نعم!! إيد مين وابوس إيه، غير اللي بتقوله دا بدل ما أكسر الكاميرا دي على دماغك!!

ارتد المصور للخلف في خوف حقيقي، بينما أنقذ والده الموقف وهو يقول بلُطفٍ:
-شوف العريس عاوز إيه ونفذه لانها خطوبة تمام؟
هز المصور رأسه بصمت وقد تنهد بضيقٍ، بينما كشرت العروس "لينا" وهي تزفر بغضب جم!
ما هذا التصرف المُتخلف خاصته؟!
ماذا يعني؟
لا يُريد تقبيلها؟!!

تطاير الشرر الغاضب من عينيها الواسعتين وهي تفعل كما وجهها المصور.. لينتهيا بعد مرور الزمن أخيراً وتبدأ رقصتهما الأولى تحت أنظار الجميع..
وتتعلق هي بعنق أدهم الذي ابتعد بوجهه قليلًا وراح يحل عقدة يديها عن عنقه...
ثم يضعها بعصبية على كتفه وهو يقول بحدة كحدة عينيه الغاضبتين:
-كدا أفضل..
كزت لينا على أسنانها بغضب وهمست له بعدم رضى :
-أنت حقيقي أوفر جدا يا أدهم..
فأشاح بنظره عنها وهو يخبرها بجمود قاس:
-فعلا أنا أوفر جدا ودا إسلوبي..

اتسعت عيناها من كلماته اللازعة، وفضلت الصمت حتى تنتهي الرقصة المملة هذه..
وما إن انتهت انصرف أدهم وذهب إلى -الكوشة- خاصتهما..
أخرج علبة سجائره من جيب سترته وراح يضع ساقا فوق الأخرى وهو يشعل لفافة التبغ بضيقٍ..
فينفث دخانها رافعاً رأسه للأعلى بلا اكتراث بعيون الحاضرين المصوبة نحوه..
بينما أسرع والده إليه واقترب هامسًا بغيظ شديد:
-أنت ناوي تفضحني الليلة صح؟!

رمق والده بنظرة ثاقبة وقد أخبره بنبرة جادة:
-أنا فاضلي تكة واحدة بس وأعملك فضيحة بجد!!
-طب أقوم إرقص مع خطيبتك!
-اتزفت!!
هتف بها بنظرة نارية، فضغط شوقي على نواجذه والتفت قبل أن يتصاعد صوته أكثر من ذلك..
وهناك رقصت -لينا- مع صديقاتها بجسدها الفاتن المغري للجميع..
ولكن له لم يكن مغريا في عينيه! ولم يتأثر بجمالها وفتنتها قط..!

وها قد أتت له من هي تفوقها فتنةً وجمالا!!
-بونسِوار أدهم..
هكذا قالت "تمارا" وهي تمد يدها له كي تُصافحه، فصافحها على مضض وهو يقول بخشونته المعهودة:
-أهلا..
تابعت تمارا:
مبروك أدهم..
هز لها رأسه دون كلام وسحب نفسا عميقًا من سيجارته.. فعادت تقول:
-خطيبتك مش لايقة عليك، الناس كلها بتتكلم عن جراءتها الأوفر جداً يعني..

نظر لها بصمت.. فاستكملت رافعة احد حاجبيها:
-تستاهل واحدة أجمل من كدا.. أنا عارفة إن عمو شوقي هو اللي ضغط عليه..
-أيوة كل اللي قولتيه دا يخصك في إيه؟!!
قال جملته ببرود أخرسها لدقيقة كاملة..
دقيقة كاملة في إحراجٍ وهي تناظره بصدمة.. ثم تحررت من صدمتها تلك لتقول بغيظٍ:
-أنت ناسي إنك إبن عمي؟ يعني يهمني مصلحتك..

ابتسم متهكمًا وقال:
-ممم.. لا مالكيش دعوة بمصلحتي يا أنسة تمارا.. ممكن توفري كلامك لنفسك وممكن برضوه تلمي نفسك وتلمي فضايحك وترحمي باباكي الغلبان اللي داير وراكي في الاقسام والديسكوهات....
جحظت عيناها من فرط وقاحته، ثم هتفت بعصبية:
-أنت إزاي تكلمني كدا؟.. أنا غلطانة إني جيت أنصح واحد زيك والله..
-أنا!! أخد نصيحة من واحدة زيك يا تمارا؟! والله هُزلت!!
هذا أزادها حقا..

وهي تلجمت لا تجد كلمات مناسبة ترد بها عليه!!
لذا استدارت وانصرفت في اهتياج.. لتأتي من خلفها "ميرال" وتجلس جواره رابتة على ساقه قائلة؛
-إيه يا أدهومي مالها تمارا انتوا كنتوا بتتخانقوا ولا أنا متهيألي؟!
رد وهو يلقي سيجارته أخيراً تحت قدميه :
-سيبك منها دي واحدة فاضية..

ضحكت ميـرال ووضعت يدها على فمها، فقال أدهم بجدية:
-بتضحكي على إيه أنتِ كمان؟؟
-بصراحة.. أصل تمارا معجبة بيك أووي وبتغيير عليك، ساندرا قالتلي..
دفعها أدهم برفقٍ من كتفها قائلًا بنفاد صبر:
-أمشي من هنا قبل ما أقتلك..
انصرفت هاربة من عصبيته ومازلت تضحك برقة..

ثم توقفت قليلًا وقد شعرت بالتعب قليلًا..
وتسللت في مكانٍ خالي بعيداً عن هذا الضجيج..
ثم أخرجت من حقيبة يدها الصغيرة عبوة شوكولاتة فاخرة..
وكادت تقضم منها لولا الذي أتى من خلفها فجأة وانتشلها..
فشهقت بذعرٍ ولاحت منها التفاتة إليه وقد تخضبت وجنتاها بغضبٍ وهي تهتف به بطفولية:
-هات الشوكليت!!

أخبئها "علـي " خلف ظهره وقال باقتضابٍ:
-هتضرك يا أنسة ميرال، على حد علمي إنك ممنوعة تماماً منها..
تذمرت في قولها:
-وأنت مالك؟!! يعني خايف عليا مثلاً؟؟
أنهت جملتها والتفتت تولّيه ظهرها بعنفٍ.. فاصطدمت أطراف شعرها العسلي بوجهه فجأة..
هذه تنوي قتله!!
بشعرها الرائع ذو الرائحة الأروع..
وفستانها الأزرق بلون السماء المميز!!

كل ما فيها مهلك!!
تمنى لو يصرخ الآن ويخبر الجميع أنه يعشق هذه الفتاة..
أن تكون حلاله وله وحده.. فيحتضنها دون قيود ولا مجال للرسمية!!
-يا أنسة ميرال؟
همس بها وقد تحكم بأعصابه مجددًا، فلم تلتفت له لكنها قالت بدلالٍ لم تتكلفه:
-أفندم؟!!
-أسف لتصرفي بس سلامتك تهمني، ما أنا بحرس العيلة دي وأنتِ فرد منها..

التفتت له أخيراً وتأملت ملامحه الرجولية المحببة لها مروراً بلحيته الخفيفة التي تعشقها..
وجسده الضخم أمامها.. في كل مرة تنظر فيها إليه يتضاعف حبها أضعاف ولا تعلم أيبادلها هو؟ أم لا تعنيه هي شيء!!
أم أنه يعشقها كما تعشقه لكنه يُكابر!!
-علي..
همست بها ونظراتها تتحدث بالنيابةٍ عن قلبها..
وهو يفهم جيداً حديثها الصامت.. وما أجمل سماع إسمه من بين شفتيها!

-أمرك..
همس بها وقد تنهد بصبرٍ، فقالت له بعينين دامعتين:
-علي أنت.. أنت ليه مش عاوز تتكلم معايا ودايما بتتهرب مني.. علي هو أنت خايف عشان أنا عندي سكر؟.. أنا عارفة إني مش زي البنات و.....
عقد حاجبيه بضيق وقاطع قولها قائلًا:
-أنسة ميرال.. أنتِ فعلا مش زي البنات.. أنتِ ست البنات كلهم!!
ومافيش فيكِ عيب ولا غلطة واحدة صدقيني أنا بس....

صمت فجأة وابتلع حروفه وأولاها ظهره.. فأسرعت تواجهه وتنظر له بتلهفٍ مع قولها:
-أنت إيه؟ أنت إيه يا علي!!
-أنا لازم أمشي من هنا حالا..
ولم ينتظر اكثر وانصرف بالفعل ذاهبا ليستكمل عمله..
فانسابت دمعاتها بهدوءٍ ورقة على وجنتيها الناعمتين بصمتٍ...

كتمت ساندرا ضحكاتها وهي تشاهد غضب شقيقتها المبالغ فيه وغيظها الشديد من العروس الحمقاء الجالسة جوار أدهم.. التي لا تليق به كما رأتها هي!!
بل هذا مكانها -هي-!!
-بتضحكي على إيه؟ سبيني في حالي..
هكذا قالت.. فأردفت ساندرا من بين ضحكاتها:
-بجد أنتِ أوفر جدا يا تمارا قلت لك أدهم دا شليه من دماغك، عاجبك يعني اللي قاله؟!
-إخرسي بقى بلييييز!!

هتفت بها وهي على وشك البكاء.. فصمتت ساندرا كاتمة ضحكاتها كي لا تنفعل شقيقتها أكثر..
وعلى بعد عدة خطوات جلس "فاخر" بصحبة شقيقه "شوقي "...
وبدا عليه أنه غاضبًا وبشدة من هذا الحفل الذي لم يرُق له..
في حين قال بحدة:
-والله عيب عليك يا شوقي تضغط على أدهم بالشكل دا.. وتخليه يخطب غصب عنه كمان..
شوقي ضاحكًا :
-يا فاخر أبو العروس داخل معايا صفقة تقيلة اوي وعاوزين نعدي بقى!!

فاخر بضيق:
-يا أخي احمد ربنا دا أنت من اغنياء مصر.. بطل طمع!! وبدل ما تغصب عليه يتجوز الغريبة.. لا القريبة أولى!!
نظر له شوقي ضاحكًا بشدة وقد قال من بين ضحكاته :
-قصدك إيه؟!!
فاخر متنهدًا بعمق:
-قصدي إنه يتجوز البت تمارا بنتي ويلمها بدل ما تضيع مني.. ما تقنعه بالله عليك يا شوقي؟
-يا أخويا هو أنا اكره؟ بس اصبر نتم الصفقة دي على خير وبعدها فيه كلام تاني بس مأوعدكش لأني مش عارف أتعامل معاه من ساعة الخطوبة دي..
-الله يبشرك!!

انقلب الحفل فجأة وتصارعت الأنفاس في خوف عندما سقطت "ميرال" مغشيا عليها أمام أنظار الجميع..
وركض أدهم في سرعة الفهد وقلبه ينتفض خوفًا على شقيقته ثم حملها ودخل بها إلى القصر وإلى حجرتها فوراً..
وتبعه والده والدته التي قالت بقلق:
-اطلب الدكتور بسرعة يا أدهم دي أكيد غيبوبة سكر..
وضعها أدهم على الفراش وأجرى اتصالا سريع عبر هاتفه على الطبيب المختص..

وبعد مرور الزمن..
كان قد انتهى الطبيب لتوه من فحص ميرال.. بعدما استيقظت من غيبوبتها..
وبقيت ساكنة بوداعة في فراشها.. بينما قال الطبيب بحزم:
-ماينفعش تتمنع من السكريات تماما لازم تاخد بس بمقدار بسيط جدا عشان متدخلش في غيبوبة تاني اثر انخفاض السكر في جسمها..
هزت الأم رأسها بايجاب وهي تقول بندم:
-حاضر يا دكتور.. للاسف فعلا احنا منعناها تماما من اي حاجة حلوة عشان متتعبش بس مش هنكرر الخطأ دا تاني..
-تمام..

قال الطبيب ثم انصرف بعد ذلك.. وجلس أدهم جوار شقيقته ماسحا على شعرها بهدوءٍ.. بينما يهمس مدللا اياها:
-ألف سلامة على الصغنن بتاعنا..
فابتسمت له بإرهاق.. فعاد يهمس لها مشاكسًا:
-مش عارف أزعل يا ميرال ولا أفرح عشان بوظتي الخطوبة المملة دي ما تجيبي بوسة يا قلب أخوكِ!!...
يتبع..


رواية لمن يهوى القلب الجزء الأول الفصل الثاني بقلم فاطمة حمدي




-ساندرا..
هكذا هتفت صديقتها المُقربة وهي تهرول إليها واحتضنتها برفقٍ.. فبادلتها الأخيرة بودٍ وهي تقول ببسمة هادئة:
-رغدة.. وحشتيني أوي..
-وأنتِ كمان.. ليه مكنتيش بتيجي؟
-يعني كنت مريحة شوية.. وكمان أنتِ عارفة إن كان فيه خطوبة أدهم إبن عمي..
ابتسمت (رغدة) وقالت بمشاكسة:
-عقبالك يا قلبي..

بادلتها ساندرا الابتسامة بخجل وأطرقت برأسها قبيل أن تسألها بتوتر:
-مامتك أخبارها إيه؟
فضحكت رغـدة وأخبرتها غامزة:
-كويسة وبتسلم عليكِ.. وبتقولك وحشتيني وأوي..
تخضبت وجنتاها بحُمرة خجلة.. ثم قالت رغدة مُكملة:
-تعالي معايا يا ساندرا عشان خاطري.. نقعد شوية مع بعض وبالمرة تدوقي المحشي بتاع ماما!
ردت ساندرا بفرحة:
-الله.. محشي!


أنا بحبه أوي.. أنا كدا لازم أجي معاكِ لأن تقريباً المحشي دا مُحرم على بيتنا.. ماما وتمارا بيخافوا ياكلوه عشان يفضلوا عود فرنساوي..
أطلقت رغدة ضحكة هادئة واستكملت:
-طب يلا بينا إحنا وهأكلك أحلى محشي...


خرجت إلى الحديقة بخطواتٍ متمهلة وهي تَحمل قطتها البيضاء الناعمة..
ثم راحت تجلس على الأورجوحة بهدوءٍ وأخذت تمسد ظهر القطة بشرودٍ..
ولم تبحث عيناها عنه في أنحاء الحديقة كما تفعل..
بل كان قلبها من يبحث عنه ويتلهف لوِصاله..
كيف السبيل إلى وصال علي '؟!
متى سيرحم قلبها '؟!..

رائحته انتشرت فجأة في المكان.. فعلمت أنه قريب.. قريب للغاية..
حولها هنا..
لهذا التفتت للخلف فاصطدمت عيناها برؤيته الحبيبة..
لكنها عادت كما كانت بعبوسٍ راق له!!
حتى عبوسها يروق له.. لأنها استثناء!!
-صباح الخير..


همس بها علي وهو يواجهها حيث وقف قبالتها بقامتهِ الفارهة وابتسم برسمية كعادته..
فلم ترد عليه واصطنعت الانشغال بالقطة خاصتها..
فعاد علي يتحدث بتصميم:
-أنسة ميرال؟
زفرت أنفاسها بطريقة طفولية ولم ترد عليه أيضاً...
-أنتِ زعلانة مني أوي كدا؟
هكذا سألها برفق.. واستكمل:
-طب أنا عملت إيه؟!!
ويسأل؟!!


يسألها بكل هدوء يستفزها لماذا هي غاضبة؟!!
ما فائدة الكلام وهو يحاول الابتعاد؟؟!
-أنت عاوز مني إيه دلوقتي؟
سؤالها أحرجه.. كيف يجيب..؟
ماذا يقول..؟
لكنه وببراعته المعهودة أجاب:
-عاوز أطمن على صحتك.. لعلك بخير؟
-الحمدلله بخير.. ارتحت يا علي!؟
ابتسم لأنها ختمت جملتها بإسمه الذي يحب سماعه دائماً منها..

ليقول بتلقائيةٍ:
-مرتاح طول ما أنتِ كويسة يا أنسة ميرال.. ممكن تفكي التكشيرة دي؟..
أنا والله مكانش قصدي أخد منك الشوكليت!!
نظرت له بغيظٍ وأردفت؛
-شوكليت!!
شوكليت إيه اللي بتكلمني عنها؟
تنهد بصمت وخلع نظارته الشمسية السمراء ثم رمقها بنظرة مطولة.. نظرة كان كفيلة بدغدغة مشاعرها..
نظرة أودعها فيها كل ما يشعر به نحوها..


نظرة تخصها وحدها دونا عن نساء العالم..
وهي.. كان تناظره بتحيّر.. عيناه تتحدثان فلمَ يصمت هو؟!!
وكأنه قرأ أفكارها..
فأخبرها مبتسما ولكن ليس برسمية.. بل بم يكنه لها:
-أنا نفسي أعيش حياتي كلها معاكِ يا ميرال..
يحدث ما يحدث بعد هذه الجملة.. هو لن يتحمل أكثر!!...

-اللي عايز يجرب.. يقرب!!
صوت جهوري يصيح في حارة شعبية مُتهالكة جار عليها الزمن..
وشاب ما يخلع عن جزءه العلوي الثياب بهجمية..
ثم يخبط بكفيه على صدره وكأنه أسدًا..
جسده صلب ولونه أسمر..
قامته طويلة وعيناه واسعتان جريئتان بلون الليل الكاحل..
كل هذا جعل ((ساندرا)) في حالة انبهار تام..


هذا الشاب غريب تماما ومختلف عن عالمها..
شهم يُدافع عن الأضعف وهو في الحارة الأقوى..
شاهدت الجميع وهو يفر هاربًا وخائفاً منه.. فازدادت عيناها بريقا متوهجا باعجابٍ..
أما هو ما إن لمحها ارتدى ثيابه ومضى نحوها وهو يمسح على جبينه المُتعرق..
ثم قال متغزلا بها بصوته الأجش:
-الله!.. هو القمر بيطلع بالنهار ولا إيه!؟..

نظرت سانــدرا إلى الأرض بخجل شديد وأرجعت خُصلات شعرها خلف أذنيها..
فقال (حــازم) مبتسما باعجابٍ سافر:
-نورتي الحارة كُلها يا برنسيسة..
همست له برقة وهي ترفع وجهها إليه:
-شكراً يا حازم..
-يلا بقى ندخل ولا هنفضل هنا يا أخ حازم؟!

كانت جملة رغـدة التي جذبتها من يدها وسارت بها إلى بنايتهم واتبعهم حــازم وهو يتمعن النظر بها..
وليس هو فقط..
بل الحارة بأكملها تتمعن النظر بها.. وكأنها نجمة من نجوم السينما..
الجميع يتفحصها ولكن خلسة.. فهي الآن في عرين وَحش الحارة... (حــازم)!

مساءً..
عاد أدهم إلى القصر فتفاجئ بخطيبتهِ ((لينـا ))، فزفر بحنق وهو يود قتلها، الساعة الآن الثانية عشر.. منتصف الليل.. '!
ما الذي أتى بها هذه اللعنة التي أصابته مؤخراً؟!
ابتسمت له ونهضت مقتربة منه قائلة بدلالٍ :
-مساء الخير.. يا دومي.. وحشتني يا بيبي..
-دومك!!

قالها بغضب ورمقها بنظرة نارية وهو يسألها بحدة عارمة :
-أنا عاوز أعرف أنتِ جاية الساعة 12 دلوقتي ولوحدك إزاي؟؟!!!!!!
فضحكت كالبلهاء... وقالت بخجل:
-يا قلبي بتخاف عليا!!، أنا معايا الحرس بتوع بابي..
تمتم أدهم بخفوت:
-يا شيخة وجع في قلبك...
-بتقول حاجة يا بيبي؟

-بقول إني مش خايف عليكِ، أنا بتكلم عن حاجة تانية!
كشرت عن جبينها وسألته ببرود:
-حاجة إيه؟!
-مافيش بنت محترمة بتروح بيت خطيبها في وقت زي دا!، أنا مابحبش الأسلوب دا تمام؟!
-أدهم!! مايصحش كدا يا حبيبي!!
كانت هذه العبارة لوالدته التي اقتربت منهما، ليقول أدهم بجدية:
-أنا مابعرفش أجامل حد ولو عاوزة تكمل معايا يبقى تتعود على طبعي وتنفذ اللي بقوله!!

لينا وقد احتل الغضب ملامحها:
-نعم؟!، حضرتك أوفر جدًا وواضح إنك عاوز تتقمص شخصية سي السيد!!
ضحك متهكمًا وقال متعمدًا اخافتها :
-مين قالك إني عاوز أتقمص شخصيته؟، دا أنا نسخة تانية منه.. ودا طبعي مش عاجبك نفك الخطوبة عادي جدًا يعني!..
-حقيقي أنت مريض..
قالتها لينا بغيظ، فاقترب منها بنظرة مخيفة وقال جازا على أسنانه:
-حقيقي أنا ماسك نفسي بالعافية..

ثم استكمل ببرود:
فهطلع أنام عشان وشك الحلو دا مبوظهوش!!
أنهى جملته القاتلة وصعد الدرج وهو يخلع عنه سترته، فتنحنحت والدته باحراج وهي لا تدري ماذا تقول للمسكينة....
-أنا أسفة يا لينا أدهم ما......
قاطعتها لينـا وهي تتجه صوب الباب بلا حديث، فتنهدت جيهان بضيقٍ وهي تقول:
-ماشي يا أدهم!!

ذهبت إلى الملهى الليلي كعادتها في الليل..
وهناك رقصت حتى خارت قواها.. وشربت الخمر!
لكنها لم تشربَ حد الثمالة!
هي في كامل قواها العقلية..
نعم عادت تتحدث مع ((شادي))، ذاك الذي تركته من اسبوع فقط كالجثة الهامدة..

وها قد عادت له من جديد..
وهو استقبلها على الرحب والسعة.. مثلها تماما..
وفي نظراتهما سَكن الخُبث..
كلاهما ينوي فعلٍ ما في نفسهِ..
-أنتِ متأكدة من اللي بتقوليه دا يا تمارا؟!
هزت رأسها بضيقٍ وقالت :
-ماعنديش حل تاني، أنا كبرت وخلاص نفسي أستقر وأتجوز يا شادي!

شادي بذهولٍ :
-يعني عاوزاني أتقدم وأطلبك من فاخر بيه؟!!!
أومأت برأسها إيجابا وقالت بتأكيد:
-ايوة..
ثم تابعت بلا وعيٍ:
-عشان اللي بحبه مابيحبنيش.. فلازم أندمه لما يشوفني مع راجل غيره...
شادي بغضب:
-نعم؟؟؟ أنت هتتجوزيني عشان تغيظي واحد تاني؟، أنتِ مجنونة يا تمارا؟؟

ضحكت بتهكم صارخ ودفعته بكتفه مع قولها:
-أنت هتعمل فيها بني آدم؟!، أنت من الأول عرفتني عشان الفلوس.. أنا بقى يا روحي هنغنغك فلوس!!
ثم نهضت مبتعدة عنه وقالت:
-بونسِوار يا بيبي...

دخل "شوقـي" إلى غُرفة أدهم كالعاصفة بعد أن فتح بابها بعنفٍ شرس وراح يزأر بحدةٍ عارمة:
-أنت يا بيييه.. قووم!
كان أدهم نائمًا على ظهره شارد بسقف الغرفة ويديه خلف رأسه.. فراح ينظر إلى والده بنظرة ثلجية وهو يردد:
-في حد يدخل على حد كدا؟، أومال الباب دا اخترعوه ليه؟!
-يا برودك يا أخي!!
قوم اتعدل وكلمني !!

نهض أدهم جالسا على الفراش متأففًا، ثم قال بهدوءٍ حازم:
-أفندم..
جاوره شوقي وهو يقول بغضب:
-إزاي تكلم لينا بالأسلوب دا؟!!! أنت عاوز توصلنا لإيه؟
ابتسم أدهم متهكما ولاذ به الصمت.. ليصيح به شوقي:
-ما ترد!! أنا مش بكلمك؟
-أنا هرد..

هكذا تحدث بهدوء شديد.. ليُكمل:
-بس لما تقول كلام يعجبني ولو لمرة واحدة!
-أنت قليل الأدب!
-معلش..
وببرود مرة أخرى رد عليه.. ليحتقن وجه والده بالدماء وتندلع نيران الغضب داخله.. فيما يردد:
-إن كنت فاكر إنك بتستفزني بالطريقة دي تبقى غلطان!!، أنا ولا يفرق معايا..
-ولا أنا..
كاد يُصيب والده بجلطة من حديثه الثلجي ...

حيث نهض شوقي وصرخ به منفعلًا:
-أنت ليه مش حاسس بكل حاجة بعملها عشانك؟!، هي الخطوبة دي كانت ليه؟، مش عشان نعمل أحلى شغل!! والشغل دا مين هيتولاه من بعدي مش أنت؟
أدهم وقد نظر له بجديةٍ:
-لا مش أنا!!.. أنا كفيل أأسس نفسي بعيد عن مصالحك اللي مش بتنتهي دي!، وحياتي الخاصة مش هتدخل في الشغل، ومش عشان أنت أبويا هقولك على كل حاجة سمعا وطاعة! أنا بشر، انسان، عارف يعني إيه؟.. يعني عندي مشاعر.. وبحس مش آلة بتشتغل ليل نهار عشان تكنز في فلوس وتعمل قصور..

أنا ليا جانب محدش من حقه يتخطاه حتى لو كان أبويا!! وخطوبتي من لينا دي بمزاجي عشان بس أريحك واشوف أخرك.. إنما دي لا يمكن أكمل معاها وأنت عارف كدا كويس..
نظر له حينذاك باستهجان وأخبره ساخرًا:
-اطمن.. هي اللي سابتك مش أنت..
وبنفس النبرة الساخرة أردف أدهم:
-ألف مبروك.. دا أحلى خبر ممكن أسمعه!
سئم والده هذا الحوار العقيم الذي لا جدوى منه.. فرمقه بنظرة ثاقبة قبيل أن يبرح الغرفة... ثم يعود أدهم نائمًا كما كان وقد زفر بارتياح مع قوله:
-في ستين داهية...

في اليوم الموالي..
حيث تنفست "ميـرال" الهواء بعمقٍ شديد وأغمضت عينيها باستمتاعٍ..
وكأن الهواء مُعبق برائحته.. حاملا كل معاني الحُب إليها..
يهديها حياة جديدة..
حياة تتنفسها معه وحده.. تخصه وحده..
وتبقى له وحده دونا عن رجال العالم بأكمله..
وماذا بعد؟
بعد أن أخبرها أنه يُريد حياة هي ملاذها..!!

التقطت هاتفها بين راحة يدها وهي تقف في شرفتُها، ثم أجرت اتصالا عليه فأخيرًا حصُلت على رقمه..
وكأنها حصلت على جائزة!
فرحتها الآن تسع الكون.. (علي) ليس بالنسبة لها حبيب فحسب!
(علي) لها حيـاة!
-وحشتني..
كانت أول جملة قالتها حين أجاب عليها.. فاصطدمت الكلمة بقلبه صداماً عنيفا.. فارتفعت نبضاته..

لكنه تحكم بمشاعره كعادته وقال بحزمٍ محبب إليها:
-ميرال؟ اتفقنا على إيه؟ ماتخلنيش أندم إني اتكلمت معاكِ!
ضحكت ضحكة أهلكته، ثم قالت بنعومة:
-أول مرة تقولي ميـرال من غير أنسة.. ياااه أخيراً يا علي!، أنا مبسوووطة أوي.
ضغط -علي- على شفتيه.. ثم تابع بنفس النبرة الحازمة:
-اتفقنا إننا مش هنقول الكلام دا، لحد ما نفكر مع بعض إزاي نفاتح باباكِ في الموضوع ونمهدله الوضع..

-طب هو أنا عملت إيه دلوقتي؟، أنا متصلة بيك عشان نفكر مع بعض يا علي..
قالت جملتها بدلالها الفطري.. فتنهد بصوت مسموع وهو يمسح جبينه الغارق في عرقه...
هذه حتما ستصيبه بسكتةٍ قلبية.. كل همسة منها ونظرةً لها مذاق خاص.. خاص جداً..
هي أنثى ذات مذاق خاص.. وحبهُ لها حب خاص ليس كمثله حب !!!
-ساكت ليه يا علي؟

سألته بخفوت، فأجابها برفق:
-معاكِ ..
-طب هنعمل إيه؟
-في إيه؟
-علي!!
ضحك رغما عنه مردفًا:
-نعم..
فشاركته ضحكته وقالت:
-فكر معايا إزاي تفاتح بابا...
علي بجدية:
-هو أنا هفاتحه على طول بدون مقدمات.. أنا مش بسرق!! صح؟

-بس يا علي أنا عارفة بابا.. مش هيوافق.. أنت عارف دماغه..
أغمض عينيه للحظة وهو يقول هامسًا:
-طب أعمل إيه؟، أخطفك؟
ضحكت بدلالٍ وقالت مُرحبة:
-يا ريت!
-عادي كدا، كل حاجة مسلمة فيها يا ميرال؟

قال جملته بنبرة مرحة، فقالت بثقة عارمة:
_أه.. أنا معاك موافقة على أي حاجة عشان أنا بحس بأمان أوووي لما بكون قريبة منك وبكون مبسوطة ومرتاحة..
ماذا تعرف هي عن الانبساط؟
فلتأتي لترى قلبه المتراقص فرحا اثر كلماتها الرقيقة..
-ما تيجي نتقابل في أي مكان يا علي؟
-ميرال!!.. بقول نقفل بقى عشان عندي شغل..
هكذا أنهى الاتصال وأغلق معها.. فتنهدت بغيظٍ وكشرت عن جبينها بغضبٍ طفولي.. ثم عادت تبتسم من جديد وهي تهمس لنفسها:
-ماشي يا علي!

طرقت "سُهيــر" باب غُرفة إبنتها ساندرا وولجت..
وما إن ولجت حتى توسعت عيناها من هول ما رأته!!!!!!
ساندرا!!!!!!!!!!!!
ساندرا؟
ساندرا تأكُل (محشي) وتجلس فوق فراشها مربعة رجليها بمنظر مقزز للغاية!
-ساندرا!!!
هكذا هتفت متعجبة وهي تضع يدها على خدها مذهولة.. لتتابع باندهاش؛
-بتاكلي إيه؟

-محشي يا مامي..
قالتها ساندرا وهي تملأ فمها بتلذذٍ، فتصرخ سهير:
نووو... لا لا مش معقول.. جبتيه منين يا بنت، هتبوظي جسمك!!
ضحكت ساندرا قائلة بلا اكتراث:
-من عند رغدة صاحبتي، أصل أنا زرتها النهاردة واتغديت معاهم، وبعدين طنط فوزية أصرت أخد معايا كان واحدة عشان عارفة إني بحب المحشي بتاعها..
-طنط فوزية؟؟؟

-اه طنط فوزية مامت رغدة صاحبتي،...
سهير بحسرة:
-أنا مش عاوزاكِ تعرفي البنت دي تاني فاهمة!!، دي مش من مستواكي أبدًا..
لعقت ساندرا أصابعها وهي تبتسم قائلة:
-أكيد لا يا مامي، رغدة دي صديقتي اللي بحبها..
كادت سهير أن تبكي وهي تراها تلعق أصابعها بهذه الطريقة.. فتقول بصدمة:
-أنتِ بتعملي إيه؟!

تنحنحت ساندرا بحرجٍ.. ثم قالت وهي تنظف يدها بمنديلٍ ثم فمها:
-سوري يا مامي، اندمجت شوية مع الأكل..
-لا يا هانم.. أنتِ بتقلدي الناس البيئة اللي كنتِ عندهم النهاردة!، اللي حصل دا ميتكررش تاني مفهوم!!
ولم تستطع الحديث حيث خرجت سهير من الغرفة والغضب يعصف بها عصفًا..
تنهدت ساندرا بضيق.. ثم التقطت من صحن (المحشي) مرة أخرى وهي تقول بهدوءٍ:
-هو أنا عملت حاجة تزعلها!!

جلست تمارا قبالة والدها الذي أتى الآن من عمله وجلس يستريح من مشقة العمل..
بينما نظر إليها وقد قال بجدية:
-خير؟
-عاوزة أتكلم معاك يا بابي بليز..
قال وقد فك رابطة عنقه:
-قولي يا تمارا.. خير..
تمارا وقد بدأت حديثها برفق:
-في عريس جالي يا بابي....
اعتدل حينذاك ناظرا لها منتبها.. ثم قال باهتمام:
-عريس مين؟، أنا أعرفه؟
هزت رأسها وأجابته:
-تقريباً...
فسألها:
-مين؟..

ابتلعت ريقها بتوتر.. واستأنفت:
-شادي..
تمالك نفسه وهو يسألها مجددًا :
-شادي مين؟!
زفرت بضجرٍ:
-شادي يا بابي!
-الواد اللي كسحتيه في الديسكو؟؟؟
أومأت برأسها إيجابا.. فهب واقفاً قائلًا بصرامة قاتلة:
-أنا مش فايق لسخافتك دي دلوقتي أنا جاي تعبان!!

-بابي أنا مش بهزر.. لو سمحت اسمعني..
-اسمع إيه!! أسمع إييييه!!
أنت تطلعي تنامي حالا وإلا هقتلك وأتعدم بعدها عشان نرتاح.. دا أنتِ عملي الأسود في الدنيا!
وقفت قبالته وقد قالت بتصميم:
-بابي شادي هيتقدم وهتجوزه.. أوك؟؟
وانصرفت في سرعة... فهتف بغضب:
-ماشي يا بنت يا سهير... إصبري عليا!!

جلست السيدة (فوزية) ذات الجسد البدين جوار إبنها (حازم) الذي كان يجلس أمام التلفاز ويتناول وجبة من (الفشار) أعدتها له شقيقته..
لتقول والدته باستغراب:
-حازم بياكل فشار؟! .. دا من امتى؟؟
نظر لها بنصف عين.. قبيل أن يتكلم بجمود:
-إيه يعني لما حازم ياكل فشار ياما مش فاهم؟
-مافيش يا حبيبي.. كُل بالهنا والشفا..
قالت جملتها ثم ربتت على كتفه.. واستكملت:
-قولي بقى.. إيه حكايتك مع البنت صاحبة رغدة؟

-حكايتي!.. حكاية إيه؟
تصنع عدم الفهم وهو يسألها.. لكنها أجابت بهدوءٍ:
-أنا لاحظت إنك معجب بيها والغريبة إن هي كمان وطول ما كانت موجودة منزلتش عينك من عليها.. قولي في إيه؟
اعتدل في جلسته وقال:
-نفترض إني معجب.. في مانع؟

تحدثت بجدية تامة:
-أيوة يا بني في مانع.. دي لا من توبنا ولا مننا، ولا أنت من توبها.. اللي زي دول ليهم عيشة تانية خالص وعمرها ما تقدر تستحمل وضعنا.. نظرات الاعجاب دي بتاعة وقتها كدا وهتروح لحالها.. بص على قدك يا حازم!
حازم بضيقٍ شديد:
-أنا باصص على قدي ياما.. هي عجباني وأوي كمان.. ومافيش حاجة غلط في كدا.. وأنا كفيل أحول بصة الاعجاب لبصة حب وعشق كمان!
-أنت بتحلم!! حتى لو قدرت تعمل كدا، ليها أهل عمرهم ما هيوافقوا!
مط شفتيه بعدم اقتناع.. ليقول متنهدًا:
-بلاش نسبق الأحداث.. بس أنا من حقي أختار اللي تعجبني ودي عجبتني...

طرقت ميرال باب حجرة شقيقها وانتظرت قليلًا إلى أن سمعت صوته من الداخل يقول هادئا:
-ادخلي يا ميرال..
فتحت الباب واقتربت منه حيث كان يقف عند النافذة يستنشق الهواء بحرية..
قسمات وجهه تبدو هادئة.. لكن عينيه تحملان حزن دفين.. هكذا استشفت هي منهما..
لتقول برفقٍ مربتة عليه:
-أدهوم؟ مالك؟
نظر لها وابتسم.. ثم تحدث:
-مافيش حاجة يا حبيبتي، خير كنتِ عاوزة حاجة؟

هزت رأسها نفية.. ثم قالت بمرح:
-لا جيت أطمن عليك بس.. وبعدين عرفت منين إن أنا اللي بخبط على الباب مش جايز يكون بابي أو مامي!
ضحك بخفوت وقرص وجنتها بخفة مع قوله:
-عارف خبطتك يا لمضة..
-حبيبي يا أدهومي..
قالتها وهي تعانقه بمحبةٍ صادقة، فرفع حاجبيه وضاقت عيناه بغموض وهو يسألها:
-طب قوليلي إيه سر السعادة اللي أنتِ فيها دي النهاردة؟

ابتعدت عنه سريعا وتوترت بشدة.. ثم توردت وجنتاها مع قولها المرتبك:
-م.. مافيش حاجة عادي!
رفع حاجب وقال بتصميم:
-لأ فيه.. بس مش هتدخل هسيبك تجي تحكيلي لوحدك، أوك؟
هزت رأسها بدون مجادلة وغيرت مجرى الحديث قائلة:
-إيه اللي حصل بينك وبين لينا؟
فزمجر مختنقا:
-ماتجبيش سيرتها قدامي عشان بتعصب.. أهي غارت في داهية..

ميرال مبتسمة:
-طب إهدى وهاتلي شوكليت..!
نظر لها مطولا ورفع ابهامه ليمسح أثر الشوكولاتة عن فمها وهو يقول :
-كفاية اللي أكلتيه في أوضتك ولمي نفسك شوية هتتعبي كدا..
تنحنحت ميرال بحرجٍ فضحك أدهم متابعا:
-مابتشبعيش شوكليت ارحمي نفسك!! مافيش شوكليت أمشي على أوضتك..

-ماشي يا أدهومي وبرضوه هتجبلي شوكليت من اللي بحبها تصبح على خير يا حياتي..
هكذا قالت وبرحت الغرفة.. فضحك أدهم وعاد يتطلع إلى النافذة مجددًا وقد قال هامسًا:
-والله ما حد مصبرني على البيت دا غيرك..

ركضت ساندرا حيث يجلسان والديها وراحت تصرخ بهلع:
-بابي بابي..
فنهض في لهفة متسائلا:
-في إيه؟؟؟؟؟؟
فقالت من بين أنفاسها اللاهثة:
-إلحق تمــــارا...
يتبع..


رواية لمن يهوى القلب الجزء الأول البارت الثالث بقلم فاطمة حمدي



هي بالفعل كادت تموت!!
تصرفها الجنوني ذاك كاد يصيب والدها بالشلل!
حيث حاولت الانتحار جديا وتناولت شريط أقراص مجهول المصدر!!
ولم تكترث.. كل ما يجول بخاطرها تفعله. !
وهذه الخطة حسمتها جيداً إن ماتت فهو قدرها!، وإن حيت فستنول مُبتغاها!
وما هو مُبتغاها؟!
"شادي"!!!

كل هذا من أجل شادي؟!!!
وكان أول ما نطق به والدها الذي اقترب يجلس جوارها على فراش المستشفى بعد أن تحكم بأعصابه بأعجوبة:
-أنتِ بتنتحري عشان تتجوزي شادي؟!
زفرت رغم إعيائها واصفرار وجهها.. ثم قالت باقتضابٍ:
-yes..
هل يصفعها؟
أم أن قتلها حلال؟!!!!


معها تتحجر الحروف على شفتيه فيظن أنه قد أصيب بالخرس..!
وتعجز يده عن صفعها فيظن أنه أصيب بالشلل...
فأفعالها حتماً ستأتي له بالجلطة!


-يا بنتي أنا مش حملك.. شادي دا إيه أنتِ اتجننتي؟؟
هكذا صاح بها وعيناه تحملان حمم نارية.. بينما ترد ببرود مستفز؛
-عاجبني يا بابي..
-بابي إيه وزفت إيه، يا رتني ما خلفتك ولا شفت وشك يا شيخة، لا لا دا أنتِ محتاجة تتربي من أول وجديد!
نظرت له بتحدٍ..
نعم تتحدى والدها وكأنها توعده بأنها المنتصرة..!

وهو صر على أسنانه وصفعها.. وتلك المرة الأولى يضربها.. لكن الكيل طفح!!
صرخت تمارا ووضعت يدها مكان الصفعة في ذهول تام، فركضتا كلا من ساندرا ووالدتها على اثر صوتها..
فأسرعت سهير إلى ابنتها في صدمة وهي تصرخ:
-في إيه يا فاخر؟.. أنت ضربت تمارا؟!


-دا أنا هكسر عضمها بس لما ترجع البيت، وأنتِ يا هانم ياللي عايشة لنفسك وبس شوفي وبنتك وعقليها بلاش قرف!!
أنهى حديثه الحاد وبرح الغرفة تاركا إياهن.. فصرخت تمارا بتصميم؛
-والله هتجوزه يا إما هموت نفسي بجد!
فقالت ساندرا بعتاب:
-اعقلي يا تمارا.. بجد اللي بتعمليه دا أوفر أوي حرام عليكِ!

فترد سهير وهي تضم تمارا إلى حضنها:
-اسكتي أنتِ يا ساندرا، لازم فاخر يوافق وإلا بنتي هتضيع مني وساعتها هيندم..
ساندرا بغضب عارم:
-بجد حرام أنتِ هتشجعيها يا مامي؟!، شادي دا شاب مستهتر وكل يوم مع بنت شكل وأكيد طمعان فينا!
-اطلعي أنتِ من الموضوع يا ساندرا..


