رواية اسميتها بسعاد كاملة في صفحة واحدة - روايات الكاتبة غربة

رواية اسميتها بسعاد كاملة في صفحة واحدة - روايات الكاتبة غربة

رواية اسميتها بسعاد كاملة في صفحة واحدة - روايات الكاتبة غربة

رواية اسميتها بسعاد هي رواية من الروايات السعودية
الناجحه جدًا
والتي ظهرت على الساحة منذ عامان تقريبًا
وحققت نجاحًا كبيرًا
دفعنا لأن نكتب عنها اليوم 
وأن نقوم بتجميعها في ملف واحد فقط بدون ردود يُشبه الأرشيف 
لنُقدم تجربة قراءة مُمتعه لـ رواية اسميتها بسعاد 
لمُحبي الرواية والكاتبة
كما اننا سنُرشح لكم موسيقى للاستماع إليها مع القراءة
الموسيقى التي نُرشحها لك للاستماع إليها وانت تقرأ رواية اسميتها بسعاد هي 

رواية اسميتها بسعاد كاملة مكتوبة في صفحة واحدة بدون ردود 

الفصل الاول :
السابعة صبـاحاً ..
تستقِل المقعد الاخير في الطائرة التي ظلت حالمة ومجاهدة على ان تشهد اقلاعها من ارضها الى ارض العجائب..
جادلت كثيرا قبل ركوبها الطائرة!
بكت كثيرا كطفلاً يـخاف ان تؤخذ لعبته
مُدللة ابيها .. اخذت ما ارادت رغما عن أنف أخوتها
مدللة ابيها .. الصحفية المثابرة التي تبحث عن الحقيقة وتغامر على ان تحصل عليها
مدللة ابيها من نقلته من الإحواز الى طهران من اجل الاعِلام الذي كاد يتفجر بداخلها لو لم تخرجه..
أرغمت أنوفا ، وهشّمت رؤوسا مقابل جلوسـها على متن الطائرة التي تحمل عشرة صحافيين وهي الحادية عشر ..
جميعهم رجّال ووحدها امرأة ..
هذا ما اغضب صغير اخوتها وجعله يلُوذ عن البيت عقابا لأبيهم حتى يُثني ابنته عن عزمها..
ولكنه لا يعلم انها من تُلقي الامر فيُنفذُ من جانب الدلال المُرّ كالعلقمّ يتجرعه الأخوة من ابيهم !
وقفت متنصبّة امام النافذة مُبتعدة عن حلقة الرجال العشرة التي تضمُ مذكرات ، كاميرات ، لاقطات تخص المراقبة ، معلومات سُيِاح عن ارض تصبوا اليها قلـوبهم!
وكأنها حدائق كاليفورنيا او غابات اندونيسيا وليس ارض دبّ فيها الموت كما يدبّ الطاعون في البلد فيترحلّ ويترك خلفه ملايين الموتى على قارعة الطرق والشوارع المؤدية الى بوابة الحياة ..
ولكن ما معنى الموت ؟
وانت لا تفقهه الا عندما تُرى ميتا ..
ما معنى السـلام ؟
وانت في ارض "كانت" تسمى دار السـلام..
لما يرتحل السّلام عن ارضه؟ ويترك أُناسه تعاني الفقد الموجع حد الموت
تلك ارملة تُربي خُدج، فتحمله الى جدته التي تحبسِه بصندوقا حتى لا يتنفس الهوى فيموت!
وكاننا في القرن الحادي العشر .. لا القرن الحادي والعشرون..
ولكن يبدو ان القوات "البـاسلة" اقتحمت المدينة ودججتّ رجالاتها في تخوم المدينة، وهذا ما جعل ابن العجوز يـخرج يكتشف الامر فيُقتل لانها من القوات المعادية!
تبا لقوات لم تُسِلح أعضاءها ! هذا وان كان به قوات !

"مَهتاب .. وصلنا "
قطع عليها تفكيرها الطِويل الذي احست بعده بالإرهاق وكانها قطعت مسافة النهر الفاصل بين أراضيهم!
نزلت دون ان تنبس ببنت شفاه، وقفت مُـرغمة بين الرجال والوفود "البرستيجية" المنافقة ، المتدلسةّ بالكذب والهراء.
خرجت من ساحة المطار المُزدحمةّ هِنا جندياً يصل كما وصلت!
هنا امرأه تنوح على ابنها المُهاجر بابناءه بعيدا عن ارض العاصمة المحتلة منذ أربعة اشهر وتاركا امه خلفه!
هنا ابن ينتظر والده التاجر المغادر منذ عشرة أعوام ولكنه منذ علم بالحرب عاد الى ارضه كي يموت بها !
هنا فقط سكنت كل الانفسّ وبُحّت كل الأصوات عندما رأت امرأه تصرخ عالياً "وين الزلم؟ وين الرجال؟ ما بعد ابو عُدي رجّال ولا بعده زلِم"

مقتّ تلك المرأة كثيرا رغم نحيبها الذي يقطع انـياط القلب.
أتراه رجلا شهما صنديداَ؟
أتراه ذاك المُخلّص من النقم؟ او المُخلّص من النعم كما أراه!
كفاكِ يا تلك المرأة عويلاً ، فقد اتيت من بلادي كي أوثق سقوطه !
كفاك يا تلك المرأة نحيِباً ، فقد احتلت بغداده التي يستظل ترابها حياً..
وكأنه اختار ان يُدفن حيّا قبل دفنه ميتاً !
اكملت مسيرتي وقدمايّ تحثني على السير اكثر فتلك المرأة انتزعت سكون صباحي الحالم بغدٍ اجمل لبـغداد..
.
.
يتبع.. لي عودة "باذن الله "تتـــمة الفصل الاول..
.
.
أحست بالوحدة منذ دخولها هذه البـلاد الغريبة بعيونها المألوفة لعيون الكثير بل المعشوقة لقلوب الكثير والكثير ..
فبغداد معشوقة الشعراء وحادية أصبوحاتهم في المنافي التي أصبحوا سكانها منذ حرب الخليج الأولى وتبعوه بهجرة أخرى في حرب الخليج الثانية !
أ تراها أنتهت قصة المنفى مع سكان هذه الأرض ؟
أم أن الأحتلال الاخير ستكون له كلمة أخرى..
تناغم لـمسامعها لحناً غريباً بكلماته مألوفا بألحانه, يبدو انه خارج من شقة الصحافيين الذين رافقتهم رحلتهم هذه
خرجت من شقتها التي وضعتها السفارة الايرانية خصيصا لها ..
فهي تنعم بأشياء لا تنعم بها أي صحفية بالعالم .. بل أي امرأة!
ذهبت تستكشف الطارق الذي قرع الباب بهدوء وموسيقى متناغمة تشبه معزوفة فريد عندما يتغنى بحرفه الفريد ايضاً
فتحت الباب وإذا بصاحب سفرها وحضرها "كاظم" ذلك الفارسي الوحيد الذي يتحدث بعربيتها بعدما يعوّج حروفها بفمه الذي لم يعتاد على ثقل الحروف : مهتاب .. العصر ستكون أول رحلاتنا إلى الرصّافة .. وبعدها للصـدر ..
قال كلمة الصدر باسماً, شيعي المذهب الحالم برؤية مدينة النضال الشيعية التي كان محمد الصدر رمز نضالها وشجاعتها
ذاك شيخ "دينهم" الذي وقف علناً محتجا على نظام الرئيس صدام حسين وأوقف معه النجف وكربلاء والكاظمية وغيرهما
الا انها خمدت شرارة تلك الثورة قبل اربعة أعوام عندما أُغتيل محمد الصدر!

***
هُناك في أرض ديالى التي تبتعد عن بغداد ستـون كيلو متر.
حركت مقود سيارتي متضجرا من وقوفي ساعة ونصف حتى يتجاوز فيلق "الاميركان" المنطقة ذاهبا الى مركزها "بعقوبة"
تُشل حركة السير لكي تسير خمسين سيارة تمشي ببطئ محملة بالجنود المرتزقة,
يحافظون على حاملات الجند , بينما يتوقف سير الف سيارة حتى وان كان بينهم إسعاف!
رفعت هاتفي مخرساً رنينه اللاذع : هلا صادق.

أتاني صوته غاضبا وكأنني ارى وجهه الابيض متضجرا بالدم نتيجة غضبه: ماكو احد ينتظرك! تأخر مرة لخ.

رددت متمللاً : احتجزني فيلق, هسه جاي.
.
.
وصلت ذاك المبنى المهجور في احد الأفرع السكنية , مبنى عبارة عن بيت مهترئ بناءه الخارجي..
باب متشبث بنصف جدار ضل يقاوم منذ بناية هذا الحي, وطاله من قصف الغُزاة ما طاله..
فتحت ذلك الباب بمفتاحه وكأن للبيت حُرمة!
وكيف له حُرمة كالبيوت, وهو بنصف جدار , فضلاً عن دمارا شامل ينتظرني بالداخل.
بُت أحسب خطاي القادمة موسعاً بين الواحدة واخراها,
مجتازاً بقايا سقوط سقف الدور الثاني الذي سقط قبل ثلاثة ايام أثر اجتياح عمّ المنطقة باحثين عن إرهابيين!
وتُقصف كل المساجد والبيوت ..
ثم يعودون الى بعقوبة .. حيث اتوا, دون أن يكلفوا انفسهم بالبحث عن ذلك الارهابي!
وكأن الارهاب طائراً في الجو يقصف ثم يسقط هو وقنابلهم على أسقف البيوت ومنارات المساجد.
وصلت الى هدفي.. الغرفة الوحيدة التي سلمت بهذا المنزل: هلاو ابو آدم جابك الله .. باوع لي هالسلاح شيك عليه ما راضي يضرب!

تحدث ذاك المتشائم "صادق": أريد فد شي ما طايح حظه بهاي البلد !
قوات ماكو, شرطة ماكو, سلاح شلحونا, لك حتى رئيس ما عارفين ارضه من سماه !

قاطعه محمد من جديد : ابو علي عيني, اشتغل بسلاحك احسن لك
أردف بسخرية : غيرك يتمنى فد سلاح ما لاقي!

سلّمت سلاح محمد بعد اصلاحه قاطعاً حوارهم اليومي: شباب, القائم مقامية مقدم دعوة للنائب العسكري الامريكاني,
لازم ننقل السلاح والذخايـر لمكان بعيد عن المنطقة!

صادق: ما كفتهم بغداد, همين جايين ليش؟
كافينا عسكر بعقوبة , ليش هو جاي؟

أجاب محمد: اكيد المحافظ يريد يثبت كرسيه قبل يطير.

تحدتث بحديثاً آخر معيرا غضبه اهتمام: الاهم وين نخبي السـلاح؟

أجاب العقل المدبر دون تكفير: المناطق جوارينا كلها عسكر وثكن,
أضاف بعدما القى نظرته على صادق وكأنه المعني بالحديث.. بل انه معني ومسار الحديث يتمحور عن مناطق طائفته "الشيعية":
حتى كربلاء والنجف مو خاليات من العسـكر, الأفضل نتوجه بيهم شـمال ونأمن لنا مسكن هنانا وهناك.

صادق مشاوراً بعض الشي وجازما البعض الآخر: أربيل..

أجبت مبـاشرة: شقـلاوة.