كانت جملة تمارا التي نهرتها بها، فرمقتها ساندرا بنظرة ثاقبة وبرحت الغرفة فوراً، لتقول سهير بلا مبالاة:
-شادي إبن ناس برضوه مهما كان مش كدا يا تمارا؟ مش هما مستواهم كويس؟؟
لوت تمارا فمها بتهكمٍ وقد قالت:
-أيوة...
فتقول سهير:
-دا المهم.....

جن جنونه واشتعل الغضب في مقلتيه، بينما تصلبت ملامحه بحدة عارمة وهو يتابعها بعينيه الغاضبتين، ألقت بنفسها إلى حمام السباحة وراحت تسبح بملابسها التي لا تستر شيء!
فكانت ترتدي -شورت قصير- لونه أسمر.. وكنزة ذات أكمام قصيرة بنفس اللون.. تلتصق بجسدها..
ماذا لو رأها أحد الآن؟
وكيف تسمح ميرال لنفسها أن تخرج من غُرفتها بهذه الملابس؟؟؟
هل جنت؟!


لم يدرِ بنفسه إلا وهو يندفع نحوها بجنون، بينما لألأت عينيه بغضب جم وهو يقترب من حمام السباحة قائلًا بحدة:
-على فكرة كدا ماينفعش!!..
وحاول ضبط أعصابه مكملا:
-خالص يعني!!
فرفعت رأسها إليه وابتسمت الحمقاء ببراءة يعهدها منها دائماً، لتقول برقة:
-صباح الخير يا علي، مالك؟

تلفت حوله بحذر وهو على وشك قتلها من سؤالها، ليردف بصرامة:
-مالي؟، أنتِ إزاي تعملي كدا يا ميرال؟ تخرجي من أوضتك بالمنظر دا؟؟...
-وفيها إيه يا علي دي مش أول مرة!
-ميرال أنا مش عاوز مجادلة من فضلك اطلعي من البسين حالا وغيري هدومك دي!!
هكذا أنهى حديثه واستدار ماشيًا إلى البوابة الرئيسية للقصر.. فزفرت ميرال وصعدت على الفور..
فكل شيء يهون إلا.... غضب علي!


توجهت إلى الداخل وإلى غرفتها، ثم اغتسلت على عجل وانتقت ثوب أنيق من خزانة ملابسها، فضفاض لونه أزرق كعادتها تفضل الأزرق في كل شيء..
ورفعت شعرها المبتل للأعلى -زيل حصان-..
وعادت تخرج من الغرفة مرة أخرى وأخذت وجهتها إلى الحديقة.. طالما كان هو هناك واقفًا بصحبة زملائه بالعمل..

لتهتف بإسمه فيلتفت إليها ويزدرد ريقه بارتباكٍ.. فيسير نحوها بخطوات متعجلة ويقول بعتاب:
-ماينفعش تندهي عليا قدام حد، أرجوكِ يا ميرال!
-مالك النهاردة يا علي!.. أنا مش عارفة عملت إيه يزعلك؟
-مش عارفة؟
تنهدت بصبر وأخبرته بهدوءٍ:
-أنا نزلت البسين قبل كدا كتير و..

قاطعها بخشونة:
-كنت ببقى هموت وأقولك لمي نفسك بس كانت والدتك بتكون حواليك هنا!
ابتسمت بعفوية وأردفت:
-بعد الشر عنك يا علي.. عموماً يا سيدي مش هعمل كدا تاني بس أنت ماتزعلش مني.. ممكن؟
أومأ لها برأسه وحاجباه معقودان، فاقتربت فجأة ووضعت سبابتها بينهما وهي تهمس:
-فك التكشيرة!

التقت عيناهما في نظرة عاشقة ليس كمثلها نظرة.. كان يلتهم ملامحها التهاما فيروي ظمآمه بها..
فابتعد خطوة وتنحنح قائلًا :
-أنا لازم أمشي دلوقتي عندي شغل،..
كاد ينصرف لولا أنها نادت عليه مجددًا، فوقف ملتفتا لها وقد تنهد بابتسامة مع قوله:
-أمرك يا أنسة ميرال..

فمنحته ابتسامة هادئة وهي تقول برجاء:
-نفسي أخرج معاك ولو لمرة واحدة..
ثم نكست رأسها إلى الأرض بخجل قبيل أن يقترب مجددا ببطء وهو يقول:
-ماينفعش يا ميرال، ماينفعش..
كانت تتوقع رفضه هي أصبحت تفهمه جيداً لهذا استدارت غاضبة وانصرفت.. أما هو فاتسعت ابتسامته وهو يعاود الالتفات مستكملا عمله..

شهر قد مر..
وضعت "جيهان" عدة أطباق على طاولة الطعام استعدادا لوجبة الإفطار، فيما جلس شوقي بهدوءٍ على كرسيه وأردف بضيق:
-مش فاهم ليه بتعملي بنفسك الفطار، إومال الخدم دول لازمتهم إيه؟!
فقالت متنهدة وهي توزع الأطباق باهتمام:
-لزمته ان أدهم هيفطر معانا النهاردة يا شوقي وأدهم مابيحبش ياكل من إيد الخدم، أنا بحب أريحه وأعمله الأكل بنفسي..
-هو بيبي؟!

هكذا قال متهكما، فتابعت بجدية:
-لا مش بيبي، دا سيد الرجالة يا شوقي وأنت عارف كدا كويس، ومش عشان بيحب ياكل من إيدي يبقى بيبي!..
-طيب يا جيهان، ربنا يوعدنا بربع حبك لأدهم!
فمنحته ابتسامة حانية مع قولها:
-ما أنا بحبك يا شوقي، ولا أنت عندك شك في كدا؟
-لا يا ستي معنديش بس مش زي أدهم باشا..

فقالت بعتاب مرح:
-ما هو مابيجيش عليا زي ما أنت بتعمل دايمًا بيريحني!!
شوقي زافرًا أنفاسه:
-ماشي يا جيهان أنا عارف مش هاخد لا حق ولا باطل معاكِ..
أقبل عليهما أدهم وشاركهما جلسة الطعام، فسألت جيهان باهتمام:
-لسة برضوه مش عاوزة تاكل معانا؟!
حرك أدهم رأسه سلباً وقال متنهدًا؛
-لا..

فكشر شوقي عن أنيابه وهو يقول بحدة:
-عنها ما كلت، أنا مبيتلويش دراعي!
ثم صمت ثوانِ واستكمل:
-وأنت يا أستاذ أدهم ياريت تعقلها وتقولها سي علي دا مش مناسب لها خالص، يعني إيه عاوزة تتجوز واحد من الحرس بتاعنا! شغل استهبال!!
فضّل أدهم الصمت وتناول طعامه بهدوءٍ، لكن صمته لم يرق لوالده الذي هتف به مغتاظا:
-ما تقول اللي أنا بقوله صح ولا غلط؟؟؟

نظر له أدهم وهو يلوك الطعام بفمه، بينما يقول هامسًا:
-يعني لو قلت مش هتزعل؟!
نظر له والده شزرا، وترقب لما سيلفظ به، ليقول أدهم بجمود وقد ترك الطعام من يده:
-بصراحة كلامك غلط!، علي مش مجرد واحد من الحرس، علي دا صاحبي على فكرة وأنا بثق فيه جدا..
أصدر والده ضحكة متهكمة مع قوله:
-صاحبك!، أه ما هو صان الصداقة ولف على أختك المسكينة، أكيد بيستغل مرضها وطيبتها..

زفر أدهم بحدة وقد قال:
-لف عليها إزاي وهو دخل من الباب؟، يعني الراجل طلبها منك وأنت أحرجته ومن ساعتها محاولش يبصلها بصة حتى واحترم قرارك رغم إن قرارك دبحه!! يبقى فين اللف؟؟؟
لم يرد شوقي ولم يقتنع أيضاً.. بينما واصل أدهم:
-أنت ليه شايفه قليل؟!! يعني علي أصلا مش فقير، ولا غني لدرجة اللي أنت عاوزها، هو إنسان طبيعي جدا هيقدر يعيشها في حالة كويسة وهي راضية، مش فاهمك بصراحة!

هدر به فجأة وقد نهض عن مجلسه:
-ومن إمتى بتفهم يا سي أدهم، أنت مالكش كلمة هنا طول ما أنا عايش فاهم ولا لا؟، بنتي أنا حر فيها وأعمل اللي شايفه من مصلحتها ياريت تخليك في حالك..
نهض أدهم في انفعال مماثل وهو يشير لوالده بسبابته:
-دي مش لعبة عشان طول أنا حر فيها!، دي أختي على فكرة ولو حد زعلها ماحدش هيقف له غيري، تمام؟ ثم إني أقول اللي يعجبني في موضوعها، ولا أنت عاوز تعمل بقى زي ما عملت زمان معايا وتقهرها!!

كاد شوقي يرد عليه، لولا أن قاطعته "جيهان" التي أردفت بضيق:
-كفاية يا شوقي كفاية ربنا يكرمك!!
بينما صاح بها:
-طبعاً ما أنت هتقولي إيه غير كدا!! شوقي هو الشيطان بتاع البيت وأدهم الملاك مش كدا!؟، بس اسمعي بقى أنتِ وهو مافيش كلام هيمشي في البيت دا غير كلامي أنا واللي أسمه علي دا أنا رفدته من عندي خالص قوللها تنساه!

انصرف ما ان أنهى كلامه وترك زوجته في حالة ذهول وهي تقول:
-رفده!
بينما جز أدهم على أسنانه وقد مرت أمام عينيه ذكراه مع حبيبته...
هذا الموقف مشابه لكنه أقل قسوة!
لكنه استفاق من شروده على صوت والدته وهي تخبره:
-أدهم، النهاردة يا حبيبي لازم تفضي نفسك عشان فرح تمارا، عمك مأكد عليا حابب تكون موجود معلش عشان خاطري..

أدهم وقد تمالك أعصابه الثائرة:
-رايح يعملها فرح!، أنا مش فاهم عمي دا فين شخصيته أصلا، دا إيه العيلة السودة دي..
-معلش يا حبيبي هو عشمان فيك تكون جنبه الليلة يعني.. ماشي؟
قال على مضض متنهدًا:
-ماشي..

ولجت إلى شرفة غرفتها بخطواتٍ متمهلة يبدو عليها الاعياء، وراحت تنظر إلى الحديقة التي وكأنها تحولت إلى صحراء طالما هو ليس هناك!!
لم يكن موجود بطلته المشرقه ونظارته الشمسية وبذلته الأنيقة..
ملامحه المقتضبة دائماً وحاجباه المعقودان!!

عيناه اللتان تناقضان ملامح وجهه وكأنها فيض من الحنان كلما أطالت النظر إليهما كلما راقت لها الحياة ..
والآن كيف تروق لها الحياة وهو قد غاب؟
انسابت دموعها على خديها وشعرت بأن قلبها يتفتت بلا رحمة..
خاصة وهو لم يرد على اتصالها وأحياناً الهاتف مغلق.. لقد تركها بمنتصف طريق قاس فلا هي قادرة على الوصول إليه ولا هي تعرف كيف تعود كما كانت..

حاولت الاتصال به مرة عله يجيب عليها ولو بكلمة واحدة.. فقط كلمة واحدة ستكفيها.. المهم تشعر به وتسمع صوت أنفاسه..
وبعد عدة اتصالات قد رد!، لم تصدق فنظرت إلى شاشة الهاتف كي تتيقن!!!!
أخيراً رد عليها.. لم يتكلم إنما وصل صوت أنفاسه إلى مسامعها فأغمضت عينيها بألم... ألم اشتياق صارخ كاد يدمي قلبها..
فبادرت هي بصوت لا يسمع:
-علي..

على الجانب الآخر ضرب قلبه بجنون.. دقات متتالية عنيفة ود أن يصرخ ويخبرها بأنه اشتاق وقتله الشوق قتلا..
لكنه -كعادته- قال بجمود:
-أخبارك إيه يا ميرال..
هنا انفجرت به ودموعها غرق وجهها:
-مش كويسة، مش كويسة، أنت بتسأل وعامل نفسك مش عارف، أنت سبتني ليه يا علي ليه اتخليت عني ليه!!
أغمض عينيه بشدة وهو يقول بخوف عليها:
-طب اهدي، ماينفعش كدا اهدي عشان نعرف نتكلم..
-مش ههدى، أنا بموت كل يوم وانت مش هاين عليك ترد حتى عليا، يعني مع اول موقف بعتني!!

-ميرال!
هكذا هتف متابعا:
-أنا متخلتش عنك، بس قوليلي أعمل إيه؟ أكلمك من ورا أهلك؟ مأقدرش أعمل كدا وربنا يعلم أنا اللي بموت بس مش عارف أعمل إيه أول مرة أحس إني عاجز متكتف!
لم يتلق منها رد سوى شهقاتها العنيفة، فمسح على رأسه وهو يهمس لها بصدق:
-دموعك غالية عليا..

حدثته من بين دموعها:
-حاول مرة تانية عشان خاطري يا علي.. ممكن؟
قال بهدوءٍ:
-حاضر هحاول بس ممكن تخلي بالك من نفسك ومتفكريش كتير عشان صحتك!
-حاضر يا علي...

مساءً.
في قصر "فاخــر "..
حيث جُهز القصر على أكمل وجه.. وتزين بأحبال الأنوار والبالونات التي راحت تنتشر على سطح مياه حمام السباحة، واكتظت الحديقة بالمعازيم..
وتألق الجميع كما تألقت العروس الفاتنة!
فستانها الأبيض الذي يكشف عن ظهرها ذا البشرة البيضاء وشعرها الأصفر الذي انساب عليه بنعومة وتاجها الذي جعلها ملكة حقا..

الجميع صوب أنظاره عليها وهي تخرج إلى الحديقة ممسكة في يديها باقة الزهور خاصتها..
بينما يندفع والدها نحوها بغضب واقترب قائلًا:
-أنا مش قولتلك ماتخرجيش الا لما يجي الزفت العريس، أنتِ عاوزة تموتيني!
ابتسمت تمارا وهمست:
-بابي بليز متنكدش عليا يوم فرحي، أنا حابة أكون هنا..

تركها قبل أن يدفع رأسها بالأرض فينهي عليها قبل أن تنهي هي عليه!
وقف أدهم على بعد خطوات منها لكنه كان منشغلا بمكالمة هاتفية غافلا عن عينيها المتفحصتين له..
ومرت ساعة وساعتين ولم يحضر العريس!!
شعر الجميع بالقلق!!

فهل شادي انتقم منها على فعلت به سابقاً؟؟؟؟
ولقنها درساً لن تنساه طيلة عمرها!!
أم أن القدر حمل لها رياح أخرى تمنتها يوماً؟!
عندما نظر فاخر وشوقي معا إلى "أدهم "... متوسلان له إنقاذ الموقف!!!!!!!!

-عشان خاطر عمك يا أدهم!
-عشان خاطر أبوك!
-الناس تقول علينا إيه؟
-اكتب بس وبعدين إبقى اتصرف زي ما أنت عاوز..
كل تلك الكلمات وجِهت له من والده وعمه.. وحتى والدته رأت أن هذا التصرف هو الصحيح السليم في مثل هذا الموقف..

ثار أدهـم في بداية الأمر لكن -عقله- كان سيد موقفه وسيطر عليه ليحسم أمره ويعقد على تمارا وتُصبح زوجته رسمياً!!!!
ونظرات الظفر أصبحت جلية بعينيها وابتسامتها المنتصرة اتسعت فأخيرًا حققت مُبتغاها!
ومبتغاها كان ومازال -أدهم الجزار- ليس هذا الذي يُسمى شادي!!
خطتها قد نجحت..
أجل خطتها التي حُسمت بدقة عالية فكانت النتائج مبهرة حقاً!

نظر لها أدهم مطولا بلا حديث نظرة لم تفهمها لكنها ابتسمت كما لم تبتسم من قبل له..
فأدار وجهه للجهة الأخرى حيث يقف والده شوقي، فاقترب منه وقال بجمود:
-حطتني قدام الأمر الواقع!
تنهد شوقي بلا اكتراث ثم راح يخبره بهدوءٍ:
-الموقف ماكنش له حل تاني غير دا يا أدهم وبعدين تمارا بنت عمك وأهو عروسة عليها القيمة برضوه..

ضحك أدهم متهكما بشدة وقد كرر كلمته بازدراء:
-عليها القيمة!!
-خلاص يا أدهم..
قال شوقي، فرد أدهم جازا على أسنانه بعصبية:
-خلاص يا بابا، ما هو كل حاجة تعملها ونقول خلاص.. اللي حصل.. حصل!
بس اللي حصل مش هيمر مرور الكرام يا شوقي بيه، وزي ما حطتني قدام الأمر الواقع...

تنهد وتمالك أعصابه وهو يقول كاظمًا غيظه:
-تمارا ماتلزمنيش اللي بيني وبينها ورقة.. ورقة وبس!
وانصرف على ذلك ولم يأبه بنداءات والده وعمه ولا تمارا التي لمعت عينيها بغضب عارم، أيعقد عليها لكي يتركها ويرحل هو الآخر؟!..
-بابي!

هكذا هتفت بحدة عارمة وغير رضى، فجاءها الرد من والدها:
-احمدي ربنا إنه سترك ولمك قدام الناس الفرح الزفت دا لازم يخلص دلوقتي وتروحي مع عمك ومرات عمك القصر، من النهاردة إنتِ في عصمة راجل ولازم تكوني في بيته يلا!

طرقات خفيفة كالفراشاتٍ على الباب، تكاد لا تسمع.. لكنه هو سمع!
ونهض بتمهل ليفتح..
وقد كانت المفاجأة التي لم يتوقعها!
هي!!!!
ميرال؟ حبيبته أمامه في مشهد أخذ قلبه العاشق!

تبتسم له ببراءتها المعهودة وتضحك بعفوية على ملامح وجهه المندهشة، بينما تضع سبابتها على صدره برقة وهي تقول بنعومة:
-إزيك يا علي..
رمش بعينيه ولم يستعب أنها بالفعل واقفة أمامه الآن!!
تحدثه وتضحك معه و...
ترتدي فستانا ورديا لا يليق إلا بها.. بها فحسب!

ذي كمين طويلين شفافين وشعرها!!!
واهٍ من شعرها العسلي الذي راح ينسدل خلف ظهرها وخصلاتها المتمردة على خديها!
وبعد عدة لحظات من التيه في جمالها ومحاولة الاستيعاب في وجودها..
قد تحدث باستغراب:
-ميرال!

فضحكت مرة أخرى وأردفت:
-أخيراً أبو الهول نطق!
تجاهل حديثها آنذاك وقال بحدة:
-أنتِ جيتي هنا إزاي؟، وإزاي عرفتي بيتي أصلا؟؟
ابتلعت ريقها بخوفٍ وأخبرته:
-سألت زمايلك وقالولي عنوانك، أنت زعلان يا علي إني هنا؟
-طبعا!!
صدمها رده القاس، فكادت تبكي وهي تقول:
-أنا اسفة..

التفتت بعدها وكادت ترحل، لولا يده التي قبضت على رسغها فتلتفت له تلقائياً وتستقبل منه نظرة صارخة محملة العتاب مع قوله الخافت:
-ميرال.. إنك تجيلي البيت دا شيء غلط.. وغلط جداً، أهلك لو عرفوا هتبقى مصيبة، أرجوكِ يا ميرال ماتزعليش مني بس أنتِ لازم تمشي دلوقتي وأوعي تيجي هنا تاني..

ازدردت ريقها الذي جف تماما وشعرت بالخجل الشديد اثر كلماته وقد عاتبت نفسها أيضًا..
هي أخطأت!
ولكن ما حيلتها والشوق هو سلطانها، هو يدفعها لتصرفات جنونية ستجلب لها المصائب!!
-حاضر..
قالت بطاعة وابتعدت خطوة للوراء، ثم قالت قبل أن تنصرف وقد ارتعشت شفتيها الورديتين:
-أنا كنت هموت وأشوفك، لأنك وحشتني..

ماذا لو أخذها بين أحضانه الآن؟ ..
وأخبرها أن كلمتها هذه لا تضاهي شوقه بها..
فالشوق كلمة قليلة بالنسبة لما يشعر به..
وما كان منه سوى أن قال:
-استني.. خليكِ عندك لحظة وراجعلك..
دخل وغاب لفترة قصيرة، ثم عاد مرتديا ثيابا بسيطة..

وقف أمامها وهو يشير لها كي تسير معه، ليقول بابتسامة لم تخل من عتاب:
-ماينفعش تروحي لوحدك في الوقت دا يا هانم ..
فابتسمت قائلة:
-عادي متخافش عليا ما أنا جاية لوحدي!
فقال بجدية:
-لو كنت أعرف إنك جاية كنت...

صمت متنهدًا بصبر، ثم تابع:
-يلا عشان متتأخريش...
أومأت برأسها وسارت معه إلى المصعد.. وولجا إليه ليهبط بهما، وأثناء هبوطهما نظرت له وقالت:
-النهاردة كان فرح تمارا بنت عمي..
هز رأسه قائلًا برفق:
-اه عارف..
فتنهدت مبتسمة:
-بس اللي متعرفهوش إنها اتجوزت أدهم...
رفع حاجبيه مندهشًا:
-إزاي؟

-العريس مجاش فعشان عمو خاف من الفضيحة اتحايل على أدهم يتجوزها هو..
-عقبالك يا أنسة ميرال..
هكذا قال مشاكسًا، لترد عليه باسمة:
-عقبالنا قصدك!
ابتلع غصة مريرة بحلقه، ليقول:
-مش باين يا ميرال، كل الطرق اتقفلت في وشي، شوقي بيه ختمها بطردي بعد ما وجهلي إهانة صريحة ماحدش يقدر يعملها، بس كل دا اتحملته عشانك.. عشانك وبس يا ست البنات!

-معلش يا علي أنا أسفة، أوعدك لما نتجوز هعوضك عن كل حاجة..
ابتسم رغمًا عنه وسألها بمراوغة:
-هتعوضيني إزاي؟
لكزته بكتفه وهمست:
-علي!
ران عليهما الصمت لعدة ثوانِ، قبل أن تقول بفضول:
-أنت عايش لوحدك يا علي؟

حرك رأسه سلباً وقال:
-لا مع أمي وأختي وأبويا الله يرحمه.. توفى من خمس سنين ومن ساعتها أنا المسؤول مسؤولية كاملة عنهم..
رمقته بنظرة حانية تحمل اعجابا صريحا، ثم قالت بعفوية:
-أنت راجل أوي يا علي، ربنا يخليك ليهم.
وتابعت من جديد بنفس الفضول:
-هما مش موجودين ليه في الشقة دلوقتي؟

أخبرها:
-بايتين عند خالتي النهاردة والحمدلله انهم بايتين عندها وماحدش منهم شافك..
كشرت عن جبينها وقد قالت بغضب طفولي:
-أنت بتستعر مني؟
عض على شفته السفلى وهو يقول بغيظ:
-أنا بقول تسرعي شوية عشان كدا هتتأخري أوي..

لا تعلم كم مر من الوقت وهي جالسة أمام حاسوبها تحادثه.. تمازحه.. تضحك من قلبها..
فبعد أن مر شهر كامل تطورت علاقتهما وتحولت من إعجاب إلى...
حُب؟
هل أحبت ساندرا حازم بهذه السهولة.. ودخل قلبها ليتربع على عرشه..
ذاك الوحش الأسمر ذا الملامح الخشنة المحببة إليها..
الغيور المتملك!!

الذي يجبرها على الملابس الفضفاضة دائماً فيجلب لها المشكلات مع والدتها..
لقد تعمقت معه وتناست أن زيجتهما مستحيلة في عُرف أمها وأبيها!
-دا لبس تلبسيه في فرح أختك يا ساندرا؟
لقد غضب..
لقد غضب منها ما إن رأى فستانها الأحمر الصارخ ذو الحمالات الرفيعة عبر صورتها التي أرسلتها له...
فأجابته حيث كتبت:
-دا استايلي يا حازم!!

-دا مش استايل دا قلة أدب يا ساندرا..
انفعلت جراء جملته الفظة، لترسل له بكبرياء:
-أنا ماسمحش لك يا حازم ولو سمحت ماتتكلمش معايا بالطريقة دي تاني!!
ثم أغلقت حاسوبها ولم تنتظر رسالة منه، ثم قالت تحدث نفسها:
-قلة أدب!!!!!

في غرفته..
أبدلت ملابسها بأخرى صارخة.. ملابس أنثوية ناعمة.. تليق بعروس ك تمارا الجزار في ليلة زفافها..
منامة بيضاء حريرية..
عطرا نفاذ..
حمرة شفاه مهلكة..
شعرا مصفف بعناية..
وها تنتظره ليأتي.. هي ستعرف كيف تجعله يخضع أمام أنوثتها الطاغية.. النارية!!

وأي رجلا هو؟ ومن يكون من الرجال؟
ليقاوم كل هذا الجمال!!
تفحصت غرفته الذكورية ذات الدهان الداكن.. وصورته المُعلقة هناك على الجدار..
كم هو شرس؟!!
ذاك الأدهم المغرور في عينيها..
-هتحبني... وعد يا أدهم!
هكذا وعدت ذاتها ومن ثم توجهت إلى الفراش ورقدت عليه بأريحية في انتظاره..
وطال الانتظار..

إلى أن غفت رغمًا عنها وغطت في سبات عميق..
ولم تشعر بنفسها إلا عندما أشرقت الشمس بنورها ونشرت دفئها..
فنهضت باستغراب وقد استشعرت أنها باتت هنا بمفردها دونه..

وفي الأسفل حيث كانت تسير السيدة جيهان جيئةً وذهابًا بغير هدى..
لم يأت أدهم منذ البارحة.. ولم يجب على اتصالاتها..
كادت تجن.. خاصة وهي ترى ثلجية زوجها الذي قال بدون اكتراث:
-هتلاقيه سهران في أي حتة و...

لم يكد يكمل حديثه.. حتى وجده يدلف من الباب بخطواتٍ متزنة ثابتة....
فحجزت عينا شوقي وهو ينهض عن مجلسه بغضب كالعاصفة...
ليتقدم أدهم بصحبة فتاة ما.. تبدو رقيقة للغاية.. وجهها سمح.. ملامحها هادئة..
فيقبض على كفها، ثم يحاوط كتفيها بذراعهِ، ويقول بثبات:
-(ملك).. مراتي!
يتبع..


رواية لمن يهوى القلب الجزء الأول المشهد الرابع بقلم فاطمة حمدي



صُدمَ جميع الواقفين مما قال!، زوجة من؟ وعن من يتحدث هو؟..
مؤكداً أنه جَن!
-أنت مجنــون!
كانت جملة ((تمارا)) التي تقدمت منهما وترمق الفتاة بنظرات نارية.. ثم تردف بشراسةٍ:
-أنت أكيد بتهزر!، ما هو مش معقول تتجوز عليا في يوم فرحنا!

وكان رده عليها ضحكة متهكمة صاحبتها نظرة هازئة قبيل أن يقول بحدة:
-فرحنا!.. وأتجوز عليكِ؟؟، أنتِ صدقتي نفسك ولا إيه؟
وصمت قليلًا وهو يضم زوجته إليه غير عابئا بنظرات والده القاتلة المصوبة نحوه في صمت، ثم استطرد بجدية:
-قصدك إتجوزتك أنتِ عليها!
توسعت عيني ((شوقي)) وتمعن تلك الفتاة!، هي ذاتها التي اعترض على زواجه منها منذ عام كامل!، ولكن ماذا يعني الذي يقوله إبنه؟؟؟


ولم يتردد في أن يسأله بصرامة شديدة:
-يعني إيه اتجوزتها عليها؟، مش فااااااااهم وضح كلامك يا بيه!!!!!!!
أدهم وقد قال بمنتهى الهدوء:
-يعني ملك مراتي وجه الوقت اللي لازم الكل يعرف إنها مراتي، وزي ما حطتني قدام الأمر الواقع، أنا بقى بحطك قدام الأمر الواقع برضوه، ومراتي هتبقى معايا من الليلة دي..


بينما قالت والدته جيهان بعدم تصديق:
-معقول اللي بتقوله يا أدهم، ازاي تتجوز من غير علمنا يابني، لا يا أدهم أنت غلطان!
-مش أنا الغلطان يا ماما، الغلطان هو اللي خلاني أعمل كدا ومصمم يحدد لي حياتي زي ما يريد!
ليصيح شوقي منفعلًا:
-البنت دي مش هتعيش معانا هنا.. أنت فاهم؟، وهتطلقها!
ابتسم أدهم وقال:
-دا على جثتي، ملك هتعيش معايا هنا ولو مش حابب همشي معاها ومش هتشوفني تاني.... نهائياً!


احترق قلب والدته ألما، فقالت مسرعة:
-لا!، ماتقولش كدا يا أدهم، إياك تقول كدا!!،،، خلاص يا شوقي، خلاص كفاية!
-كفاية؟؟، كفاية يعني إيه؟ ، أخليه يقعدها هنا ويعمل راسه براسي؟، أنتِ اتجننتي!!
-اومال هتعمل إيه؟ هتضيع ابني مني؟، لو ناوي تعمل كدا أنا همشي معاه يا شوقي فاهم!!
كز على شفتيه بينما يقول:
-أنتِ بتقولي إيه؟ !! عاوزة تسيبي البيت؟


-طالما مبتسمعش غير صوت نفسك وبس يا شوقي، قلت لإبنك اتجوز تمارا وكبرك وسط الناس واتجوزها، اسمعه أنت بقى ولو لمرة واحدة!
فهتفت "تمارا" التي تحررت عن صمتها:
-حضرتك بتقولي إيه يا أنطي؟، بليز سيبي عمو يتصرف،،، ثم أشارت لها بتهكم وقالت:
-دي مش ممكن تعيش معانا!
حينها أدمعت عيني ((ملك)) وراحت ترمق أدهم بنظرة معاتبة حزينة فهو من جلبها لكل هذا الهراء الذي يحدث أمامها، ليضغط كفها بين راحة كفه ويقول جازا على أسنانه:
-أنتِ بالذات ماتتكلميش، أنتِ مالكيش أي صفة هنا، اسكتي خالص!

عقدت ساعديها أمام صدرها في حنق وزفرت الهواء من شفتيها ثم صمتت، بينما انصرف شوقي غاضبًا وكاظما غيظه بشدة..
واتبعته جيهان في محاولة منها لتهدئته تجاه أدهم.
اشتعلت تمارا غضبًا ووهجت ملامحها بشراسة وهي تراه يصطحبها معه ويصعد إلى غرفته أي غُرفتها أيضًا!!
لتركض خلفه وتهتف فلا يعريها اهتمام ويواصل طريقه، ثم يلج إلى الغرفة ويغلق بابها في وجهها فوراً، لعنته سرا واستندت إلى الجدار من خلفها وهي تهمس:
-ربنا ياخدها!


أغلق الباب بعد دقائق واستند عليه عاقدا ساعداه أمام صدره ليتلقى أول نظرة عتاب منها، قبل أن تستدير وتعطيه ظهرها.. ثم تتأمل الغرفة بتفحص ونظرات منزعجة..
رغم أنها شعرت بالراحة تجتاح قلبها.. لأنها في غرفته التي تسكن رائحته في كل ركنٍ فيها.. وشعورا بالأمان غريب يتملكها..
شعرت به يحتضنها من الخلف ويسند ذقنه على كتفها، ثم يسألها برفق:
-زعلانة ليه؟، مش عاجبك ذوق الأوضة صح؟!..

زفرت بهدوءٍ واستدارت تواجهه بعينيها مرة أخرى وقالت بحزن:
-أنت مش عارف أنت عملت فيا إيه؟؟
رفع حاجبا مع قوله الأجش:
-عملت اللي كان لازم يتعمل، ومش هعيد الكلام مرتين يا ملك!
ابتعدت عنها بغضب وراحت تهتف:
-أنت رمتني في النار يا أدهم، أعيش إزاي في القصر والكل رافض وجودي، أدهم...


قاطعها وقد اقترب منها:
-مش الكل رافض وجودك، أضمنلك إن ماما وميرال هيحبوكي جدا وأنتِ كمان ودول الاهم، كدا كدا بابا دايمًا في الشغل ومتخافيش دي مسألة وقت وشوية شوية هيستسلم للامر الواقع وهيسكت...
لم يرضها كلامه.. هي بالأساس لم تكن لتأتي معه، لكنه أجبرها.. أو بالأحرى لم تستطع هي رفض طلبا له..
نظرت إلى عينيه مطولاً وهي تسأله بقلق:
-طيب ومراتك الجديدة!!

خرجت جملتها مشبعة بالغيرة القاتلة وقد لألأت عينيها بالعبرات، فاحتضن وجهها بين كفيه وابتسم قائلًا :
-لولا إني وافقت اتجوزها مكنتش عرفت أخليكِ تبقي معايا يا ملوكتي، دي مجرد جوازة على ورق ملهاش أي مكان في حياتي، ومش عاوز أشوف الحزن دا في عينيكي تاني!
حركت رأسها سلباً وكأنها ترفض ما يقول، لتقول:
-بس هي حلوة، وممكن تخليك تحبها يا أدهم!

انفجرت في بكاء مرير ما إن ختمت جملتها، فضحك بشدة وضمها إليه مع قوله:
-يبقى أنتِ مش واثقة في أدهم اللي عيشتي معاه سنتين كاملين!
ثم أبعدها قليلًا وراح يمنحها قبلة عميقة فوق جبهتها ومرر يده فوق شعرها الناعم برفق وتابع هامسًا:
-وبعدين أنتِ أحلى منها.. طب حد يكون معاه واحدة بغمازات ويبص لواحدة تانية؟
ابتسمت رغمًا عنها فبرزت غمازتي وجنتيها أكثر، فراح يقبل احداهما وأخبرها بنبرة صادقة:
-بحبك..
عانقته بقوة وأغمضت عينيها هُنيهة بين أحضانه فهدأ قلبها طالما كانت أحضانه دائماً هي مسكنها ومأمنها....

كانت تسير ذهابا وإيابًا بغيظ شديد، وجملته التي قالها تتردد على مسامعها فتزيدها جنونا على جنونها...
-قصدك إتجوزتك أنتِ عليها! -
هذا يعني أن علاقته بالمدعية زوجته قوية؟..
نعم هي رأت نظراتهما جيداً.. وعلمت موقفها.. وموقفها ضعيف.. ضعيف للغاية!
لكنها.. -هي- ليست بضعيفة!
الضعف لا يليق بها!
إنها أول جولة.. تراها تستسلم بسهولة؟!

ستنفيها وتقضي عليها وستأسره كما وعدته.. لتكون حكايتها هي والجزار كأساطير العشق..
سمعت فجأة صوت سيارة تدور! فأسرعت إلى الشرفة لتجده أدهم.. قد ركب سيارته وانصرف..
فابتسمت بمكر.. لقد ترك عصفورته وحيدة بدونه مع الصقر..
حسناً ستضع لها النقط فوق الحروف وستريها مكانتها هنا وحدودها التي لن تسمح لها بتعديها...
لذا اتجهت فوراً إلى الغرفة.. وطرقت الباب ببطء حتى فتحت ((ملك))، فتمعنت النظر لها وجابت بعينيها أسفل قدميها إلى أعلى رأسها..

تبدو هادئة وصغيرة سنا.. لا تنكر أن ملامحها جميلة.. وللغاية أيضا..
وشعرها طويلا ناعماً بلون البندق كعينيها!
لكنها -وبالطبع- لم تكن أجمل من تمارا الجزار!!!
-خير؟
بادرت ملك بالحديث وسألتها بترقب، لتدفعها تمارا بحدة وتدخل الغرفة قائلة ببرود:
-أهلا!
زفرت ملك وفضلت الصمت.. فتابعت تمارا بسخريةٍ:
-أنتِ مين؟ مين أهلك؟
ملك بجدية:
-نعم؟!

-أقصد يعني باباكِ بيشتغل إيه، تفاصيلك إيه يعني؟!
ضاقت عينا ملك قبل أن ترد عليها بحدة:
-ودا يخصك في إيه؟، أتمنى ماتتدخليش في حاجة مالكيش فيها..
اتسعت عيناها بغضب ناري، فهتفت:
-أنا كل حاجة هنا تخصني، ماتنسيش إني مرات أدهم، وكمان دا بيت عمو، يعني كلنا كدا أهل، ومافيش غريب إلا أنتِ!
-خلصتي؟

سألتها بتهكمٍ سافر، ثم أردفت بصرامة:
-برا بقى عشان عاوزة أنام..
ولم تتردد ملك في أن تدفعها خارج الغرفة في سرعة وتغلق الباب ثم توصده جيداً عليها، وصرخت تمارا بعنف وقد صدر منها لفظا بذيئا....

مر إسبوع ولم تحادثه منذ أخر حوار دار بينهما..
كانت تتألم من شدة الاشتياق وتريد رؤيته بأي وسيلة..
عجبا لها وحالها.. هي أحبته بالفعل؟
أحبت حازم؟ الوحش الأسمر كما أسمته في مخيلتها؟؟
-ساندرا!

هتاف من خلفها جعل قلبها يكاد يقع بين قدميها من شدة خفقاته، لتلتفت فتصطدم برؤيته، تقدم حازم وعيناه تحملان عتابا خاصا امتزج بالشوق!
ليقول بهمس صارم:
-ليه مابترديش عليا؟!
استعادت رباطة جأشها وأخبرته بحزم رفيق:
-ماينفعش تجيلي الجامعة لأي سبب من الأسباب يا حازم!
-حازم؟
طب والله كويس إنك فاكرة إسمي!

أشاحت بوجهها إلى الجهة الأخرى وابتسمت رغمًا عنها، فصرامته وملامحه المقتضبة راقا لها، يبدو أن بعدها عنه قتله!
وهذا يعني أنه يبادلها المشاعر.. يتشوق لها وقد أحرقه الشوق..
-بتضحكي؟
قالها بحدة عارمة، ليستكمل:
-بتضحكي وليكِ عين بعد اللي عملتيه فيا؟ اسبوع مابترديش عليا وكل دا ليه؟، عشان....
قاطعته بعتاب:
-عشان بتتحكم فيا وفي لبسي!

اقترب منها وقال جازا على أسنانه:
-أتحكم فيكِ زي ما أنا عايز وأنتِ لازم تسمعي كلامي فاهمة؟
رفعت أحد حاجبيها غاضبة لتردف:
-نعم؟، ولو مسمعتش كلامك؟؟؟
-هكسرلك دماغك!
قالها بخشونة تليق به، فكادت تعترض فقاطعها:
-ممكن تمشي معايا عشان ناوي أعزمك على عصير، ومش عاوز اعتراض من فضلك!

نظرت له باستغراب، أيعنفها هو أم يتوسلها؟
ما هذا المزيج الغريب بين الصلابة واللين؟
هذا الرجل يثير اعجابها بشدة...
لم تتردد ساندرا وسارت معه بصمت..

حملقت في شاشة هاتفها وابتسمت بحنوٍ جارف،، وقلبها ينبض بحب جم..
فشاشة هاتفها تضيء بصورة حبيبها ((علي))..
ذاك اليوم الذي أوصلها به إلى القصر أصرت في الطريق أن تأخذ صورة معه..
فوافق مرغما وابتسم مليا كأنه يملك العالم بين يديه..
أجل هي العالم..
لقد قالها صريحة لها وهذا ما يسعدها ويهون عليها كل صعب..
لكن كيف ستجتمع به وتعيش معه؟!

متى سينظر لها والدها بعين الرحمة.. متى سيشفق على حالها؟!!!
ها هو..
يدخل عليها الغرفة كالعاصفة..
ويصرخ بوجهها محتدًا:
-أنتِ يا بنت!.. هتفضلي لحد امتى حابسة نفسك ومانعة الأكل؟؟
صمتت وقد أخافها شكله الغاضب، فانكمشت على نفسها وازدردت ريقها برعبٍ..
خاصة عندما قال بتهديد جلي:
-وعلي دا أنا ممكن أقتله وأخلص منه أنتِ فاهمة!!!

صُعقت ((ميـرال)) حينما سمعت تهديد والدها!!
تعلم أنه ذو جبروت يقول ويفعل ما يقوله على الفور.. ولكنه سيقتل؟!
ومن؟
(علي)!!
حبيبها!!
فليقتلها أولاً وينزع عنها قلبها الذي لا يسع إلا علي وحُب علي!
-سامعة!!!
هكذا صرخ بوجهها، وراح يقبض على ذراعها وهزها بعنفٍ شديد، فحركت رأسها سلباً غير راضية عن كلامه القاس!
لتقول من بين شهقاتها:
-لا.. لا!

مش هتعمل حاجة لـ علي، ولو علي حصله حاجة والله هموت نفسي..
حينها لم تتلقَ منه رد سوى صفعة.. هبط بها على صدغها فارتدت للخلف، ثم لم تتحمل فسقطت على أرض الغرفة وسال خط صغير من الدم على شفتيها فانتفضت صارخة بقهر..
وأتت والدتها مهرولة إليها على اثر صرختها، فتملكها الذهول وصرخت مثلها، ثم احتضنتها هاتفة بهلع :
-ميرال!..

وتوسعت عيناها بشراسة وهي تنظر إلى زوجها لتهتف محتدة:
-أنت ضربتها؟.. هانت عليك! ليييه دي مريضة وممكن تروح فيها حــرام عليك يا شيخ حرام عليك..
-تمووووت ولا تغور في داهية، مش كفاية أخوها واللي عمله كمان هتبقى زيه، لا تموت أحسن بلاش قرف!
ختم جملته وبرح الغرفة والشياطين تتلاعب أمام عيناه، لتبكِ ميرال بحرقة وتتصاعد شهقاتها المؤلمة.. بينما والدتها تواسيها لكن جُرح قلبها كان عميق.. عميق جدًا لم تداويه المواساة!

-قلت إيه؟!
سألت (ساندرا) بدهشة حقيقة اكتست ملامح وجهها، ليُكمل حديثه بثبات كما كان:
-مستغربة ليه؟، قلت عاوز أتقدم لك رسمي!
صمتت قليلًا بتوتر شديد وتسارعت أنفاسها نتيجة انفعال خفقاتها المتتالية بلا رحمة...
ابتلعت ريقها بقوة قبل أن تجيبه مرتبكة:
-مش مستغربة بس...
-بس إيه؟

راح يسألها وهو يتابع تعابير وجهها بدقة، وحركة يديها المتوترة..
ترقب الرد باهتمام.. فأجابته:
-أنا اتفاجئت بس..
استند بمرفقيه على الطاولة أمامه، ثم شبك أصابعه بهدوءٍ وقال:
-المفروض متتفاجئيش يا ساندرا! لأن أنا مش هكلمك عشان عاوز أتسلى.. إحنا.. قصدي يعني ولاد البلد مايعرفوش غير سكة واحدة بس لأي علاقة.. (الجواز)! غير بقى الناس الهاي والفرافير اللي تعرفيهم اللي بيحبوا الصرمحة..

تجهمت ملامحها بشدة وهي ترد بجدية تامة:
-مين الفرافير اللي أعرفهم؟؟ حاسب على كلامك!!
تنهد بصوت مسموع وباقتضاب قال:
-أقصد يعني الناس اللي من الطبقة بتاعتكم الناس اللي اتولدت في بؤها معلقة دهب!
زفرت بضيق وأشاحت بوجهها للجهة الأخرى مع قولها:
-مش فاهمة تقصد إيه بكلامك!
-أقصد أقول إني بحبك وعاوز أتجوزك...

قال جملته المفاجئة دفعة واحدة.. لقد قال -أحُبك- دون تمهيد..
فجعلها الآن في موقف لا تحسد عليه.. هي الآن في قمة خجلها.. واحراجها وانفعال قلبها..
ماذا تقول الآن وهي محاصرة بين نظراته؟..
-وأقصد أقولك إني عاوز أعرف هل ينفع حداد يتجوز من سندريلا؟!
ختم جملته بابتسامة عابثة أزادت خجلها.. ويُكمل بلا شفقة متسائلًا:
-ردي يا سندريلا!
وبالطبع لم يتلقَ أي كلمةً منها، فلم يَرد أن يضغط عليها أكثر.. حيث قال:
-هستنى ردك في أقرب وقت..

-بونسِوار..
قالت كلمتها الملازمة لها بدلالٍ معهودٍ منها، فتلقت الترحيبات الحارة من شلتها في -الديسكو- ثم صافحها الجميع مرددين:
-العروسة وصلت..
ابتسمت تمارا بغرور وجلست بصحبتهم تتسامر معهم قبل أن يأتي شادي من خلفها مرحباً بها أيضًا..
ثم يجلس جوارها ويقول هازئًا :
-مبروك يا عروسة!
قالت بنفس النبرة الهازئة خاصته:
-ثانكس شادي..

أطال النظر لها وراح يقول بنبرة ذات مغزى:
-فين اللي اتفقنا عليه؟
ارتشفت من كأس الخمر الذي مسكته الآن بيدها، ثم قالت بلا مبالاة:
-اتفقنا على إيه؟
حك ذقنه بابهامه وتابع ببرود:
-أنتِ فاكرة إنك ممكن تضحكي عليا يا تمارا؟.. زي ما دخلتيني في لعبتك وأديت دوري على أكمل وجه.. جه دورك يا حلوة وعاوز حقي.!
وبنبرة ثلجية أخبرته:
-مالكش حق عندي، ومش تمارا اللي تعمل حاجة غصب عنها وتقدر تقول بقى الوعد اللي وعدتهولك به.. أخليت بيه.. عادي يعني يا بيبي!
-بقى كدا؟

-yes! يا بيبي..
-هتندمي يا تمارا وخليكِ فاكرة!
ألقى تهديده عليها وبرح المكان.. فعادت تتجرع من كأس الخمر خاصتها ومن ثم تصاعدت ضحكاتها الساخرة....

هبطت ((ملك)) السلم بخطواتٍ مترددة وقلبها يخفق من شدة توترها، توجهت إلى بهو القصر حيث تجلس السيدة جيهان بصحبة ميرال التي كادت تغفو بأحضانها بعد موجة بكاء عنيفة..
وقفت ملك وهي تبتلع ريقها بارتباك قبل أن تتكلم بخجل:
-مساء الخير.
اعتدلت ميرال في جلستها ونظرت لها ثم ردت قائلة:
-مساء النور.. يا ملك!
وردت جيهان باقتضابٍ:
-مساء النور..
-اقعدي يا ملك..

قالتها ميرال برفق، فجلست ملك بحذر قبالتهما ونكست رأسها بخجل شديد...
فراحت ترمقها جيهان بنظراتٍ جامدة معاتبة.. والأخيرة لم تستطع مواجهة نظراتها..
لتباغتها جيهان بالحديث الصارم:
-أنتِ عارفة أنتِ عملتي إيه في البيت؟!!
رفعت رأسها إليها بصمتٍ مؤلم تترقب حديثها والذي تعلم أنه سيمزقها من الداخل!
لتُكمل:
-ولعتيه حريقة!

إزاي تقبلي تتجوزي واحد من ورا أهله وأهله اللي رفضوكي زمان كمان! إزاي عملتي كدا؟ ..
تحجرت الحروف على شفتيها، كما تجمع الدمع في محجريها، فابتسم السيدة جيهان وأردفت:
-طبعا معندكيش رد!
هو صحيح أنا كنت موافقة عليكِ بس شوقي لا والموضوع انتهى على كدا! البنت اللي تتجوز في السر تبقى بنت مش كويسة!!!

حينها لم تستطع الصمود أكثر من ذلك ونهضت ذاهبة إلى الأعلى.. بينما سالت أنهار صغيرة من الدموع فوق وجنتاها، فكلام السيدة جاء في الصميم!
-حرام عليكِ يا ماما، ليه كدا!!!!
هكذا هتفت ميرال بغضب وإشفاق عليها، فقالت والدتها بحزم:
-اسكتي يا ميرال!

تركتها ميرال وصعدت إلى غُرفتها بانهيار، لا تعرف تحديدًا أهي غاضبة لأجل ملك أم لأجل ذاتها؟!
ربما موقفهما متشابها للغاية ويبدو أن التفكير واحدا أيضاً!!
فهي وبكل رحابة صدر تود الهرب بكل كيانها مع علي.. إلى أبعد مكان.. مكان يخلو إلا منهما!

لم تجف الدموع عن عينيها إلى حين جاء أخيراً.. ماذا فعل بها؟
ألقاها هُنا ومضى يبحث عن أشغاله واستراح!!
لكنها لن تقبل..
ستحدثه وستخبره بقدر آلامها...
تقدم منها مبتسما وجلس جوارها غافلا عن عينيها المتورمتين وحالتها الرثة!
قبل أن ترفع رأسها وتواجهه فعقد حاجباه وسألها متوجسا :
-مالك؟ في إيه يا ملك؟؟

فأخبرته بلا تردد بنبرة ذبيحة :
-أنا عاوزة أمشي من هنا، لو سمحت!
زفر بحنق ونهض يخلع سترته بإرهاق، ثم قال بضيق:
-أنا مش فايق للكلام دا دلوقتي يا ملك، أنا حقيقي جاي تعبان على الأخر..
-طب وأنا كمان تعبانة يا أدهم!!
أخبرته وتدفقت عبراتها مجددًا، وواصلت بمرارة:
-أنا مش قادرة أبص في وش مامتك.. مش قادرة أكلمها، أنت ليه مش حاسس بيا ليييه؟؟

أغمض عينيه قائلًا :
-قلت لك كتير ماما طيبة وهتعرفي تتعاملي معاها، الوضع لسة جديد، اصبري شوية.. لكن مشي من هنا مش هيحصل أنا ما صدقت جبتك واستقرينا هنا والكل عرف بجوازنا..
انهارت جالسة على الفراش وهي تراه يحسم الأمر دون أي اكتراث برأيها وراحتها..
تعلم أنه لن يتزحزح من هنا.. ولكن ماذا هنا؟..

اتجه نحوها ثم رفعها من ذراعيها وحاوطها بذراعيه محتضنا إياها بقوة، ربت على رأسها مروراً بظهرها وأخذ يهدهدها كطفلته..
-ملوكة حبيبتي، أنا مأقدرش على زعلك.. بس..
صمت وتنهد بعمق، ثم أخذ يمحي دموعها بحنوٍ عاهدته منه دائماً..
-بس صعب نرجع لنقطة الصفر تاني يا ملك!
نظرت له بحيرة وقالت:
نقطة صفر ليه، احنا هنروح شقتنا وكدا كدا أهلك عرفوا يعني خلاص مافيش داعي لوجودي هنا!

-ماشي يا حبيبتي هعملك اللي أنتِ عاوزاه بس مش دلوقتي، لما كلهم يتعودا على وجودك ويعرفوا إنك أهم حاجة في حياتي، ساعتها هنرجع شقتنا.. اتفقنا؟
حركت رأسها سلباً ورفضت ما قاله.. هي تصر على الذهاب وهو على البقاء..
فزفر باختناق وهو يعاود احتضانها قائلًا برفق:
-كله بيعدي.. صدقيني!

طُرق الباب طرقات متتالية، فتوجه (علي) ليفتح الباب بتمهل...
لكنه ما لبث أن قال بذهولٍ :
-ميرال!!!
يتبع..


رواية لمن يهوى القلب الجزء الأول الحلقة الخامسة بقلم فاطمة حمدي



لحظاتٍ مرت وهو يحملق بها بصدمة، فكانت تبكي بلا توقف وحالتها يُرثى لها، ثم ألقت جملتها عليه على حين غرة:
-أنا سبت البيت يا علي..
اتسعت عينيه بصدمة أشد وهو يسألها بقلق:
-سيبتي البيت؟
-أيوة يا علي ومش راجعة تاني،،،
أخبرته بألم وكل ذرة بها ترتجف بشدة، وصدرها يعلو ويهبط بعنف..
بينما عيناها في وادٍ آخر.. تُخبرانه بكل شيء..

بالحب والخوف والقلق..
بالحيرة والعذاب والألم..
كأنها الغريقة وهو لها المُنقذ..
التائهة وهو لها بر أمان..


تعلم.. وتتيقن أنه سيداوي كل شيء وسيرمم كل شيء كُسر..
إن ثقتها به ليس لها حدود..
تُرى هل سيخذلها؟
سيكسرها؟
أم أنه سيحملها ويركض إلى البعيد ويبقى لها وتبقى له؟!!..
كان عقلها في صراع مع الأفكار..
وقلبها ينتظر ويتلهف كلمة واحدة منه.. كلمة تطمئنها فحسب..
-علي؟!


كان هذا النداء لوالدته.. التي أتت من خلفه في ذهول.. تسأله بدهشة:
-مين دي يا علي؟!
تنحنح علي ونظر إلى ميرال.. بعجز، لا يعرف كيف سيتصرف..
لكنه قال وبجدية تامة:
-ماينفعش.. ماينفعش يا ميرال، أنتِ لازم تروحي دلوقتي حالا وأوعي تسيبي البيت تاني..
حينها نظرت له بانكسار.. وعيناها تفيضان بالدموع.. ثم تتوسله بمرارة:
-مش عاوزة أرجع يا علي، لو رجعت هموت..
-ماتقوليش كدا!


قالها بصرامة، ثم اقترب منها أكثر وأردف باطمئنان:
-كل حاجة هتتحل.. أوعدك، بس أرجوكِ اسمعي الكلام وروحي دلوقتي، مافيش بنت متربية ومؤدبة تعمل كدا مهما كانت الأسباب..
ثم ابتسم وتابع بلطف:
-وميرال ست البنات كلهم.. متربية أحسن تربية..
أخفضت بصرها خجلا حينما شعرت بعتابه الرقيق.. وكأنه أبرز لها خطئها بمنتهى الرفق...

وكانت والدته تتابع الموقف بصمت.. وتتابع تعابير ميرال.. دموعها وارتجافة جسدها باهتمام واستغراب..
كما تمعنت النظر في جمالها الآخاذ ذو النكهة الخاصة..
تبدو بريئة جدًا.. وصغيرة هادئة..
ابتسمت لها بدون مقدمة وقالت بحنان وافر:
-خليها تدخل تستريح يا علي، تعالي يا بنتي.. أوعى كدا يا علي، ادخلي يا حبيبتي ادخلي..


ابتسمت ميرال بارتياح شديد وهي تنظر للسيدة بامتنان، وولجت معها حيث جلست على الأريكة المقابلة للباب بخجل، نظر -علي- إلى والدته بضيقٍ وعتاب..
ميرال يجب أن تذهب وبسرعة من هنا..
هو لن يقبل أن تُوضع حبيبته الصغيرة في هذا الموقف لن يسمح لها حتى وإن كانت تلك رغبتها!
-أنتِ بقى ميرال؟

قالتها والدة علي بابتسامة حانية وهي تتأملها باعجابٍ، ثم تابعت:
-ما شاء الله زي القمر، الواد علي طلع مبيعرفش يوصف كويس، هو قال إنك حلوة صراحة بس مقالش إنك جميلة وقمر قمر كدا، اللهم بارك يعني..
ابتسمت ميرال مجددًا بسعادة وهي تقول برقة:
-ميرسي يا طنط، دا من ذوق حضرتك..
بينما قال علي متضايقا:
-ماما من فضلك!

والدته برفق:
-ماتقلقش يا علي، كلامك اللي قلته لميرال من شوية مظبوط وهي اكيد اقتنعت بيه، بس دا مايمنعش إنها ضيفتنا ولازم نقوم معاها بالواجب...
ثم نهضت إلى المطبخ بحماس، وزفرت ميرال أنفاسها ثم ابتسمت بعفوية وارتياح وهي تنظر إلى علي الذي بادلها ابتسامتها رغمًا وقال ممازحا وهو يشيح بيده:
-أمي!!!!

تحرر أدهم من صمته الذي طال وهو يجلس جوار والدته الثائرة... حيث قال
-ماما، أنتِ فاهمة الموضوع غلط.. لو أنتِ شايفة إن جوازي من ملك غلط، فأنا الغلطان وهي حقيقي ملهاش أي ذنب..
-ملهاش ذنب؟!!!!

هكذا هتفت بوجهه بانفعال، ثم تستكمل :
-يا بني دي اتجوزتك في السر، البنت اللي تعمل كدا تبقى قليلة الأدب، أنت ترضى كدا على أختك ميرال؟؟ قولي.. رد عليا؟!
-أنا إتجوزت ملك بموافقة باباها وحضوره يا ماما، على سنة الله ورسوله وكنت مضطر لكدا جدا، ملك مكنش لها حد غيري ومكانش ينفع أتخلى عنها!
-إزاي يعني؟!

تنهد أدهم بصبرٍ وراح يقص عليها بهدوءٍ:
-ملك زي ما أنتِ عارفة كانت ساكنة هي وباباها في منطقة شعبية ووالدها مرض فجأة وكانت حالته صعبة جدا، في نفس الوقت كان فيه شباب بترخم على ملك في الرايحة والجاية، في الحالة دي كنت أتصرف إزاي؟.. هي حتى مش قادرة تودي باباها مستشفى أو تعمله أي حاجة وفي نفس الوقت الناس بتستقوى عليها، كان لازم ساعتها أنقذها يا أمي ودي تربيتك والرجولة اللي عملتهاني فمتلومنيش ولا تلوميها لأنها ملهاش أي ذنب!

تنهدت بعمق وهي تنظر له متسائلة:
-طب إزاي قدرت تخدعنا المدة دي كلها يا أدهم!؟، سنتين كاملين وأنت متجوز وإحنا ولا دريانين!! أتاريك كنت بتسافر كتير وكل دا كنت بتبقى معاها!
أدهم مجيبا:
-أنا مكنش قصدي أخدعكم أو أي حاجة، أنا يوم ما كتبت عليها كنت هعرفكم واللي يحصل يحصل.. بس دي كانت رغبة ملك.. لأنها كانت خايفة من بابا جداً.. لأنه ببساطة رفض أبوها من الشركة وبهدله لمجرد إني حبيت بنته ومتنسيش إنه هدده كتير وأنا كنت كل ما أجي أقول كنت بسكت بسبب خوفها وبصبر عشان خاطر راحتها..

-ودلوقتي؟ .. هي مابقتش خايفة؟!
-خايفة وجدا بس أنا اللي صبري خلص بعد ما بابا جوزني تمارا، فكان لازم ملك تظهر وتاخد وضعها الطبيعي يا أمي وأرجوكِ متزعليش مني ولا منها صدقيني هي طيبة جداً..
كزت شفتيها وكأنها تفكر فيما قال.. قبيل أن تستطرد:
-هقوم أحضر العشا وخليها تنزل تتعشى معانا..

ج جملتها بابتسامة، فراح يقبل يدها بحب وقال:
-ربنا يخليكِ ليا يا حبيبتي..
ثم تساءل باهتمام:
-هي ميرال فين؟!
أجابته بإيجاز:
-راحت تزور واحدة صاحبتها زمانها جاية إن شاء الله..

وضعت كوب العصير الفارغ على الطاولة أمامها، ومن ثم سمعت صوته يقول بخشونة:
-يلا بقى عشان أوصلك..
نظرت له بتذمرٍ وقالت بعتاب طفولي:
-أنت زهقان مني ومش طايقني ليه يا علي!
ضحكت والدته -سميرة- على طريقة حديثها المرحة، بينما تابع علي مبتسما:
-أنا خايف عليكِ بس!

-طيب..
قالت ونهضت ثم صافحت والدته بودٍ ومحبة، وبادلتها الأخيرة نفس الشعور هذا، ثم انصرفت بصحبة -علي - بينما ابتسمت -سميرة- ورفعت يديها معا داعية:
-يارب اجبر بخاطر ابني واجعلها من نصيبه أنت قادر على كل شيء.

-ممكن أفهم زعلانة مني ليه؟!
هكذا تحدث (علي) بلطفٍ فيما يراقب غضبها الطفولي منه بابتسامة عابثة، في حين نظرت له وهي تخبره ببساطة:
-عشان رجعتني مكسورة الخاطر..!
كتم ضحكة كادت تخرج من شفتيه، ثم قال :
-مكسورة الخاطر؟!! ميرال!!؟

تأففت بضيق:
-خلاص يا علي مش عاوزة أسمع المواعظ دي دلوقتي، أنا عارفة إني غلطانة بس مش عارفة أعمل إيه! هو أنا أجرمت عشان عاوزة أبقى معاك و... وبحبك!
ابتسم ملء شفتيه قائلًا :
-هنبقى مع بعض... إن شاء الله! ..
كزت ميرال على شفتيها وهي تحدث نفسها بغضب:
-بقوله بحبك وهو بيقولي هنبقى مع بعض.. إيه دا!
-مالك؟

سألها بدهشة لغضبها، فردت بإيجاز :
-سلامتك..
ثم صمتت قليلًا وتذكرت شيئا جعلها تبتسم وهي تقول:
-بس بيتكم حلو أوي يا علي وشيك ومريح، ومامتك جميلة وطيبة أوي، ربنا يبارك فيها..
أومأ برأسه مؤمناً ببسمة:
-آمين،،

نظمت السيدة 'جيهان' طاولة الطعام بمساعدة "ملك" التي شعرت بالراحة قليلًا حينما حدثتها جيهان برفق، كما اعتذرت لها عن اسلوبها السابق..
وشاركهما أدهم بمرح ترتيب الطاولة، بينما قالت جيهان بقلق :
-مش عارفة ميرال اتأخرت ليه!
أدهم مردفا:
-هكلمها ماتقلقيش...

ولم يكد يهاتفها حتى وجد الباب يُفتح ودون أن ينظر إلى الآت قال:
أهي جات..
لكنها كانت -تمارا- زوجته!
التي دخلت مصدرة صوتا عاليًا اثر حذائها، وفاحت رائحتها النفاذة..
بينما تقترب من أدهم وهي تبتسم بلا وعيٍ جراء احتساء الخمر!
ثم عانقته برقة وأراحت رأسها على صدره قائلة:
-وحشتني يا بيبي..

رفع حاجبيه مندهشًا لتصرفها المفاجئ وراح يبعدها عنه قائلًا بصوت جهوري:
-أنتِ كنتِ فين؟
والأخيرة لم تنتبه لغضبه، إنما قالت غير مكترثة :
-في الديسكو..
كز على أسنانه وهو يكرر ما قالته،،
-ديسكو..
في حين اشتم رائحة الخمر التي تفوح من فمها، لتتسع عينيه بذهولٍ، هو يعلم أنها طائشة لأبعد حد.. سلوكها سيء للغاية..
لكنها تسكر!!!

هذا هو الجديد عليه..
رائحتها أثارت نفوره وغضبه معا..
فلم يتردد في أن يصفعها بغتة وهو يهتف بها بحدة عارمة:
-أنتِ سافلة...

وعلى الجانب الآخر...
أخذت ساندرا شهقيا عميقا وقررت حسم الأمر خاصتها..
لذا توجهت إلى والدها الذي يجلس ويعمل في مكتبه..
وطرقت الباب فسمح لها بالدخول مرحبا كعادته :
-تعالي يا روحي..
اقتربت منه وهي تبتسم ثم قبلته برفق، فبادلها القبلة وقال:
-اقعدي.. أكيد عاوزة تطلبي حاجة صح؟!

أومأت برأسها إيجابًا بتوتر، بينما قال متسائلًا :
-إيه يا روحي؟
ازدردت ريقها بارتباك شديد، لكنها استجمعت رباطة جأشها وأردفت بثبات:
-بصراحة يا بابا في واحد عاوز يتقدم ويطلبني منك..
رفع حاجبه وابتسم بمشاكسة:
-عريس؟!
أومأت برأسها مجددًا، فتابع بهدوءٍ واهتمام:
-مين هو يا ساندرا وعرفك إزاي وفين؟

-أخو زميلتي بالكلية لما كان ساعات بيجي يوصلها كان بيشوفني يا بابا وفاتحني في الموضوع..
هز رأسه متفهمًا وسأل مجددًا :
-بيشتغل إيه؟
عضت على شفتها السفلى وتنحنحت قائلة :
-حداد!
يتبع..


رواية لمن يهوى القلب الجزء الأول الفصل السادس بقلم فاطمة حمدي



-حداد!
كرر (فاخر) كلمتها ورمقها بنظرة ذاهلة قبيل أن ينهض ويتجه نحوها ثم يجلس قبالتها مباشرة، فباغتته ساندرا بالرد حيث قالت:
-الشغل عيب يا بابا؟!
مط شفتيه لعدة لحظاتٍ طويلة دون رد، يبدو أنه يُفكر، ثم قال بهدوءٍ صارمٍ :
-مش عيب، ولكن، التوافق الاجتماعي مهم جدا يا ساندرا، وماينفعش ساندرا الجزار بنت فاخر الجزار من أكبر رجال الأعمال في مصر، تتجوز حداد دا جنون!

ردت بثبات:
-مش جنون يا بابي، لو هو نصيبي هتجوزه رغم كل اللي أنت بتقوله وإرادة ربنا فوق كل شيء ولا حضرتك عندك رأي تاني؟
زفر زفرة قصيرة، بعدها قال بجمود:
-إيه اللي عجبك فيه وإيه الميزة اللي هتشفعله!؟
أخذت شهيقًا عميقًا قبل أن تضيف:
-اتكلمت معاه كذا مرة وقدرت أفهم إنه راجل بجد، وشهامته تشفعله... الحداد لو بيشتغل بشرف يبقى إيه عيبه؟ كلام الناس بقى والتوافق الاجتماعي كل دي حجج فارغة... وسوري يا بابي الأولى إنك كنت تخاف على شكلنا الاجتماعي لما تمارا كانت كل يوم في ديسكو شكل وحضرتك مش قادر عليها..


اتسعت عينيه وهدر بها:
-أنتِ ازاي تكلميني كدا يا بنت!
-أنا مش بغلط في حضرتك يا بابي، أنا بواجهك بالواقع.. فيه حاجات كتير نخجل منها غير الموضوع دا..
اتجهت صوب الباب وفتحت ولكن قبل أن تخرج التفتت له وقالت بحزم:
-بابي.. لو رفضته فأنا مش هتجوزه ومش هعرفه تاني لأن رضاك عندي أهم..
ولكن ساعتها إعرف إنك دبحتني من غير ما حتى تسأل عنه أو تتكلم معاه!!!!
برحت المكان وأغلقت الباب خلفها.. فراح ينظر في اثرها بتعجبٍ ولكن شيء ما داخله يخبره أنها مُحقة!!


دخل غُرفته وهو في حالة عصبية شديدة، بعدما حدث مع تمارا في الأسفل..
تذكر كيف دفعته في صدره وتطاولت عليه بلا ذرة خجل..
فكاد ينطق بالطلاق إلا إنه وجدها تكتم فاه وترتجف بلا إرادة..
ثم تتوسله بضعف لم يره في عينيها من قبل
-لا لا أنا آسفة.. آسفة طلاق نو بلييييز...


وانحدرت الدموع فوق خديها.. وكاد قلبها يحترق..
فدفعها وصعد رغم ذهوله من موقفها وحالتها الضعيفة تلك التي تناقض تمردها المعتاد..
وكانت (ملك) تنظر له بحيرة.. لمَ لم يُطلقها وينتهي الأمر؟
ألم يذعم أنه لا يحبها؟!
بل هي لا تعنيه شيئا!
فلمَ انصاع لها وتركها على ذمته.. تشاركها فيه ولها نفس الحق..


لمَ مصر على ذبحها؟
لكنها لم تخبره بما يجول بخاطرها.. ستصمت إلى أن ترى ماذا هو بفاعل؟!
-اهدى يا أدهم..
راحت تربت على كتفه برفقٍ في مواساة كما تفعل دائماً فوجدته يحتضنها كما يفعل دائماً أيضًا عندما يغضب..
فتلك الطريقة تمنحه السكينة والهدوء..
ابتسمت وزال غضبها منه وتبخرت غيرتها.. ثم دعت ألا تفسَد علاقتهما أبداً...

تأخر الوقت كثيرا ..مما دفع القلق داخل قلب "چيهان" على إبنتها ميرال .. هي تتصل بها ولكنها لا ترد عليها مما أزاد من قلقها الحاد ..


أسرعت نحو غرفة أدهم وراحت تطرق الباب وهي تهتف بلهفة:
-أدهم ..أدهم ..
فتح أدهم قائلا بتلهف:
-أيوة يا ماما ..
-أختك مرجعتش لحد دلوقتي يا أدهم إلحقني يا أدهم أرجوك ..أنا بتصل عليها مبتردش أعمل إيه يا ربي ...
تسرب القلق إليه وقال يحاول تهدئتها:
-طب بس أنتِ إهدي يا ماما وهاتي عنوان صاحبتها اللي راحتلها بسرعة ..
-حاضر حاضر ثواني ..


بعد قليل ..
أدهم وقد قال بتوتر بالغ:
-صاحبتها بتقول إنها مشفتهاش خالص يا ماما !!!
-إيه !! إزاي ؟! إومال بنتي راحت فين ؟؟؟
هدئتها ملك قائلة:
-إهدي حضرتك ممكن تكون في أي مشوار وزمانها جاية إن شاء الله..
جيهان هزت رأسها بنفي تام:
-لا لا بنتي أكيد حصلها حاجة ..

قال أدهم بعصبية خفيفة:
-متقوليش كدا يا ماما بإذن الله هتكون كويسة بإذن الله..
-يارب نجيها دي مريضة مش حمل خضة أو بهدلة يارب نجيها يارب أتوسل إليك ..
كان قد حضر نجيب في ذلك الوقت وراح يقول بتساؤول:
-خير في إيه ؟!

جيهان وقد أخبرته بتوتر شديد:
-ميرال خرجت من بدري ولسة مرجعتش يا شوقي أنا بجد هموت من الخوف ..
-من بدري بقالها قد إيه يعني ؟!
-حوالي ٥ ساعات !!
نظر إلى أدهم وقال:
-ومافيش حد من الحرس خرج معاها ليه ؟؛

تنهد أدهم وخرج إلى حديقة القصر وإلى البوابة حيث يوجد أفراد الحراسة الخاصة بهم ..
أخذ يسألهم إن كانوا يعلمون شيئاً !!
وكان رد أحدا منهم:
-أدهم بيه الأنسة ميرال جت وسألتنا عن بيت "علي" زميلنا ..وأخدت العنوان ..
-أخدت العنوان !!!!
هكذا صاح شوقي بصوت أجش صارم... ليقول أدهم بخفوت:
-معقولة ميرال تكون راحت لـ علي !!

بعد مرور نصف ساعة تقريبا ..
طرقات قوية على باب منزل "علي" ليتوجه في سرعة ويفتح ولم يكن يتوقع هذه اللكمة التي أخذها ما أن فتح الباب من السيد شوقي!!
فتراجع علي للخلف متألما في ذهول وجاءت والدته صارخة حيث قالت بحدة عارمة:
-إيه دا أنت اتجننت يا راجل أنت ..إيه اللي بتعمله دا وإزاي تمد ايدك على ابني كدا ؟؟!

بينما هتف شوقي متجاهلا حديثها:
-ميرال فين ؟؟ دا أنا هوديك في داهية أنت وأهلك كلهم ..
-داهيــة لما تاخدك !!
هكذا صاحت والدة علي وهي تمسك ذراع ابنها ،فرمقها شوقي بنظرة نارية ..ليقول "علي":
-اصبري يا أمي ..
وقال أدهم زافرا:
-بابا من فضلك إهدى نفهم الأول !
ثم نظر إلى علي وأكمل:
-ميرال جات هنا يا علي ؟؟!

علي بقلق أجابه بجدية:
-أيوة جات هنا و ....
-هي فيييين ؟!
قاطعه شوقي بصرامة... ليجيب علي بفؤاد قلق:
-فين إزاي هي مروحتش ؟؟؟؟؟
-أنت هتستهبل ؟؟ أنت عملت فيها ايه انطق دا أنا هحبسك حالا لو متكلمتش ..
هُنا صاح علي محتدا:
-تحبس مين يا شوقي بيه؟! .. حاسب على كلامك أنا سكت لك كتير ومش هسكت على إهانتك تاني أبدا !!

بينما تدخل أدهم مرة أخرى قائلا بحزم:
-طب طالما ميرال جات لك هنا يا علي هي فييين بقى ؟!
-فين إزاي !! أنا نزلت وصلتها لحد قبل القصر بمسافة قصيرة جدا وسبتها ومشيت إزاي مرجعتش ازاااي ؟!
قال أدهم وقد ازداد قلقه على شقيقته:
-أنت متأكد إنك متعرفش عنها حاجة يا علي بجد ؟! طب هتكون فين دلوقتي ؟؟؟

علي وهو يشعر بأن قلبه ينشطر من شدة خوفه عليها:
-معرفش أنتوا دورتو كويس طيب ،أنا لازم أدور عليها حالا ...
كاد ينصرف كي يرتدي ملابسه لكن صوت شوقي أوقفه وهو يقول:
-أنت بتضحك علينا ولا على نفسك يابني أنت ؟؟ .. ميرال أنت عارف مكانها كويس !
لم يلتفت له علي وأسرع إلى الغرفة كي يُبدل ملابسه ..فـ ميرال الآن مؤكدا أنها بخطر وإيجادها هو الأهم ولا مجال لما يقوله والدها الآن !!

بينما تلقى شوقي الرد من والدة علي التي قالت محتدة:
-عيب يا أستاذ إبني متربي ويفهم في الأصول كويس ومستحيل يخبي بنتك ..بنتك جت ضيفة وخرجت معززة مكرمة مع إبني عشان يوصلها عيب والله عيب عليك ..
استدار شوقي خارجا من الشقة متجاهلا إياها وكان أدهم يقف على أعصابه ... إلى أن جاء علي إليه يحاولان إيجادها بشتى الطرق...
في هذا الوقت رن هاتف السيد شوقـي معلنا عن اتصال ..ليجيب ويأته الرد من الطرف الآخر قائلا بتهكمية شديدة:
-إيه يا شوقي بيه حاسس بإيه دلوقتي وبنتك بعيدة عنك ؟! قلبك بيحرقك صح ؟!

شوقي بانفعال شديد:
-أنت مين يا ***** وبنتي بتعمل إيه عندك والله ما هرحمك لو لمست شعرة منها ...
لم يستطع "علي" الصبر أكثر من ذلك وراح يجذب منه الهاتف قائلا بتلهف:
-ألو .. أنتوا مين وميرال دخلها ايه أيا كان اللي عايزينه ..؟؟؟
الطرف الآخر:
-وأنت مين أنت كمان يا حيلتها ..بقولك إيه أحنا حسابنا مع الخسيس اللي اسمه شوقي لو عاوز بنته يبقى ينفذ اللي يطلب منه ورجله فوق رقبته !!! ...

تندى جبينه وهو يستمع إلى المكالمة الهاتفية عبر هاتفه الخاص .. ازدرد ريقه بتوتر بالغ وهو يحاول الرد بصوت متقطع '
-تـ تمام ... ك كل اللي عاوزينه هيحصل بس خرجه بنتي من الموضوع دا أرجوكم !
-خنخرجها لما تخرجنا احنا كمان وصدقني هتلعب بديلك بنتك هتموت !
أغلق الهاتف وجلس يلتقط أنفاسه بصعوبة وهو يشعر بأن كارثة حلت فوق رأسه وستدمر حياته ! .. بل ستقلبها رأسا على عقب !
ماذا سيقول الآن لكل هؤلاء القلقين عليها ؟!
-في إيه يا بابا ما تتكلم ؟!!!

كان أدهم الذي سأله بحدة وتوتر ..بينما قال "علي" بعصبية:
-ياريت حضرتك تعرفنا إيه اللي بيحصل !!!
فقال شوقي بجمود:
-أنا هتصرف وأنا اللي هرجع ميرال ماحدش يتدخل منكم ..
صاح "علي" بنفاد صبر :
-هو إيه اللي بتقوله دا ..ميرااال فييين ؟

زفر بعنف وهو يجيب عليه:
-أنا أبوها وأنا اللي هرجعها وقلت مش عاوز حد يتدخل خالص مفهوم !
لينطق أدهم كذلك:
-هو إيه أصله دا ؟! ما ترد علينا وفهمنا فين ميرال !!
أنتوا روحوا وطمن جيهان يا أدهم وأنا قلت هتصرف خلاااااص !
انصرف ولم يترك لهما أي مجال لمعرفة أي شيء !

-مالك ؟! متغيرة ليه ؟
سأل "حازم" بنبرة يشوبها القلق ..واستكمل:
-مش على طبيعتك يعني ؟! حصل إيه يا ساندرا !
-أبدا مافيش يا حازم ،أنا فاتحت بابا في موضوعنا أخيرا ..
سأل في لهفة:
-ها وبعدين ؟!
-بيفكر ..
-نبرة صوتك مطمنش يا ساندرا ..
-صدقني بيفكر ..
-تمام ..

تنهدت بصوت مسموع ثم قالت:
-هضطر أقفل دلوقتي محتاجة أنام ..
رد بنبرة حنون:
-تصبحي على خير ..
-وأنت من أهله ...
ختمت جملتها وأقفلت الخط بينما فُتح الباب وولجت والدتها"سهير" ثم اقتربت منها وقد عقدت ساعديها أمامها في ضيقٍ سافر بينما تتحدث:
-إيه اللي أنا سمعته من باباكي دا يا بنت أنتِ؟!

اعتدلت ساندرا في فراشها وتساءلت بضجر:
-سمعتي إيه يا مامي ؟!
ابتسمت الأم في تهكم شديد وأضافت:
-العريس ...بتاعك !!
-وحضرتك زعلانة دلوقتي ليه ؟!
صرخت سهير فجأة بغضب:
-زعلانة ليه ؟ ،دا أنتِ أكيد اتجننتِ !! عاوزة تتجوزي حداد يا ساندرا ؟! دي اخرتها ..بنتي أنا عاوزة تتجوز حداد !!
ساندرا وقد ضحكت غير مكترثة:
-وماله الحداد يا مامي ؟! ،مش بني آدم ولا إيه ؟!

-لا بني آدم بس مش من مستوانا خالص !! هو حاجة وإحنا حاجة تانية ..
-دا من وجهة نظرك أنتِ يا مامي لكن من وجهة نظري أنا .....فأنا بحبه !! وقلبي اختاره هو وبس !
-قلبك ؟ بليز ساندرا قوليلي إنك بتهزري معايا !
-لا يا مامي للأسف مش بهزر وللأسف بتكلم جد !
-مستحيل ..دا لو حصل مش هتكوني بنتي أبدا يا ساندرا ! ..
تركتها وانصرف صافقة الباب خلفها في عنف ،واستلقت ساندرا على فراشها لتنعم بالنوم ولا قليلا رغم إعصار قلبها النابض بألم !

يعني إيه ؟؟؟؟ ما تفهموني أنا مش فاهمة حاجة خالص !
هكذا قالت السيدة چيهان بعصبية تامة وأكملت:
-يعني بنتي راحت كدا ؟! ضاعت ؟ إزاي ابوك قال أنا هرجعها وليه مأخدش الحرس على الأقل معاه ؟؟
أدهم بانفعال شديد:
-مش عارف !! أنا حتى مشيت وراه بالعربية تاه مني بقصده ودخلني في طريق غلط ..الموضوع دا فيه حاجة كبيرة أوووي يا ماما !
-وبنتي يارب ذنبها إيه ،يارب احميها ورجعهالي بالسلامة يارب ...

-يـــاررب ...
قال أدهم كلمته وجلس جوار والدته ..فجاءت تمارا من الخلف وجلست جواره أيضا لتقوم بالنربيت على ظهره في حنو وقالت بمواساة:
-إن شاء الله هتكون بخير يا أدهم إهدى أنت بس عشان نعرف نفكر ونلاقي حل ..
نظر لها أدهــم باستغراب شديد ولم يعقب بينما استدارت (ملك) وصعدت إلى غرفتها في صمت مؤلم ..كما ابتسمت تمارا بظفر ولاتزال تربت على ظهر أدهم !

وصل "شوقي" إلى محافظة من محافظات الصعيد وهي يقدم قدم ويؤخر الأخرى في توتر شديد ...
كان على تواصل بشخص ما طوال الطريق وها هو تقابل معه ليأتي عدة رجال ويقومون بتفتيشه في دقة ..
ثم ييأخذونه إلى مكان ما يضم عدة رجال أيضا ...
ليقول الشخص الوسيط:
-هو دا شوقي يا بيه ..

نظر له رجل ذو هيبة طاغية اشتعل رأسه شيبا ..يرتدي جلباب أبيض وعمة رأس كبيرة ..كانت نظراته مصوبه تجاهه كمدافع رشاش تخترقه بلا رحمة ..ليقول (عواد):
-يا أهلا ومرحبا بالبيه الندل ...
شوقي وقد تكلم في جدية رغم توتره الملحوظ:
-ما بلاش غلط و...

انقض الرجل عليه وجذبه من تلابيب ملابسه ثم هزه بعنف وصاح به معنفا :
-الشغل دا مهيخيلش عليّ أبدا .. إحنا صعايدة وجدعان وعندنا ناس أشراف متعلمين ومتنورين يا أخينا أنت .. واللي يجي جنب شرفنا احنا نطخه ونطلع قلبه ومصارينه في يدنا .. اوعاك تفكر نفسك بيه علينا لا دا احنا نتاويك ولا حد يدرى بيك ولو مش فاهم كلامنا نفهمك باللون اللي يعجبك !!

شوقي بهدوء حذر:
-كل اللي عاوزينه هيحصل بس بنتي فين ؟! أرجوكم بنتي مريضة مش حمل بهدلة ومرمطة خلوني أشوفها.
-بنتك عندينا چوا في أمان محناش أندال زيك بنضر الحريم ..
شوقي وقد شعر بالخجل من ذاته:
-طب فين بنتي ..
-هنكتب على بنتنا لأول يا بيه وتعقد عليها رسمي على سنة الله ورسوله وبعدها تبجى تشوف بتك ..!
لولا إنك اتچوزت بنتنا عرفى كنا تاوناها وتاوناك امعاها لكن احنا برضوه ماعيزينش فضايح وفرجة عالم ..اتفضل امعانا چوا...

في الداخل ...
حيث حضرت فتاة صغيرة تبدو في مقتبل عمرها ..لم تتبين ملامح وجهها بوضوح آثار ضرب مبرح قد تعرضت له من قبل والدها عواد ...الذي كاد يدفنها حية ولكن وجد من الصواب أن تتزوج رسمي على سنة الله ورسوله من ذلك الدنيء ((شوقي)) .. وإن كان بالقوة مثلما فعل ..
جلست قبالة شوقي وراحت ترمقه بنظرات أليمة تحمل في طياتها العتاب الكثير ..وزاغت أنظاره هو في كل اتجاه ..

عُقد قرانهما بعد قليل وأصبحت الفتاة منار زوجة لـ شوقي رسميا ...
تعرق جبين شوقي بشدة ..لا يعلم كيف سيواجه زوجته بهذه الزيجة ؟؟! وكيف سيواجه ابنته وولده وكل من حوله ؟! ..
دخل أحد الرجال على الموجودين وهو يقول بجدية:
-في واحد جه برا وبيقول أنه تبع الأفندي دا .. وأشار إلى شوقي بيده ..