غمز محمد ضاحكا : اش عليك يابا بنروح لربعك.

وقفت : أريد تجرب دارنا , مثل ما جربت دارك.

أردف صادق ممتعضا فهو يكره الحديث بهذا الشأن, فسنين القرن الماضي علّمته في مدارسها كيف يكره دينه!
سنين القرن الماضي هجّرته هو وأهله من الكاظمية إلى ديالى حتى لا يطالهم سواط الرئيس الراحل: آلن لا تزعل من هالزمال.

أكملت طريقي ممسكاً بصليباً يتوسط صدري, وكأنني أعيذه من حرب الطوائف التي اشتهرت به بلادنا.
.
.
.
ممسكة بكاميرتي متصفحة صورها الاولى, متجاهلة امتعاض احد الصحفيين من زيارة الرصافة, وكأنه يعاديني ويتهمني بزيارتها
هذا الرجل نازي الاخلاق والصّفات!
يحاربني ويحملني شؤوم عبوسه لانه زار مدينة "سُنية" قبل مدينته.
لما هذه الحرب الطائفية التي غرق بها؟
ومن أغرقه بها؟
أ هي طائفة بلادنا التي شربت من دماء مواطنيها حتى طفحت بهم جينات الطائفية!
ام تقصيه و تتبعه لأخبار هذه البلاد التي رسمت في أفقها دمـاء شيعة بأيدي سفاح سُني أو العكس!
نزلت من المركبة "المنزوية" في مقدمتها بجانب السائق تاركة المقاعد الخلفية للصحافيينّ.
دخلت أول مبنى في مدينة الصدر, مطلقة لعنان دموعي سراحها,
لا أعلم لما؟ هل أثر بي حديث مُصطفى الخالي من الانسانية!
أم أن لعنة أخوتي تحيط بي وتأتي من ورا النهرين لتجثم على صدري وتخرج للملأ على هيئة دمـوع.
رفعت كفيّ مجففة رُكام الدموع من وجنتيّ بقدوم كاظم الذي تظاهرت امامه برفع الكاميرا امام عيني اليمنى وكأنني ألتقط صورة من اللاشيّ!
فلم يكن أمامي ألا جدارا أبيضا !
حدثني على مضض: يبدو انك فهمتي ما قال مُصطفى؟
لا تهتمي كثيراً لحديثه , فهو محروق القلب على ما حدث لهذه المنطقة!

أ تراه تحدث الفارسية شامتاً ديني ولا يعلم انني أجيدها ؟
أ تراه فقد أحدا في هذه المنطقة الثورية!

ليجيب مصطفى وكأنه يعلم ما يدور في داخلي: كان مؤيدا للـشيخ, وكثيرا ما يطمح أن يكون رجل دين كالصّدر,
لم يكن طائفي, لم يكن كما ترين, بل كان من زهرات شباب إيران, كان مباثراً ناجحاً في عمله,
كثيرا ما ينتصر للأحواز في عمله.. الا بعد ما حدث قبل خمس سنوات!
لقد تغيّر مصطفى يا مهتاب , لم اعد أعرفه!

اومأت برأسي متفهمة ما يقوله..
قبل خمس سنوات!
أي عام 1999م , يعني مقتل محمد الصدر!
هل كان مصطفى ينتصر لنا كعرب؟
هل كان يغض بصره عن سنيتنا ؟
هل كان غير الرجل الذي شتمنا منذ قليل!
تباً لحرب تجعل من أنفسنا قنبلة موقوتة تنفجر في وجه من شارك معادينا ديناً أو عرقاً.
ألم تكن إيرانيتي تشفع لي عند مصطفى؟
أو أن عربيتي وسنيتي جعلني ملطخة كفي بالدماء كـالرئيس الـ"المختفي".
.
.
.
انتهــــى

رواية اسميتها بسعاد الفصل الثاني كامل مكتوبة 

صــباح الخير ..
عُدت مجددا.
.
.
الفصل الثــاني..
.
.

اومأت برأسي متفهمة ما يقوله..
قبل خمس سنوات!
أي عام 1999م , يعني مقتل محمد الصدر!
هل كان مصطفى ينتصر لنا كعرب؟
هل كان يغض بصره عن سنيتنا ؟
هل كان غير الرجل الذي شمنا منذ قليل!
تباً لحرب تجعل من أنفسنا قنبلة موقوتة ننفجر في وجه من شارك معادينا ديناً أو عرقاً.
ألم تكن إيرانيتي تشفع لي عند مصطفى؟
أو أن عربيتي وسنيتي جعلني ملطخة كفي بالدماء كـالرئيس الـ"المختفي"
ذاك الرئيس العصامي, الذي بنى نفسه بنفسه وكوّن له حزب أرعب العالمين حيث اجتمعت ثلاثة أقوى قوى العرب وتحالفت في ذلك الحزب
ولكنه طغى وتجبر على شعبه من خلال ذلك الحزب,
جعل للأكراد مجزرة ضمتها بحجلة في مقبرة بالكاد يعرفون من دُفن بها!
أُ ليس رئيس من تجبر وطغى؟
إذن هو مُحقا ولو اخطأ
هو الصائب وهم المخطئون
هو الجزار وهم الكبش السمين
هو النجاة من وحل الى حجيم!
هو حاكم عربي حوّل الجمهورية الى مُلكية , فماذا ترتجون منه بعد؟
بل وزاد مؤيديه من شعبه ومن أمصار الوطن العربي الكبير!
بُت أحسد نفسي وأتخيل لو كُنت عربية في بلد عربي..
هل سأمضي كما يمضون!
بُت أحمد الله ليلا ونهارا أنني عربية أهوازية,
ولو واجهت الظلم من حكام بلادي
ولو واجهت الاستبداد .. فلم يكن شي جديد!
فبلادي العربية هي من تنمرت قبلهم
هي من طردت كل "عرق" في ناحية منزوية من بلده ويطلق عليهم ناره!
هي من انزوت فيها "الطوائف" تستنجد بحكامها ليكُن معها ضد الآخريـن
وأن لم يكن معها .. أقامت ضده احتجاجات ومظاهرات لها أول ولا تالي لها !
أ ترانا هكذا؟
أن لم تكن معنا فأنت ضدنا!
هذه الأهواز تدفع ثمن حرب الخليج الأولى التي شنّها حاكم العراق المُبجّل!
فدفع ثمنها مليون شهيد من الطرفين, وبقيت أهوازنا تدفع الثمن وحدها
بُت أحسد عروبتي على تمسك ابناؤها بها,
رغم ما قدمت لهم , فهناك في إيران نُقدم يومياً التضحيات المباشرة والغير مباشرة من أجل البقاء في أرضنا بعروبتنا لا بفارسيتهم!
فأنا ابنة العربي الخوزستاني الذي حُمّل بهموم القبيلة منذ صغر سنه,
ومن ثم حمّله ابناءه غضبهم عندما رضيَ بالتخلي عن الأهواز "خوزستان" , حتى يذهب مع صغيرتهم للدراسة في طهران
ضرب برأي الأخوة الاربعة عرض الحائط طائعاً وملبياً أمر صغيرتهم
صغيرتهم أصبحت خريجة ثانوية.
الحالمة في الصحافة بعدما اهداها اخيها الأكبر كاميرا من أول مُرتب قبضه!
فكبرت الصغيرة وأصبحت تتجول في شوارع بغداد ممسكة بكاميرا حديثة الصُنع متناسية الحرب التي تعصف بالاجواء من حولها
متناسية المحتلّ الذي سبقها على هذه البلاد بأربعة أشهر
متناسية انها سُنية "طهرانية" فهذين الامرين يجعلانها في محك الاغتيالات المنتشرة بين أقطار الشعب,
فتنفذها عصابات مسلحة سريعة الخُطى, مذبذبة هنا وهنـاك..
يجهلها الجميع ولا يعرفها إلا صرخة أم شهيد..
وقع أمام ناظرها في أحدى مراكز التسوق التي ضجت بها العاصمة خلاف تطورها الدائم!
.
.
.
في الطريق إلى بغــداد..
عُدت مع آلن مساءً كما أصطحبني محمد صباحاً إلى ديالى..
في الطريق المظلم حديثاً بعدما كان يضج بالسيارات والانارات الساطعة!
أصبح الناس لا يخرجون من منطقة الى منطقة ليلاً, خوفاً من الاغتيالات التي اشتهرت بها القوات الاميركية,
عندما تشتبه بـلا شي!
تقتل الجميع بحجة فدائيّون "صدام".
سمعت تضجر آلـن بسبب احتجاز المركز العسكري الذي يبعد عن بغداد عشر كيلو مترات!
المسافة بين بغداد وبعقوبة تستغرق ساعة فقط ولكن بفضل الاميركان اصبحت خمس ساعات..
فقط في 65 كيلو أربعة احتجازات!

: خررب حظنا على حظ الأميركان.

رددت على تضجره مؤكدا حديثي له سابقا: هو ظـايل لنا حظ علمود يخرب!

قطع علينا تضجرنا صوت هاتف آلن الذي قليلا ما يصمت لكثرة عمل صاحبه وأهميته..
اخذ وقته يتحدث بهاتـفه بكلمات اجهلها لو جهلت آلن!
ولكنني منذ وقت ليس بالقصير أسمع مثل هذه الكلمات والألغاز التي لا يكف عنها إن تحدث مع أصحاب عمله!

أخيراً منتهياً من حديثه بالهاتف .. مبتداً بحديثاً معي: أني بأمن بيتي لوفد إيراني.

تحدثت ممتعضا: وليش تأمنه لهم, وأنت وين دتولي؟

ببروده المعتاد وكأن لا يتحدث عن أمر مصيري له: أولي بأي مكان بس المهم ما يغيبوا عن بالي.

زاد امتعاضي واصطحبه غضب: آلن انته صاحي لولا مجنون!
شتريد من وفد إيراني؟ ما انته ناقص بلاوي

أجابني بغضب مماثل خارجاً من مملكة بروده الدائمة: صادق لا تخبّلني انته ناسي شغلي وين؟
ناسي الأمانه ياللي حملت بيها من يوم اختفى القائد, انته ناسي ولا تتناسى!

تحدثت ملقياً نظري على جنود الاميركان التي بدأت تتوزع بشكل منظم أمام المركز بسبب تأخر الوقت: طيب شتريد منهم؟

أجاب بعدما عاد إلى بروده ممسكاً بمقود سيارته: وفد صحفي إيراني -أردف ساخراً- أريد أتشاقى وياهم, -عاد الى جديّـته-
يريدون بيت ببغداد علمود يسهل تنقلهم بالاقضية.

وكأنني فهمت ما يود قوله: وأنته تريد تسوي على راسهم استخباراتي!
يعني شتريد توصل له؟

آلن: البلد متروسة هوايه مشاكل وانته تريد افلت شغلي عشان ما اسوي استخباراتي!
الجمل لا طاح كثرت سجاجينه "سكاكينه".