ليقول عواد بجمود:
-أنت چايب حد معك ؟
شوقي بتوتر :
-لا أبدا بس ممكن يكون إبني عرف الطريق وحصلني ..
عواد بنبرة ساخرة:
خليه يدخل الجليل حضر كتب كتاب أبوه !
انصرف الرجل وعاد بعد قليل بصحبة (علـي) الذي قال باستغراب تام:
السلام عليكم!

لينهض شوقي بارتباك ويقول بانفعال:
-أنت إيه اللي جابك هنا وعرفت الطريق إزاي ؟!
-كنت مراقبك ودا مش موضوعنا دلوقتي ..فييين ميرااال ؟! ومين دول ؟؟
صاح عواد:
-هو دا الحيلة ابنك ولا مين ؟
شوقي وقد أجاب:
-دا ..لا دا من الحراسة بتاعتي ..

ضحك عواد وقال:
-أصله بيسأل على بتك وملهوف عليها اكتر منيك..فكرته أخوها .. على العموم البنت في الحفظ والصون ..
نادى على أحد رجاله ليأتي ويصطحبها معه ... كان "علي" يشاهد ما يحدث بذهول وأعصاب تحترق ..ما الذي يجري؟ لا يعلم ! لكنه يشعر بأن ميرال بأمان هنا هكذا شعر وانتظر قدومها بلهفة شديدة ..

بالفعل أتت بعد قليل مع الرجل وما إن التقت عيناها بعينين "علي" ابتسمت وحركت شفتيها في خفوت بنطق اسمه .. ثم انتقل بصرها إلى والدها ورمقته بنظرة شديدة العتاب ..حيث أنها على علم بما حدث ..السيد عواد أخبرها أن والدها تزوج ابنته عرفي وعندما طالبته بالزواج الرسمي رفض .. حدثته مرارا وتكرارا وبالأخير لجأت لأهلها ..ليقوم والدها بفعل هذا ولم يجد حلا آخر سيأتي شوقي راكعا أمام ابنته مقابل أخذ ابنته هو !
-الضنى غالي !

هكذا قال عواد بحدة ،وهو يتابع:
-بتك سليمة ماحدش مسها يا افندي ..وتاني مرة ابجى أعرف أن بنات الناس مهياش لعبة في يدك ..ودلوجت هتاخد بتي معك وترحل ..وهتعبش بنفس البيت اللي مرتك الاولانية عايشة فيه أو تاخدها بيت زييه وطبعا أنا مهرميهاش معك هزورها كتير وهطمن عليها ولو جالت إنك هنتها وربك لاجتلك مفهوم ولا منتاش فاهم عاد ؟
لم يعقب شوقي الذي نظر إلى علي وميرال بارتباك شديد ، بينما قد فهم "علي" ما يحدث حوله لذا تحرك مبتعدا خارجا من هذا البيت وتبعته ميرال مناديا عليه إلى أن خرجا ...

-علي !
قالتها ميرال باشتياق فالتفت وقابلها بنظرة لا تخص إلا هي فحسب !
وابتسم بارتياح وهو يقول بصدق تام:
-قلب علي ..كنت هموت من القلق عليكِ ..
-بعد الشر عنك يا علي ..أنا كويسة والناس اللي جوا عاملوني كويس جدا رغم اللي حصل دا كله أنا مش قادرة أصدق ومصدومة أوي في بابا بجد!
-وأنا كمان !

ميرال بحزن
-يا حبيبتي يا ماما دي هتتصدم أكيد ..
توجه شوقي إليهما بصحبة زوجته منار ..راح يقول بقلق:
-ميرال أنتِ كويسة ؟
هزت رأسها بايجاب وقالت: كويسة ..
زفر شوقي وتحرك تجاه االسيارة ليستقلها وهم معه ..في حين قال لـ ميرال بحزم:
-مش هتجيبي سيرة لحد عن اللي حصل يا ميرال لحد ما أظبط أموري ...
لم ترد ميرال عليه ليهتف بنفاد صبر:
-سمعتي؟؟؟

ميرال باقتضاب:
-شوف هنقول لماما ايه وقولي أقول ايه !!
شوقي بغضب:
-هقولك !!!
يتبع..


رواية لمن يهوى القلب الجزء الأول البارت السابع بقلم فاطمة حمدي



اندفعت "ميـرال" إلى والدتها في عناق شديد بينما تهتف والدتها باطمئنان:
-ألف حمد وشكر لك يارب ألف حمد ..
-وحشتني أوي يا ماما ..
تأملت چيهان وجهها بحنان وتلهف ثم قبّلت وجنتها بحب وتابعت'
-قلبي وروحي أنتِ كويسة يا حبيبتي؟
أومأت ميرال برأسها وهي تقول بهدوء:
-الحمدلله ...

أقبل عليها أدهم متلهفاً وراح يحتضنها بقوة وهو يقول:
-ميرال !
بينما ابتسمت ميرال وبادلته العناق قائلة:
-أدهومي ..
ابتعد أدهم قليلا وسأل بقلق:
-كنتِ فين وازاي رجعتي وفين بابا ؟؟
ميرال بتوتر:
-بابا اللي رجعني ...كان فيه منافسين له في شغله وهو جه وانقذني ..بس علي جه معاه وأنقذني برضوه !؛
-طب هما فين ؟


-بابا راح الشركة عشان عنده شغل وعلي روح بيته .
أدهم باستغراب:
-منافسين إيه اللي يخطفوكي ما طول عمرنا لنا منافسين في الشغل إزاي دا يحصل ؟؟ وهو سكت على كدا وخلاص ؟!
ميرال بارتباك:
-مـ مش عارفة ...
چيهان وقد احتضنت فتاتها مرة أخرى:
-مش مهم في داهية أي حاجة المهم إن ميرال في وسطنا وربنا رجعها بالسلامة الحمدلله ...


مط أدهم شفتيه بعدم فهم وسار خارجا إلى حديقة القصر وهو يفكر في الذي حدث ؟ ..يعلم أن هناك أمرا خفيا لا يريد والده أن يعرف عنه أحد
ظل يمشي في الحديقة بخطوات واسعة متمهلة وهو يتنفس مستنشقا الهواء بعمق ..إلى أن شعر بمن يسير خلفه وينادي عليه بخفوت ..
التفت فإذا بتمارا تبتسم بنعومة معتادة منها ! .
زفر بضيق وهو يسألها باقتضاب:
-خير ؟!


تنهدت تمارا وراحت تنظر إلى الأرض بهدوء صامت لم يعهده منها قط !
ثم راحت تقول ببسمةٍ ناعمة:
-أدهم أنا آسفة بجد على اللي حصل ..أنا غلطانة وأستاهل القلم اللي أخدته منك ..أوعدك مش هعمل كدا تاني ..

طالعها بصمت قصير قبل أن يقول بشيء من الحدة:
-بصي يا أستاذة تمارا احنا كدا كدا مش هينفع نكمل مع بعض،. أنتِ عارفة كويس جوازتنا تمت إزاي ! ،متفكريش إني زعقت وضربت عشان خايف عليكِ !؛ اطلاقا على فكرة ..أنا راجل وليا سمعتي وللأسف سمعتك بقت من سمعتي ! فأنتِ مضطرة تحترمي نفسك طول ما أنتِ على ذمتي ..لأن أنا مش زي عمي فاخر أنا حد تاني خالص لسة متعرفهوش.. أهدي كدا بقى لحد ما نخلص من الورطة دي وكل واحد فينا يروح لحاله تمام ؟!


لا يعرف ماذا حدث فجأة؟؛ ..
حيث وجدها تعانقه بقوة شديدة وصوت بكاؤها يعلو ..ثم آتاه توسلها وهي تقول من بين البكاء:
-بليز متقولش كدا ..أدهم أنا ...أنا بحبك ...
صدمته كلمتها الأخيرة ..اتسعت عينيه على اثرها ! حالة تعجب سيطرت عليه وهو يبعدها عنه بهدوء ويبتعد عنها خطوة واحدة !
أصابته رجفة خفيفة وهو يراها منكسرة هكذا ! قطة وديعة تتوسله بضعف لم تظهره يوما إلا له . الآن !

-بحبك من يوم ما عرفت الدنيا ... بحبك يا أدهم أرجوك بلاش تطلقني وتسبني وأنا مستعدة أعيش خدامة تحت رجلك وزي ما أنت عايز بليز أدهم !
همّت تحاول احتضانه مرة أخرى لكنه وضع يده حاجزا مع قوله الصارم:
-بس ..بس ! متكمليش وبلاش تعيشي دور مش دورك وبلاش تمثلي عليا لأنك مفقوسة أوي !
-أدهم أنا مش بمثل ..


-حتى لو ! أنا متجوز وبحب مراتي ..ملك ! ملك وبس ..يارب تفهمي !
تمارا وقد اخترقت جملته قلبها بعنف:
-وأنا ؟
أدهم وقد استدار قائلا بجمود قاس:
-أنتِ ورقة في حياتي ملهاش لزمة هقطعها قريب وأخلص !
ذهب ماشيا بعد أن فجر جملته القاسية ...قاسية جدا على مسامعها وقلبها ....
عيناها تحبان النظر إليه وقلبها يتلهف للمسة من يديه ..
جوارحها تعشقه بلا رحمة ولا وعيٍ منها ..
ستبحث عن وصاله بكل الطرق مشروعةً كانت أو غير مشروعة ! لا يهم !


قامت عاصفة من غضب عارم بين شوقي وحرمه الثاني "منار" ..كلاهما أُرغم على هذا العقد ..
هي أحبته بكامل إرادتها رغم كبر سنه ،ثم اكتشفت أنها ما هي إلا لعبة زهد منها ويريد القائها في سرعة ..فكرهته عن عمد بكامل إرادتها أيضا ..
وارغمت أن تصبح زوجة له ..مثله هو !!

كان هائج ثائر يريد الفتك بها على ما فعلت ..!! فها هو يلومها بمنتهى القسوة:
-إزاي تعملي فيا كدا ؟ ازاي تعرفي أهلك وتخليهم يجبوني بالدناءة دي ؟؟
ليه ليه !! أقول ايه لمراتي وابني دلوقتي ؟؟ شكلي ايه قدام بنتي ؟؟ انتي خليتي وشي في الأرض !!! إييييه ساكتة ليه ما تردي عليااااااا ؟؟؟!
ابتسمت ساخرة وقد نهضت ببطء عن مجلسها قائلة:
-أنت كمان لك عين تتكلم وتزعق فيا ؟! ايه يا شوقي بيه مكفكش بهدلة ومرمطة فيا !؟

لألأت عينيها بالعبرات وابتلعت غصة مريرة بحلقها قبيل أن تقول بضعف:
-لسة هتبهدل فيا بعد كل دا ؟ دناءة ايه اللي بتتكلم عنها ماحدش دنيء غيرك يا شوقي.. أنت كنت عاوز تضحك على بنات الناس وبس من غير ما حد يقفلك ؟ لا لا يا شوقي فوق الدنيا مش لك لوحدك ... عيب عليك اتقي الله !
ظل شوقي صامتا وانفاسه في صعود وهبوط مستمر .. بينما استكملت هي:
-أنا من النهاردة مش أقل من مراتك التانية في حاجة أنا زيي زيها وهتاخدني وهنعيش هناك وهبوظلك حياتك يا شوقي ..فاهم هبوظلك حياتك !!!

انقض عليها يصفعها بعنف ويدفعها بلا شفقة فهبطت على الأريكة ثم صاح بها:
-حياتي مش هتبوظ انتي حشرة افعصك وقت أما أحب انتي غلطة وهعرف اصلحها كويس اوي !

-صدقني مش هسيبك تتهنى... أقسم بالله هفسد عليك حياتك يا شوقي بحق كرامتي اللي بعترتها يمين وشمال !
تركها وانصرف صافقا الباب خلفه ..واغلقه بالمفتاح كي لا تنفذ تهديدها ..وهكذا ! تركها بعد أن كسرها ! وبلا رحمة !

ابتسمت "ميــرال" وهي تلج إلى شرفة غرفتها وترفع وجهها إلى السماء الصافية كقلبها الآن ..كروحها ومشاعرها....
ودّت لو أن تطير وتحلق بعيدا وتطول السماء بيدها ..فهي الآن في أشد حالاتها سعادة ..
"علشانك أمشيها بلاد "
كانت تسمع غنوة رومانسية وتهيم عشقا بـ "علي" ذاك الذي قطع الأميال لوصالها وانقاذها.. هي تيقنت أنها معه فقط ستكون في أمان معه فحسب!..

وجدته يتصل عليها واسمه يزين شاشة هاتفها فابتلعت ريقها بخجل وردت على الفور قائلة برقتها المعتادة:
-مساء الخير يا علي ..
-مساء النور يا آنسة ميرال .
آتاها صوته الرجولي المحب ،فعقدت ما بين حاجبيها بضيق وهي تقول بتذمر:
-آنسة ميرال ؟ !
-ايه بس زعلانة ليه !!

هكذا قال ضاحكا ..فأجابت بنبرة طفولية تروق له للغاية:
-بطل تقولي الجملة دي بتحسسني اني غريبة عنك وانت غريب عني !
أراد أن يراوغها فقال مازحا:
-هو فيه صلة قرابة بينا وأنا معرفش يا أنسة؟!
ردت متذمرة:
-علي !!
-خلاص سكت أهو ..ها قوليلي بقى إيه سر الروقان دا ؟!

ابتسمت وأجابت قائلة:
-حاسة إن خلاص موضوعنا قرّب أوي يا علي ...
علي بجدية:
-ممكن أفهم إزاي ؟!
-طبعا بابا هيوافق بعد اللي حصل ! هو هيبقى له نفس يرفض !
-كل شيء جايز يا ميرال .. خليكِ متوقعة كل حاجة.
-علي بلاش تديني طاقة سلبية أنا بجد كنت بكلمك وأنا مبسوطة جدا ليه كدا يا علي ! .
تنهد "علي" بعمق وأخبرها هادئا

-مش قصدي والله ..عموما خلاص سكت أهو مش هتكلم ..
-لا أتكلم ..بحب أسمع صوتك يا علي ..
تنهد علي مرة أخرى وهو يبتسم باتساع ..وتكلم بهدوء:
-طيب ..أنتِ عاملة أيه؟ وصحتك ؟بتاخدي علاجك ولا لاء؟
ردت عليه بحماس:
-باخده بانتظام وصحتي تمام التمام ..
-ممم يارب دايما كدا تكوني تمام التمام ..بتاكلي شوكولاتة ؟؟؟!
-احم ...
-جاوبي ؟

_بصراحة آه أكلت ..
علي بحزم:
-بس كدا غلط على صحتك وأنتِ عارفة فياريت بقى نلم نفسنا شوية !
-ودا يهمك في إيه ؟ يعني هو فيه صلة قرابة بينا وأنا مش واخدة بالي ؟!
ضحك عاليا بشدة وقال من بين ضحكاته:
-بقى كدا ..بتردهالي يعني ؟ والله وكبرتي يا أنسة ميرال ..
-يووووه تاني أنسة ..بس بقى يا علي ..
-حاضر يا قلب آآ ...... قصدي يا ميرال ...
ضغطت على نواجذها وهي تتابع بغيظ:
-مش فاهمة أنت بتعمل كدا ليه معايا بجد يا علي ..دمك تقيل ..

علي كاتما ضحكاته:
-مقبولة منك يا ميرال .. ممكن أعرف إيه اللي بيزعلك مني كدا ؟!
-أنت عارف كويس يا علي ! ..
-بحبك ..
تملكتها دهشة كبيرة لكنها رائعة ... ابتسمت بحب كبير يشهد عليه قلبها النابض عشقا له...

هذه المرة الأولى يبوح بهذه الكلمة ..يا لروعة احساسها الآن ...الكلمة صادقة من قلب عاشق ...عاشق لها وحسب !
طال صمتها وصمته أيضاً ..فقد كان يبتسم وخُيل له شكلها الآن وتعابير وجهها الطفولي ..ربت على قلبه الصبور وتحرر من صمته قائلاً:
-بحبك من يوم ما عيني جات عليكِ وكنت عارف إنك حلم بعيد أوي ولحد دلوقتي خايف ميتحققش يا ميرال ...
ابتلعت ريقها وأخيراً تكلمت بحرية:

-مش هكون غير ليك يا علي ..وقلبي مش هيدق لغيرك ...
-وعد ؟
-طبعا وعد ...
ابتسم وجال بخاطره شئ ما فقال على الفور:
-وعد .. حلوة الكلمة والمعنى ..لو خلفنا بنت هسميها وعد ..إيه رأيك ؟
ضحكت بخفوت وقالت بسعادة:
-ياااه يا علي تفتكر ممكن أبقى زي أي بنت وأقدر أخلف عادي من غير ما حياتي تكون في خطر ؟

علي في لهفة واضحة:
-افتكر جدا ولو ماينفعش مش عايز وكلامي طالع من قلبي والله .. أنتِ ماتعرفيش غلاوتك عندي يا ميرال ..لو فيه خطر هكتفي إنك تبقي بنتي ..
أنهى جملته ضاحكا وشاركته الضحك بارتياح وهي تقول بامتنان:
-ماما دايما لما تدعي لأي حد بتقول ربنا يجبر بخاطرك... وأنا هقولك زيها ..ربنا يجبر بخاطرك يا علي .. عشان أنت جبرت بخاطري كتير!

ولج أدهم إلى غرفته في هدوء ثم ابتسم لـ زوجته "ملك" التي بادلته ابتسامته بابتسامة باهتة لا معنى لها !
وهو استشعرها فورا وعقد حاجبيه بعدم فهم ليسألها بجدية:
-مالك ؟ ..
أجابته بنبرة ثلجية:
-ولا حاجة مافيش ..أنا كويسة !
زفر بضيق شديد وتابع بحدة:
-خليكِ دوغري وقوليلي مالك بجد !!

-مش عاوزة أنكد عليك يا أدهم ...عشان شيفاك ما شاء الله طالع من تحت مبسوط ..!!
نظر لها أدهم مطولا ..وراح يضحك بعفوية متابعا:
-ممم شكلك كنتِ شيفاني من البلكونة وأنا واقف مع تمارا ..مظبوط ؟
هزت رأسها بايجاب ..نعم رأته... ورأت العناق بينهما !!
وها هي تريد تفسير ..فقلبها الآن يحترق وكأنه وُضِع على جمرة من نار ..

اقترب منها ..احتضن وجهها بين كفيه ..طبع قبلة حانية على جبينها ..ثم تنهد باسما وأضاف موضحاً:
-حبيبي يا لوكا .. أنتِ أغلى حاجة عندي في الدنيا والله ..تمارا دي أنا هسيبها مش محتاجلها في حاجة أنا محتاجك أنتِ.. أنتِ وبس ..
-أدهم ! أنت نظرة عينك إتغيرت لها ..حسيت إنك بقيت متعاطف معاها أو هي صعبانة عليك ..بدأت تحن لها حاجات كدا مش مفهومة ونفسي تفهمني وبكل صراحة !
ضحك مرة أخرى وأجاب عليها:

-دي تخاريف وأوهام في دماغك والله ،نظرة إيه اللي بتتكلمي عنها يا ملك ؟ أنتِ في وعيك؟؟ بلاش هبل وبلاش كمان تنكدي عليا ..
نظرت له بتحيّر ..تشعر بما يقلقها ويفسد راحتها ..تشعر بأنها فقدت أمانها منذ دخولها هذا القصر ولا تعلم لما ؟
أهو بسبب تمارا أو أمرا أخرا ؟!!!
وما كان منها الآن إلا أنا بادلته مشاعره وعناقه وحبه .. وتناست كل شيء بإرادتها الآن !...

صباح يوم جديد ..
عاد شوقي إلى القصر مجدداً في ثبات أجاده ..كي لا تـُلتفت الأنظار إليه ..
تقابل مع زوجته چيهان وهو يصعد الدرج ..فسألته باستغراب :
-شوقي ! أنت كنت فين !؟ طول الليل بتصل عليك وأنت مش بترد !
أجابها وهو يُكمل صعود الدرج:
-كان عندي شوية شغل كدا في الشركة قلت أسهر عليهم ..هغيّر هدومي وأنام مش عاوز إزعاج !

نزلت هي بقية السلالم بضيق ..هي تعلم أن لديه ما يخفيه عنها لكنها لا تهتم كثيراً .. كي لا تفتعل المشاكل بينهما ...
بعد قليل التف الجميع حول مائدة الطعام.. وتساءلت "تمارا " قائلة:
-فين عمو شوقي يا طنط ؟
-رجع من شوية ونام ..
أدهم بجدية:
-هو مباتش هنا ؟!
ردت چيهان بصبر:
-لا بيقول كان فيه شوية شغل سِهر خلصهم ..

-مممم مش عارف ليه مش مطمن له وحاسس كدا إن فيه حاجة كبيرة مخبيها عننا !
چيهان بتأكيد:
-وأنا كمان ..بس مش عاوزة أشغل بالي كفاية اللي بيحصلنا ومش عاوزة مشاكل تانية ..
تنهد أدهم بصمت وبدأ يتناول وجبة افطاره .. أسرعت "تمارا " التي كانت تجلس عن يساره في اطعامه بيدها !!

ورسمت ابتسامة ناعمة على شفتيها ..ثم قالت برفق:
-خُد دي من ايدي عشان خاطري ..
تنهد زافرا وقال بنبرة حادة:
-أنا ليا إيد باكل بيها ..متشكر ..!
أصابها الاحراج من معاملته الفظة وتراجعت بصمت ..بينما رمقتها مـلك بنظرة نارية تنم عن حجم غضبها الآن ...
بينما قال أدهم هادئاً:
-إيه يا ميرو أخبارك إيه النهاردة ؟

أجابت ميرال مبتسمة:
-الحمدلله يا أدهم كويسة ..
مسدت الأم على شعر فتاتها وقالت بحنان:
-يارب دائما تكوني كويسة يا حبيبة قلبي ..
-ميرسي يا ماما ..

(إسبوع ..قد مرّ)
وفي الصباح ..جَلست ساندرا بصحبة والديها على سُفرة الافطار ..
الصمت كان يخيم على المكان ..ولم يقطعه سوى ساندرا حين قالت بجدية تامة:
-حضرتك يا بابي مردتش عليا لحد دلوقتي ؟!!
فاخـر مطصنعا عدم الفهم:
- في إيه بالظبط ؟
ساندرا بضيق:
-في موضوع حازم يا بابي ،حضرتك ليه بتسخر بيا بالطريقة دي ؟!

ابتسم فاخر وقال هادئا:
-حبيبتي أنا لا يمكن أسخر بيكي أنتِ بالذات يا ساندرا أنتِ عارفة غلاوتك عندي كويس أوي .. صح ؟
هزت رأسها قائلة بإيجاز:
:آه صح يا بابي ..بس ممكن ندخل في الموضوع ؟
تدخلت سهير آنذاك بحدة عارمة:
-هو دا كمان بقى موضوع يا ساندرا ؟ البني آدم الحداد دا بقى محور حياتك ؟ وبقى شاغل قعدتنا في كل وقت ؟ أنتِ فعلا اتجننتِ على الاخر ولازم تسيبك من الهبل دا وتنسيه بقى !!

-ماما دا مستقبلي وأنا حُرة فيه !! مامي بليز بلاش تعملي معايا كدا أنتِ عمرك ما اعترضتي على أي حاجة تمارا بتعملها اشمعنى أنا ؟
-تمارا اتجوزت أدهم .. أدهم إبن عمها ..من مستواها لكن مش حداد !
-أدهم اللي طلع متجوز واحدة تانية وبيحبها ؟ أدهم اللي اتجبر يتجوز ها مش بإرادته ومبيحبهاش؟؟؟ بلاش كل دا ! تصرفاتها وسهرها كل يوم في الديسكو والفضايح اللي في الاقسام دي حاجة عمرك ما اتكلمتي فيها !!

صمتت سهير عن الكلام ..فقط رمقتها بضيق.. أما عنها فاستأنفت الحديث قائلة:
-وكل دا ميهمنيش ..أنا مش بعمل حاجة غلط دلوقتي وطالما مافيش غلط يبقى سوري حضرتك مش من حقك تعترضي !
-سامع يا فاخر ؟! سامع بنتك بتقول إيه ؟ ما تتكلم ساكت ليه ؟؟ قول رأيك !!
وبالفعل تكلم فاخــر وفي حــزم شديد:
-كفاية يا ساندرا !! ... وقولي لسي حازم بتاعك دا ..إني مُنتظره الخميس الجاي هنا!...
يتبع..


رواية لمن يهوى القلب الجزء الأول البارت الثامن بقلم فاطمة حمدي



رمقته سهيـــر بنظرة ذاهلة غاضبة فقد كانت تظنه لن يخضع لطلب ابنته أبدا ..لكنه الآن وافق على مقابلة ذلك المدعو "حـازم" بينما نهضت ســاندرا عن مقعدها بسعادة جلية واتجهت نحو آباها فقبّلته من وجنته قائلة:
-حبيبي يا أحلى بابي في الدنيا كلها ..بجد شكرااا
انطلقت إلى غرفتها بعد ذلك ضاحكة بفرحة ..ثم قامت العاصفة بين سهير وفاخر ..
-إزاي تتجرأ وتعمل كدا فاخر ؟!

-أتجرأ ؟ مالك يا سهير دي بنتي وأنا حر معاها ..!
-وبنتي وأنا مش موافقة !!
نهض فاخـر ناهيا هذا الحوار بقوله الصارم:
-ماتحكميش على حد قبل ما تقابليه وتشوفيه... وتتكلمي معاه !! وافتكري دائما يا سهير هانم إننا مش فوق الناس !
تركها وانصرف وظلت هي في حالة غضب عجيبة .. لم ولن ترضى عن هذا الهراء الذي يحدث من حولها ...


طرقت ميـرال غرفة والدها بعد أن تأكدت من عدم وجود والدتها في الداخل ..
فتح لها وراح يُكمل ارتداء ملابسه أمام المرآة بلا اكتراث ،عقدت ميرال ساعديها أمامها وأردفت بهدوء:
-صباح الخير يا بابي ...
-صباح النور يا ميرال ..
استأنفت بحذر:
-بابي لسة رأيك في علي زي ما هو ؟
نظر لها وتهكٓم في قوله:
-وايه اللي هيغير رأيي؟! عشان يعني جه ورايا وفتح صدره وحب ينقذك ؟؟


قالت بجدية صارمة:
-أيوة يا بابا هو كل دا عندك ولا حاجة ؟! علي انسان كويس جدا ليه مش حاسس بكدا !
-أنا عاوزلك واحد أحسن من كدا يا ميرال ..
ابتسمت ساخرة:
-رجل أعمال كبير يا بابي ولا سفير ؟ ..
نظر لها بغضب ..فأكملت:
-بابي من فضلك ..بليز توافق وتخلي علي يجي يتقدم رسمي ويطلبني منك ومن ماما بليز يا بابي ..
تنهد بضيق وحرك رأسه سلبا قائلا:
-أنتِ بتلوي دراعي يا ميرال ..بتلوي دراعي عشان موضوع جوازي التاني صح ؟!


ميرال بهدوء:
-لأ يا بابا لأ ..أنا بطلب منك تحققلي اللي نفسي فيه ..وبترجاك يا بابا أرجوك ..
والدها بذهول:
-ياااه كل دا عشان خاطر علي ؟؟ طب يا ستي يارب هو يكون بيحبك كدا وميكنش طمعان فيكي !
-صدقني يا بابا علي بيحبني ومش طمعان فيا أبدا ..ممكن توافق بليز بقى ؟
صمت قليلا قبيل أن يقول بنفاد صبر'
-خليه يجي هو ووالدته !


قفزت ميـرال بفرحة عارمة وصفقت بيديها هاتفة:
-بجد يا بابااااا ....ميرسي يا حبيبي ...
ختمت جملتها بقبلة على وجنته وفرت إلى غرفتها سعيدة .. بينما قال شوقي في وليجة نفسه:
-كل دا عشان سي علي !!
دخلت چيهان إليه متسائلة:
-إيه يا شوقي إيه اللي بيحصل ؟ شايفة ميرال فرحانة أوي ؟
شوقي بجمود:
-آه ..عشان وافقت إن سي علي بتاعها دا يتقدم رسمي ..

ابتسمت چيهان باتساع وقالت:
-طب كويس يا شوقي ..علي فعلا إنسان كويس وإن شاء الله يقدر يحافظ على ميرال ..
-أما نشوف ! أنا لازم أمشي دلوقتي بقى عشان عندي شغل ..
كاد يتحرك لينصرف لكنها أوقفته حينما سألته بفضول:
-شوقي ممكن أعرف أنت متغير ليه ؟ من يوم اللي حصل لميرال ؟


-إزاي يعني؟ ما أنا كويس أهو مافيش حاجة ولو فيه حاجة دا شئ طبيعي عشان دي بنتي ..
رفعت چيهان حاجبها وقالت بعدم اقتناع:
-لا يا شوقي ..في حاجة شغلاك ومضيقاك كمان ..دا حتى أنت من يومها لا بتتكلم معايا ولا حتى عرفتني مين الناس دي اللي خطفت ميرال ؟ ولا فهمتني أي حاجة وأنا سيباك براحتك ...بس أنا من حقي أعرف إيه اللي بيحصل حواليا !!

تنهد شوقي بنفاد صبر:
-فهمتك كل حاجة بس أنتِ دلوقتي يا جيهان عاوزة تنكدي مظبوط ؟ ..
-لا يا شوقي مش عاوزة أنكد وأنت عارف أنت اللي بتتهرب من الإجابة وبصراحة أنا مش مطمنالك خالص قلبي بيقولي إنك عامل عاملة ..
شوقي وقد ارتبك في قوله:
-عملة ! ..لا حاسبي على كلامك يا جيهان أنا ميتقاليش الكلام دا !
-شوقي من فضلك تـ.......


قاطع حديثها حيث برح الغرفة بضيق .. بينما سارت خلفه وهتفت بغضب:
-دي مش طريقة أبدا يا شوقي ..
لم يرد عليها حيث توجه إلى الباب وفتح بعجالة ..ليخرج ويتركها بحيرتها ....

-حازم أنا مش مصدقة بابي وافق يقابلك
قالتها ســاندرا ضاحكة بسعادة بالغة ..فأخيرا خضع والدها لتلبية طلبها ...بينما راح حازم يتكلم بدهشة كبيرة:
-هو كان رافض ؟؟
تنحنحت ساندرا وتراجعت في قولها:
-لا مكانش رافض ..أنا مقولتش إنه رافض !
-بس أنتِ بتقولي إنك مش مصدقة !!
-أيوة من الفرحة يعني يا حازم ..مالك في ايه هتقلبها نكد ليه ؟

تنهد حازم طويلا وأضاف:
-لا يا حبيبتي مش هقلبها نكد ولا حاجة ..قوليلي بقى على الميعاد عشان أحضر نفسي.
أجابت بارتياح:
-الخميس الجاي إن شاء الله ..
حازم بجدية:
-على خيرة الله ..

ركض كل من فالبيت على إثر ذلك الصوت، صوت ارتطام شيء ما من أعلى الدرج، ليركض "أدهــم" في المقدمة ويتفاجئ بـ "تمــارا" التي سقطت صارخة بشدة ،ركض نحوها في سرعة وراح ينحني لها قائلاً:
-إيه اللي حصل ؟ أنتِ كويسة ؟؟
بكت تمارا بصمت وهي تمسك رجلها ودموعها آخذة في ازدياد ..لتقول چيهان بحزن:
-لا حول ولا قوة إلا بالله إيه يا بنتي اللي حصل وقعتي إزاي ؟

فأجابت تمارا من بين بكاؤها:
-مش عارفة أنا كنت نازلة وفجأة رجلي اتكعبلت يا طنط ...
بينما تقدمت "ملك" منها ومدت لها يدها قائلة:
-طب قومي اسندي عليا ..
نظرت لها تمارا باحتقار ولم ترد عليها بل أمسكت بقدمها التي تؤلمها قائلة بخفوت:
-مش هقدر أدوس عليها ..

فَهم أدهم مقصدها ..فنظر لها بغيظ واحتقان ..بينما كانت كلمة والدته الحاسمة حين قالت:
-طب شيلها معلش يا أدهم وصلها لأوضتها على ما أتصل أنا بالدكتور ..
زفر أدهم زفرة قصيرة وراح يحملها على مضض ،ليصعد بها إلى غرفتها واتبعته ملك التي كانت تشتعل غيرةً !
وضعها بعد ثوان على فراشها لكنها تعلقت بعنقه قائلة بنعومة:
-أرجوك خليك جنبي مش تمشي قبل ما يجي الدكتور ..

استقام أدهـم واقفا وقال متجاهلا حديثها بتوتر:
-أنا عندي شغل مش فاضي !!
خرج من الغرفة على عجالة... وراحت ملك تنظر لها بحدة صارخة... وفي وليجة نفسها يدور ألف حديث ...وألف خوف مما هو آتِ !
في خاطرها تخشى أن تستحوذ تلك على زوجها ..ذاك الذي تحبه بشدة ..وأن يكون من نصيبها هي !
-بليز أخرجي برا عاوزة ارتاح ..!

هكذا أخرجتها من شرودها ..فضحكت ملك بسخرية كبيرة مع قولها:
-تصدقي إنك متستاهليش أي حاجة كويسة ..حتى المساعدة المفروض نكون عارفين نساعد مين بالظبط لأن فيه ناس متستحقش المساعدة !
-أنا مش أي حد يساعدني يا شاطرة ...أنا تمارا ...عارفة يعني إيه ؟!!
هزت رأسها محيبة عليها
-اه عارفة طبعا ...يعني واحدة قليلة الذوق ..خطافة رجالة ..مش محترمة خالص ..بتحلم إن جوزي يحبها !

تغضن جبين تمارا وكزت شفتيها بعنف ..بينما تهتف باقتضاب:
-أنتِ كدا بتلعبي معايا في عداد عمرك يا اسمك إيه وأنا مش برحم اللي بيلعب معايا ..لأني لازم أكون الكسبانة..
ملك بتهكم:
-بس ممكن تيجي صدفة وتخسري ..والصدفة دي شكلها هتكون من نصيبي أنا ..
تمارا بثقة:
-صدقيني هيحبني ..ودا وعد مني !

ملك بغضب شديد:
-أنا عاوزة أتفرج ..خليني أشوف بعيني ! وهاتي اللي عندك يا ...يا تمارا الجزار !!
ختمت جملتها بضحكة استفزتها ...وبرحت الغرفة ذاهبة إلى غرفتها ...
وهي في حالة رعب شديدة ..لا تعلم ما هذا الشعور المخيف ..هل من الممكن أن يحبها أدهم ..ويتركها هي ؟!
أو تأخذ جزءا من قلبه ؟!!
جلست على أقرب مقعد قابلها وبكت بقوة وهي تشعر بالألم ينهش قلبها ...

بعد مرور الوقت ..
تفاجئ بوجودها أمامه في المكتب دون سابق إنذار!
عقد حاجبيه ونهض في اندهاش شديد وهو يناظرها قائلاً بحزم هادئ:
-ملـك ؟! إيه اللي جابك الشركة ؟؟
انهمرت عبرات ساخنة من عينيها الجريحتين كما ارتجفت شفتيها بلا مقدمة ..
فأسرع "أدهـم" إليها بتلهفٍ وراح يحتضن وجهها بين كفيه متسائلاً بفؤاد قلق للغاية:
-إيه يا حبيبي مالك حصل إيه ؟, احكيلي يا ملوكة؟!

-تمـارا !
نطقت من بين بكاؤها المرير ثم تعالت شهقاتها ..فيما تجهمت قسمات وجه أدهم وقال محتدًا:
-عملت إيه ؟!
صاحت ونيران الغيرة تشتعل بصوتها المُتألم:
-الهانم بتوعدني إنها تخليك تحبها وبتتحداني بمنتهى الوقاحة ..لا وواثقة أوي من كلامها !
-طب إهدي إهدي يا ملوكة ..
قالها وراح يمسح دمعها عن وجنتيها والابتسامة تملىء شفتيه ....
ثم ضحك بخفوت وهو يضمها إليه ببساطة ..لتقول هي بحنق:
-بتضحك على إيه ؟؟

ضمها إليه أكثر مع إجابته:
-بضحك عشان مبسوط ..لما بحس بغيرتك عليّا بحس بغلاوتي عندك ⁦..
ثم رفع كفيها إلى شفتيه وقبلهما بشغفٍ...ليقول صادقا:
-لا تمارا ولا غيرها يملوا عيني يا لوكا... وأضاف باسما:
-بحبـك.

أنهت ميـرال مُكالمتها مع "علي" بسعادة جلية ..حيث أخبرته عن موافقة والدها ..وما لبثت أن سمعت صوت ارتطام شيء ما.. يليه صرخة مدوية !!
ركضت خارج غرفتها إلى غرفة والدتها ..دخلت ورمقتها بنظرة ذاهلة!
المرآة خاصتها تهشمت .. العبرات الحارقة غرقت وجهها ذو الملامح الأليمة ..
جالسة على الفراش تبكي بقهر ..ثم رفعت رأسها إليها وراحت تهتف بحرقة:
-ليه اتجوز عليا .. ليه ؟!

قصرت في إيه ؟! مش مالية عينه ؟ نكدية ؟ عملت له ايه ؟
ميرال بتوتر شديد:
-هـ هو مين دا يا ماما ؟
صاحت متألمة:
-أبوكِ ! أبوكِ يا ميرال !!
-عرفتي منين ؟
أخبرتها بحزن كبير:
-مراته لسة قافلة معايا دلوقتي ..وقالتلي على كل حاجة حصلت ..وأنتي بتضحكي عليا يا ميرال ؟ بتسأليني وكأنك متعرفيش ؟؟ ليه خبيتي عليا ليه ؟؟ سبتيني على عمايا ليييه!!

أسرعت ميـرال تعانق والدتها وربتت على رأسها بحنو:
-حبيبتي صدقيني خفت على زعلك ...وهو بابي وعدني يعرفك باللي حصل ..أنا آسفة يا مامي عشان خاطري متزعليش مني ..
حركت رأسها سلبا وهي في حالة صدمة مسيطرة عليها ..ثم نهضت بعنف إلى دولابها الخاص وأخذت تلملم كل أشيائها في عجالة ..وقفت ميرال في صدمة وخوف:
-بتعملي إيه يا ماما ؟ .. أنتِ هتسيبي البيت ؟

-أنا ماليش مكان هنا .. سيباله الدنيا باللي فيها ..
-لا يا ماما بليز بالله عليكي أنا ماليش غيرك !!
لم تصغ لها والدتها وأكملت ما تفعله ..حيث أنها جريحة ..جرحها زوجها ولم يكترث بمشاعرها ..لم يُقدر شخصها ..لم يحترم سنوات عمرها التي قضتها معه حلوة كانت أو مُرة ..

وعن كرامتها فهي أغلى ما تملك ..لن تدعه يدهس عليها ..لذا تحركت خارج الغرفة وهي تحمل حقيبة ملابسها ..وركضت ميرال خلفها متوسلة:
-لا يا ماما عشان خاطري ..طب خديني معاكي أبوس ايدك متسبنيش لوحدي ..
توقف چيهان عن السير والتفتت لها قائلة من بين دموعها الأليمة:
-تعالي ...
أسرعت ميرال إلى غرفتها وهي تقول على عجل:
-هحضر هدومي بسرعة ..

وبعد قليل ..كانتا قد توجهتا إلى خارج القصر ..فاصطفت سيـارة أدهم أمامهما فترجل منها بصحبة ملك في سرعة ..
راح أدهم يسألها بقلق:
-إيه يا ماما في إيه ورايحين فين كدا ؟! في إيه يا ميرال ؟!
-سايبين البيت !
أخبرته ميرال بينما يسأل بعدم فهم:
،-ليه اتكلمي حصل إيييه ؟!
-بابا متجوز على ماما !
صُدم فقال بغضب:
-متجوز !

-مشوني من هنا أنا حاسة إني بتخنق !
-هتروحي فين يا ماما بس إهدي !
أهدى إزاي أنت عاوزني أقعد هنا بعد اللي حصل يا أدهم؟؟
أدهم نافيا:
-لا يا حبيبتي ..
بينما قالت ملك بحماس:
-أدهم تعالى نروح شقتنا وناخد طنط وميرال معانا. .
وافقها أدهم الرأي قائلاً:
-تمام يلا يا ماما ..
وركبوا جميعهم السيارة وانطلقت بهم إلى وجهتها .....

تحاملت على نفسي ..
كثيراً..
لأنكَ رجُلي ..
عاهدتني ..
وبعد العمر !
أين العهد ..والوعد ..؟!
فـ لمن يهوى القلب؟
للكرامة أم خائن العهد؟
مهلا كرامتي ..ستكون بيني وبينك السدّ ..

مساءً...
استطاعت ملك أن تُخرج السيدة چيهان ولو قليلا من حالتها النفسية السيئة ..حيث قامت بالترحيب بها في بيتها على أكمل وجه ...فشعرت چيهان بالارتياح تجاهها وكذلك ميرال ...وقضوا يوما عائليا دافئا رغم حزن چيهان الساكن بقلبها...
قالت چيهان بامتنان:
-ربنا يكرمك يا ملك .. أنتِ طلعتي طيبة جدا.

ملك بمرح:
-على فكرة دي شهادة من حضرتك أعتز بها ..
بينما قالت ميرال مبتسمة:
-لا فعلا أنتِ جميلة جدا يا ملك ..
-ربنا يخليك يا حبيبتي.
ضمها أدهم الجالس جوارها وقبل جبينها قائلا:
-عشان تعذروني يوم ما صممت أكمل حياتي معاها.