ضحكت ساخرا من "جمله" المختفي الذي لا يعرف له طريق
جُل ما نعرفه مقتل أبناءه "قصي وعدي" قبل شهر!
.
.
.
امشـط شعري الأسود الكثيف الذي يغطي منتصف ظهري الذي طالما كان سلاح يستخدمه اخوتي في صغرهم,
يمسكون به عندما نتـشاجر لأعود الى أمي بيديّ مغطية وجهي مانعة نفسي من البكاء امام احدهم,
بينما الاخر يعود بيدين محمّلة ببقايا شعري!
شعري الطويل المنسدل الناعم الذي ورثناه انا وأخي يامن من أهل أبي وكأن الملامح والجينات أرث ينتازع عليه الأحفاد من أجدادهمّ!
وحدنا تنازعنا على نعومة الشعر بينما اخوتي الثلاثة ورثوا امي بشعرها الغجري ..
أمي.. تلك المرأة التي ورثت منها أنف عربيّ شامخ الطول وشفتيّ مكتنزتين بلون التوت وعيونٌ خضراء كلون الجنة!
أشتقت إلى أمي بكـل مافيها,
بحديثها المنمق الذي يشبه حديث "يامن" كثيراً .. بل تشبه يامن بكل مافيها.
وكأن يامن نسخة رجالية من تلك المرأة المجتهدة المحتسبة بشؤون بيتها وإدارته.
رفعت هاتفي باحثة عن اسم يامن,
ولكن تغيّر رأيي عندما رأيت أسم ابو يامن يتجلى أمامي.

أتاني صوته الذي اشتقته كثيرا: هلا بابا مهتاب شلونج؟

خرج مني شوقٌ وحنين وبعضا من الصوت: الحمدلله انا تمام بابا, انتم اخباركم؟

أبو يامن : الحمدلله بابا كلنا تمام, هاا شلون بغداد؟

ردتت بما رأيت متجاهله ردة فعل مصطفى التي عكّرت لي صفو يومي: تجنن - قلت مازحة- كانك بالمحمرة"مدينة أهوازية".

بعد تنهيدة حرقة على ماحل بـالمحمرة التي أصبح اسمها الحديث "خرمشهر" أجاب مغيّراً مجرى الحديث: هاا كم عَكستي لنا عَكس؟ "صورتي, صورة".

مهتاب: كثيير بابا وكلهم حلوين.

أبو يامن: وكيف ربعج بابا خوما ما أذوج بشي؟

وكأن دموعي تنتظر فرصة للهـطول: لا بابا حبيبي كلش زين وربعي زينين بعد.

أغلقت هاتفي بعدما انهيت اتصالي ماسحه ذاك الرذاذ الذي سقط على وجنتيّ,
ليس أنا من تُبكيني كلمة!
لم أعد مهتاب الفتاة المدللة التي تنتقل من حظن أبيها الى حظن أمها عندما تتأذى من كلمة قالها أحد اخوتها حتى وأن كان مازحاًّ!
بل أصبحت مهتاب المغتربة التي تسكن شقة بمفردها بعدما كانت غرفتها مجاورة لغرفة والديها لشدة خوفها من الوحدة.
لم اتجرأ يوماً وانام في الدور العلوي عندما يخرجون بعض أخوتي لدوامهم المسائي ويخرج البعض الآخر الى سهرة رفاقه!
حتى وصل الأمر الى بناء غرفة في الدور السُفلي مجاورة لغرفة والديّ
واليوم اتجرأ وأنام في شقة خالية من الحياة ..
وكأن الحياة تعود لها بطرقات الباب المتضجرة, أخذت حجابي عجلة لكي أضعه على رأسي,
حجابي المكون من قطعة بيضاء صغيرة تغطي مقدمة رأسي ثم يأتي فوقها الحجاب الاسود.

تحدثت مجيبة من في الباب : مين؟

أجاب وكانه يعرف لغتنا: من هستم مصطفى "أنا مصطفى"
فتحت الباب وتحدث على عجل: غدا صباحا سننتقل الى سكننا الدائم في بغداد, لقد اتصلت السفارة تُخبرنا انهم وجدوا المكان المناسب لنا.

اكتفيت بقول: إن شاء الله .

هل كان مجيئ مصطفى بدلا من كاظم إعتذار!
هل فعلاً لم يكن يعرف بإتقاني لفارسيته إلا بعد ما اخطى!
.
.
.
في الصـباح نقف جميعاً ننتظر السّيارة التي ستنقلنا الى بيتنا الدائم كما قال مصطفى..
يلفحنا نسيم بغداد الحار, وكأن سائق السيارة رحمنا بمجيئه!
ركبت كالمعتاد اماماً بجانبه, تاركه المقاعد الخلفية لكاظم ومصطفى
بينما بقى ثمانية أصدقاء ينتظرون السيارات القادمة.
حمدت ربّي كثيراً على صمت مصطفى الغير معتاد فهو لم يتوقف عن كلامه اللاذع منذ ان خرجنا من طهرانّ!
لم ينبس ببنت شفاه منذ ان تحركنا الى منزلنا الجديد إلا عندما وصـلنا يسألني إن كان بإمكاني البقاء هُنا أمام المنزل وحدي ليذهبا هو وكاظم يبحثانِ عن صاحب المنزل أو عن أي احد يدلهم على من يملك مفتاح هذا القصر..
ذهبا وجعلاني وحدي اتأمل هذا المنزل من الخارج,
جداره حجري وكانه مأخوذ من جدران الدولة العباسية ويتوسطه باب حديد كبير جداً لم أرى باب منزل بهذا الحجم,
وهناك في أخر الجدار باب صغير بنفس لون سابقه وبنفس نقوشه الحديدة,
وهنا في نهاية الجدار قبل انعطافته ليكمل مسيره ويكون جداراً ثانوي توجد بائكة "مدخل سيارات".
ومن شدة تأملي تأملت ذلك الرجل القادم الذي يمشي مخفظاً رأسه للأسفل مزعزعاً هدوء صباحنا بركله لأحد قوارير البالية في زاوية الجدار الرئيسي للمنزل.
تقدم خطوتين للأمام .. حيثُ أنا.
لم ينطق بشيء, فقط كانت سيجارته من تتحدث عندما تبثُ دُخانا الى الهواء الطلق وتعكّر صفوة!

: شو ياللي وصلج هينا؟

لم أستغرب الصوت ولا وجهته لانني كُنت اتأمل صاحبه على مضض وكأنني لا أراه.
تبسمت متغابية بعض الشي: متى اجيت؟

رد ببرود متكئا على الجدار : من هستوة, هذا المكان عليه حراسه لانه مخصوص لأكابريه عوفيه وطلعي.

لا أعلم لما يخاطبني هكذا وكأنني لا شي!
قطع علينا حديثنا عودة كاظم ومصطفى المتفاجآن بوجوده.

تحدث كاظم: من أنت.

أعتدل واقفا عندما سمع عربية كاظم "المهشمة": أني ناطور بالعمارة انتظر أكابرية ليستلموا مني.

تبسم كاظم: الوفد؟ احنا.

تقدم من قال انه الناطور ممدا مفتاح القصر الشاهق لكاظم ملوحاً بيده لكي يقف بعيد يفتح مكان الحراسة التابع لهذا القصر.
وفي هذه الاثناء اكتمل عددنا لكي ندخل القصر جميعا,
فجميعهم تقدموا السير أمامي, بينما بقيت امشي على استحياء في الخلف.
دخلت المنزل الشاهق!
تتوسط الصالة الكبيرة ثُرياء ضخمة تُنير سبع بلاد,
هناك في آخر الصالة الكبيرة جداً باب متوسط الحجم ويبدو ان ما بداخله لم يكن سواء مطبخ.
وهنا في الصالة الكبيرة سلالم في المنتصف تقسم بين جلستين,
احدهما عربية بلون الدمّ , واخرى افرنجية بلون الليل.
وهناك أمامي تماماً توجد صورة ضخمة تحمل بداخلها سمح الوجه, وبجانبه امرأه بشعر قصير يغطيه اللون الأشقر تملك وجهٌ مريحا للبصر
وعن يمينها ابنتين حسناوات الخُلقة وكل منهم أخذت من والديها ما يميزهما,
وعن يسار ابيهم يوجد صبيين ايضاً وهنا زادت الوسامة أكثر حيث الرجولة والخشونة والشعر العربي الأسود الذي يُضفي لملامح من يمتلكه الجمال!
هذا الشاب الأطول وجهه مألوفاً!
نعم!
انني آلفته من قريب, فهذا الوجه الحسن لم يكن الا وجه من قال انه الناطور,
هل الناطور يلتقط مع اسياده صوراً تذكارية؟
وتعلق في مدخل بيتهم؟
قطع عليّ تفكيري الذي رحل الى ذلك الناطور صوت الهشيم الذي عمّ المكان,
ولم يكن ذلك سواء من فعل مصطفى الذي كسر صليباً كبيرا يقع يمين الصورة.
ولم يتوانا عن تكسير الصلبان الصغيرة المصنوعة من طلاء باهض الثمن,
ولكن مصطفى لم يحترم وجوده كضيف مصاحبا فوضاه بصراخ فارسياً عارم هز المكان:

ما هذا؟ لم يجدوا إلا منزل كفار لكي نسكن به!
أين شيعة العراق؟ أين منازلهم؟
أ يريدوننا أن نسكن في منازل من كفروا؟
أم يريدوننا أن نسامرهم في خمرهم ولهوهم؟
يا حسيــن!
أنظر ما جرى, شيعتك ينزلون منزل به بقايا من كفروا بالله!

- ثم ينظر لي مجددا وكأنني السبب بذلك بينما انا أنظر الى شظايا الصلبان التي توزعت على مداد الصالة الكبيرة -

أ ترين؟
بالطبع سركِ ما ترين!
فأنتم والمسيح واحد, كلاكم قتلة فأنتم قتلتم حُسين في كربلاء وهم قالوا انهم قتلوا عيسى!
.
.
.
انتهــــــــــــــــــى

رواية اسميتها بسعاد الفصل الثالث كامل مكتوب 

مـــدخل الى البارت الثالث

املأئي الكون بنور وجهك المقتبس من دجلة..
ليعكس نور وجهي المقتبس من فراتها,
فنكون حبّاً صادقا يتحدث به العالمين.. قبل أن تتحدث به العراق!

.
.
.

مصطفى لم يحترم وجوده كضيف مصاحبا فوضاه بصراخ عارم هز المكان:

ما هذا؟ لم يجدوا إلا منزل كفار لكي نسكن به!
أين شيعة العراق؟ أين منازلهم؟
أ يريدوننا أن نسكن في منازل من كفروا؟
أم يريدوننا أن نسامرهم في خمرهم ولهوهم؟
يا حسيــن!
أنظر ما جرى, شيعتك ينزلون منزل به بقايا من كفروا بالله!

- ثم ينظر لي مجددا وكأنني السبب بذلك -

أ ترين؟
بالطبع سركِ ما ترين!
فأنتم والمسيح واحد, كلاكم قتلة فأنتم قتلتم حُسين في كربلاء وهم قالوا انهم قتلوا عيسى!

أنسحبت بهدوء بين ذلك الضجيج,
أ يتهمني بقتل الولاة والصالحين!
الأمر لا يحتمل, فقد كذبت عندما قلت أنني سأعيش بين الرجال وحدي.
رغم أنهم خصصوا لي في هذا المنزل قسماً كاملاً منعزل عن تلك الأقسـام الوثيرة المخصصة للرجال العشرة
إلا أنني لا أستطيع البقاء وحيدة,
فلا أحد يونسني, ولا أحد أشكي له أفعال مُصطفى!
حتى أهلي لا أستطيع التحدث إليهم فأنا من بقيت سنوات أقنعهم بذهابي إلى العراق, فهل سأعود محملة لهم بشكاوي العنصرية؟
لا لن يكون.. فعنصرية مصطفى لن تتعدى إطار العراق!