طرقات قوية على الباب ..
أسرع أدهم ليفتح وإذا بوالده يدخل بشراسة ..
ويصرخ بزوجته قائلا:
-إيه لعب العيال دا ؟إزاي تسيبي بيتك يا هانم ؟!
هبت واقفة بجنون:
-أنت جاي تزعقلي بعد اللي عملته ؟! صحيح يا عينك يا جبايرك يا أخي ! أنت مش مكسوف ؟؟
هو بغضب:
-أنا معملتش حاجة غلط ..أنا اتجوزت وأظن دا حقي ؟!

ضحكت ساخرة ..كالخاسرة ..كل شيء:
-والله عشنا وشفنا ...حقك دا لما أكون أنا مش قايمة بكل واجباتي ! ساعتها ابقى قول حقك ..ثم انك انسان ملاوع أوي وكنت بتلعب ببنات الناس منتاش يعني دخلت البيت من بابه ..البنت حكتلي على كل حاجة ..وبصراحة بقى أنا مش مغلطاها لأنك إنسان بشع وكذاب وأناني....
وهُنا .. نفد صبره فكاد يصفعها ..لولا يد أدهم التي تدخلت في الوقت المناسب ومنعته...وهو يقول بانزعاج:
-لا يا بابا ..بعد اذنك أمي مش هتضرب في السن دا ..لو سمحت !

توهجت عينيه بشرر غاضب وراح يهتف:
-ااااه دا انت بقى انضميت معاها وهتقسيها عليا !!
-لا يا بابا أنا واقف ساكت أهو ومعملتش حاجة ومتدخلتش .. لكن مش ممكن هقف اتفرج وأنت بتضربها !
تراجع شوقي للخلف وهو يلهث بعنف ..يشعر بالخسارة تحوم حوله ..لا يعلم هل من غفران لدى زوجته أم هذا هو آخر المطاف بينهما ؟!
-روحي معايا وكل حاجة هتتحل وهطلقها ..

هكذا قال بيأس ..لترد بقوة:
-أنت هتطلقني أنا مش هي ..سيبني لحالي وشوف حالك ..وصدقني مسامحاك ..
-هسيبك تهدي ولينا كلام تاني مع بعض !
قال جملته الأخيرة وبرح المكان فورًا عازما على الذهاب إلى الأخرى والانتقام منها كما يجب ..
سيريها كيف تفعل فعلتها الحمقاء تلك!...

والأخرى كانت منطلقة على الطريق .. تركض وكأنها تسابق الزمن ..وكُل آمالها أن تصل الصعيد إلى أهلها ومسكنها ..بعيدا عن ذُل هذا الرجل ..ستبتعد عنه الأميال ..كي تحظى بحياة غير تلك ..تلك الحياة التي تحت سيطرته القاسية !
نار والدها أرحمُ من حياة تشطر قلبها معه!
يتبع..


رواية لمن يهوى القلب الجزء الأول الحلقة التاسعة بقلم فاطمة حمدي



بعد مرور ستة أشهر
ذرفت عبرات ساخنة تكاد تحرق روحها ..وصرخت صرخات مكتومة كي لا يشعر بها أحد ..وباتت في عتمة شديدة لم تر فيها أي بصيص للنور .. هل الدنيا متقلبة بهذه السرعة؟
ولا يدوم حال أحد ...لقد تبدل حالها من سيء لأسوء !!
وهي التي كانت تخشى هذا اليوم ..الذي تجد وجودها مهمش ..وتتنحى لتأتي الأخرى تتربع في مكانتها ..

ذهبت إلى شرفة غرفتها ووقفت تبكي وحيدة ككل ليلة ..تتذكر إهانته يوميا ..نظراته التي تميت كل شيء داخلها ..ازدراءه منها ..نفوره ...
هل أصبحت شيئا يبغضه بقوة ؟ هل محى الحب من قلبه لها ؟
واستطاعت "تمــــارا" أخذ حبيبها منها بمنتهى السهولة ...فلمَ هي مازالت تنتظر هنا ؟!
لمَ لم ترحل تاركة خلفها كل شيء ...ألم يعدها بأن الجحيم سيكون حياتها معه ...ولا مجال للحب بينها مرة أخرى!!!!


راحت تلكمُ قلبها بقبضة يدها وهي تتنهد بألم قاسي جدا على نفسها ..ثم ترفع وجهها إلى السماء قائلة:
-ياااه يا أدهم ..معقولة كرهتني ..مبقتش حتى طايق تبص في وشي ..
أصدرت شهقة عنيفه وأستكملت بارتجافة:
-بس أنا السبب ...أنا اللي ضيعتك من إيدي ...ومش هقدر أمشي وأخسرك للأبد ..مش هقدر يا أدهم ..


كان يقف في الشرفة وملامحه متجهمة للغاية ..يزفر أنفاسه بعنف وغيظ في آن ..

أتت هي من خلفه تسير على أطراف أصابعها ..شبت قليلاً كي تتمكن من احتضان ظهره ..أراحت رأسها على ظهره ..تكلمت برقة كعادتها:
-أنا أسفة يا علي ..
شعر أن كل خلاياه تنهار من قربها ورقتها ورائحتها التي تصيبه بجنون ..
لم يلتفت لها ...حيث أنه غاضب الآن ..
إنما قال بعتاب:
-ممكن تبعدي عني دلوقتي يا ميرال ..ابعدي بقى ..


زفرت زفرة قصيرة وابتعدت قليلا قائلة بتذمر:
-طيب يا علي ..خليني أموت بقى وأخلص من حياتي دي ...
أنهت الجملة واندفعت خارجه من الشرفة إلى السرير وارتمت تبكي بنعومة شديدة ..
ويندفع خلفها ضاحكا متناسيا غضبه منها ..حبيبته المدللة التي يطيب العيش بها ..
حبيبته الصغيرة كإبنته ..
الجميلة كحوريته ..


تستخدم دائما معه اسلوب الضغط هذا ،تتدلل وتجعله هو المخطئ في النهاية ..تعلم أنه لا يريد ابقائها حزينة ولن يتركها حزينة مهما حدث ..
-ودا إيه دا إن شاء الله؟ أنا اللي زعلان منك مش أنتِ !!
هكذا قال وهو يجلس جوارها بهدوء ،فاعتدلت في جلستها واقتربت تلتصق به قائلة بعفوية:
-ما أنا من الصبح بحايل فيك ..وأنت مش راضي ..أنت قاسي جدا ..
قهقه ضاحكا وضمها إليه بحب قائلا:
-أنت قلبك قاسي أوي أوي ..

لحن جملته بمشاكسة فجعلها تضحك بسعادة وهي تتشبث به قائلة:
-رخم يا علي ...
-كمان رخم بعد كل دا ؟ ،إيه الافترا دا يا قلب علي ؟
ضحكت مجددا وهي تقول:
-يا علي مش بيبقى قصدي أزعلك صدقني ...بس ...
قاطعها هادئا:
-بس بتحبي الشوكلاتة أكتر من علي وتقدري تزعلي علي بس الشوكلاتة لا تزعل إزاي !


يولع علي بقى ما هو هيزعل شوية وبعدين هيسلم نمر أول ما يشوفني ببكي عشان هو بيموت فيا وأنا بقى هتعب شوية بس مش مشكلة هخف تاني المهم إني رضيت نفسي المجرمة دي ودوقتها الشوكلاتة صح يا قلبي ؟ مش دا السيناريو اللي في دماغك الحلوة دي !

دفنت وجهها في كتفه ..وضحكت بخفوت ..هو يفهمها أكثر من نفسها ...ويحبها بشدة ..يدللها كثيرا ..يخشى عليها بقوة ..
وهي تقدر كل ذلك وتبادله الحب بالحب، لكن نفسها تقودها إلى أكثر شيء تعشقه بشدة" الشوكولا".. رغم مرضها الذي يهدد حياتها بين الحين والآخر ورغم تعليمات الطبيب و"علي" !

لكن ماذا تفعل حين تشتهي أكلها ؟!
-بحبها يا علي طب أعمل إيه ؟
علي بتفهم:
-قلنا حتة صغيرة من نفسك لكن مش كتير وتكوني معرفاني مش من ورايا ..ودا آخر تحذير ليكي بعد كدا هقلب على الوش التاني تمام ؟
ابتسمت له ابتسامة صافية:
-تمام ... ممكن بقى تصالحني ؟
-أنا ؟
-أيوة !


-بس أنتِ اللي مزعلاني مش أنا يعني المفروض أنتِ اللي تصالحيني ..
ولم تتردد ميرال في أن تقبل وجنته برفق وتعتذر بنفس خالصة مع قولها:
-آسفة يا أجمل "علي" في الدنيا كلها ...

ابتسم وراح يقبل جبينها بحنو مردفا:
-بحبك والله ... وماعنديش استعداد أعيش من غيرك ممكن أموت فيها ..
وضعت يدها على فمه قائلة:
-بعد الشر عنك يا حبيبي ..
وجد باب الغرفة بعد ذلك يُفتح على مصراعيه دون سابق إنذار..فنظر إلى شقيقته بغضب ونهض قائلا:
-إيه دا يا چنا؟ إزاي تفتحي كدا بدون ما تخبطي ؟ أنتِ اتجننتِ؟؟

چنا بتأفف ولا اكتراث:؛
-عادي يعني هو أنا فتحت إيه يعني ؟ ولا أنت بقى يا علي معتبرني غريبة في بيتك ؟؟
علي وقد اتجه ناحيتها هاتفا بغضب:
-چنااا إيه الأسلوب دا ؟؟
أسرعت ميـرال تهدئه قائلة:
-خلاص يا علي حصل خير .. هي يعني عملت إيه مافيش مشكلة يا علي ..
بينما ترد چنا بغضب:
-والله ماحدش قالك تدخلي بينا مالكيش دعوة!!
لا أنتِ كدا قليلة الأدب يا چنا بجد !

هكذا قال بغضب وهو يقبض على ذراعها بعنف.. فتألمت من قبضته لكنها ردت بتمرد:
-أنا مش قليلة أدب هي إيه اللي يدخلها بينا وبتتكلم ليه !
-بت أنتِ مجنونة ؟؟ في إيه لمي نفسك بقى !
دخلت والدته في هذه الأثناء قائلة بقلق:
-إيه اللي حصل في إيه يا علي ؟!
فأجابت چنا بحدة:
-علي يا ماما بهدلني عشان خاطر مراته ..ومش طايق إني أدخل أوضته !!

زفر علي بحدة عارمة ولم يتحرر من صمته وهو يناظر شقيقته فقط ..
فأخذتها الأم وخرجت من الغرفة معتذرة لـ علي وميـرال ..فأغلق علي الباب مجدداً وعاد يجلس بصحبتها ... بينما قالت ميرال وهي تمط شفتيها:
-هي ليه چنا دايما عصبية كدا يا علي ؟ وبحس إنها مش طيقاني خالص !
-عادي متحطيش في بالك هي بس نفسيتها مش متظبطة من يوم وفاة بابا ..
هزت ميرال رأسها بتفهم مع قولها:
-أنا حسيت بدا فعلا ...بس أنا بحبها وبحاول أصاحبها وهي بترفض ..

ابتسم وقال:
-هتبقى كويسة معاكي متشعليش بالك ..المهم إنك متزعليش منها ..
-لأ مش زعلانة والله يا علي.
تابع علي وقال:
-كمان مش عاوزك تضايقي إنهم عايشين معانا الفترة دي حقك عليا ..
ميرال بعتاب:
-عيب والله يا علي دا بيتهم وبيتك يا علي دول على راسي والله ..
راح يقبل جبينها بحب:
-ربنا يبارك فيكِ يا ست البنات...

وفي الخارج قالت والدتها برفق:
-چنا يا حبيبتي التصرفات بتاعتك دي غلط جدا وكدا أخوكي هيزعل مننا كفاية إننا قاعدين عنده وهو شايلنا على راسه ..
فردت چنا بضيق:
-هو لما بيتنا اتحرق كان المفروض نقعد عند مين في أزمتنا ؟ مش لازم أخويا اللي ملناش غيره ؟ فليه بقى محسساني إن له فضل كبير علينا !
-لا إله إلا الله.. يا حبيبتي أخوكي متكلمش وعمره ما حسسنا بكدا وليه أنتِ مصممة تبوظي الدنيا ؟

صاحت بدورها:
-أنا مصممة أبوظ الدنيا ؟ طبعا ما هو إبنك اللي أنتِ بتخافي عليه أكتر مني وبتفضليه عليا ..
والدتها (سميرة) بعتاب:
-أنا يا چنا بعمل كدا ؟ على العموم مش هتكلم عشان إحنا مش في بيتنا ومينفعش صوتنا يعلى ونزعج الناس !
نهضت چنا وتركتها داخلة إلى الغرفة ..
ثم راحت تطل من نافذة الغرفة وانطلقت دموعها المحتجزة داخل عينيها الحزنتين دائما ...لا تعرف لما تكره ميرال بهذه الطريقة منذ الوهلة الأولى ؟!
هل هي ذات قلب قاسي للحد الذي يجعلها تبغض الذي أمامها ؟!

أم أن ميرال إنسانة لا تروق لها فقط ..؟!
أم أنها تقارن نفسها بها دائما فتشعر أنها المتفوقة عليها في كل شيء؟!
ربما جمال ميرال الآخاذ ؟ عمرها الصغير ...حب علي لها ..مستواها الاجتماعي ..دلالها... كل شيء... كل شيء عكسها ..هي على النقيض تماما من ميرال ..ولذلك هي ثقيلة جدا على نفسها ...
نفسها ؟!

تشعر كمن يعيش بلا معنى ..لقد تزوجن جميع الفتيات وهي تخطى عمرها التسع وعشرون عام ...لا يوجد أحد قد نظر لها نظرة اعجاب واحدة ..أو تقدم لخطبتها ..أو شعرت ذات يوم أن آخر يرغب بها .. تود في تكوين أسرة مفعمة بالحب والعطاء..
تود في حياة بصحبة شريك حنون يحتويها فلا يجعلها تشعر بما تشعر الآن ..فيغنيها بحبه عن العالم أجمع ..

ومنذ مات والدها ..تشعر بأنها فقدت انسانيتها .. فقدت كل جميل بها وحولها ..كان والدها يشكل لها حياة ..أمان .. حاول "علي" بشتى الطرق أن لا يجعلها تشعر بما تشعر... لكنها ترفض وتصم أذنيها..
ظلت تبكي بكاءً متواصلا إلى أن شعرت بالارهاق التام ..فما كان منها إلا أن توجهت إلى سريرها واستلقت لتغط في نوم عميق...

صبيحة يوم جديد ...
خرجت ملك من غرفتها في حرج .. شديد وقررت اليوم وبشجاعة بعد عدة أيام أن تتناول وجبة الإفطار معهم في الأسفل ...
توجهت إلى المائدة فوجدت السيدة چيهان تقوم برصها فحاولت أن تساعدها قائلة:
-ممكن أساعد حضرتك ؟
نظرت لها مطولا ثم أخبرتها وهي تربت على ذراعها:
-أيوة يا حبيبتي.. كويس إنك هتفطري معانا النهاردة ..

ملك وقلبها ينبض بوجل:
-أنا خايفة أدهم يضايق من وجودي ويقلب عليا ..
حركت چيهان رأسها نافية وأخبرتها باطمئنان:
-لا يا حبيبتي متخافيش أنا معاكي ..
قالت ملك بامتنان:
-شكرا. لحضرتك ربنا يجازيكي خير ..

منحتها چيهان ابتسامة وأكملت ما تفعله ..وبعد قليل كانت تنزل (تمـارا) الدرج وهي تضع يدها على بطنها المنتفخ قليلا ...وتبتسم باستفزاز كعادتها حين وجدت ملك ..
تغنجت في خطواتها حتى وصلت إلى الطاولة قائلة بصوت مائل للميوعة::
-صباح الخير يا أنطي ..
ردت چيهان بإيجاز:
-صباح الخير يا تمارا ... فين أدهم ؟

قالت:
-حبيبي نازل ورايا أهو ..أصلنا كنا سهرانين طول الليل ..
وراحت تختم جملتها بضحكة خافتة ..استفزت ملك لأبعد حد ..كادت تبكي قهرا ..لقد انتصرت تمارا عليها وببراعة ..ونفذت وعدها بأن تجعل أدهم يحبها ..وها هو ..يتعامل وكأنها كل حياته ..وهي كأنها لم تكن يوما في حياته !
أتى (أدهم) بعد ذلك متجهاً إلى المائدة وانضم إليهن بعد أن ألقى نظرة نارية على "ملك" كانت كفيلة بإيصال الرعب داخلها منه ..لقد أصبح قاسياً جدا معها ..هذا ليس هو بالتأكيد ..ليس حبيبها !!

وجدته يُقبٌل رأس تمارا ويمنحها ابتسامة خاصة تشبه تماما الابتسامة التي كانت تخصها يوما ...
ويطعمها بيده كما تطعمه تمارا أيضاً... وكأنه يتعمد جرحها ...كما جرحته !!
-حبيبي تحب أعملك إيه على الغدا النهاردة؟ ..
سألته تمارا فأجاب مبتسما:
-اللي تعمليه بس بلاش أكل محروق الله يخليكي !
ضحكت قائلة:
-يا قلبي خلاص اتعلمت ..متقلقش خالص من الموضوع دا ..

-إذا كان كدا ماشي ..
بينما قالت السيدة چيهان باهتمام:
-مش بتاكلي ليه يا ملك ؟
حركت ملك رأسها نافية وهي تحبس عبراتها بالكاد مع قولها:
-ماليش نفس ..
ثم نهضت وقد انفجرت دموعها المحتجزة ولم تعد قادرة على احتجازها أكثر من ذلك ..ودّ أدهم لو يركض خلفها ...فيخبرها أن جُرحه من جُرحها ..لكنه يأبى ذلك ..هي من فعلت وصنعت تلك الفجوة بينهما فلتتحمل عقباها وحدها ....
وحدها ؟!!!!

هو يتألم ..يموت كل ليلة جراء ما فعلت ..فجأة خسر هو وهي وكانت المنتصرة "تمارا الجزار "!
-أدهم !
كانت والدته الناطقة بإسمه ..لينظر لها ويقول بهدوء:
-نعم يا ماما ؟
فقالت بعتاب:
-كفاية كدا على ملك يا أدهم عشان خاطري..متكسرش بخاطرها وراضيها ..

ابتسم متهكما مع قوله:
-أراضيها ؟ ...ملك ملهاش خاطر عندي يا أمي ...وقلت لها بدل المرة عشرة هطلقك وهي اللي قاعدة بمزاجها أنا خلاص مبقتش طايق أشوفها حتى !
-مش للدرجة يا أدهم ..
-للدرجة يا أمي ومن فضلك مش عاوز كلام في الموضوع دا بعد كدا تاني ..
نهض ما إن أنهى جملته ذاهبا إلى عمله ..فنهضت تمارا خلفه كما تفعل في الأونة الأخيرة قائلة بدلال:
-أدهومي ..

رد باتزان:
-خير يا تمارا ..
لفت يديها حول عنقه عندما علمت أن ملك تقف في الأعلى حيث شرفة غرفتها تتابعهما بعينيها المذبوحتين....
ثم قالت:
-حبيبي النهاردة عاوزة أروح أزور ساندرا مع مامي ..ممكن ؟
أومأ برأسه موافقا وقال بهدوء:
-ماشي يا تمارا ..ادخلي يلا وخلي بالك من نفسك ومن البيبي ..

التفتت تمارا وراحت ترفع عيناها إلى الأعلى وتبتسم تحاول كيّدها ...وولجت إلى الداخل ..بينما رفع أدهم عينيه الجامدتين يرمقها بنظرة لا يفهمها إلا هي ..وهو ...تحمل الكثير والكثير..ما بين العتاب والاشتياق والحب والغيظ ...
مشاعر عدة أرسلها لها في نظرة واحدة ..من طعنته عمداً مازال القلب يعشقها ..وبكل قوة ..
يتذكر جملته التي ألقاها عليها منذ فترة كبيرة .."لا تمارا ولا غيرها يملوا عيني" ..

وقد كان ..لكن الحياة قلبت الموازين لتجعله مقيد مع تمارا ...لا يستطيع الرجوع بقلبه إلى ملك ..حبيبته الأولى ...والأخيرة!
وما كان منه إلا أن استدار ماشيا بصمت مؤلم حيث مقر عمله ..وعادت ملك إلى غرفتها بقهر مميت لم تشعر بمثله قط ..
لكنها تعاتب نفسها أولا وتحاسب نفسها على ما فعلت ..لقد كانت مخطئة ...وجرحته تعلم ذلك ..فهل من غفران ؟!

يا من لقلبي سلطان ..
ولونت حياتي بأجمل الألوان ..
عد لي وكن كما كنت الأمان ..
واسقني كما كنت تفعل بالحنان ..
فلا تهجرني وقدم لي النسيان ..

ماذا ؟!
هل ما رآه صحيح ..تمارا ها هي أمامه بالدليل ..تضعه أمامه وتبتسم بانتصار شديد ...
ملك ؟!
حرك حينها رأسه بعنف وهو يسألها باقتضاب:
-إيه دا ؟! أنتِ بتستهبلي كمان بتتبلي على ملك ؟!
ضحكت تمارا بتهكم مخبرة إياه:
-لا مش بتبلى عليها ..روح واسألها وأنت هتعرف ..أنا دخلت أوضتها وهي مش موجودة وقلبتها كلها ولقيت شريط حبوب منع الحمل دا ..مراتك اللي أنت بتحبها أوي دي يا بيبي مش عاوزة تخلف منك ..وبتاخد منع الحمل ... شوفت بجاحة كدا يا أدهومي ؟!

نظر إلى هذا الشريط الملعون الذي بيده وتساءل في قرارة نفسه لمَ ؟!
لمَ لا تريد منه الإنجاب ولم تخبئ عنه هذا الأمر ؟! أليس أحق بالمعرفة ؟؟..
لم يكن يعي شيء في هذه اللحظة إلا أن يسألها هذا السؤال ..ولم ينتظر أكثر حيث اندفع إلى غرفتها ودلف كالمجنون ..
كانت جالسة على الفراش تتابع شاشة التلفزيون.. فراح يجرها إليه من ذراعها فنظرت له بفزع ولم تكد تتكلم حيث رفع الشريط أمامها بيد ترتجف من شدة غضبه مع قوله الغاضب:
-دا بتاعك ؟؟؟

حملقت به بصمت رهيب ...شعرت أن قدميها لم تعد تحملانها... الدماء وكأنها هربت من عروقها وأنفاسها تسارعت وتصارعت من شدة خوفها ..
وكان يتابعها بعينين متوسلتين رغم غضبه الجلي ..يتمنى أن تنطق بـ "لا" ..فقط ..أن تكون خدعة من تمارا ..وهي تريد الإنجاب منه ..ولكن كانت الخيبة حين قالت ....
-أيوة ...
فقط ونكست رأسها في خزي ...وبمنتهى الهدوء سألها :
-ليه؟
لم تستطع الرد ...ماذا تقول الآن ؟!
فأخذ يهزها بعنف مع استطراده:
-ردي !

تحررت من صمتها ويا ليتها ظلت صامتة ....
-عشان كنت عايشة معاك وأنا خايفة يا أدهم ...
نظر لها بذهول ؟!! ماذا ؟!!
هذا يعني أنه لا يمثل لها أمان ؟؟؟ ،ولتلك الدرجة ؟! لا تريد منه أولاد ...وهو الذي صبر عامين وهي تخدعه بمنتهى البساطة ..تزعم أنها تُعالج لدى طبيبة خاصة !!!!!!
هل تلعب بمشاعره ؟! ..ليس لها أي مبرر ... خادعة كاذبة ..وقاسية !!!
-خايفة يا ملك ؟

سألها بضياع وحاجباه معقودان بشدة ...لترد بتبرير:
-كنت خايفة من باباك وكانت حياتنا مش مستقرة يا أدهم صدقني أنا اختارت الأنسب لينا صدقني ..
-والعلاج ؟ والدكتورة ؟ والصبر ؟ كل دا كذب ؟! بتكذبي عليا ؟! لدرجة دي يا ملك أنا طلعت مغفل !؟؟
حاولت أن تتحدث مرة أخرى ..توسلت أن يسمعها لكنه استدار وأولاها ظهره ممتنعا عن النظر إلى عينيها الكاذبتين ...

لتقول ببكاء:
-أنا كنت هقولك ..أدهم اسمعني ..
ليلتفت فجأة ..ويصفعها بقسوة ..ثم يهتف بألم شديد:
-مش عاوز أسمع منك حاجة أنت طعنتيني...
يتبع..


رواية لمن يهوى القلب الجزء الأول الفصل العاشر بقلم فاطمة حمدي



ترجلت السيدة "سهيــر" بصحبة "تمـارا" من السيارة الخاصة في حي شعبي متهالك ..وقد كانت زيارة مفاجئة لـ "ساندرا" في بيتها الجديد بصحبة حــازم ...
تأففت السيدة سهير وهي تتلفت يمنى ويسرى تتابع المارة ..وكذلك تمارا التي اقتربت تهمس لها:
-ياي يا مامي ! معقول ساندرا قدرت تعيش هنا !

والدتها بحدة:
-لا لا مش قادرة أصدق ..أنا كنت رافضة أزورها المدة اللي فاتت دي كلها عشان المنظر دا ..
ثم صمتت قليلاً وتابعت:
-بس متخيلتش القذارة دي أبدا !
تمارا متنهدة:
-طب يلا يا مامي نطلع نزورها قبل ما يغم علينا ...


تا معا إلى داخل البناية المتهالكة تلك صعدتا درجات السلم وتوجهتا إلى باب الشقة ...
طرقت تمارا الباب بذهول من أمر شقيقتها ..لا تصدق أن شقيقتها ساندرا تعيش بهذه الشقة الغريبة !!!
ماذا فعلت بنفسها ؟؟
-شكل مافيش حد جوة يا مامي أنتِ متأكدة إن هي دي الشقة ؟؟
-أيوة يا تمارا خبطي تاني...


بعد دقائق فُتح الباب ..لكن كانت الدنيا ظلام فلم تران من الذي قام بفتحه ....
فرك "حـازم" عينيه الناعستين وهي ينظر إليهما قبيل أن يقول بصوته المبحوح:
-اتفضلوا ..
أفسح لهما الطريق وتوجه إلى نافذة الصالون ليفتحها ويدخل ضوء الشمس منتشرا في المكان ..توجهتا تمارا ووالدتها إلى الداخل وجلستا بتأفف من هذا الوضع ..بينما قال حازم وهو يمسح على شعر رأسه:
-نورتي يا حاجة ..نورتي يا أستاذة تمارا ..

-حاجة !
-أستاذة !
قالتا في آن واحد بتعجب !, ثم تابعت سهيـر بضيق:
-ساندرا فين ؟!
فأجاب وهو يجلس قبالتهما بهدوء:
-راحت السوق مع أمي ...زمانها جاية ..
-سوق!


أردفت سهير باستهجان واستطردت:
-راحت السوق إزاي ؟ وأنت هنا بتعمل إيه ؟! وليه متجبوش حاجتكم من الماركت ؟؟
ضحك حازم متهكما:
-ماركت !؛ إحنا في حارة شعبية يا حاجة فيه هنا سوق وبس ..
هي وقد امتعض وجهها جراء كلمته الثقيلة "حاجة" ..ولم تستطع منع نفسها في أن ترد عليه بغضب:
-أنا مش حاجة ! أنا سهير هانم يا فندم !

تقوس فم حازم بابتسامة ساخرة وراح يضع ساقا فوق الأخرى قائلا ببرود:
-تمام يا هانم !
ثم أشعل لفافة تبغ من علبة السجائر الخاصة به ،ثم تفاجئ بـ "ساندرا" زوجته التي دخلت من الباب المفتوح وهي تحمل عدة حقائب بلاستيكية تحتوي على خضراوات ومستلزمات بيتها ...
وضعتهم أرضاً واندفعت تحتضن والدتها وشقيقتها باشتياق مع قولها:
-ماما وحشتيني أوووي أخيرا قررتي تزروني .. ابتعدت سهير عنها قليلا وجابتها بعينيها من أسفلها لأعلاها !!!


ما هذا ؟!!!
أهذه ساندرا ابنتها ؟ مؤكدا أنها تحلم ..
أين ذهبت ذات الأناقة الطاغية ؟!
فكانت ترتدي عباءة سمراء وطرحة سمراء أيضا ملفوفة حول وجهها بعناية ..
حملقت تمـارا بشقيقتها بعينين جاحظتين ..كيف سمحت لنفسها أن ترتدي عباءة ؟! بهذه الطريقة العشوائية ؟
يبدو أن الأيام بدلت شقيقتها وجعلتها امرأة شعبية بحتة ...

-تشربوا إيه ؟
هكذا سألتهما ساندرا بابتسامة سعيدة ،فأجابت والدتها كاظمة غيظها:
-لا مافيش داعي أبدا ..
نهض حازم في ذلك الوقت قائلا بصوت أجش:
-طيب يا ساندرا أنا هدخل أخد دش وهنزل عشان تبقوا على راحتكم ..
هزت ساندرا رأسها موافقة قائلة:
-ماشي يا حازم ..
جلست بعد ذلك مكانه قبالتهما ..لتقول تمارا بصدمة:
-ساندرا أنتِ بجد عايشة كدا إزاي ؟!


ساندرا بجدية تامة:
-كدا اللي هو إزاي ؟!
تمارا باشمئزاز:
-في المكان دا ومع البني آدم دا !
-لأ وكمان لبست لبسهم وبقت واحدة منهم !
أضافت والدتها هذه العبارة ،لترد سانــدرا بدورها بنبرة محتدمة:
-وإيه المشكلة يا ماما لما ألبس لبسهم وأبقى واحدة منهم ؟! دا جوزي ودا بيتي وخلاص أنا اتأقلمت مع حياتي الجديدة وراضية بيها جدا ..والبني آدم دا يا تمارا يبقى جوزي وأبو إبني اللي في بطني واللي اختارته بكامل إرادتي ..

تمارا بعدم اقتناع:
-عايزة تقوليلي إنك مبسوطة معاه ؟!
-أيوة طبعا !
بينما قالت سهير آمرة إياها:
-ساندرا أنتِ لازم تقوليله يجبلك شقة في مكان كويس ولو معوش احنا معانا .. أنتِ مش قليلة أنتِ بنت فاخر الجزار عارفة يعني إيه ؟؛ يعني اللي أنتِ فيه دا فضيحة للعائلة!
وأكدت تمارا على قولها قائلة:
-فضيحة كبيرة والله عيب اللي بيحصل دا يا ساندرا فكري كويس !


ساندرا وقد تملك منها الغضب فهتفت:
-بلاش أنتِ تتكلمي عن العيب يا تمارا ..العيب مش عندي وأنتي عارفة كدا كويس ..العيب دا حاجة بعيدة عن عيشتي البسيطة دي اللي أنا حباها ومن فضلك بلاش تدخلي أنا حرة !
نهضت تمارا قائلة بعنف:
-حاسبي على كلامك يا ساندرا ..تقصدي إيه ؟!

نهضت ساندرا قائلة بغضب مماثل:
-أقصد اللي فهمتيه يا تمارا ..بصي لنفسك وبعدين اتكلمي ..وبدل ما تنصحيني انصحي نفسك وكفاية بقى تسخروا من اللي أقل منكم !
-بنت!
صاحت والدتها بصرامة وتابعت:
-أنتِ إزاي تتكلمي كدا مع أختك ؟! تصدقي إحنا غلطانين إننا جينا ..دا حتى ميشرفناش وجودنا هنا ..يلا يا تمارا ..
همّت تمارا تنصرف معها ..نادت ساندرا عليهما وحاولت أن تعتذر لهما عن طريقة كلامها، هذه الزيارة الأولى لها وهما في بيتها وكان يجب عليها كبح غضبها مهما حدث...

لم تصغ كلا منهما إليها وبرحتا المكان فورًا، فجلست ساندرا تبكي بألم على ما حدث ..وقد عاتبت نفسها بشدة ..
خرج حـازم بعد قليل وهو يقوم بتجفيف شعره بواسطة المنشفة ..نظر لها ثم أسرع نحوها وهو يسألها بقلق:
-بتبكي ليه ؟!
فأجابته من بين دموعها:
-ماما وتمارا مشيوا وهما زعلانين مني .
-ليه؟

سألها مرة أخرى..فصمتت ولم تجد جوابا مناسبا لتجيب عليه ..
فحرك رأسه بتفهم وهو يقول:
-طبعا مش عاجبهم عيشتك ..مظبوط ؟
ظلت صامتة تبكي فقط ...فربت على كتفها قائلا بهدوء:
-طب خلاص ماتبكيش ..مافيش فايدة من دموعك يا ساندرا ..
ختم جملته بقبلة عابرة على وجنتها..ومن ثم استقام واقفاً قائلا باتزان:
-دا شيء أنا كنت متوقعه وأنتِ كمان فمتهتميش كتير ومتزعليش عشان خاطر ابننا اللي في بطنك ..

ثم راح يجذبها من يدها لتقف أمامه مباشرة وحاوط خصرها بذراعه هامسا بلُطف:
-ألا قوليلي دخلتي في التالت ولا لسة ؟!
احمر وجهها خجلاً وقالت وهي تمسح دموعها بحركة عفوية:
-النهاردة أول يوم ..
رفع يده برفق ..ثم نزع دبوس طرحتها ببطء فهبطت أرضا ..مسح على شعرها متابعا:
-بحبك والله ..

منحته ابتسامة دون كلام ..فقال بنظرة ذات معنى:
-بقول بحبك والله ؟
ضحكت بصوت محبب على قلبه ..لترد بخجل:
-يا حازم مش وقته دلوقتي, سيبني أحضر لك الفطار دلوقتي..عشان تلحق تفتح الورشة ..
تنهد بغيظ وتركها بارداته ...بينما يتابع:
-طقشيلي بيضتين ..واقلي لي بطاطس تكون نص سوا ..
ضحكت وهي تتجه نحو المطبخ قائلة:
-حاضر يا حازم عنيا ..

-تسلملي عيون الجميل ...
هكذا قال وهو يهمّ بإشعال سيجارة قبيل أن تندفع ساندرا إليه وتنتشل السيجارة من بين يديه وتهتف بضيق:
مش على الريق ..
زفر باختناق قليلا وقال على مضض:
-حاضر يا ساندرا ....حاضر !
لكنها لم تنصرف مجدداً ...بل اقتربت منه وجاورته في جلسته قائلة وقد تذكرت شيئا يزعجها بقوة:
-حازم...

نظر لها باهتمام وقال:
-نعم ..
تابعت بجدية تامة:
-لو سمحت يا حازم بلاش تشرب البتاع دا اللي بتشربه كل يوم ..لو سمحت يا حازم بالله عليك ..
حازم وقد رفع أحد حاجبيه الكثيفين:
-قصدك الحشيش ...
أومأت برأسها قائلة:
-أيوة ..وصدقني بخاف منك جدا لما بتيجي وأنت شاربه ..
هز رأسه قائلا بإيجاز:
-حاضر يا ساندرا ...
-بتهاودني ؟

بتهاودني صح ؟!...
زفر زفرة قصيرة وقال بنفاد صبر:
-لا ..هحاول قلت لك يا ساندرا بس بلاش زن دلوقتي وفطريني خليني أنزل أشوف أكل عيشي بقى ..
ابتسمت ونهضت متجهة إلى المطبخ وهي تحدث نفسها قائلة:
-ربنا يهديك يا حازم ...

ارتدى بذلته السمراء ..وتطيب بعطره النفاذ ..وألقى نظرة أخيرة على صورته في المرآه . ونظرة أخرى أرسلها لـ زوجته الواقفة خلفه تتأمله بإعجاب ...
التفت لها وسألها باهتمام:
-محتاجة مني حاجة قبل ما أمشي أو وأنا راجع ؟!
تكلمت ميرال وهي تربت على كتفه:
-عاوزة سلامتك وبس ..

ابتسم مقبلا جبينها وراح يرتدي نظارته الشمسية ليُصبح في كامل أناقته ..
فيخرج من الغرفة وهي خلفه ..وكانت والدته في هذه الأثناء قد جهزت مائدة إفطار بسيطة على الطاولة ..
فقالت له مبتسمة:
-إيه يا حبيبي مش هتفطر معانا ولا إيه ؟
-فطرت يا ماما الحمدلله..
-طب مش كنت تفطر معانا ..

اقترب منها وقبل كف يدها ثم استقام قائلا:
-معلش يا ماما ما أنتوا كنتوا نايمين وأنتي عارفة إن شغلي بمواعيد معينة مينفعش أقصر فيها ..
ربتت السيدة سميرة على كتفه وقالت:
-عارفة يا حبيبي..ربنا يكرمك يا قلب أمك ويجعل في وشك القبول دائما ويحفظك لينا ولمراتك يا حبيبي..
علي مبتسما:
-ربنا ميحرمنيش منك يا ست الكل ..

كاد ينصرف على ذلك ..لكنه وقف ناظرا إلى شقيقته وقال::
-صباح الخير يا چنا ..
نظرت له بتذمر وردت بجمود:
-صباح النور ..
-إيه التكشيرة دي أنتِ زعلانة مني ولا إيه ؟!
-وهزعل ليه ؟! ..مش زعلانة ..
تنهد علي بصوت مسموع وقال بإيجاز:
-ماشي يا چنا .. لينا كلام مع بعض لما أرجع ..

اتجه صوب الباب وبرح المكان على عجالة .. لتقول السيدة سميرة بابتسامة حانية:
-يلا بقى تعالي افطري معانا يا ميرال واوعي تقوليلي فطرتي مع علي ..!
حركت رأسها نافية وأخبرتها بمرح:
-لا مش فطرت مع علي ولو فطرت أفطر تاني مخصوص عشان خاطرك ..
-حبيبة قلبي ..

شاركتهما الإفطار وهي تتمازح معهما ..لكن "چنا" كانت تحدثها باقتضاب شديد ..لا تريد الابتسامة حتى بوجهها. ..
تغاضت ميرال عن هذا ،وما إن أنهت طعامها وثبت واقفة قائلة بحماس:
-چنا ..تعالي نعمل أيروبكس مع بعض بقالي كتير مش بلعب وحاسة جسمي تخن وعضمي باظ ..
أنهت جملتها بضحكة مرحة ،لتقول چنا بعبوس:
-لأ مش عاوزة ..

وأنهت طعامها ثم ذهبت إلى غرفتها .. لتقول والدتها بتنهيدة عميقة''
-معلش يا ميرال ماتزعليش منها عشان خاطري ..
ميرال بهدوء حزين:
-حاضر مش زعلانة ...
نهضت سميرة قائلة بحماس وطفولية:
-طب بقولك إيه ينفع أنا أعمل معاكي الأيروبك دا ؟!
ضحكت ميرال بعدم تصديق وقالت:
-طبعااااااا ...إيه رأيك نلعب زومبا ؟

سميرة ببلاهة:
-ها ؟ ..لا بصي اعملي اللي أنتِ هتعمليه وأنا هعمل معاكي ..
-أووووك يلا بينا ...
قامت بتشغيل هاتفها على رقصة الزومبا وبدأت ميرال التمارين وبدأت خلفها سميرة وقد انفجرت ضاحكة على ما تفعل ...

مساءً ...
قد عاد "أدهم" إلى القصر متعباً بعد يوم عمل طويل ،توجه إلى غرفة تمارا وكاد يفتح الباب لولا صوت ندائها ،تسمر مكان ولم يلتفت لعدة لحظات طويلة ..وبالنهاية حسم أمره والتفت يواجهها بصمت قاتل ....
ابتلعت ملك لعابها بخوف ،واقتربت تتوسله بعينيها ثم أردفت:
-أدهم ..ممكن أتكلم معاك ؟

كشر عن جبينه وبقسوة قال:
-مافيش كلام بيني وبينك...
لم تستطع كبح دموعها التي أصبحت رفيقة لها دوماً، فسالت كانهارٍ صغيرة فوق وجنتاها، لتقول برجاءٍ:
-لو سمحت يا أدهم هما خمس دقايق بس ...
ظل واقفا كجماد بلا شعور ولا مشاعر ..كصلب قاس لن يلين أبدا ..

لكن هناك خفقة أصابت قلبه بعثرت مشاعره المضطربة ثم لملمتها في نفس اللحظة ..
ألم قاسي جدا في نفسه لا يعلم كيف يعبر عنه ..ولمن؟
فكانت هي مصدر راحته وأمانه والآن بعد أن جاءت الطعنة منها لمن يبوح ؟!
-أنتِ عاوزة إيه ؟! خلصي أنا مش فاضيلك ..
هكذا قال متعمداً أن يوجعها بكلماته ..فقالت بوهن:
-عاوزاك أنت يا أدهم عاوزة أكلمك بس أرجوك وبعدها مش هطلب منك حاجة تاني ..

زفر وتحرك معها على مضض إلى غرفتها باختناق ..وكان هذا الظاهر فقط !!
أما عن باطنه فهو يريد البقاء معها طويلا ..طويلا جدا حتى تطيب نفسه وحياته التي أظلمت كليل طويل ...
ما إن دخل حتى أغلقت الباب واقتربت منه بشدة ..اقتربت وكادت تلتصق به لكنها لم تجرؤ على لمسه ..مجرد لمسة واحدة فقط ..
لكن الآن يكفيها هذا الشعور بالأمان وهو داخل غرفتها ..يكفيها رائحته الطيبة التي راحت تملأ رئتيها منها بكثرة وكأنها وجدت الملاذ ...
أما هو فقربها قلب كيانه ..وتوترت أنفاسه التي راحت تصعد وتهبط بغير انتظام ...

ابتعد عنها رغما عنه وأولاها ظهره بعد أن وضع كلتا يديه في جيبي بنطاله..آخذا نفسا عميقا قائلا:
-قولي اللي عندك ..
لا تعرف ما الذي تنوي قوله ؟, لقد تحجرت الكلمات على شفتيها ..وباتت في حيرة وهي تقول بتلجلج:
-مش عارفة أقولك إيه ...
التفت لها بشراسة واقترب يقبض على ذراعيها معا وراح يهزها بعنف ..مع قوله:
-قولتلك أنا مش فاضيلك صح ؟, هو إيه لعب العيال دا ؟؟

صاحت بصوت عالي ..بصراخ وألم من بين شهقاتها العالية:
-أنا بموت من غيرك ..بموت عارف يعني ايه بموت ارحمني وسامحني ارحمنــي ..
كانت في حالة انهيار تامة ..ذُهل أدهم من أمرها ..يبدو أنها في أسوأ حالاتها النفسية ..تفتت قلبه وضاقت أنفاسه ..لكنه لم يستطع الغفران ...
يقول في نفسه لقد فات الآوان ..ومات كل شيء كان ..

ترك ذراعيها وابتعد قليلاً قائلاً بصرامة قاتلة:
-وأنا ميرضنيش إنك تتعذبي بالشكل دا ...قلت لك هطلقك وامشي من هنا وحقوقك كلها هتوصلك .. ماحدش غاصبك على كدا ...
قالت بمرارة:
-مش عاوزة أبعد عنك عاوزة أفضل هنا لحد ما تسامحني ...أنا بعترف إني غلطانة وأستحق أي حاجة منك بس عشان خاطري بلاش المعاملة دي .. اقتلني أهون ...
التفت مرة أخرى واعطاها ظهره ..لا يريد أن يضعف أمامها ..فلا يضمن وجوده معها ..هو يتوق لعناق ..فقط عناق سيكون شفاء له من كل هذه الأوجاع ..

يحبها وبقوة ...لكنه سيدهس بقدمه على قلبه ..سيدهس بقوة ... ولن يغفر ....
-أنت بجد بتحب تمارا ؟!
سألته وكل ذرة بها تخشى قوله ..ليؤكد دون تردد:
-أيوة بحبها ..
والتفت متابعا بقسوة:
-على الأقل كانت واضحة جدا معايا ..مش زيك عايشة دور المسكينة وأنتِ كذابة !!! تمارا بقت مراتي خلاص يا ملك ومش على الورق بس زي الأول لا دي بقت شايلة حتة مني ..إبني اللي في بطنها ..إبني اللي أنتِ مرضتيش تجبيه.. هي جابته .. ودلوقتي هي عندي أحسن منك ألف مرة ...

وضعت يديها على آذنيها تحاول منعهما من سماع كلماته التي بمثابة مدفع رشاش ...وبكت بانهيار تام وهي تشعر أن رجوعها لها أصبح مستحيلا .. هل الزمن قاسي إلى هذا الحد؟ ..ليجعلها هي الجانية المذنبة الخاطئة والثانية هي الأفضل والأصلح؟!..
ألن يمنحها غفران أبدا ..ألن يمنحها فرصة أخرى ؟! ... هل بذنب واحد ينهي حبه لها ؟!..
وكأنها دخلت في دوامة ليس لها مخرج ..ولم تفق منها إلا على صوت غلق الباب لتكتشف أنه برح الغرفة ذاهبا إلى زوجته الثانية!
يتبع..


رواية لمن يهوى القلب الجزء الأول البارت الحادي عشر بقلم فاطمة حمدي



دخل إلى غرفة تمارا مجددا وهو يشعر بالاختناق ..ولم يكن يريد سماع كلمة أخرى ..يكفي حواره مع ملك ..هذا قضى على ثباته الآن !
لكن "تمـارا" لم تتركه وشأنه بالطبع ..حيث هتفت بحنق:
-أنت كنت فين يا أدهم ؟!
نظر لها بجمود وأضاف قائلاً:
-كنت في الشغل هكون فين يعني ؟!
-لأ مأقصدش الشغل ..أنت جيت من بدري ودخلت عند الحيوانة دي !

بعث بها نظرة نارية وصاح بها بحزم:
-إلزمي حدودك ومتتعدهاش أحسن لك ..ولمي لسانك ونفسك لأني على أخري تمام ؟!
استكملت بلا مبالاة:
-يا سلام ؟ لدرجة زعلت إني قلت عليها حيوانة ؟ ،إيه يا أدهم أنت نسيت عملت فيك إيه ؟! مش دي اللي قلتلي خلاص مبقاش لها مكان في حياتك ؟؟؟
ضغط على شفتيه كاظما انفعالاته بصعوبة ،ثم أضاف:
-أطفي النور دا أنا هنام ولو سمعت كلمة تانية...


قاطعته هازئة ساخرة:
-هتعمل إيه ؟!
اقترب منها ببطء أربكها ..اقترب منها للغاية للحظة ظنت أنه سيراضيها ..لكنها تفاجأت بقوله الذي أصابها:
-هطلقك ....
صدقيني هطلقك يا تمارا... الزمي حدودك معايا ودا آخر تحذير ...
غادر الغرفة ما أن أنهى الكلام وتركها في حالة ذهول عارمة وهي تردد بصدمة من بين شفتيها:
-يطلقني !!!


دخلت "ساندرا" إلى الشرفة وهي تحمل طبقا بيلاستكيا كبيرا يحتوى على الملابس التي قامت بغسلها منذ قليل، ومن ثم بدأت في فردها بعناية على الأحبال، وتارة ترجع خصلات شعرها الثائرة جراء مداعبة الهواء وتارة أخرى تعدل ثيابها الملتصقة والمبتلة بطريقة مثيرة جدا خاصة لـ أنثى في جمالها هي ..
غافلةً هي عن عيون المارة العابثة المخترقة لها ..متناسية تحذيرات "حــازم" المتتالية القاسية عليها في كل مرة ..وكل مرة تنسى قوله ..
فماذا سيحدث لها الآن وهو يقترب من البيت كثورٍ هائج ؟ ..يسير بخطوات عنيفة وهو يشعر بأنه يريد دفنها حية الآن !

سقطت منها قطع الملابس المبتلة حينما وجدته يندفع إلى مدخل البناية بعد أن رمقها بنظرة كانت قادرة على بث الخوف الشديد داخل قلبها ..
ولم تكد تتحرك من مكانها حتى تعالى صوت جرس الباب خرجت من الشرفة وهي تقدم قدم وتؤخر الثانية ..
وبعد عدة دقائق طويلة استطاعت فتح الباب وركضت هاربة منه ..دخل مندفعا خلفها وصوته عالي بشدة حيث يقوم بتعنيفها ..
لم يستطع الامساك بها وجعلته يلف خلفها المنزل بأكمله ،صاح بضيق شديد:
-اقفي يا ساندرا كفاية بقولك اقفي...


قالت وهي تلهث بعد صعدت على السرير بخوف:
-لا مش هقف يا حازم وصدقني أنا نسيت والله نسيت ..
قال وهو يحاول مرة أخرى مسكها:
-نسيتي !! يا شيخة دا منظر تدخلي بيه البلكونة واللي رايح واللي جاي يبحلق فيكِ .. أنتِ إيه مبتحسيش معندكيش دم ؟؟! كام مرة أقولك قوليلي كام ؟!


أشارت له بيديها الاثنتين قائلة من بين أنفاسها اللاهثة:
-كتير والله كتير يا حازم ..والله أنا غلطانة صدقني مش هعمل كدا تاني أديني فرصة أخيرة ..
توقف عن الركض خلفها وراح ينحني ويستند بيديه على ركبتيه وهو يلهث بشدة مع قوله:
-الله يخربيتك قطعتي نفسي ..منك لله ..

توقفت هي الأخرى وظلت تأخذ أنفاسها بصعوبة ،لكنها قالت بصدق:
-أنا آسفة يا حازم عشان خاطري سماح المرادي والله هاخد بالي المرة الجاية صدقني ..
رمقها بنظرة ثاقبة وهو يهز رأسه موافقا مع قوله:
-طب تعالي ..
حركت رأسها رافضة:
-لا..


جلس على السرير بارهاق ومن ثم قال بصبر:
-طب اتفضلي اعملي العشا أنا جعان وعلى لقمة الفطار من الصبح ...
هزت رأسها موافقة ونزلت من على السرير بحذر وقالت قبل أن تبرح الغرفة:
-هحضرلك الحمام الأول عشان كلك صماد ..
نظر لها بغيظ ورفع حاجبا بصمت ،فابتسمت له وخرجت من الغرفة تاركا إياه يتوعد لها ولن يمرر فعلتها تلك...

طُرق الباب في منزل "علي" ..فـ راحت ميرال تركض نحو الباب وهي تردد بابتسامة:
-دا أكيد علي ..فتحت في سرعة لكنها صدمت بأن الطارق ليس "علي" ..
بل كان شخصا آخر وقف يحملق بها للحظة ...قبيل أن يتكلم وهو يبتسم لها:
-آسف إني خبطت يا أنسة في الوقت دا...
آنسة!


كانت هذه كلمة "علي" الذي صعد الآن وأتى من خلف هذا الشخص ..وراح يرمقه من أسفله إلى أعلاه بحدة وقد قال:
-نعم ؟!
تنحنح الرجل بحرج جراء نظرات علي ..ليقول بتوتر:
-أنا آسف.. بس كنت بسأل على شاكوش سلف وذردية...
علي بغضب:
-شاكوش وزردية ؟! أنت مين أصلا وإيه اللي جابك هنا !
-أنا مأجر الشقة اللي قدام حضرتك جديد يا أستاذ وكنت بعمل حاجات ووقفت على شاكوش ..

نظر له من عليائه متابعا:
-آآه .. للأسف معندناش شواكيش ..
ودخل إلى الشقة مغلقا الباب خلفه ..في حين هتف بزوجته بتعنيف لأول مرة:
-ليه فاتحة الباب وواقفة تسمعيه ؟!
ميرال وقد قالت:
-أنا مش واقفة أسمعه يا علي ..أنا ..
قاطعها بصرامة:
-لأ واقفة المفروض فتحتي ولقيتي واحد غريب يبقى تقفلي فورا بدون حتى ما تفكري ..
-إزاي يا علي الكلام دا ؟! افرض واحد عاوز حاجة مهمة يعني ولا حد محتاج مساعدة ؟

هو بتصميم:
-أنتِ تسمعي اللي بقولك عليه يا ميرال مالك أنتِ ومال مساعدة الناس ؟ ،لو اتكررت تاني ....
قاطعته والدته حين جاءت إليهما قائلة بحزم شديد:
-إيه يا علي مالك في إيه ..أنت داخل تقول شكل للبيع ..مراتك معملتش حاجة لكل اللي بتقوله دا !
بينما دخلت ميرال إلى غرفتها وهي تبكي برقة كعادتها حين يتشاجرا ..

لتقول والدته بعتاب:
-عاجبك كدا ؟ ليه يا علي متبقاش من الرجالة الخنيقة ..
علي وقد زفر بضيق وهو يمسح على شعر رأسه قائلا:
-يا ماما دا بيقولها يا أنسة !!!
ضحكت الأم بعفوية وقالت:
-يا حبيبي وهي مالها بس ،وهو كمان يعرف منين إنها مدام يعني ...يا علي بلاش التفكير دا أنت كدا غلطان ..يلا أدخل راضيها وحافظ عليها دي والله بتحبك أوي أوي ..
استطاعت والدته أن تمتص غضبه وعصبيته، فانحنى مقبلا كف يدها مستأنفا:
-حاضر..

ودخل إلى غرفته..قاصدا إصلاح ما أفسده حيث لا يتحمل غضبها وهي بالفعل لم تفعل شيئا ..
لم يجدها فعلم أنها بالشرفة.. اتجه إليها وهو يبتسم بحب، لكنه صُدم ..بل أصابه الفزع !!
فكانت ملقاه على أرض الشرفة وخيط رفيع من الدم يخرج من رأسها ..صاح بلا وعي منه'
-ميـــرال !!

انحنى وحملها فورا ثم اتجه إلى السرير وهو يردد اسمها بوجل بينما يضعها برفق وقد علم أنها غيبوبة سكر.
دخلت والدته بصحبة شقيقته على إثر صوته...
لم يتردد علي في أن يهاتف الطبيب في الحال بيد مرتعشة وقلب ينبض بالخوف الشديد ...

دخل حازم إلى المطبخ حيث توجد زوجته ساندرا ..التي ابتعدت ما إن اقترب هو ...فعقد ساعديه أمامه قائلا بجمود:
-متخافيش يا ساندرا.. أنا مش هعملك حاجة وهكلمك بمنتهى الهدوء.. الست لما تخرج البلكونة لازم تغطي كل جزء منها ولما تفتح الباب ولما تخرج برا بيتها.. وأنتي مراتي ومن حقي عليكي إنك تسمعي الكلام دا وتعملي بيه تمام ؟ ومش دا كلامي ..دا كلام ربنا وفرض عليكي .. حياتك القديمة واللبس اللي كنتِ بتلبسيه دا انتهى ومات وحياتك دلوقتي حياة جديدة تماما ..تمام ؟

هزت رأسها في طاعة وأخبرته بهدوء:
-والله يا حازم بنسى عشان لسة متعودتش ، مش قصدي إني ماسمعش كلامك أو أكسره ..أوعدك هتكون آخر مرة ..
تنهد بعمق وأخبرها باسما:
-وأنا مصدقك يا ساندرا ،انسي الموضوع.. هتعشينا إيه ؟
-مكرونة بشاميل...
حك صدغه بابهامه قبيل أن يقول بتذمر:
-أمري لله مع إني مبحبهاش ....
-لا هتعجبك جدا يا حزوم صدقني ..
-مصدقك مصدقك ..

وضعت الطعام بعد قليل على الطاولة ..ليجلسا معا ويتناول منها أول قطعة داخل فمه ..
فكاد يبصقها بعد ثوان إلا أنه تحامل على نفسه وابتلعها ...لكنه لم يستطع كبح غضبه حيث قال:
-وحشة أووووي يا ساندرا ..
فغرت شفتيها بذهول وتابعت باحراج:
-بجد .... !!

أغمض عينيه بضيق ثم فتحهما مجددا وهو يمسح فمه ثم ينهض عن السفرة قائلا:
-مش معقول يا ساندرا كل يوم كدا بقالنا ٦ شهور متجوزين وأنا مستحمل على أمل إنك تتعلمي بس كل يوم عك زي اليوم اللي قبله دي مش طريقة دي ...
ساندرا وقد مطت شفتيها بضجر:
-حازم ممكن اوي نجيب شغالة تطبخ كويس وقلت لك كدا كتير قبل كدا ...

التفت لها بعنف وهتف:
-أنا عاوز آكل من إيد مراتي يا هانم ..وغير كدا أنا مدخلش حد غريب بيتي ..ثالثا بقى الميزانية متسمحش لوجود شغالة... أنا مش رجل أعمال زي أبوكي مثلا !!
رفعت حاجبيها بضيق شديد واستكملت ببساطة:
-بس أنا معايا فلوس وأقدر أجيب شغالة تطبخ عشان أنا مش بعرف ..
احمرت عينيه من شدة غضبه وكأنهما جمرتين من نار ليقول:
-فلوسك دي متلزمنيش وتبقي تصرفي منها لما تكوني عايشة لوحدك أو مش متجوزة راجل.. لكن أنا مقبلش أبدا كلامك دا سامعة ولا لا ؟!

تابعت تحاول تهدئته:
-في إيه يا حازم هتقلب عليا ليه ..أهدى احنا بنتناقش ..مش بنتحارب يا سيدي بلاش شغالة هعمل اللي أنت عاوزه بس مش عارفه وأنت مش راضي تستحمل..
-أستحمل إيه أكتر من كدا ؟! بتهزري يا ساندرا ؟
-حازم متكبرش الموضوع وبعدين حتى مامتك اللي ساكنة في الشقة اللي تحتينا مش بتحب تخليها تعمل لنا أكل ..
حازم وقد استأنف بنفاد صبر:
-أنتِ المسؤولة عن البيت دا مش امي ولا حد غيرها والأمر لله هستحمل لحد ما تتعلمي بس متسوقيش فيها ..

هزت رأسها بإيجاب قائلة:
-حاضر يا حازم .. وممكن تجيب أكل جاهز على فكرة اريح برضوه من كل دا ..
عض شفته السفلى بغيظ وفضل الصمت في حين أنها ضحكت بمشاكسة مع قولها:
-بهزر إيه مهزرش ..متبقاش قفوش كدا ..
-قفوش ؟
-أيوة قفوش فك كدا يا معلم حازم ..

ضحك مقهقا وقال بمزاح:
-مشافتكيش أمك وأنتي بتقولي الكلام دا كانت اتبرت منك ..متهيألي ممكن يغم عليها ..
لم تكد تتكلم حتى سمعت معه أصوات ضجيج تأتي من الحي ..فنظر حازم ليجدها مشاجرة وبدون تردد أسرع نحو الباب لتركض خلفه هاتفة بخوف:
-يا حازم ملناش دعوة ...تعالى هنا !!
لكنه لم يصغ لها وأسرع إلى المشاجرة ..فهو وحش الحارة الذي يهابه الجميع !!!

انتهى الطبيب من حقن "ميرال" بحقنة الأنسولين ..وتلك المرة الأولى لها لقد ارتفع معدل السكر في جسدها لدرجة الاغماء كعادتها لكن تلك المرة كانت بفقدان وعي كامل ..وحيث قال الطبيب بجدية شديدة:
-واضح إنها مش ملتزمة خالص لا في العلاج ولا حتى النظام الغذائي ..مش كدا يا مدام ميرال ؟!
كانت قد عادت إلى وعيها فردت بصوت مرهق للغاية:
-باخد العلاج بس ساعات بنساه ..

-مافيش حاجة اسمها ساعات .. الكلام دا غلط على صحتك أرجوكِ التزمي عن كدا لأن ممكن تدخلي في حاجات أنتِ مش قدها ..
بينما سأل علي بقلق:
-طب والأنسولين دا خلاص هتستمر عليه !
الطبيب برسمية:
-عند اللزوم ..

انصرف بعد قليل بعد أن ألقى عليهم التعليمات الواجب فعلها ...
في حين قالت السيدة سميرة بحنان:
-ألف سلامة عليكي يا حبيبتي ربنا يشفيكي يارب
-الله يسلمك يا طنط ...
وقالت چنا بحزن بلا مبالاة:
-سلامتك يا ميرال ..
ردت ميرال بابتسامة:
-الله يسلمك ...

توجهت سميرة نحو الباب وهي تتابع:
هحضرلك الأكل اللي الدكتور قال عليه .. ثم اصطحبت ابنتها معها وأغلقت الباب خلفها.. ليندفع علي نحوها ويجاورها جالسا مقبلا جبينها المجروح جراء سقوطها على الأرض بعمق مع قوله:
-ألف سلامة يا قلب علي ..
ابتسمت له بحزن ...وبعينيها عاتبته برقة معهودة منها ..ليقول بلا تردد:
-آسف .. مكنش قصدي أزعلك ..حقك عليا ..أنا بس اتجننت لما قلك أنسة وواقف يبحلق فيكي كدا !

تنهدت طويلا وأخبرته بصدق:
-بحبك يا علي خليك جنبي ..
كانت عيناها مليئتان بالعبرات وكأنها تتوسله ..لتتابع بصوت متحشرج باك:
-أنا اللي آسفة يا علي ..
مسح على شعرها بحنان وافر وسألها باهتمام:
-أسفة على إيه ؟

حينها سقطتت دموعها في تسابق على وجنتيها وهي تخبره بمرارة:
-عشان كل شوية بتعب ..وبيغم عليا ومش قادرة أسعدك ..وخايفة أكون عبئ عليك أو تزهق م..
ابتلعت باقي حروفها حين وضع إصبعه على شفتيها مانعا إياها من الكلام ...ليرد وقد اقترب منها لاهثا ومتنفسا أنفاسها:
-كدا برضوه يا ميرال ؟ أنتِ مش واثقة من حب علـي ليكِ ولا إيه ؟ يا حبيبي أنا اختارتك بإرادتي وقلبي وعنيا ،أنا كنت بنام أحلم بيكي وكنت بتمنى اليوم اللي تكوني فيه معايا وفي حضني .. دلوقتي بتقوليلي عبىء عليا ؟ أنا كدا هزعل والله ..

ابتسمت برضى وهي تحاوط عنقه بذراعيها مع همسها الحنون:
-أجمل "علـي" في الدنيا كلها ...ماعنديش كلام اقولهولك أنت أكيد حاسس بكل حاجة في قلبي ليك ..
أخذ نفسا عميقا قبل أن يستطرد بحزم رفيق:
-اه بس دا مش معناه إني مش زعلان منك ..مش كل يوم بسألك أخدتي العلاج بتقوليلي اه ؟ بتضحكي عليا يعني !
حركت رأسها نافية وقالت:
-أنا بكون نسيت أخده ولما بتسألني بخاف أقولك نسيت تزعقلي بصراحة ..

-تخافي أزعقلك ومش خايفة على صحتك ؟ لا ميرال أنتِ كدا بتهرجي على العموم من هنا ورايح أنا اللي هدهولك بنفسي كل يوم ..وارجوكِ يا ميرال متاخديش حاجة تتعبك أنا مش مستغني عنك ..
-حاضر يا علي هحاول ..
-لا مش هتحاولي هتمنعي مفهوم ؟!!
-مفهــــــوم يا علي ...
ضحك وهو ينهض قائلا بحنان:
-هجيب قطن وشاش ومطهر عشان اطهرلك الجرح.

أتت من خلفه وهو يجلس على الأرجوحة في حديقة القصر وأخذت تُدلك بكفيها كتفيه بنعومة ..فزفر أنفاسه على مهل واستسلم بصمت ...
لتهمس بالقرب من آذنه:
-آسفة يا حبيبي لو كنت ضايقتك .. مكنتش أقصد والله ..
-حصل خير يا تمارا

هكذا قال وهو يشعر بالتعب والانهاك... رفع عينيه تلقائيا فوجد "ملك" في شرفتها ...
فما كان منه إلا أن جذب تمـارا من يدها برفق قائلا وهو يبتسم باتساع:
-تعالي اقعدي جنبي ..
جاورته واحتضنته ..ليقوم هو بلف ذراعه حول كتفيها ويقبل جبينها بتمهل ...

وقد كانت "ملك" في هذا الوقت تشعر كمن فقدت حياتها جراء أفعاله .. وتساؤلات عدة دارت بخلدها.. هل كرهها أدهم بالفعل ؟! ..
هل أحب تمارا أم هو متعمد جرحها كما جرحته فقط ؟!
ثم لم تشعر بجسدها إلا وهو يتهاوى على أرض الشرفة ثم تسقط بقوة ...
يتبع..


رواية لمن يهوى القلب الجزء الأول المشهد الثاني عشر بقلم فاطمة حمدي



ترك تمـارا واندفع إلى الأعلى بعد أن رآها تسقط على الأرض ،فما كان منه إلا أن ركض بسرعة الفهد إليها ..وراح يحملها من على الارض داخلا بها إلى الغرفة ووضعها على الفراش ،تبعته تمارا ووالدته التي راحت تهتف بقلق شديد:
-ملك! في إيه يا أدهم مالها ؟؟
-مش عارف ..مش عارف !

أسرع يجذب زجاجة عطرها ثم نثر بعض القطرات منها على ظهر يده وقربه من أنفها برفق، وراحت والدته تنثر قطرات من المياه على وجهها لتأن ملك بخفوت ووهن شديد ..ويتنفس أدهم بارتياح حامدا ربه ...فقالت السيدة چيهان بجدية:
-أكيد الاغماء دا من قلة الأكل يا ملك ..مش قولتلك يا حبيبتي قلة أكلك دي هتسسب لك مضاعفات كتيرة ؟
ثم نظرت إلى أدهم الصامت بعتاب وقالت بضيق:
-ما تقول حاجة يا أدهم ..


نظر لها ولم يتحرر من صمته بعد ..فردت تمارا نيابة عنه:
-ادهم هيقول إيه يا طنط ؟! ،أدهم قالها متاكليش ؟! ولا هي اللي بتمثل أصلا وعاوزة تسطعتفه وخلاص ..
لتهتف بها چيهان:
-عيب يابنتي الكلام دا والله ،أنتِ عاوزة إيه أكتر من اللي حصل ما كفاية بقى يا تمارا !!
تمارا تحدثت بعصبية:
-أنا مش عاوزة أوصل لحاجة ..هي اللي عاوزة توصل لإيه بعد اللي عملته ؟ هي نسيت عملت فيه إيه ؟؟ كذبت عليه وخدعته وحرمته من اكتر حاجة بيتمناها أنا لو من أدهم عمري ما أسامحها أبدا ..كفاية إنها لسة على ذمته أصلا!


-بشعة ..
هكذا نطقت ملك بمرارة شديدة ودموع أليمة كادت تحرق روحها المعذبة ...لتُكمل بوهن:
-أنتِ إنسانة بشعة أوي ..
تمارا باستهجان شديد:
-مسكينة اوي حضرتك ..صحيح اللي تفتكره موسى يطلع فرعون !
-اخرسي بقا !
هب أدهم واقفاً ما إن نطق بهذه الجملة ..ومن ثم تابع بصرامة:
-كفاية كدا ..أخرجي من هنا وعلى أوضتك يا تمارا فورا ...


رمقته بغضب قبل أن تستدير خارجة من الغرفة، وراح أدهم يلقي نظرة أخيرة على زوجته ملك، نظرت حملت مشاعره في هذه اللحظة نحوها ..خوفه وعتابه ومحبة خالصة لها ..
ولم يتكلم فلا يوجد ما يقوله رغم مشاعره المشتتة ..

استدار خارجاً هو أيضا بلا إضافة بعد هذه النظرة وتركها في عتمتها وحيرتها من جديد...
بينما بقيت معها السيدة چيهان التي نهضت مردفة بحنو:
-هجبلك حاجة تاكليها وجاية حالا ..
برحت الغرفة في سرعة ,وتركتها وسط ظلام ليس له من نور ..


جلست ساندرا بصحبة السيدة "فوزية" والدة زوجها حازم ورغدة شقيقته أيضًا في بيتها الذي يقع أسفل شقتها التي بالأعلى..
ران عليها القلق البالغ وسيطر عليها الخوف الشديد ..زوجها المتهور سينهي على حياته ذات مرة جراء تدخله في تلك المشاجرات ..حدثته مرارا وتكرارا أنها ليست بغنى عنه ..وأنه السند لها ولجنينها ..

لكنه لا يستطيع أن يجلس هادئاً دون التدخل في هذه الأمور ..
-متخافيش يا ساندرا ..حازم ياما وقف في خناقات زي دي وربنا بيعديها عشان هو قصده بيكون خير ..
هكذا قالت والدته تحاول تهدئتها برفق ،لترد ساندرا بدورها:
-ربنا يسترها ..
وقالت "رغدة" بلا اكتراث:
-بكرة تتعودي كدا زينا يابنتي ..عادي هو دا حازم!


"بعد قليل" ...
قد دخل حازم إلى الغرفة وراح يمسح عرقه عن جبينه الندي بظهر يده ..
بينما تنهدت ساندرا بارتياح على سلامته ..ليقول حازم:
-الحمدلله عدت على خير ..
-هتفضل كدا لحد امتى قلت لك ميت مرة يا حازم ملناش دعوة بالناس ومتدخلش!

قالت ساندرا جملتها هذه بغضب، ليرد عليها بغضب مماثل:
-مش أنتِ اللي هتقولي أتدخل ولا لأ يا ساندرا ..دول كلهم أهل حتتي ولازم أتدخل بينهم وأحكم بالعدل حتى لو هموت فيها ..
صمتت بغيظ لعدة دقائق..قبل أن تواصل:
-تمام .. أنا طالعة أنام ..
وانصرفت على ذلك ..فقالت والدته بعتاب:
-براحة شوية هي خايفة عليك !
-سيبك منها أنا عارف هراضيها إزاي ..


تنهدت الأم قائلة:
-ربنا يهدي سركم ..
صمتت قليلاً وهي تتبادل النظرات مع ابنتها رغدة ...فقال حازم وقد شعر أن هناك خطب ما:
-خير... في حاجة ولا إيه ياما ؟!
أومأت "فوزية" رأسها بإيجاب وتابعت:
-في عريس عاوز يتقدم لرغدة ..
تهللت أسارير وجه حــازم وراح ينظر إلى شقيقته متابعا ببسمةٍ واسعة:
-بجد ؟ ..مين ؟

ابتلعت رغدة ريقها بارتباك وأخبرته بحذر:
-صاحب المحل اللي بشتغل فيه ...
عقد حازم ما بين حاجباه وسألها بحزم هادئ:
-صاحب محل الهدوم اللي بتشتغلي فيه ؟!, على حد عِلمي دا راجل متجوز وكبير في السن وعنده عيال قدك تقريباً.. صح ولا إيه ؟!
أغمضت عينيها هاربة من نظراته، بينما تقول بخفوت:
-صح ..

نظر لها متهكما وصاح:
-صح في عينك يا شيخة ! أنتِ اتجننتِ؟؟
ثم التفت إلى والدته:
-إيه ياما الكلام دا ؟؟, أنتِ سيباها تقول الكلام دا عادي ؟
-غُلبت فيها يابني وقلت نفس اللي قلته أنه متجوز ومخلف بس بتقولي أنا حرة ..
-حرة؟؟ لا منتيش حرة !
تأففت رغدة بضيق:
-ماشي بس أنا راضية ..ودا لا هو عيب ولا هو حرام ..

أرسل لها حازم نظرة تهكمية شديدة وهو يردف بعصبية:
-قولي بقى إنك راضية عشان فلوسه صح ؟!, راجل عنده بدل المحل عشرة ..معاه فلوس كتير ما هو أنتِ طول عمرك بتحبي الفلوس ودا نفس السبب اللي خلاني وافقت إنك تشتغلي جنب دراستك عشان مش قادر أكفي طلباتك الكتيرة جدآ..بس أنا اللي غلطان إن وافقت أخليكي تشتغلي ..كان لازم أعرف إنك خطر ..خطر على نفسك يا رغدة..

أضافت رغدة بحدة:
-ياااه كل دا عشان قلت إني عاوزة أتجوز ..وافرض يا سيدي ...أظن من حقي ولا إيه ؟!
حازم وقد وثب قائما ،هاتفا بغضب عارم:
-كسر حُقك يا قليلة الأدب ،أنتِ تنسي الزفت دا خالص واللي بتقوليه دا جنان ،تخاريف وقلة رباية ..
ثم التفت إلى والدته قبيل أن يبرح المنزل قائلا:
-عقّليها ..

-على فكرة أنا عندي امتحان بكرة!
قالتها -ميرال- بقلق يشوبه حزن، بعد انتهت من طعامها الصحي وأخذت علاجها أيضًا..
ليقول علي ببساطة:
-بسيطة إن شاء الله، هتقعدي دلوقتي تراجعي وانا كمان هقعد معاكِ ..
قالت بسعادة:
-بجد ؟, أخيرا هتذاكرلي يا علي ..
-طبعا ..يلا يا بطل هات ايدك ..

مدت له يدها بارهاق فجذبها برفق إليه حتى وقفت على قدميها ..
ليحملها ويتجه بها إلى الأريكة جاعلا إياها تجلس بأريحة، ثم وضع أمامها طاولة صغيرة كما قام بجلب مذكراتها والكتب خاصتها..وجاورها قائلا بابتسامة:
-يلا بينا ؟!
-يلا بينا ؟ دا كدا أنا مش هذاكر لك يا ريمو كدا خطر ..خطر خالص!

ضحكت بنعومة وهي تُقبّل كتفه كعادتها ومنحته نظرة تحمل شكرا خاصا جدا له ..ليقول بجدية مصطنعة:
-امسكي نفسك بقى يا ريمو عشان كدا أنا مش هعرف أركز ..
-حاضر يا علي ..
لكنه قال رافعا حاجبه:
-وبعدين حقوق إيه ووجع قلب إيه اللي أنتِ دخلاه دا ؟! المفروض كنتِ تدخلي فنون جميلة مثلا .. حاجة تليق بيكِ كدا!

-لا يا علي بحب الحقوق، أنا شايفة نفسي محامية شاطرة تقدر تدافع عن المظلوم وتجيب حقه من الظالم ..
علي وقد نظر لها متابعا:
-فعلا ...والناس بقى تستقصدك وتحاول تأذيكي والجو دا ..
ميرال بلا مبالاة:
-عادي مش بخاف ...طول ما أنا على حق مينفعش أخاف ..
-ممم وإيه كمان يا ريمو ...اشجيني يا حبيبي ..
ميرال متنهدة ومبتسمة:
-وأنت هتحميني دايما..مش أنت حرس ؟!

-آه حرس ..دا شغلي اللي بحبه أوي ،بس مش بحبه اكتر منك ..
ضاقت عيني ميرال مع قولها:
-يعني إيه مش فاهمة؟
-يعني أنا مش هوافق على شغلك يا حبيبتي.. أنتِ مش للشغل يا ريمو ،أنتِ للدلع.. والرقة ..وكل حاجة جميلة بعيدا عن أي حاجة متعبة زي الشغل والكلام دا...
-لا يا علي متضحكش عليا بكلمتين !!

-والله ما ضحك يا قلبي ..سيبي الشغل لأصحابه وخليكي أنتِ ليا لوحدي
نظرت له بتذمر:
-علي ....
قرص علــي وجنتها بخفة مع قوله الحاني:
-خلينا نتكلم بعدين في الموضوع دا ودلوقتي ركزي معايا ..
أومأت برأسها موافقة وقد ابتسمت قائلة:
-ماشي ..يا علـي.

جلست السيدة چيهان في صحبة "ملك" بعد أن حاولت تطعمها بعض اللقيمات وقد استجابت لها ملك بغير شهية ...
لتقول السيدة چيهان بلطف:
-إن شاء الله أدهم هيبقى كويس وكل الامور بينكم هتتصلح يا ملك ..
هزت ملك رأسها بيأس ..لتستطرد چيهان:
-انا حاسة بيكي وبالنار اللي جواكي صدقيني ،بس دا ميمنعش إنك غلطانة اوي يا ملك ..غلطانة جدآ.

فقالت ملك مؤكدة على ذلك ببكاء مرير:
-عارفة إني غلطانة ..بس أنا كنت خايفة من كل حاجة ..
كنت بفكر ليل مع نهار ..ياترى جوازنا هيفضل في السر لحد امتى ؟, يا ترى والد أدهم لما يعرف هيعمل معايا ايه ..مش جايز يجبر أدهم يطلقني ويرميني في الشارع ؟! ولو أنا ام لطفل ساعتها كان مصيره هيبقى إيه ؟! ..
إزاي هجيب طفل وأنا لسة معرفش أهل جوزي !

أسئلة كتير دارت جوايا ..ولكل الأسئلة دي كان الجواب إني أمنع الخلفة، بس والله كان مؤقتا لحد ما ربنا ييسر لنا الأمور وحياتنا نستقر .. ومن يوم ما استقرينا هنا وانا أخدت عهد على نفسي أوقف الحبوب ..لكن طبعا الأخت تمارا دخلت أوضتي ودورت على أي حاجة تذلني بيها ..يمكن مثلا بكون بخون أدهم ! فتزحني من سكتها ..لكن لسوء حظي الشريط وقع في ايديها بس صدقيني أنا كنت بطلت أخده ..

چيهان وقد ردت بجدية:
-يمكن معاكي حق في كلامك ..بس غلطتك إنك خبيتي على أدهم حاجة زي كدا ومش بس كدا دا أنتِ كذبتي عليه وقولتيله إنك مش بتخلفي..سنتين بحالهم يا ملك !! وهو بيواسي فيكِ ويوعدك إنه عمره ما هيبص لغيرك وهيصبر ويصبرك بالكلام .. وأنتِ بتسمعي عادي كدا!
نكست ملك رأسها للأسفل وقد استأنفت من بين دموعها:
-أنا عمري ما هنكر إني مش غلطانة أنا فعلا غلطانة وقاسية ...

انخرطت في بكاء حار ما إن ختمت جملتها ،فراحت السيدة چيهان تضمها إليها بحنان وربتت عليها قائلة:
-حاسة بيكي ..يمكن لو تمارا مش في حياة أدهم مكنتيش هتزعلي بالشكل دا ،اسأليني أنا ..الست لما جوزها بيتجوز عليها بتتكسر وبتنطفي ..بتحس إنها ملهاش قيمة ..وأنها حاجة مهمشة ..مش مالية عينه ..وبتسأل نفسها كتير ،أنا قصرت في إيه ؟! طب ليه ؟! ....

زي شوقي كدا الله يرحمه ..راح اتجوز عليا بعد العمر الطويل ..ياريته شاب صغير أقول مفتون ! لا خلاص احنا كبرنا بس أنا مازلت مش مقصرة ..ساعتها اختارت كرامتي اللي هو داس عليها .... ومع ذلك لما عرفت إنه عمل حادثة رجعت وفضلت جنبه في آخر أيامه لأن مهما كان العشرة متهونش إلا على ولاد الحرام.
بس الوضع يختلف كتير معاكي يا ملك أدهم بيحبك وعمره ما كان هيتجوز عليكي لولا اللي حصل في فرح تمارا ...هو ماختارش يعيش معاها بإرادته هو اختارك أنتِ بإرادته ... وهي فترة وهتعدي أنا واثقة من كدا ..

ثم صمتت قليلاً لتستكمل بحنو:
-هحاول معاكي أرجع لك أدهم متخافيش ..
نظرت لها ملك نظرة امتنان واضحة مع قولها:
-أي واحدة مكانك عمرها ما كانت هتعمل معايا كدا ،أنتِ إنسانة جميلة أوي ربنا يبارك في عمر حضرتك ..

مر الوقت ..
أصبحت الساعة الثانية صباحا بعد منتصف الليل ،جلست ساندرا بعد أن ارتدت إسدال الصلاة الخاص بها في شرفة المنزل ،وأخذت تنتظر "حازم" ..فعندما صعد من شقة والدته كان يشعر بالاختناق ولذلك خرج ...لكنه لم يعد إلى الآن ..شعرت بالقلق يتسرب إليها ..وكانت عيناها تتابعان الطريق بخوف ..
مرت لحظات أخرى فدخلت إلى غرفتها جالسة على الفراش قائلة:
-يا ترى أنت فين يا حازم ..

غفت في مكانها ولم تشعر بشيء حولها إلا على لمسته -هو- بعد قليل ..
ففتحت عينيها بفزعةٍ ،ثم تنفست الصعداء قائلة بعتاب:
-حازم ..أنت كنت فين ؟!
والجواب لم يخرج من شفتيه ..بل كان واضحا في عينيه الحمراوتين.. اللتين أخبرتها أين كان !
-تاني يا حازم ؟!
مش وعدتني إنك هتبطل ؟! ليه ؟! ..ليه ؟!

تملكت منها العصبية الشديدة وتعالى صوتها قليلاً بغيظ ،ليقول بمنتهى الهدوء:
-ششش وطي صوتك ..إيه ما تيجي تاخديلك قلمين أحسن ؟!
-كلمني ورد عليا زي ما بكلمك ..بلاش الطريقة المستفزة بتاعتك دي !
-أنتِ عاوزة إيه؟! عاوزة نكد ؟! صح؟ مش كل ما تشوفيني تسمعيني الاسطوانة المشروخة دي، أنا قلت لك هحاول مش هبطل مرة واحدة !
احتد الحديث بينهما ..لتكمل ساندرا بغضب ناري:
-كلامي معاك مش اسطوانة مشروخة يا حازم، كلامي في منتهى العقل والمنطقية ومن حقي عليك تسمعه وتعمل بيه كمان !

ضحك حازم متهكما ..ليستأنف:
-يعني تمشي كلامك عليا! هو أنا مش راجل ولا إيه ؟ ،مش واحدة ست هتقولي أعمل إيه ومعملش إيه يا ساندرا ..
صاحت بضيق:
-أنا مراتك ..ومن حقي لما تعمل حاجة غلط أنبهك، زي لما قلتلي اتحجبي وأنا اتحجبت وزي لما بنسى ادخل البلكونة وأنا لابسة الطرحة وبتنبهني وبسمع كلامك وبعتذر كمان ..فـ sorry يا حازم كون إنك راجل دا ميدكش الحق تكلمني بالأسلوب دا لمجرد إني متضايقة من أسلوبك أنت... مش هي دي الرجولة ..

توسعت عيناه فجأة ثم أظلمت بقوة جراء كلمتها الأخيرة ..بينما نظرته كانت كفيلة لإعلامها بأنها أخطأت الآن ..لكنها ظلت على موقفها هذا منه ..
ليقول بصوت جهوري:
-تعرفي أنا ممكن أعمل فيكي إيه بعد الكلمة دي ؟!؛ بس أنا هنام ...هنام يا ساندرا ودا أحسن ليكِ وليا !
ثم صمت قليلا ليكمل بصوت حاول أن يكون هادئ:
تعالي !