فتحت باب القسم الخاص بي..
متأملة أثاثه الحضاري الذي يتوسط المكان وبجانبه في تلك الزاوية جلسه أرضيه تراثيه صغيرة تصلح مكاناً لأوراق تقاريري وعدسات تصويري والحاسوب الذي أنقل للعالم منه أمور حصلت في العراق!
وهناك مطبخ تحضير صغير يتزين باللون الرمادي راقي وبسيط..
وهناك مقابل للمطبخ حجرتين!
وكأن الصالة المفتوحة مفترق طرق بين حجرات هذا المنزل.
دخلت المطبخ مكتشفه ما تخفيه أدراجه محضرة بعض المقادير, متفننة بالطبخ
متناسية صليبا متهشما وزئير اسداً لا يتوقف عن استفزازي
.
.
.
أتينا إلى بيتنا "المؤقت" في بعقوبة .. حيث مُحمد
الذي أخبرناه بالأمر ووقف في صفي ضد ذاك الـ آلن الذي بدأ يحكم عاطفة رجلاً انتسب الى وزارة الخارجية وعمل في استقبال الوفود عشرة سنوات.
يجب أن يحكم عقله كثيراً , فلا يوجد وزير ولا وزارة..
ولكن آلن أقسم وأسرف بالحلف على أن لا يخون الرئيس "المتخفي" لا بد ان يراقب الوفد الإيراني الغاشم بوجهة نظر رئيسه!
وكأن الوفد مسلح بـ اسكود و f16 ..
ألا يفقه انهم مسلحين بكاميراتهم التي ستنقل الأحداث إلى الخارج فقط ..
لن يتغير بوضع العراق شي!
حتى لو لقوا جُثة لا ينتشلوها قبل مرور الاميركان, بل سيفتحون بث كاميراتهم حتى تلتقط الاميركان يذهبون بالجثة إلى معتقلات تحتجز جثث الشباب حتى يعرفون من يطالب به ولمن ينتسب..
لم ولن يفقه ذلك جيداً .. يظن أن الإيرانيون مسلحون من جهات خارجية.. وربما من دولتهم!

تحدث محمد وهو يعيد موشحه السابق في وجه آلن: آلن أروح لك فدوة, بلاها هالوفد والخبصة هاي,
لك وبحق الله تبطل هاي الشغلات !
خلاص انت فد مواطن لا مسؤول ولا وزير عدك.. ما ناقصين لويه دخيل ربك.

تحدثت مؤيدا لحديث محمد : ولك باوعني انت مخبل؟

اجابني غاضبا : لا تقول ولك.

تحدث محمدا بابتسام قليل: صادق.. لا تقول ولك - ثم تحدث مغيرا حديثه- وانت يا آلـن خلاص بتسوي اللي براسك؟

آلن: ساويت وخلصت..
مو العراق يستاهل؟.

محمد بعدما فقد صبره: بحق الله لا تطاوع قلبـك وتقلي العراق,
العراق رااااح تسمع راااح, بغداد طاحت ماعاد عدك بغداد!
بغدادك خذوها , متى تفتهم ان شغلك خطر,
ما عدك حدا يحمي لك ظهرك, باوع وين الحرس اللي كانوا تارسين الفرع مال بيتك!
دجاوبني وين راحوا ؟
خذوهم الاميركان حرس! ولا اختفوا مع صدام؟
صمت قليلا ثم تحدث وكأنه ادّكر بعد أمه: خررررب حظك, ولك لو تعرف السفارة الإيرانية وين دتولي؟
دتروح ورا النهر, آلن ترى الشغلة عودة ما شغلة لعب عيال!

أجاب آلن وكـأن محمد لم يتفوه إلا بكلمتين فقط وضرب بمعلقته عرض الحائط: لا تقول ولك وانا ما ولد علمود تقول لعب عيال!
بعدين اش عليك كيفي اسوي اللي أريد,
براسي موال وأريد اغنيه..

تكلمت مهدئا لهم وكأن حديثهم يخبرني بقرب معركة دامية بينهما: خلاص محمد.. اللي يريد خل يسويه!

وقفا قرب بعضهما وكل واحد مديرا نظره الى الجهة الأخرى لم يقطع عليهم صمتهم إلا صوت قدح قداحة آلن الذي لم يكف عن التدخين!

صرخ به محمد : خلاااص وبحق محمد كتلت روحك.

لم يرد آلن فقط اكتفى برمي سيجارته الحديثة ودعسها في قدمه.
.
.
.
الصـدر كما لم تراها من قبل..

هكذا ابتدأت موضوعـي الذي تتخلله بعض الصور والكلام البسيط معربة عن امتناني للزمن الذي جعلني اعانق تربة العراق الطاهرة..
ممتنة لكل من وجدَ في العراق وسمح لي بمشاركتهم هواء بلادهم النقي ولو لوثته كيماويات القوات الاميركية
ممتنة لكل إيراني تخلى عن مقعده في الطائرة مفسحاً الطريق ليعربية ذاهبة إلى بلاد العرب!
ممتنة للسمـاء والنجوم والكواكب والشجر والحجر..
ممتنة للسـماء وربّ السمـاء..
وأخيـراً ختمت موضوعي الصحافي بأسمي "مهتاب يوسف"