نظرت له بغضب مع قولها:
-ياريت تنام زي ما قلت أنا مش تحت أمرك على فكرة ومش خدامة عندك!
هو بضيق:
-لا مش خدامة عندي أنتِ مراتي! فاهمة؟
-مش فاهمة ومش كل حاجة هتقولها هتتتفذ فاهم؟فوق بقى من دور سي السيد دا !
خرجت من الغرفة ما أن أنهت جملتها المتهكمة، أما هو فقد استلقى على الفراش قائلا بهدوء مستفز:
-نكدية ..
يتبع..


رواية لمن يهوى القلب الجزء الأول الحلقة الثالثة عشر بقلم فاطمة حمدي



خرجت إلى حديقة القصر تاركة نفسها لمداعبة الهواء الحُر مغلقة عيناها ،تفتحهما تارة وتغلقهما تارة أخرى ،إلى أن وقعتا على "أدهم" الجالس هناك تحت شجرة كبيرة ،مستندّا إلى جزعها ويغلق عيناه أيضاً، بينما يبدو على وجهه الإرهاق الشديد والحزن الواضح ...
اقتربت بحذرٍ وتمهل في اتجاهه وقلبها ينبض بوجل واشتياق كبير ..
أهذا أدهم حبيبها ؟!

ماذا فعلت به وذاتها؟ ..الآن تخاف لمسه فيثور ويغضب ويشمئز منها!!
تتوق للمسة واحدة منه وعناق حنون يحتويها ويشعرها بالأمان ..أنه هُنا مازال جوارها ...مازال أمانها والسند ..


تنهدت بعمق تنهيدا ممدودا وراحت تقترب أكثر، ثم نزلت على ركبتيها أمامه مباشرة وانطلقت دموعها تسيل على خديها بألم، كتمت آهات خرجت من صدرها رغما عنها وهي تحاول مد يدها إليه، أتتها الجرأة ووضعت يدها على وجنته مرورا بذقنه في اشتياق بالغ، ثم اقتربت أكثر إلى أن قبلت جبينه بعمق، ففتح عينيه الجامدتين بلا أي تعبير ..تقابلت عيناه بعينيها في نظرة ...


ابتعدت "ملك" قليلا عنه بحذر كي تتمكن من رؤيته، ليطل أدهم النظر إليها بصمت قاتل ..فقالت هي بلوعةٍ:
-أدهم ...
تحركت شفتيه ناطقا بكلمة واحدة ..كلمة واحدة فقط كانت بمثابة خنجر:
-بكرهــك ..

حينها صرخت فجأة بأعلى صوت وتندى جبينها ،يبدو أنه كابوس مزعج للغاية ،لتجد نفسها جالسة على الفراش وسط ظلام الغُرفة ،وشخص ما يفتح بابها ويدخل في تلهف بعد أن أشعل الإضاءة ،لقد كان هو ..
-أدهــم- ..أدهم هنا وفي عينيه نظرة قلق وخوف ،يقترب منها ويسألها باهتمام:
-أنتِ كويسة ؟!


نهضت عن السرير في سرعة وبحركة واحدة كانت تعانقه بقوة، تدفن وجهها عند كتفه ،تتوسل وتعتذر وتعترف!!
تعترف بذنبها في حقه ..وتتوسل كي يعفو ويصفح ..كلمات كثيرة غير منظمة خرجت منها وسط دموعها الأليمة المتوسلة، فما كان منه إلا أن بادلها العناق ،وضمها بقوة إليه ..بشوقٍ اجتاح قلبه اجتياح.. لم يعد قادرا على هذا الوجه الصلب ..هذه حبيبة القلب ..وحدها من تسكن فؤاده ..
طال عناقهما ..بينما ذراعه في صعود وهبوط على طول ظهرها من شدة شوقه وانفاسه !!

أنفاسه راحت تعبر عن كل ما يحمل من احتياجٍ لها ..لكنه تركها فجأة وكأنه تذكر ما فعلته به ،تركها وابتعد قليلاً وأنفاسه في تصارع ،لتقترب هي ولم تبتعد بل قالت برفق وهي تمسح دموعها:
-سامحني ..وتعالى نبدأ من جديد ..أرجوك ..
حرك رأسه رافضاً لما تقول ...ليقول:
-معدش ينفع ..خلاص كله انتهى يا ملك !


-لا منتهاش ومتحكمش عليا بالموت ..أرجوك أديني فرصة تانية ،دا ربنا بيسامح يا أدهم ليه أنت مش راضي تسامحني ؟!
صاح فجأة بحدة عارمة:
-عشان بسببك أنتِ..إبني اللي بتمناه من الدنيا ..أمه هتبقى تمارا ! اللي هتربيه تمارا ..اللي حامل فيه دلوقتي تمارا ..عارفة يعني إيه تمارا ؟ تمارا اللي عمري ما توقعت إني ألمسها مجرد لمسة ... دلوقتي حامل مني وكله بسببك ..كنت مصدوم ومجروح منك وكنت عايز أقهرك زي ما قهرتيني ..بس للأسف أنا اللي اتقهرت لأن ماكنتش أحب أبدا إن إبني يكون له أم زي تمارا ..يا خسارة يا ملك فات الآوان !

وضعت يديها على ذراعيه قائلة برجاء:
-لا ..لا مفاتش الآوان ..لسة في أمل إحنا ممكن نخلف ليه بتقفلها في وشي ليه يا أدهم ...
-عشان هي كدا مقفولة بضبة ومفتاح .. أنتِ دمرتيني لا أنا قادر أسامحك ولا قادر أبعد عنك !
ابتعد عنها بعنف ذاهبا إلى باب الغرفة، نظر لها قبل أن يخرج من الغرفة وقال بحزن:
-أنا اللي بتمنى أسامحك أكتر منك يا ملك!
وخرج دون أي إضافة أخرى ذاهبا إلى غرفة تمــارا، بينما جلست ملك وشيء ما يُخبرها أن جملته الأخيرة تلك ما هي إلا بصيص أمل بينهما ....


"في صبيحة اليوم الموالي"
استيقظ "حازم" من نومه, فلم يجد "سانــدرا" جواره ككل يوم، سمع صوت يأتي من خارج الغرفة يبدو أنها بالخارج وتحديدا في المطبخ ..
نهض عن الفراش بهدوء واتجه إلى الخارج قاصدًا إياها، بالفعل دخل المطبخ واتجه نحوها قائلة وهو يمسد شعر رأسه:
-صباح الخير يا ساندرا ..
فأجابت عليه باقتضاب وهي تسكب طعام الفطار في الأطباق:
-صباح الخير ..

تنهد بصوت عالي وقد علم أنها غاضبة، فقال بمراوغة:
-المفروض يكون فيه حاجة اسمها صباحك هنا يا حبيبي، صباح القشطة ،صباح السكر... كدا يعني يا ساسو!
-ساسو!
هكذا قالت بنبرة تهكمية, وخرجت من المطبخ وهي تحمل الاطباق قائلة:
-الفطار جاهز ..


زفر زفرة عنيفة وتبعها حيث صالون المنزل، وضعت هي الأطباق على الطاولة وكادت تذهب لولا يده القوية التي جذبتها إليه مع قوله:
-خلاص يا ساندرا ..مش لازم تنكدي ..
قالت بلا تردد:
-لازم ..وهنكد عليك عيشتك طول ما أنت كمان بتنكد عليا ..
-أنا مش بنكد عليكِ يا ساندرا دا أنتِ على فكرة ..
ردت بنظرة ثاقبة:
-لما حضرتك تيجي شارب يبقى بتنكد عليا ولا لا ؟!

أجاب بجدية:
-بس دا شئ ميخصكيش يا ساندرا .. ودي حاجة متنكدش عليكي !
-عيبك إنك مش قادر تفهم إني شريكة حياتك ...عارفة يعني إيه ؟ يعني كل تفاصيلك زي ما أنت مشاركني كل تفاصيلي ...أنا ماحبش جوزي يكون بيشرب. .
-ساندرا أنا مش بشرب خمرة دا كل الحكاية سيجارة حشيش يعني...

-كله زي بعضه ..وكله بيغضب ربنا ،أنا نفسي أعرف إزاي بتصلي وبتشرب ؟, إزاي حجبتني وبتشرب, إزاي دايما بتدافع عن المظلوم في الحارة وأنت بتشرب, إيه يا حازم في إيه متبقاش متناقض !
رفع حاجبه مع قوله'
-مش تناقض ،بس يا ستي مافيش حد كامل، كلنا فينا عيوب وكلنا بنغلط!
-وأنا مقولتش حاجة يا حازم، اغلط بس اتعلم من غلطك ..مينفعش تستمر فيه ..
-ما أنا قلت بحاول يا ستي أنتِ هتصدعيني على الصبح ليه ...

أشارت له قائلة بغيظ:
-شوفت هتقلب عليا إزاي ؟!
اقترب منها ممسكا برأسها وراح يقبله مع قوله:
-يا ستي لا هقلب ولا حاجة وبعدين متنسيش انك غلطتي فيا امبارح برضوه وأنا عديت بمزاجي ..ها!
-أنت اللي استفزتني بسبب كلامك ..
-طب خلاص يا ساندرا خلاص ..ممكن نفطر بقى ولا إيه ؟!
هزت رأسها بهدوء لكنها أردفت بعناد:
-مش قبل ما توعدني إنك هتبطل ...
تنهد قائلا:
-ماشي يا ستي أوعدك !

انسابت دمعاتها واحدة تلو الأخرى وهي تُشاهد صور والدها عبر هاتفها المحمول، لتهمس من بين دموعها:
-ربنا يرحمك يا بابا.
توجه "علي" إليها وجاورها قائلا بخفوت وهو يمسح على شعرها:
-الله يرحمه ..
ردت بحزن:
-يارب ..كل لما بفتكره يا علي بحزن جدا ،مات فجأة كدا وأثر فيا أوي ..
-الله يرحمه ويغفر له يا حبيبتي كلنا هنحصل بعض ..

اومأت برأسها قائلة:
-فعلا ..ربنا يرحمنا جميعاً.. عاوزة أعمله صدقة جارية يا علي ..
-نعمله يا حبيبتي، بس متزعليش عشان خاطري..الزعل وحش عشانك يا ريمو ..
ابتسمت وهي تمسح دموعها العالقة مع قولها:
-أنا مش بزعل طول ما أنا معاك يا علي، ربنا يديمك نعمة في حياتي يا حبيبي ..
ثم صمتت قليلاً قبيل أن تضيف بحذر:
-علي ...

رد عليها مهتما:
-نعم يا ريمو ..
أرجعت خصلة من خصلات شعرها خلف أذنها، وقد قالت برقة:
-نفسي أبقى أم ..
تنهد علـي وقربها منه قائلا بهدوء:
-عارف ..بس للأسف مينفعش ...خطر جدا وأنتِ عارفة!
-بس أنت ذنبك إيه يا علي ..أنا دايما بعاتب نفسي و...
قاطعها بجدية قائلا:
-إيه الكلام دا؟! وأنتِ كمان ذنبك إيه يعني؟!

-ذنبي إني حبيتك وفضلت وراك لحد ما اتجوزتك يا علي ..
ضحك علي مقهقها ..ثم قال من بين ضحكاته:
-والله؟ ..دا على أساس إني مكنتش بحبك وبموت فيكي مثلا ؟! يا حبيبي دي إرادة ربنا وأنا راضي ومبسوط كدا بحياتي ...
-بس أنا خايفة يا علي..
-من إيه بس.
أخبرته وعيناها تتلألأن بعبرات حارقة:
-من يوم ..تكون فيه زهقت ..نفسك تكون أب ..زهقت مني شخصيا ومن مرضي ..

ابتسم ممسكا بذقنها وقد أخبرها بصدق:
-هو أنا كل شوية أزعق وأقول إني بحبك جدا ؟! وإنك ست البنات كلهم؟! ميرال بلاش بقى الكلام دا أنتي كدا متعرفيش غلاوتك عندي وكدا بجد هزعل واخر مرة هقولك انسي الكلام دا وإلا هزعل فعلا والله ..
تعلقت في عنقه وقد قالت بدلال راق له:
-ماقدرش على زعل "علي" كله إلا علي ..
-طب كدا الامتحان هيروح عليكي ولا أنا متهيألي ؟!

هبت واقفة وركضت إلى خزانة ملابسها مع قولها المرتبك:
-كدا يا علي كنت هتنسيني الامتحان ..
-أنا برضوه! ماشي!
عادت إليه وهي تحمل الثياب ثم ألقتهم على السرير واقتربت من المرآة تنوي تزيين شفتيها ووضع القليل من مستحضرات التجميل..لكنها ألقتهم على الفور ما أن آتاها صوته الجهوري وهو يقول بعصبية:
-بتعملي إيه ؟؟؟؟

ابتلعت ريقها وابتعدت عن المرآة بهدوء قائلة بحزن:
-ولا حاجة مش بعمل ..
هو بصلابة:
-أها بحسب !
مطت شفتيها بطريقة طفولية وشرعت في ارتداء ملابسها بخجل، ليبتسم وهو يقول يحاول ارضائها:
-أنتِ زي القمر لوحدك فمينفعش تحطي أي حاجة أنا مش هستحمل !

راحت تمشط شعرها الطويل المُهلك أمام المرآة بضيق وهي تقول بتذمر:
-اوف معنديش وقت أسرح شعري، لو سمحت يا علي متتكلمش خالص دلوقتي أسكت ..
قهقه ضاحكا وهو ينهض متجها نحوها وقد عانقها مستندا بذقنه على كتفها قائلا:
-بتزعقيلي؟
حركت رأسها سلبا بخجل، فأخذ منها ممشط الشعر ليقوم هو بتصفيف شعرها بحب شديد ،ثم ألقى كل تركيزه على خصلات شعرها العسلي قائلا بتنهيدة حارة:
-شعرك حلو اوي يا ريمو ..

فقالت بلا اكتراث:
-بفكر أقصه بيضايقني كتير ..
رفع حاجبه محذرا:
-اوعي ..والله ازعل وأجيب ناس تزعل!
ضحكت برقة واكتفت بالصمت، ليقول باهتمام:
-أعملك ضفيرة؟
-أيوة بس بسرعة بقى عاوزة الحق ألف الطرحة وألحق الامتحان يلا علي بسرعة يا علي ..
-عنيا حاضر عنيا!
قالها مقلدا إياها فضحكت مرة أخرى وهي تقول:
-كدا يا علي!
انتهى أخيرا من عمل الجديلة ..ليقول وكأنه قام بإنجاز هام:
-أخيرا ! ..

بعد مرور الوقت ..
طُرق الباب في منزل "علي" ،فتوجهت "چنا" كي تفتح الباب ،قالت ما ٱن فتحت بتساؤل:
-حضرتك مين؟!
فأجابت سيدة عجوز بشوشة الوجه:
-إزيك يا حبيبتي أنا جارتكم الجديدة ..
چنا مبتسمة بهدوء:
-اه أهلا وسهلا
-أهلا بيكي يا حبيبتي، ماما موجودة ..

دخلت چنا كي تنادي والدتها، وبالفعل بعد قليل قد حضرت السيدة سميرة قائلة بابتسامة:
-اتفضلي ..
فقالت السيدة مبادلة إياها الابتسامة:
-صباح الخير ،أنا أسفة إني بخبط عليكم ..
-لا متقوليش كدا تنوري ..

-النور نوركم والله، أنا بس كنت جاية أعتذر عشان إبني خبط عليكم امبارح وطلب حاجات يصلح بيها حاجات في الشقة، أحنا أسفين لو سببنا لكم أي إزعاج ..
فقالت سميرة بهدوء:
-لا أبدا دا حتى الجيران لبعضها يا حبيبتي..
-تشكري كلك ذوق والله ..متؤمرنيش بحاجة؟!
-يا حبيبتي الامر لله تسلمي
-سلام عليكم ..

انصرفت السيدة ..وأغلقت سميرة الباب ،قائلة لإبنتها:
-شكلها ست طيبة أوي ..وبيني وبينك يا چنا علي أحرج الولد أوي ..
چنا بتأكيد:
-أيوة بصراحة ..بس هو عمل كل دا عشان بيغير على الست ميرال بتاعته ..
-مش مراته يا چنا ،كل راجل بيغير على حبيبته يا بت ..

ضحكت خاتمة جملتها ،ومن ثم استأنفت:
-عقبالك لما ربنا يرزقك بابن الحلال يا چنا وأطمن عليكي ويحبك كدا زي ما علي بيحب مراته ويخاف عليكي ..
ابتسمت چنا قائلة بسخرية:
-ابن حلال إيه يا ماما أنا خلاص كبرت وكمان مبقتش أفكر في الموضوع دا ..
-حرام عليكي متقوليش كدا في وشي أنا عشمي في ربنا كبير.. بكرة يجيلك نصيبك ..
-إن شاء الله يا ماما ....

ولجت "رغدة" إلى محل الملابس الذي تعمل به، وهي تبتسم كعادتها حينما تدخل هذا المكان، لينهض رجل في عقده الستين ناظرا لها مبتسما أيضاً قائلا بغمزة من عينيه:
-صباح الفُل ..
بينما يتابع بغزل صريح:
-والجمال والحلاوة على زينة البنات ..

ابتسمت رغدة بخجل وقالت:
-أسفة اتأخرت النهاردة شوية معلش أصل رحت الجامعة الأول وبعدين رجعت تاني على بيتنا عشان أدي لمرات أخويا المحاضرات أصلها بتروح على الامتحانات بس وأنا اللي طالع عيني بجد ..
ختمت جملتها بضحكة ناعمة، ليقول ضاحكا::
-حنين اوي ..
جعلها تضحك مرة ثانية بصوت أكثر نعومة ودلال، لكنها ابتلعت باقي ضحكاتها هذه فجأة عندما وجدته أمامها !!

نعم شقيقها حـازم ..الذي دخل الآن إلى المكان ووجه محتقن بدماء الغضب، فيما يهتف بصرامة قاتلة:
-ويا ترى بقى يا حاج سعيد أنت بتشغل بنات الناس عندك عشان المسخرة دي ؟؟
-جرى إيه يا حازم حاسب على كلامك يا أخي!
-أحاسب على كلامي؟!
هكذا قال وهو يقترب منه، بينما يتابع بغضب:
-طب ما تحاسب أنت على بنات الناس، يا أخي عيب على سنك دا والله!

-حازم..أنت بتتكلم كدا ليه! أختك في الحفظ والصون!
-حفظ وصون! هو فين دا يا معلم؟! انا كل اللي شوفته دلوقتي ضحك ومسخرة!!
تنهد الرجل وقال بجدية شديدة:
-طب من الآخر كدا أنا عاوز أختك في الحلال يا حازم ..

حازم وقد نظر إلى شقيقته بصرامة, ثم عاد ينظر إلى سعيدة بعينين حادتين قائلا بلا تجميل للكلمات:
-طلبك مرفوض، معندناش بنات الجواز، ولا كمان فيه شغل بعد النهاردة ....يلا يابت ..
شدها معه من ذراعها وخرج بها خارج المحل قائلا:
-أقسم بالله لأعلمك الأدب يا رغدة ..
يتبع..


رواية لمن يهوى القلب الجزءالأول الفصل الرابع عشر بقلم فاطمة حمدي



-أنت مالكش حكم عليا ومتعالمنيش بالهمجية دي !!
كانت جملتها القاسية تلك مُوجهة لـ شقيقها حـازم الذي برقت عينيه بوهج شرس غاضب، ليهوى بصفعة عنيفة فوق وجنتها تليها صفعة أخرى مع قوله الحاد:
-إومال مين له حكم عليكِ؟؟ , أنتِ خلاص عيارك فلت بس أنا هعلمك الأدب يا رغدة أوعي تكوني فاكرة إني ممكن أسيبك تمشي على كيفك!

بكِت رغـدة بقلة حيلها وجراء تألمها من صفعتيه القويتين، لتقول من بين دموعها:
-بابا الله يرحمه بس اللي كان من حقه يعمل كدا ،لكن أنت لأ ،احكم مراتك متحكمنيش ..
فقال حازم ساخرا:
-سيبك من كل الكلام الفارغ دا اللي مش جايب همه، كأني مش سامعه أصلا ،خروج من البيت مافيش جامعة مافيش ،مافيش أي حاجة، ولو جدعة إبقي خطي برجلك برا عتبة الباب وإن مقطعتهاش قولي على أخوكي مش راجل يا رغدة ..


أنهى كلامه وانصرف في عصبية تامة، بينما واصلت رغـدة بكاؤها العنيف ..في حين كانت والدتها السيدة فوزية تجلس مُتفرجة فقط ..لم تتدخل حتى بكلمة واحدة لأنها ترى ابنتها على خطأ.... هذا أفضل لها حتى وإن كان يُمزق قلبها الآن .. فـ غدًا ستفهم جيدًا ..

-"بنــچور" ..
كانت هذه كلمة تمــارا التي انضمت إلى مائدة الإفطار التي أعدتها السيدة چيهان كعادة كل صبـاح، بينما قالت السيدة چيهان بهدوء:
-صباح الخير يا تمارا ..
ولم تتكلم ملك التي كانت تجلس على كرسيها ،في حين وضعت تمارا كف يدها على بطنها ومسحت عليها برفقٍ مع قولها:
-طول الليل يا طنط چيهان والبيبي بيلعب بجد مش عرفت أنام كويس!


چيهان مجيبة عليها بجدية:
-آه ما أنتِ بقى دخلتي في الشهر الخامس، لازم تستعدي لأنه هيتحرك كتير ..
ضحكت تمارا متابعة بمزاح:
-شكله هيكون شقي أوي.
أتى أدهم في هذا الحين ليشاركهن طعام الإفطار وهو يقول بنبرة هادئة:
-صباح الخير ..
فردت ملك على الفور تبادله:
-صباح النور ..


منحها ابتسامة عابرة وبدأ تناول طعامه، بينما هي لا تصدق أنه يبتسم لها من جديد، فيما تشتعل نيران الغضب داخل تمـارا التي ضاقت عينيها بوميض شرس، لكنها حاولت أن تبدو طبيعية وهي تقول برقة:
-أدهم حبيبي النهاردة لازم نروح للدكتور عشان أنا حاسة بارهاق.
أومأ أدهم برأسه قائلا:
-تمام، بس أنا النهاردة بصراحة مش فاضي يا تمارا، ممكن تروحي مع ماما أو مامتك أنتِ براحتك بقى ..

كشرت تمارا عن جبينها, بينما تقول والدته چيهان بجدية:
-بصراحة أنا كمان مش فاضية النهاردة يا أدهم أنا راحة لـ ميرال، دي وحشتني موت، مش هقدر يا تمارا سوري حبيبتي ..
زفرت تمارا بحنق وراحت تخبره بضيق:
-بس أنا عاوزة أروح معاك أنت يا أدهم فضي نفسك no problem يعني، دا ابنك وأهم من الشغل ولا الشغل أهم ..
نهض أدهم عن كرسيه بعد أن أنهى طعامه بينما يخبرها بحزم:
-إبني أهم طبعا، بس برضوه مش فاضي النهاردة ،تقدري تنستني لما أفضى لو وجودي هيريحك أوي كدا تمام؟! ..سلام!


انصرف ونهضت هي تاركة الطعام بغضب، فضحكت السيدة چيهان مع قولها::
-ربنا يهديها، بقولك إيه يا ملوكة إيه رأيك تيجي معايا عند ميرال؟!
ملك بنفي:
-لا معلش أعفيني أنا يا طنط، حاسة بارهاق كدا وهطلع أريح شوية..
-على راحتك حبيبتي ...

تخجل الأنثى دائماً أن تبوح بمشاعرها الخاصة لأحد، ربما تشعر بما يؤرقها لكنها تخجل أن يعلم أحد ..
ماذا تقول خاصةً وإن كانت المشاعر التي تؤرقها تلك تخُص أمر "الزواج"!
بماذا تنطق ومن سيتفهم تلك المشاعر ..؟
أتريد رجل؟!
أهذا فقط حُلمها ؟! ..

سيقولون ويتساءلون ويُئنبون!
ستسمع ما لا يُحصى عدّه من الكلمات .."الزواج نقمة" وحالك أفضل ..
الزواج حِملا ثقيلا يقسم الظهر ويشطر القلب إلى نصفين....
فماذا عن كلام الله!
"ومن ءاياته أن خلق لكم من انفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون"
هذا يعني أن الزوج سكن لزوجته والزوجة سكن لزوجها سكن تغشاه المودة والرحمة ...

فتنبت جذور الايمان في هذا السكن وينمو بشكلٍ يرضي الله ..
لمَ أخشى أن أبوح بأنني أريد الزواج ؟ ..
فلا هي معصية ولا هي فاحشة!
فلمَ قال عليه البعض أنه نقمة وقد وصفه البعض الآخر بأنه لعنة ...؟!

-كانت تلك كلمات خرجت للتو من صميم قلبها على الأوراق الخاصة بها والتي لا يعلم عنها أحد غيرها، فشعرت "چنا" بعد هذا البوح أنها تتنفس هواءً جديدًا أراح نفسها ..
لتقوم وتخبئ أوراقها أسفل ثيابها في دولابها الخاص، وعادت إلى النافذة تتابع الشارع بعينيها المليئتين بكل ما تحمل داخل قلبها ..
طُرق الباب فجأة فالتفتت متجهة إليه وفتحته بهدوء، ليدخل "علي" بطلته المُشرقة قائلا بمراوغة:
-ممكن ادخل يا آنسة چنا ؟

أومأت برأسها وقد افترت شفتيها عن ابتسامة هادئة، حاوط علـي كتفيها بذراعه في حنان أخوي ،وجلس بها على سريرها ليقول هادئا:
-ها الجميل أخباره إيه؟
-تمام ..
هكذا قالت بتنهيدة طويلة، فقال مشاكسا مرة أخرى:
-الأفضل نقول الحمدلله،. هفضل أعلم فيكي لحد امتى؟
ضحكت رغما عنها مع قولها:
-الحمدلله يا سيدي، حلو كدا؟

هز رأسه معجبا وقال:
-حلو جداً، ممكن أعرف بقى يا ست چنا إيه اللي مضايقك كدا على طول؟! ليه شايف الحزن في عينيكي دايما؟
ارتبكت في قولها:
-مافيش ..عادي ..
-مافيش وعادي؟!
لا يا چنا فيه ومش عادي، بصي يا چنا اوعي تفتكري إني مش حاسس بيكي أو مطنشك ..بالعكس خالص، أنا بس سايبك على راحتك ..عارف إنك خجولة جواكي كتير ،عصبيتك اللي بتطلعيها مع ميرال أو معايا أو ماما حتى دي بسبب حاجات كتير ..اولها وفاة بابا مظبوط كدا؟ ..

هزت رأسها وقد نظرت إلى الأرض ولألأت عينيها بالعبرات ...
ليُكمل علي بابتسامة:
-كمان فيه أسباب تانية زي الروتين اليومي الممل ..زي إن الكل بيتحرك من حواليكي وأنتِ واقفة مكانك ... زي إن صحباتك كلهم اتخطبوا واتجوزا وخلفوا وأنتِ لسة مظبوط؟!

نظرت له بصدمة تشوبها الخجل الشديد، ابتلعت ريقها بصمت ..ليقول علي:
-أنا أخوكي يا چنا ..متربيين مع بعض على الحلوة والمُرة زي ما بيقولوا فطبيعي أحس بيكي وبمشاعرك حتى لو مشاعرك دي هتخليكي تتكسفي مني، صدقيني أنا حاسس من غير ما تتكلمي ..بس يا حبيبتي كله مقدر ومكتوب فوق عند ربنا ...وربنا مبينساش حد رزقك وهديتك الحلوة على صبرك هتجيلك صدقيني ..

طال صمتها ولم تقدر على النطق بكلمة واحدة خجلا من شقيقها.. فراح يحتضن وجهها بين كفيه قائلا بابتسامة:
-تعرفي؟ ،أنا فخور بيكي جدا .. عارفة ليه؟, عشان صونتي نفسك رغم كل حاجة ..مفكرتيش في حاجة غلط ..صبرتي عارف إن الصبر دا حاجة مش اي حد يقدر يتميز بيه ..لكن أنتِ كنتِ قدها ..صامدة كدا وقوية وكل يوم بتكبري في نظري رغم تصرفاتك الأخيرة اللي خلتني أزعقلك أو أعاملك بحزم ..

ابتسمت چنا وقالت بلا تردد:
-شكرا يا علي ...أنا والله ماليش غيرك أنت وماما متزعلش مني على أي حاجة عملتها ..
-مش زعلان منك طبعا يا عبيطة، المهم إنك تفرفشي وتنسي أي حاجة وترمي ورا ضهرك أوك ؟!
أومأت برأسها موافقة فيما تقول برفق:
-حاضر ...

خرجت ملك من غرفتها واتجهت إلى درجات السلم، بينما لحقت بها تمــارا التي نادت عليها بشراسة مستغلة أنها بمفردها معها، سيكون الحديث أفضل في عدم وجود السيدة چيهان التي خرجت لتوها من القصر، راقبتها ملك بعينين حادتين وهي تتجه نحوها بتمهل ..لتقول باستهجان:
-شيفاكي لسة عندك أمل إن حياتك مع أدهم ترجع تاني، ومتمسكة وعنيدة ..
- أنتِ مالك ؟!، يخصك في إيه؟!؛

ضحكت تمارا بتهكم شديد:
-يخصني في إيه؟! دا جوزي يا حبيبتي ..وأنتِ مجرد فترة في حياته وهتنتهي .. أنا الأصل وهفضل طول عمري الأصل .
بادلتها ملك سخريتها تلك بسخرية مماثلة، لتخبرها ..بل تُذكرها:
-أنتِ الأصل؟!, أنتِ؟! ...لا أنا الأولى في حياته وأنتِ الدخيلة ..عارفة يعني إيه دخيلة؟ يعني بالبلدي كدا وبمستوايا أنا مش مستواكِ أنتِ ... "رميّة" معندكيش كرامة ..وفضلتي معاه بالغصب ..ووقعتي بينا عشان بس تفوزي ..أتمنى تكوني مرتاحة كدا ومبسوطة من تفكيرك الشيطاني اللي زيك ..

اشتعلت عينيها بوهج غاضب للغاية، لتهتف بكبرياء::
-آه ما أنتِ تربية حواري كدا زي ما بتقولوا أنتوا بمستواكي ..دا إن كنتي اتربيتي أصلا .. أنتِ مجرد واحدة ملكيش تمن..
لم تتحمل ملك حينها تلك الإهانة فـ
دفعتها ملك بعنف جراء كلماتها اللاذعة فقد نفد صبرها، لكنها لم تدرك أن الدرج خلفها، وأنها ستسقط من أعلاه إلى أسفله بهذه الطريقة وستفقد وعيها تماماً...........

دخل "علي" إلى المطبخ فجأة لتتسع عينيه بصدمة ،حيث شهقت "ميرال" وقامت بخفي شيء ما خلف ظهرها، وقد علم ما تخفيه هي "شوكولاتة" تلك لعنة حياتها ...
لتجعله يثور عليها صائحا:
-أنتِ بتهزري يا ميرال؟؟؟؟ ،لا أنتِ كدا مبتفهميش ..عاوزة توصلي لأيه؟ عاوزة تموتي ؟؟ معقول أنتِ بتفرطي في صحتك بالشكل دا؟

نظرت إلى الأرض بصمت وحزن ولا تجد من الكلام ما تتفوه به الآن، لتنتفض صارخة حيث أطاح علي بالأطباق الموضوعة على رخام المطبخ في عصبية تامة ...
التصقت في الحائط خوفا منه وارتجفت بشدة، لتأتي والدته من خلفه وچنا يحاولان تهدئته ...لكنه تابع بحزم:
-أنا مش هتعامل معاكي تاني، عشان أنتِ مستهترة ومهملة ..ومش فاهمة أي حاجة في أي حاجة ..لسانك ميجيش على لساني أنتِ فاهمة ولا لأ .. ؟؟؟

انهمرت عبرات ساخنة من عينيها المتعبتين.. ولم تجرؤ على قول شئ أيضا ..بينما هو تركها متجها إلى خارج المطبخ ..فأسرعت والدته تضمها إليها وتربت على ظهرها برفق مع قولها الحاني:
-علي خايف عليكِ يا ميرال يابنتي أنتِ عارفة كويس إيه اللي هيحصلك بسبب السكريات يا حبيبتي أنتِ بتضري نفسك كدا !
لم تجد منها رد ..فقط شهقات خافتة كانت تخرج منها، ماذا تفعل عندما تشتهي اكل ما تحب ..؟, لقد سئمت مرضها الذي حرمها من أبسط الأشياء ..وجعلها مهددة بين الثانية والأخرى...

بعد مرور ساعة ...
انطلقت سيارة الإسعاف تحمل تمارا إلى أقرب مستشفى، وقد أخبرت ملك زوجها أدهم والسيدة چيهان أيضا التي عادت من منتصف الطريق في قلق بالغ..
وهناك بعد أن وصلوا إلى المستشفى جميعا قد أخبرهم الطبيب أنها في حالة خطر جراء هذه الوقعة العنيفة ..وأن الطفل الذي يسكن أحشائها في خطر شديد أيضاً.. ربما تفقده ...

جن جنون أدهم فهو يشتاق لأن يرى مولوده وليس بغنى عنه مهما كلفه الأمر !
ليقول بتوسل:
-أرجوك إعمل اللي تقدر عليه أرجوك
ليقول الطبيب بمهنية:
-حاضر يا فندم خير إن شاء الله..
ربتت چيهان على كتفه بمواساه ..بينما هو التفت إلى ملك التي كانت تناظره بريبة شديدة وتزدرد ريقها فها هي الأمور تزداد سوءا..

لتقول بخوف شديد:
-مـ مكنش قصدي ..والله ما كان قصدي ..
تراجعت للخلف عندما وجدته يقترب وظنت للحظة أنه سيضربها ..سيحطمها ..سيعلمها كيف يكون عقابه بعد أن كادت تقتل إبنه ...
لكنه خالف كل توقعاتها ..بل أطاح بها أرضا ..حين صرخ بوجهها وألقى قنبلته بلا رحمة:
-أنتِ طالـــق...!

-أدهـــم !!!
هتفت والدته بغير تصديق به ..أما هو فقد أدمعت عيناه وكأنه طعن نفسه وقلبه !!!

وعنها هي !!!!
هذه الكلمة -لها- كانت الطعنة .....الناهية ..
هل هذه الكلمة كانت موجهه لها هي ليس غيرها؟
طلقها أدهم ؟
حركت رأسها بعنف شديد وركضت ببكاء شديد كما لم تبك من قبل ..

سارت تركض في الطريق بغير هدى والدموع تسيل من عينيها المكسورتين بعد أن تلقت منه تلك الكلمة التي كانت بمثابة صفعة على قلبها, وكأنه شطر قلبها إلى نصفين وقضى على أملها الضعيف في رجوعه لها ..
لقد خسرت أدهـم إلى الأبد ...كيف ستواصل حياتها الآن؟

كيف ستعيش ..؟
وإلى أين تذهب؟ ..حطّم حياتها أدهم ..
أخرجها من حياته لأجل تمارا .. إذًا فازت تمارا به ..
وهي !!
هي خسرت كل شيء...
وعليها الآن الرحيل بلا عودة ...
يتبع..


رواية لمن يهوى القلب الجزء الأول البارت الخامس عشر بقلم فاطمة حمدي



"اسبوعين ..قد مرّا"
مرّا على أدهم كعامين ..عامين من الحزن كما لم يحزن من قبل ..ما الذي يحدث من حوله؟
أي لعنة حلت عليه وتركته حُطام هكذا ؟ ..
لمَ انقلبت حياته رأساً على عقب في غمضة عين ؟!
وبات مهددا محطما لا يقوى على العيش مجدداً!!
هل بالفعل طلق زوجته "ملك" ؟!! بهذه السهولة استطاع الاستغناء ..!!!

لم يعرف عنها شيئا من ذلك اليوم ..أسبوعان كاملان..
لا يعرف إلى أين ذهبت ..وما حالُها الآن ..كيف تعيش ..ماذا تفعل؟!
لم يستطع حتى الاتصال بها ..هي قتلته مرتان ..
لم تنجب منه بكامل إرادتها....وكادت تقتل ابنه عمداً ..هكذا ظن!!
شعر بنفسه يضيق عليه أكثر ..
إنها الحسرة ..
هو يشعر بالحسرة..الخسارة ..ولا شيء بعد ذلك!


دخلت والدته السيدة چيهان ..وهي في حالة حزن وضيق من أمر إبنها الأكبر ..
هو قارب على الضياع ..
كلا هو بالفعل ضائع!!
عيناه حمراوان بلون الدماء ..وملامحه مجهدة وبقوة ..لا يتكلم ..لا يأكل جيدا ...لا يعمل ..لا ينظر حتى إلا للفراغ ..
الفراغ؟! وأي فراغ تركته ملك ...فراغ أشبه بالجحيم ..


-أدهم؟
نادته والدته بخفوت ..ربتت على كتفه وتابعت قائلة:
-ما هو كدا مش هينفع ..أمسك نفسك هو اللي أنت فيه دا هيعمل لك إيه؟, متبقاش سلبي متعودتش عليك كدا!
لم تتلق منه رد أيضا ..فقط صمت ..لكنه أغمض عينيه هاربا من أي نظرة عتاب منها أو لوم ..
فيسمعها تستكمل:
-طب على الأقل شوف تمارا اللي خرجت ولا عملت حساب لصحتها واللي في بطنها!!!!
لا رد أيضًا...
فخرجت بيأس من الغرفة وتركته مجددًا في عتمته ...


-بشويش عليها يا حازم ..مش كدا!
أردفت ساندرا وهي تجاور زوجها حازم في جلسته ..بينما يتنهد بضيق ويُخبرها:
-دي بتقولي مالكش حكم عليا! ..إزاي بتكلمني بالطريقة دي؟
ساندرا متفهمة وضعه وبهدوء أضافت:
-ما هو أنت برضوه ضربتها جامد يا حازم ...وبدون ما تتناقش معاها الاول، كان لازم تفهمها بهدوء غلطها وهي كانت هتتقبل ..
هتف بعدم اقتناع:
-هدوء إيه؟, دي قليلة الرباية..لازم أربيها ..


-يا حازم التربية مش ضرب ..يا أخي متبقاش عنيف كدا اسمعها وحس بيها ..
حازم بلهجة تهكمية:
-ياما سمعتها ..مافيش فايدة ..كل لما بتكلم معاها بلاقي عندها طمع رهيب ...دايما طلباتها مبتخلصش ...عاوزة كل حاجة ...مش راضية باللي ربنا قسمه!
ربتت ساندرا على يده وقالت:
-جرب تتكلم معاها دايما متيأسش يا حازم ..في الأول والأخر أنت المسؤول عنها والعصبية اللي أنت فيها دي هتتعبك وتتعبها ..معلش خليها عليك أنت برضوه أخوها الكبير في مقام باباها الله يرحمه ..

تنهد بثقل وراح يهز رأسه موافقا على كلامها ..ثم أغمض عينيه متعبا ...
لتقول ساندرا بهدوء:
-طب أنا هروح اتكلم معاها ..


جلست في غرفتها تتصفح تطبيق "الفيسبوك" عبر هاتفها الخاص, تتابع أخبار أصدقائها عليه بابتسامة وشغف, حيث أعلنت احداهن عن موعد عقد قرانها ,ابتسمت بهدوء وشعرت بالحنين ..مشاعر كثيرة تسربت إلى قلبها ..ودعت أن يمنح صديقتها تلك السعادة ..
أغلقت "چنا" الهاتف ونهضت خارجة من الغرفة, توجهت إلى صالة المنزل حيث توجد والدتها ...جلست قبالتها وهي تقول برجاء:
-ماما ممكن أخرج؟

والدتها باستغراب:
-تخرجي تروحي فين يا چنا؟
-أي حتة النادي الحديقة اتمشى حتى أي حاجة يا ماما بجد اتخنقت من قعدة البيت ..
-يا حبيبتي طب هتخرجي لوحدك إزاي ...
چنا بتنهيدة طويلة:
-يا ماما ما أنا معنديش صحاب خالص، عشان خاطري..
تابعت السيدة سميرة برفق:
-طب إيه رأيك تخرجي مع ميرال؟


-ميرال من يوم ما علــي سافر وهي مش بتخرج من أوضتها ومش بتتكلم أصلا معانا ..وزعلانة عشان علـي مشي وهو مخاصمها ..
تنهدت الأم بصوت عالي وقالت:
-طب خلاص انزلي وخلي بالك من نفسك بس عرفيني هتروحي فين؟
-هروح النادي يعني ساعة ساعتين كدا مش هتأخر يا ماما ..
-ماشي يا حبيبتي،يلا قومي ..
نهضت چنا وهي تبتسم باتساع لوالدتها ثم قبّلتها بامتنان واندفعت إلى غرفتها كي تبدل ثيابها....

وفي غرفة "ميـرال" ..
كانت تجلس في شرفتها وهي ترتدي حجابها الذي باتت تعشقه منذ أن تزوجت ..
وبعينيها لمعة من الحزن ..حيث أن "علي" يُحادثها دائماً باقتضاب ...
يسألها عن موعد علاجها... ونظامها الغذائي فقط ..
لا يغازلها كعادته ولا يمرح معها ..
لا يُدللها كطفلته كما يفعل دوماً..

ابتسمت ميرال ..رغم كل شيء يهتم بها ..حتى في غضبه منها !..
لقد اشتاقت حقا له وللغاية ..
لذا التقطت هاتفها وحاولت الاتصال به ..مرة ...
وفي الثانية وصلها صوته الحبيب ..وهو يردد كعادته مؤخراً باقتضاب:
-نعم؟

فقالت بتنهيدة عميقة حملت اشتياقها له:
-كفاية بقى يا علي ..بجد أنا مش عارفة أرضيك إزاي ..
-أنا مسافر في شغل ..مش بتفسح يا ميرال يعني مش هعرف أكلمك تمام ..
-لا مش تمام ..يولع الشغل يا علي !
صرخت بنفاد صبر وهي تخبره بذلك, ليتنهد قائلا بهدوء صارم:
-أنتِ بتزعقيلي يا ميرال؟
تراجعت وخفضت صوتها متابعة:
-مش بزعقلك ..أنت وحشتني أوي ..أنت هتيجي إمتى طيب؟

رد بجدية:
-كمان إسبوع ..
-إيــــه!! أنت بتتكلم جد؟
-ميرال بجد مشغول اقفلي ...
سمع صوت آناتها الخافتة ما أن أنهى جملته، وقد علم أنها تبكي الآن ..
فقال برفق:
-بطلي عياط ..هكلمك والله بعد ساعة ..أخلص بس عشان دلوقتي مش هينفع .. تمام؟
مسحت دموعها وقالت هادئة:
-هستناك ..بس أنا محتاجة أطلب طلب ممكن؟
أجاب بجدية:
-ممكن ..

-عاوزة أروح القصر ..عاوزة أتكلم مع أدهم عشان ماما قالتلي إنه حالته صعبة أوي ..
-ماشي بس خلي بالك من نفسك ومتتأخريش وإلبسي حاجة واسعة يا ميرال ومش ملفتة تمام؟
ابتسمت بحب قائلة:
-حاضر ..أي أوامر تانية؟
ابتسم هو الآخر قائلا:
-كلميني لما توصلي وبعد ما ترجعي ..ومتاكليش أي حاجة هناك عشان لو كلتي هعرف ..
-حاضر ..إيه تاني؟
-اقفلي بقى عشان كدا خطر!
أغلقت الهاتف وهي تضحك بعفوية، ثم نهضت ترتدي ملابسها بحماس....

بونســـوار ...
قالتها ما إن دخلت إلى القصر الآن، وكانت في حالة هيستيرية شديدة، تترنح يمنى ويسرى وبيدها لفافة تبغ تدخنها بلا مبالاة وكأنها لا تحمل بداخلها جنين!
لم تنتبه إليه وهو واقفاً على بُعد عدة خطوات منها ..ينظر لها بصمت مريب ..عيناه جامدتان للغاية ..
دندنت بخفوت وهي تتجه نحو الدرج ،فاصطدمت به ونظرت إليه ...
اشتبكت عينيه بعينيها وتبادلا النظرات ..

ابتسمت تمارا آنذاك وهي تقول بلا اكتراث:
-أنت هنا يا بيبي؟ ..حبيبي وحشتني ..
اقتربت أكثر تعانقه باحتياج... احتياج له .. للمسة منه ..لعودته ..
لكنه لم يبادلها ..بل أبعدها عنه مشمئزا..:
-ابعدي عني ...،،، ثم صاح بها بشراسة شديدة:
-أنتي إزااااي تتجرأي وتعملي كدا ؟؟؟ بتسكري وتشربي سجاير وأنتي حامل في ابني ؟؟ أنا طلقت ملك ...ملك مراتي عشان خاطر إبني فما بالك أنتي بقى هعمل فيكي ايه لو اللي في بطنك جراله حاجة ؟؟؟

نظرت له بسخرية تامة ..أكملت تدخين لفافة التبغ إلى أن انتهت منها ..ألقتها على الأرض ودهست عليها بقدمها ..لتتابع بنفس السخرية:
-للدرجة دي بعدها دمرك؟!! .لسة بتحبها هي وبايعني أنا !! رغم كل اللي عملته عشانك!!
رد عليها بسخرية مماثلة:
-إيه اللي عملتيه عشاني؟
زاغت عينيها ه‍نا وهناك ولا تعلم الرد!!
ما الذي فعلته تمارا لأجل أدهم؟!
-إبني ..

ها هي ترد عليه، متابعة بعصبية شديدة:
-إبنيييييي هو دا بقى اللي أنا عملته عشانك يا أدهم يا جزار!
ضحك بسخرية والتف موليها ظهره قائلا:
-يعني عليه هيطلع يلاقي أمه إيه ؟ بتشرب خمرا ؟, سجاير؟ ..بتروح أماكن زي الزفت على دماغها زي الديسكو ؟؟ ..ونعم الأم بصراحة..
كانت صامته ..صدرها يعلو ويهبط بفعل انفعالها ...صوت أنفاسها يعبر عن مدى غضبها الآن ..

بينما يستطرد أدهم بشراسة قاسية:
دا هيكون آخر كلام بينا ..لو رجعتي بالمنظر دا تاني هتطلقك ..وبالتلاتة ..أنا أصلا مش باقي عليكي وعمري ما حبيتك أنتِ واحدة دخلتي حياتي بارادتك أنتِ وغصب عني أنا ..فرضتي نفسك عليا وأنتِ واثقة إنك بالنسبة لي ولا أي حاجة .. أنا بقولهالك أهو أنا صابر عليكي عشان اللي في بطنك ولو حصله حاجة مش هكتفي بطلاقك وبس لأ صدقيني هعمل حاجات مش هتتخيليها ..!

لقد اوجعها كلامه.. أهانها ..هو محق ..في كل كلمة وهذا ما يوجعها....
-أنت بتهددني؟ ..بتجرحني بالكلام ؟ ..للدرجة دي يا أدهم أنا رخيصة عندك؟ ماليش أي مميزات؟ أنا فيا عيوب بس؟
-أنا خارج الجنينة أشم الهوا عشان وجودي معاكي أكتر من كدا بيخنقني ..
خرج بالفعل وتركها في حالة يُرثى لها ..سار في الحديقة كبركان قارب على الانفجار ..كعاصفة خامدة ..
يشعر بالقهر ...وكأنه وقع بين نارين ...

نار تمارا التي يخشى أن تكون ظُلمت معه رغم كل شيء..
ونار ملك التي لن تنطفئ أبدا .. نار لن يستطيع أحد اخمادها ..
ستظل تشتعل وتشتعل واما ان تقضي عليه فتجعله مجرد رماد ..
أو تنطفئ بعودتها إلى أحضانه مجددا ..
شعر بشئ خلفه ..التفت فإذا بشقيقته ميـرال تقبل عليه وتعانقه بحنان أخوي ..
تربت على ظهره بمواساة ..وهو استسلم لعناقها باحتياج شديد ..بادلها العناق بصمت وخرجت منه تنهيدة معبرة ..
ليقول بخفوت:
-ميرال ..

-حبيبي يا أدهم طمني عليك ..
ابتعد عنها قائلا بتهكم:
-زي ما أنتِ شايفة ..
جذبته ميرال من يده وسارت به إلى أقرب مقعد قابلها مع قولها:
-تعالى بس يا عم الحزين أنت ..أقعد كدا عشان نعرف نتكلم.. قولي بقى ليه عامل في نفسك كدا؟ ..الدنيا مش هتقف وأنت قد الصدمات يا أدهم ..اتعودت عليك قوي وقد كل حاجة ..
مسح أدهم على وجهه براحة يده، بينما يخبرها بشبح ابتسامة مريرة:
-أنا طلقت ملك يا ميرال .. طلقتها!

تنهدت ميرال وقالت بجمود:
-هو أنت زعلان وأنت اللي طلقتها بكامل إرادتك ...أنت حتى ماسمعتش منها إيه اللي حصل بالظبط ..مش يمكن تكون تمارا كذابة؟ ..وملك أصلا مزقتهاش يا أدهم!
أغمض عينيه بلا حديث... محاولا الهروب من هذه الكلمات ..لكنها واصلت:
-أنت عارف طلقت ملك ليه يا أدهم؟, عشان مجروح منها بسبب اللي حصل منها وحبوب منع الحمل ..لكن السبب مش عشان وقعت تمارا خالص... فمن صدمتك تصرفت بالطريقة دي..

ازدرد ريقه بمرارة شديدة ..في حين ربتت ميرال على ذراعه وقالت:
-أنا حاسة بيك يا أدهم جدا ..عارفة إنك في دوامة كبيرة ..بس لازم تصمد عن كدا وتقرر وتحسم مصيرك كويس ..
نظر لها بهمٍ قبيل أن يردف بحزن:
-خايف أكون ظلمت الاتنين معايا ..ملك لما اتجوزتها في السر ولما أعلنت جوازنا اتفاجئت هي إني أصلا اتجوزت عليها ...وتمارا !

يمكن ظلمتها عشان مبحبهاش؟ وأهانتها كتير عشان مبحبهاش؟ ..منكرش إني بجرحها بالكلام كتير.... بس برضوه هي إنسانة مستفزة وأوي ..عمري ما حسيت حتى اني متعاطف معاها ..دايما مشمئز منها ..كاره وجودها ..غصب عني مش بايدي ..والله مش بايدي ..
حاولت أقرب منها لما كنت بعاقب ملك ..بالفعل قربت بس حسيت إني مخنوق ..ندمان ..شعور غريب بحسه في قربها ...

-أدهم! متجلدش نفسك وتحملها فوق طاقتها ..انسى كل دا ولو حاسس إنك بتظلم تمارا في عيشتها معاك خيرها بين عيشتك وبعدك بعيدا عن اللي في بطنها هو دا الحاجة الوحيدة اللي هتربطكم ..ولو باقي على ملك عاوز تكمل حياتك معاها روح لها وابدأوا من جديد .. كل اللي أنت بتعمله في نفسك صدقني مش هيفيدك بحاجة بل بالعكس هيزود همومك ..أبدا يا أدهم واقف كدا اسد زي عادتك يا حبيبي..

ابتسم أدهم وضم شقيقته إليه متنهدا بعمق، ثم قال متسائلا:
-طمنيني عنك أنتِ..عاملة إيه مع علي؟ مبسوطة؟ ..
فردت بلا تردد:
-مبسوطة جدا، علي أجمل حاجة حصلت في حياتي ..
-ربنا يخليكم لبعض يا حبيبتي...

"بعد مرور الوقت"
كانت تسير چنا فوق رصيف الشارع الذي ستعبر منه إلى المنزل مرة أخرى بعدما قضت وقتا مريحا في الحديقة القريبة من المنزل ..لم تكد تتنهد بارتياح لتتفاجئ شخص ما يقفل عليها الطريق بالدراجةِ النارية الذي يعتليها ..ويلقي عليها كلماتِ في غاية الفظاظة ..يبدو أنه ثمل ربما!

حاولت أن تبتعد في سرعة فلحق بها بدراجته ...مستمتعا بخوفها وتوترها منه ..حاصرها ونوى الاعتداء عليها ..ركضت وصرخت ...لم يكن في الشارع أحد الآن ..ركضت بأقصى سرعة تملكها إلى أن اصطدمت بشخص آخر ..رفعت نظرها إليه وهي تلهث بعنف ..

ففاجئها بأنه حماها خلف ظهره وراح يتعرض للآخر ...حيث قام بمهاجمته وجره جرا من فوق الدراجة مسددا له لكمات قوية ..وركلات عنيفة جدا ..ثم تركه بعد أن خارت قواه ..وتراجع للخلف قائلا بجدية وهو يمسح على جبينه الندي:
-أنتِ كويسة؟
أومأت چنا برأسها وهي تحمد الله، ثم تتابع بامتنان:
-شكرا ليك ..

أشار لها بكف يده كي تتحرك أمامه بطريقة صارمة استغربتها هي للغاية، متابعا بجمود:
-اتفضلي معايا، كدا كدا الطريق واحد وعشان ماحدش يضايقك!
هزت رأسها بايجاب وسارت أمامه على استحياء رغم دهشتها من أسلوبه الحازم ..

-اتكلمت معاها يا حازم ..بس شكلها مصممة على اللي في دماغها!
كانت عبارة ساندرا التي جلست جواره الآن، ليقول حــازم بعصبية تامة:
-يبقى هكسر لها دماغها وعضمها!!
ساندرا بضيق شديد:
-قولتلك يا حازم متبقاش عنيف كدا، صدقني مش هتحل حاجة خليك ذكي!

نظر لها باحتقان متابعا:
-ممكن تطلعي أنتِ من الموضوع يا ساندرا؟ ...متتدخليش!
صمتت ساندرا قليلا لكنها رمقته بغيظ شديد، ثم تابعت باعتراض على أسلوبه ذاك:
-ليه؟, ليه دايما عاوزني متتدخلش في أمورك ودايما سامح لنفسك بس بكل حاجة ،ومش قادر تفهم إن فيه حاجة إسمها مناقشة ..مشاركة ...آراء ..أنت ليه لازم أنت اللي تقول ..أنت اللي تقرر ..أنت اللي تأمر ...ليه يا حازم!

زفر زفرة كبيرة تحمل غضبا كثيرا من كلامها الذي لم يرُق له ...فيما يستطرد بعنف:
-اتمسي وقولي يا مسا يا ساندرا ،أنتِ عاوزة إيه بالظبط ؟ ..دي أختي وأنا حر معاها يا ستي أخرجي أنتي بقى من الموضوع عشان منزعلش إحنا مع بعض ،أنا كدا غلطت في إيه؟
-غلطان عشان مش عاوز تسمع إلا نفسك !
-أنا حر!

صمتت ساندرا مرة أخرى تحاول تهدئة نفسها، ثم عادت تتكلم بهدوء:
-تعرف وأنا بتكلم مع رغدة يا حازم قالتلي إيه؟, قالتلي بدل ما هو عمال ينصح فيا ويضربني ،ينصح نفسه ويبطل حشيش ..وخناقات عمال على بطال هو ليه دايما شايف نفسه ملاك؟ ..قالتلي كدا بالنص! إيه رأيك في الكلام دا ؟

ابتسم بتهكم وكأنه لم يتأثر من هذه الكلمات، ليقول بحدة بعض الشيء:
-رأيي إنها بت قليلة الأدب، ناقصة رباية فعلا، أنا مسؤول عن نفسي مش من حق حد يحاسبني أنا آه بغلط بس ماحدش له فيه.. لكن أنا مسؤول عنها وهي مش من حقها أي حاجة ..دي بنت لما تغلط أنا أنبهها وأكسر لها رقبتها كمان ..على آخر الزمن أخت حازم هتمشي على كيفها!

كادت تتكلم ساندرا مرة أخرى..فاوقفها صارما:
-مش عاوز ولا كلمة زيادة ..عشان منقلبش الليلة نكد اكتر من كدا ولو مافيش عند حضرتك مانع تعيشيني قبل ما أنام يبقى كتر خيرك!
نظرت له ساندرا بصمت وهي تتأمل ملامحه المرهقة ويديه المتسختين أثر عمله الطويل على مدار اليوم في ورشته، تنهدت وربتت على كتفه بحنو فيما تكمل:
-متزعلش مني يا حازم، أنا مش نكدية صدقني أنا بس نفسي نكون متفاهمين ،أنا هقوم أحضرلك العشا وأعملك كل اللي أنت عاوزه وتطلبه ..عنيا ليك يا حازم.

نظر لها بصمت وقد زال غضبه في لحظة ..تنهد طويلا بارتياح ..لكنه قال بوجه عابس:
-شكرا يا ساندرا.
ابتسمت قائلة بخفوت::
-العفو، بس بلاش التكشيرة دي لحسن بخاف يا سي حازم!
ضحك رغما عنه على كلمتها الأخيرة مرددا:
-سي حازم؟

هزت رأسها متابعة:
-آه في حاجة ولا إيه؟
-لا .. أنتِ براحتك على الآخر ..
ابتسمت بخجل وذهبت إلى المطبخ وهي تدعي له بالهداية كعادتها دوما قائلة:
-ربنا يهديك يا حازم...
يتبع..


رواية لمن يهوى القلب الجزء الأول المشهد السادس عشر والأخير بقلم فاطمة حمدي



طرقت ميرال الباب وانتظرت قليلا ..لكن لم يفتح أحد!
طرقته ثانيا وهي تمط شفتيها..أيضا لم يفتح أحد ..
أخرجت المفتاح من حقيبتها في قلق وهي تقول بخفوت:
-خير يارب، مافيش حد بيفتح ليه!
فتحت ودلفت ..لتجد المنزل ظلام! ...انقبض قلبها بخوف واقتربت بخطوات بطيئة تحاول إشعال الإضاءة وهي تهتف:
-طنط سميرة! ..چنا! ..أنتوا فييين؟؟

لم تكد تشعل الإضاءة حتى وجدت من يقوم بتشغيلها وتتعالى أصوات الضحكات ..للحظة لم تستعب ما الذي يحدث ..بالونات كثيرة جدا ...أحبال الزينة معلقة على الحائط بشكل رائع ..
-كل سنة وأنتِ طيبة يا ميرال ..
هكذا نطقت السيدة سميرة بابتسامة سعيدة ،بينما قالت چنا ببسمة هادئة:
-عقبال مليون سنة ..


ابتسمت ميرال بسعادة لا توصف وهي تسألهما بانبهار:
-مش ممكن أنتوا إزاي عرفتوا إن عيد ميلادي النهاردة؟؟ مش مصدقة أنتوا عملتوا كل دا عشاني؟!
-طبعااااااا يا حبيبتي أنتِ مش عارفة قيمتك عندنا ولا إيه؟
اندفعت ميـرال إليها وعانقتها بود وامتنان مع قولها:
-بجد شكرا أوي ...


فأردفت سميرة بمرح:
-على إيه بس يا حبيبتي، إيه رأيك تدخلي تغيري وتيجي بقى عشان نحتفل مع بعض أوك؟
أومأت ميرال بسعادة وهرولت إلى غرفتها، ما إن دخلت حتى استنشقت رائحة عطره النفاذة في أنحاء الغرفة.. مشت بقدميها إلى الشرفة المنفتحة ثم شهقت واضعة كفها على فمها بصدمة ..فقد كان هو !
-علي؟؟؟
-أيوة !!

رد عليها بمشاكسة وهو يقبل عليها بعبوس مصطنع، لم تصدق أنه أتى وهو هنا بالفعل جوارها..فاستكملت:
-أنت إزاي؟
قهقه ضاحكا وهو يخرج بها من الشرفة ثم يغلقها ويعود إليها محتضنا إياها بشوق كبير، بادلته العناق وهي تتنفس رائحته ومازالت لا تصدق!
-أنا بحلم ولا إيه؟, مش قلت إنك جاي بعد إسبوع؟
-ألف وأرجع تاني طب ولا إيه؟
ابتعدت عنه قليلاً وتأملته بحب وهي تردد:
-ترجع إيه بس؟ طب أنت ليه قلتلي كدا ..؟


خلع دبوس طرحتها برفق وهو يخبرها بابتسامة تخصها وحدها:
-بصراحة قلت أعملك مفاجأة حلوة كدا ،أصلي زعلت من نفسي أوي عشان سافرت وأنا مخاصمك ..ها أيه رأيك بقى في المفاجأة؟
-أحلى مفاجأة في الدنيا كلها أصلا.. هو النهاردة اليوم العالمي للمفاجأت ولا إيه؟
-ليه؟ كل دا عشان رجعت؟

حركت رأسها نافية وأخبرته:
-أصل طنط وچنا فاجئوني برا عشان عيد ميلادي ..مكنتش متوقعة إنهم فاكرين بصراحة ..
-هو أنتِ حد يقدر ينساكي يا ريمو؟, وعلى فكرة بقى مفاجأة عيد ميلادك دي كلها چنا اللي عملتها ..
بجد؟, بس إزاي دي مش بطقيني أصلا!
ضحك قائلا:
-لا دي بتحبك والله بس هي عصبية مش أكتر يعني ..وبعدين هنرغي كتير ونسيبهم برا كدا كتير يلا غيري هدومك بسرعة ..
-خمس ثواني بس يا ابو علي ...


"في صبيحة اليوم الموالي"
صف سيارته في الحي الشعبي وخاصة أمام البناية التي كانت تقطن بها قبيل الزواج منه ..
ترجل أدهم من السيارة وراح يرفع وجهه إلى الأعلى حيث شرفة المنزل المتهالكة ،تنهد بعمق واتجه نحو المدخل ومن ثم صعد الدرج بهدوء، وصل إلى باب المنزل وطرق الباب القديم بلهفة شديدة، خفق قلبه بشدة عندما سمع صوتها الحبيب وهي تهتف من خلف الباب:
-مين؟

أغمض عينيه بقوة ..ثم أعاد فتحهما ولم يتكلم ..كررت الكلمة عدة مرات إلى أن فتحت بعد أن يأست ثم صدمت وذايلتها دهشة كبيرة، لم تتوقع أن يكون هو الطارق !!
زرع عينيه المشتاقتين لها طويلا داخل عينيها المكسورتين ..تحجرت الكلمات على شفتيه ...لكن عيناه كانتا تتحدثان جيداً..
تعبران عن كل شيء... شوق واعتذار وحديث طويل ..
انسابت دمعاتها تلقائيا واحدة تلو الأخرى في حزنٍ عميق ..كاد يقترب أكثر كي يمسح هذه العبرات الحارقة عن وجنتيها ..لكنها أوقفته برجفة عنيفة:
-لو سمحت!


تسمر مكانه وابتلع غصة مريرة بحلقه... ليسمع صوتها المرهق:
-خير ؟
قال بابتسامة حزينة:
-هفضل واقف على الباب يا ملك؟
-مش من حقك تدخل ..أنت واحد غريب زيك زي أي حد تاني دلوقتي، ممكن أفهم أنت جاي ليه؟
أخذ شهيقا عميقا قبيل أن يخبرها بجدية:
-عاوز أتكلم معاكي ،قوليلي أعمل إيه؟

-الكلام اللي بينا كله خلص... مافيش كلام بيني وبينك تاني لأي سبب ...
-ملك! بلاش تعملي كدا كانت لحظة غضب ،أنتِ غلطتي وأنا غلطت ..تعالي ننسى اللي فات وأوعدك هعمل أي حاجة تطلبيها ..


ضحكت بتهكم وهي تجفف دموعها:
-بالسهولة دي؟ ..ننسى وترجع وعادي كدا؟ طب آمن لك تاني إزاي؟ بعد ما رمتني كدا وأنت عارف إني ماليش حد ..أرجع ولما تغضب ترميني تاني ؟ ..لا يا أدهم بيه ..كرامتي عندي أهم منك دلوقتي.. ومش هسمح إنك تدوس عليها تاني ..كفاية كدا أنت طلقتني رغم إني كنت متحملة قسوتك ..وقلت لك هتحمل أي حاجة بس خليني موجودة معاك بس أنت طلقتني وأنا بقولك شكرا ..أنا عايشة أهو مموتش من غيرك ولا حاجة ومش هرجعلك حتى لو هموت ..

أدهم وقد أضاف بذهول ومرارة:
-ياااه للدرجة دي شايلة مني يا ملك؟ كرهتيني؟
لم ترد ..فقط صمت غاضب ..ونظرة عتاب لا غيرها ..

-بس أنا بحبك وعمري ما حبيت غيرك ..صدقيني أنا ضايع من غيرك .. الاسبوعين اللي عدوا عليا دول كانوا اسود أيام حياتي ..وصدقيني معرفش إيه اللي أنا عملته دا وإزاي نطقت الكلمة دي ..أنا الشيطان صورلي إنك عملتي كدا عن قصد عشان تنتقمي من تمارا ..صدقيني الغضب عماني مكنتش عارف أنا بعمل إيه وبقول إيه!
انهارت باكية مع قولها المرير:

-يبقى متعرفنيش ..متعرفش مراتك اللي عشت معاها كتير ..للدرجة دي فكرت إني ممكن أقتل روح عشان خاطر مش بحب تمارا ..
-أنا آسف ..
نطق وهو يحاول حجز دموع عينيه داخلهما ..ثم كرر:
-آسف ..والله آسف .. بس ارجعيلي ..بلاش تبعدي أنا كدا كدا مش هقدر أسيبك هنا تاني ..يلا يا ملك عشان خاطري!

-لأ يا أدهم ..أنت قدرت تسيبني هنا لوحدي...فمترجعش تمثل عليا وتقول مش هقدر لأنك قدرت .. ودلوقتي بقولك أمشي من هنا ومتجيش تاني.. مش هرجعلك مهما حصل ولو حاولت تقرب مني تاني أنا هعملك محضر على فكرة الحكاية مش ساهلة تمام؟!
ثم لم تنتظر منه إجابة وأغلقت الباب في وجهه دون مقدمات وانهارت مجددا على الأرض ،كما انهارت مشاعره وهو يتراجع في خطواته بخيبة أمل ...وطلق لدموعه الأليمة العنان في أن تهبط بغزارة فوق وجنتاه ...
يظن أن جرح الفؤاد هينا؟ ..وأن ترميم الذي كُسر سهلا؟ !!

خرجت "ساندرا" من مدخل البناية واتجهت إلى ورشة زوجها حازم قبل أن تذهب إلى جامعتها، دققت النظر عن بعد فوجدته يقف منشغلا مع امرأة شابة تحمل طفلا صغيرا ..
زوت ما بين حاجبيها بضيق وهي تقترب أكثر ،انصرفت السيدة قبل أن تصل ساندرا إلى الورشة، فتأففت بغضب وظلت ترمقها إلى أن اختفى طيفها ..أردفت ما إن وقفت أمامه بحزم:
-صباح الخير..

فقال حازم رافعا حاجبه:
-صباح الفل! إيه مالك مكشرة كدا يعني؟
-مين اللي كانت واقفة معاك دي قبل ما أجي أنا؟
تنهد ودخل إلى الورشة قائلا:
-زبونة هتكون مين يعني يا ساندرا؟
-زبونة في ورشة حدادة؟ ،طب ولما هي زبونة بتضحك ليه معاها ومع البيبي اللي على ايدها؟
-الله هو تحقيق بقى يا ساسو ولا إيه؟

هتفت بحنق:
-لا كلمني عدل واوعى تضحك عليا بكلمتين بلاش الأسلوب دا!
-حيلك حيلك ..وطي صوتك إحنا في الشارع يا ساندرا لمي نفسك..
كررت عليه السؤال بصرامة:
-مين دي يا حازم؟
أجابها بحدة:
-يا ست المجنونة أنتِ على الصبح، دي زبونة أنتِ أيه غاوية تنكدي عليا صبح وليل ولا إيه؟ بقولك إيه اصطبحي وبعدين أنتِ راحة فين أصلا ؟

-أنت عارف كويس إني راحة الجامعة عشان عندي زفت مراجعة ولازم أحضر طالما رغدة مش هتعرف تنزل خلاص؟؟؟
زفر زفرة قصيرة مع قوله:
-خلاص يا ساندرا، بس براحة عليا مش أوي كدا، والله بريء يا بيه!
-ماشي يا حازم أنت عاوز مني حاجة قبل ما أمشي؟

رمقها بنظرة مُتملكة من أسفلها لأعلاها مع قوله العابس:
-طولي الطرحة شوية..
فعلت ما قال بصبر مع قولها؛
-لازم تعلق على أي حاجة حتى لو كل حاجة تمام..
اقترب منها قائلا بخفوت:
-من حقي على فكرة!,وبعدين مش عارف أنتِ وخداني على الحامي كدا ليه على الصبح بس! براحة عليا شوية مش كدا..

تنهدت وابتسمت أخيرا وهي ترد:
-ماشي يا أسطى حازم ..بس أنا كان ليا طلب ممكن؟
-ممكن اوي ..قولي ..
قالت بحذر:
-ينفع بعد ما أخلص أروح أزور بابا وماما يا حازم ..بصراحة وحشوني أوي.
تجهم وجهه وبدا عليه الانزعاج وهو يخبرها:
-مش حابب تروحي هناك ..بلاش ..خلصي وتعالي أحسن!
-طب ليه! ممكن أفهم ؟.
-أنا حابب كدا ..

قالت بتهكم':
-أنت حابب كدا! ..تمام مش هتكلم معاك عشان احنا في الشارع وهسمع كلامك رغم إني مش مقتنعة بيه أبدا سلام يا حازم ..
كادت أن تسير لولا أنه قبض على رسغها قائلا برفق:
-ممكن تزوريهم بس متتأخريش وخلي بالك من نفسك.
نظرت له بغيظ متابعة:
-حاضر ...
ثم استدارت ماشية ببطء وهي تردد بخفوت وابتسامة:
-مجنون والله.. ربنا يهديه ...

صباح الخير ..
نطقت السيدة سميرة بوجهٍ بشوش وهي تتقدم من شقة الجيران الجُدد أمامهم،. بينما ترد عليها الأخرى باسمة:
-صباح النور يا حبيبتي.
تابعت السيدة سميرة بامتنان قائلة:
-حبيت أشكرك وأشكر إبنك على اللي عمله مع چنا بنتي إمبارح , متشكرين جدا ..
ردت الأخيرة باستغراب:
-ماهر إبني ؟, عمل إيه؟
أخبرتها سميرة بإعجاب:
-إسم الله دافع عن چنا ،كان فيه شاب بيعاكسها وهو أنقذها منه هو مقالكيش ولا إيه؟

-لا أبدا ولا قالي حاجة، عموما مافيش داعي للشكر يا حبيبتي دا معملش غير الواجب كان لازم يعمل كدا.
-ربنا يخلهولك ويحميه لشبابه يارب.
-آمين يارب ،لازم بقى تتفضلي تشربي حاجة أو تفطري معايا ..
نفت سميرة مع قولها:
-معلش يا حبيبتي خليها مرة تانية ..
تابعت السيدة سماح والدة ماهر بتردد:
-هي چنا عندها كام سنة يا أم علي؟

أخبرتها سميرة بلا تردد:
-٢٩ سنة ومعاها بكالوريوس تجارة ..
ابتسمت سماح مرددة:
-بسم الله ما شاء الله، أنا ماهر إبني موظف كبير في شركة كبيرة أوي وبرضوه معاه بكالوريوس تجارة ..ياما نفسي أفرح بيه دا ابني الوحيد ونفسي أطمن عليه.
كانت نظراتها ذات معنى ..وصلت مغزاها جيدا إلى سميرة التي بادلتها النظرات تلك بأمل ..ثم قالت مكملة:
-ربنا يفرحك بيه يارب ..عن إذنك يا حبيبتي..

دخلت سميرة إلى المنزل كما فعلت سماح التي ولجت إلى شقتها، وكان ماهر في هذا الوقت يخرج من الحمام ويقوم بتجفيف وجهه، فقالت سماح برفق:
-صباح الخير يا ماهر ..يلا حضرتلك الفطار ..
اتجه ماهــر إلى طاولة الفطار وجلس بصحبة والدته قائلا بمزاح:
-دايما تيجي في وقتك دا أنا هموت من الجوع ،أنا بقيت أقلق من بطني بتجوع كتير اليومين دول .

ضحكت سماح متابعة:
-بألف هنا على قلبك يا ماهر ..ألا قولي بقى!
ماهر رافعا حاجبه:
-خير يارب؟
-مقولتليش يعني إنك أنقذت بنت الجيران اللي قصادنا يا واد ،بتخبي على أمك؟
ضحك ماهر مضيفًا:
- أنتِ عرفتي منين أصلا؟

-أمها جت تشكرني على موقفك معاها، ست كلها ذوق.
-آه ..عادي أنا نسيت أصلا هو أنا فاكر كلت إيه إمبارح أصلا ؟
صمتت قليلاً قبل أن تتابع بنظرة ذات مغزى:
-طب قولي، إيه رأيك في البنت؟
-رأيي في البنت؟, موووحة سبيني في حالي أنا بقولك أهو!

-يا واد بس رد عليا ..البنت أدب وأخلاق وأمها زي العسل ،وأخوها محترم يعني عيلة كويسة وشايفة إنهم مناسبين أوي وأنا متأكدة إن البنت مش مخطوبة.
ماهر ضاحكا:
-ما تنزلي تجيبي الشبكة بالمرة وتعالي نخبط عليهم ونقولهم جينا نخطب بنتكم.
-بطل بقى يا ماهر ،بتكلم جد والله، يابني نفسي أفرح بيك وأنا شايفة دي مناسبة اوي بجد.
وواصلت دون أن تمنحه فرصة الرد:
-هسيبك تفكر شوية، وبعدها قولي قررت إيه.
فقال وهو يضحك مواصلا تناول الطعام:
-حاضر!

انتهت ميـرال من ارتداء ملابسها المحتشمة أمام المرآة ثم التفتت إلى علي الجالس على السرير قائلة بابتسامة وردية:
-أنا جاهزة يا علي.
وثب قائما متجها إليها مبادلا إياها الابتسامة مع قوله:
-طب يلا يا حبيبي.
اتجهت معه إلى الخارج وهي تقول بقلق:
-أنا خايفة أوي من المادة دي يا علي.
علي باطمئنان:
-متخافيش أنتِ مذاكرة كويس، اجمد يا بطل.

وصلهما بعد ذلك صوت السيدة سميرة وهي تقول بهدوء:
-الفطار جاهز .
جلس علي برفقة زوجته ووالدته ..بينما يقول بتساؤول:
-إومال چنا فين؟ مش هتفطر ؟
-أنا لقتها نايمة أوي مرضتش أصحيها، قلت لما تصحى تفطر براحتها أحسن.
أومأ علي برأسه وبدأ في تناول طعامه، بينما قالت ميرال بضيق:
-أنا زهقت من الفطار دا يا علي، مش معقول هتأكلني كل يوم عيش سن وجبنة قريش أنا زهقت.

علي وقد تنهد قائلا ببساطة:
-بلاش جبنة قريش كلي جبنة لايت عادي، أو بيض أو زبادي لايت برضوه أو بسكوت قمح وشاي أخضر عندك أكل كتير بطلي دلع!
-أنا نفسي في طعمية من اللي طنط سميرة بتعملها، ممكن يا طنط ؟
بادرت سميرة بقولها:
-ممكن اوي عنيا يابنتي.
ليقول علي بحدة:
-هو إيه اللي ممكن يا طنط وممكن يابنتي، ماما متسمعيش كلامها الأكل دا كله هيعلي السكر، سبيهالي أنا هتصرف معاها.

-علي بجد زهقت أنا من حقي أكل اللي بحبه إيه دا!
-لا مش من حقك وبطلي كلام وافطري عشان تلحقي امتحانك ،ولا ناوية تكنسلي عليه؟
زفرت بحنق بينما تتابع بحزن:
-طب إديني حتة تورتة من تورتة عيد ميلادي اللي أنا مدوقتهاش دي!
-ميرال! افطري!
هكذا قال بعصبية تامة، فانصاعت له وتناولت طعامها على مضض إلى أن انتهت منه وهي تتأفف بعدم رضى، بينما تابعها علي بعينيه وهو يشفق عليها، لكنه قال بحزم:
-بالهنا والشفا ..يلا؟

هزت رأسها بصمت واتجهت إلى سميرة تقبل يدها بحنان ثم قالت:
-ادعيلي.
لتقول السيدة سميرة بحنان وافر:
-يا حبيبتي ربنا يوفقك ويجبرك يارب.
-ءامين!
استدارت ماشية برفقة زوجها خارج المنزل، لتهتف والدته بجدية:
-براحة عليها يا علي.
أومأ علي مبتسما وهو يضم ميرال إليه محاوطا كتفيها بذراعه، ذهب إلى المصعد ودخلا معا إليه، ليقول بخفوت ونبرة مرحة:
-هديكي حتة تورتة بس صغيرة لما ترجعي .. مبسوطة؟

نظرت له وقالت بنبرة طفولية:
-لا.
-ليه بس!
-عشان ممكن أتعب، بلاش خليني كويسة أحسن.
ابتسم بلطف وضمها إليه أكثر مع قوله:
-ما أنتِ هتديني نصها فمش هتأثر أوي يعني!
ضحكت قائلة بغيظ:
-يعني حتة صغيرة وكمان هتاخد نصها يا أبو علي؟ دا إيه الكرم دا بقى؟
-شوفتي عشان تعرفي بس إني مش حارمك من حاجة.

-ربنا يخليك ليا، والله يا علي وجودك هو اللي معوضني عن كل حاجة ،أنت الحاجة اللي محلية دنيتي..بحبك أوي.
وقف بهما المصعد ليزفر علي قائلا بمزاح:
-هو دا وقته مش خارج!
ضحكت بشدة مع قولها:
-يلا يا علي، كدا عيب على فكرة..عيب!
-بس الاسانسير دا حاجة زي الفل بصراحة ..
جعلها تقهقه ضاحكة،. بينما يشاركها الضحكات وهما يتجها خارج البناية...

وصلت سانــدرا إلى القصر بعد مرور الوقت وانتهاء يومها الدراسي في الجامعة، أقبلت على والدها باشتياق واحتضنته بمحبة وودّ، وكذلك فعل "فاخـر" الذي قال بعتاب:
-كدا تغيبي عن أبوكي المدة دي كلها يا ساندرا؟
ربتت ساندرا على كتفه متابعة بابتسامة هادئة:
-معلش يا بابا أنت عارف إني بمتحن والوقت اللي بكون فاضية فيه بحاول أستغله في المذاكرة.
-طيب يا ستي ربنا يوفقك، قوليلي أخبارك إيه وأخبار جوزك عايشين ازاي؟.
أجابته ببساطة:
-الحمدلله يا بابا عايشين كويس أوي.

-عايشين كويس؟
سألت سهيــر التي أتت من خلفهما بتجهم، بينما تستطرد بجمود:
-مش باين يعني يا ساندرا، حتى لبسك بقى بلدي أوي وإيه الطرحة اللي على شعرك دي؟
ابتسمت سانـدرا بحزن وقالت بعتاب:
-مش هتسلمي عليا حتى يا ماما!, كل لما تشوفيني تقوليلي كدا؟!
صافحتها سهير متنهدة وهي تقول بهدوء:
-يا قلبي بقول كدا لأنك صعبانة عليا أوي، بقى أنتِ ساندرا بنتي اللي الكل كان بيحلف بجمالك؟

أردف فاخر بغضب:
-في إيه يا سهير ؟, مالها ما هي زي الفل أهي! ولا لازم تلبس زيك وتعيش عيشتك عشان تبقى حلوة سبيها براحتها.
-طبعا أنت هتقول إيه غير كدا فاخر، أنت السبب أنت اللي جوزتها الحداد دا، بنتي أنا ساندرا متجوزة حداد حقيقي مش قادرة أصدق هتجنن أكيد هيجرالي حاجة!
-يارب.
قال فاخر وهو يكمل بغيظ:
-يارب عشان أخلص منك يا سهير ..
-شايفة يا ساندرا؟

تنهدت ساندرا بضجرٍ ثم قالت:
-صلوا على النبي مش كدا.
فغرت سهير فمها بدهشة وهي تردد ما قالته ابنتها:
-صلوا على النبي؟ بقيتي بتتكلمي بغلة الحواري..no بجد!
صاح فاخر بغضب قائلا متعمداً استفزازها:
-يا ولية اتلمي بقى عيب عليكي!
صرخت في وجهه قائلة بحدة عارمة:
-ولية؟

ضحكت ساندرا بشدة وهي تقول:
-خلاص يا بابا ..خلاص يا ماما قصدي يا مامي ..خلاص ريلاكس ..ريلاكس حلو كدا يا مامتي؟
-بتهرجي يا ساندرا !
-يا ماما بجد مش عارفه أنتِ زعلانة ليه، أنا وراضية ومبسوطة بحياتي ،حتى لو بقيت أتكلم بلغة مش عجباكي هي عجباني وطالما مش بعمل حاجة غلط أو عيب يبقى حضرتك تزعلي ليه؟
حركت سهير رأسها بيأس مستأنفة بتجهم:
-أنا طالعة أوضتي ..

انصرفت على ذلك, بينما جلست ساندرا بصحبة والدها الذي قال بمرح:
-سيبك منها دي ولية مجنونة بجد.
ضحكت ساندرا قائلة:
-معلش يا بابا، بالهداوة.
-قوليلي بقى يا ستي محتاجة فلوس؟
ساندرا بصدق:
-لا والله يا بابا حازم مكفي كل طلباتي وحقيقي مش محتاجة حاجة.
أدخل فاخر يده في جيبه ثم أخرجها ومد يده لها قائلا بهدوء:
-طب خلي دول معاكي لأي ظرف، أعملي بيهم أي حاجة ليكي.

ساندرا بنفي:
-معلش يا بابا مش هقدر أخدهم.. حازم بيزعل جدا عشان خاطري بلاش
-ويزعل ليه؟, أنا أبوكي وخير ربنا كتير ،طول ما أنا عايش هفضل أديكي وبعد ما أموت كله ليكي أنتِ وأختك
-بعد الشر عنك يا بابا ربنا يديك العمر.
-طب امسكي ولو هيزعل أوي يا ستي متعرفوش حاجة عن الفلوس وشليهم امسكي بقى.
أخذتهم ساندرا مضطرة ثم وضعتهم في حقيبتها الخاصة قائلة:
-شكرا يا بابا.

ترجل أدهم من سيارته في حديقة القصر وأخذ يسير باختناق شديد بعد مواجهته مع ملك ..لاحظت تمارا أنه في أوج غضبه الآن من الأعلى حيث كانت تنظر من شرفة غرفتها عليه ...
ضاقت عيناها بنظرة إصرار تام وهي تحدث نفسها:
-مبقاش أنا تمارا الجزار يا أدهم لو مبقتش ليا ونسيتك الفيلجر دي .. أدهم أنت ليا أنا وهثبتلك!...

انتهت..
فريق مدونة يوتوبيا يتمنى لكم قراءة ممتعة
لقراءة الجزء الثاني من رواية لمن يهوى القلب : اضغط هنا
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-