الساعة تقترب الى الحادية عشرة مساءً مللت البقاء وحدي هُنا,
ولم اتجرأ وأذهب إلى مجالسه كاظم ولو لربع ساعة..
فمنذ معركة مصطفى الصباحية لم أخرج أعتكفت قسمي, لا أريد الخروج لهم,
فلا أحد سيساعدني ولا يساندني بوجود الأسد الآسر المُسمى بـ " مُصطفى".
أقتربت من النافذة الزجاجية التي تأخذ منتصف الجدار مكاناً لها, فتحتها ذاهبة الى شرفتها,
لأجد هُنـاك في الأسفـل رجل الحراسة "الناطور" الذي لم أعرف عنه إلا صورته المبروزة مع أهل هذا المنزل.
أرتديت حجابي خارجة من قسمي إلى السلالم الخارجية التابعة للباب الخلفي من المنزل,
تسللت وكأني طفلة تستغفل أباءها حتى تعود للسـهر مع أخوتها,
تسللت وكأني لص استرق غنيمته وذهب مسرعا خوفا من كشفهّ!
.
.
.
هل ما فعلت كان صحيحاً!
فلما اللوم الذي أجده من صحبي؟
أعلم جيداً أن تفكيرهم منطقي وكل ما قاله منطقي, ولكنني لا أخون الرئيس ولو خُلع!
لا أخون من أمّنني على مقعداً في وزارته ساعة, فما بالكم بعشر سنوات.
أنني آلن الذي لا يخون..
ويجعل مبادئه فوق كل اعتبار, حتى لو وصل الامر الى اعتقاله.
فلا أحد سيسأل عنه هُنا عدا صادق ومُحمد..
صاحباه اللذان عارضاه وأخبراه انهم لا علاقة لهما بما يفعل.
ولكنني اعرفهما جيداً لن يبتعدوا عني, فأني أرى صادق الغاضب يدلف باب بيت اهله غاضبا مني لكي يراقبني من نافذة غرفته
لكي يطمئن مازلت في موقع الحراسة أم جد جديداً في أمري.
كما أنني لا أشك أن محمداً هو من جعل صادق يراقبني دون أن يشعرونني بأهتمام بي..
بل وأنهم أخبروني بتخليهم عني لو وقعت فوق عاتقي مصيبة نتيجة لعملي المتهور!

سمعت قرع الحجر من وراي, يخبرني بوجود متسللاً إلى موقع الحراسة,
وقفت متأهباً وكأنني جسدت دور الحارس!
الحارس.. صاحب البيت!
الذي يعلم ان البيت لا أحد يجرؤ على اقتحامه.
تبيّن لي هوية المتسلل, إنها امرأه!

مهـتاب: مساء الخير.

آلـن: مساء النور.

مهتاب: ممكن اكعد؟

آلـن: اتفضلي يابا.

جلست مقابل لي في المقاعد الخارجية المخصصة لحراس المنزل..
تلك المقاعد التي طلب أحدى الحُراس من أبي وجودها صيفاً بحكم حرارة ليل بغداد,
ذلك الصيف العجيب الذي يخنقك في منزلك المحصن بالطوابق الباردة والمكيفات التي تزيد من صقيعها..
إلا انه لا يُخفف من حرارة الجو الا الشي القليل.
بينما الجلوس خارجا في الفناء محررا نفسك من قيود الحيطان والمكيفات يبدو لك الجو خريفيا وكأنك بأواخر نوفمبر.

تحدثت تلك الماثلة أمامي: حار الجو ما؟

مدتت لها كأس الشـاي كواجب ضيافة: صح..

تحدثت من جديد بأمر استفزني: الشـاي الإيراني أفضل, تعرف كيف نساويه!

لم تنتظر اجابتي: نحط جواته مي ورد وزعفران.. قد جربته؟

أكملت حديثها من جديد لم تنتظر حديثي!: وهمين بعد عدنا هناك كل الاكلات لازم بيها زعفران,
أصلا يسمونها إيران بـلاد الزعفران, تحب الزعفران؟

اؤمت برأسي بـ لا وعملي الاستخباراتي استحثني على استجوابها: أنتي عربية؟

أجابت وكأنها لقت طوق نجاة يسعفها من قطع حبالها الصوتية, أجابت وكأنها صمتت دهراً.. لم تتوقع مبادرته للسؤال عن شي يجعلها تتحدث أكثر: اي عربية..
اني إيرانية بس من الاهـواز, وكنا نتحجى نفسكم لانكم الأقرب لنا جغرافياً وهيـج.

أجبت معقداً حاجباي: كـنتم؟

عادت الثرثارة تتحدث: اي من بعد حرب صدام عام 80 الله لا ينطيه,
جات الحكومة وطلـعت حقدها على العرب وصدام بينا احنا وغيروا اسمـاء المُدن لفارسية والمسؤولين صاروا فارسيين,
واضطرينا نتحجى بعض الكلام فـارسي..
اغلب اللي هناك جلمة عربي وعشـرة فارسي!

أثارت غضبي عند ذكرها لـ "صدام" بما يسوؤه: مـو صدام..
فوضاكم بالعراق هي اللي خلته يحاربكم!
حكومتكم هي اللي جنت على نفسها.

أجابت مهدئه الوضع, واضعة عينيها على صدري تراقب لمعة صليباً يتوسطه, مستغربة من دفاعي المستميت عن مسلما عادته باسلامها ونصره مسيحي: خلاص يابا ما قلنا شي حقك علينا.

سكتُ ممتعضا.. غاضبا بعض الشي.
كيف لها أن تتجرأ وتجاوز حق المضيف وهي ضيفته!
كيف لها أن تسبه وهي ضيفة في عراقه.

سمعت قرعة الحجر الخرساني اعلى من سابقه مخبرني عن غضبها وهي راحلة إلى حيث كانت..



مخرج البارت الثــالث


أخبري العراق أن فُراتها امتلأ دمـاً
من فعل ابنة قـزوين ..!
لقراءة باقي حلقات الرواية : اضغط هنا 
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-