رواية امبراطورية الرجال - رحاب إبراهيم

رواية امبراطورية الرجال - رحاب إبراهيم

رحاب إبراهيم واحدة من أشهر الكاتبات الروائيات العرب 
وما أن تكتب رواية جديدة تحتل قائمة الأكثر بحثًا في مُحركات البحث من جميع انحاء الوطن العربي
وهذا هو ما حدث بالضبط ما أن نشرت الكاتبة رواية امبراطورية الرجال على مجموعتها على الفيس بوك 
وبعدها بالطبع كالعادة نقلتها مجموعة كبيرة من الصفحات والمجموعات على مواقع التواصل الإجتماعي
وهذا ما زاد من شهرة الرواية بشكل كبير جدًا 
أكثر من الشهرة التي اكتسبتها الرواية بسبب شهرة كاتبتها.
رواية امبراطورية الرجال - رحاب إبراهيم

الجزء الأول 

خطوة يتبعها أخرى حتى دلفت فتاة تدعى"حميدة" إلى مكتب كبير بأكبر الشركات للاستيراد والتصدير..عملت منذ عام تقريبًا وبذلك الوقت وقعت بغرام "يوسف الزيان" وهو أحد ملاك هذه الأمبراطورية..إمبراطورية عائلة الزيان التي اكتسبت الثراء والارستقراطية منذ عهود ولِت..ولجت بداخل المكتب لرئيس الشركة والمسؤول الأول عن جميع الأفرع التابعة لمقر الفرع الرئيسي بالقاهرة..تنحنحت حميدة بإرتباك وهي تعدل نظاراتها الطبية على عيناها ، بينما لم يضعها مظهرها البائس الذي يشبه مظهر الرجال الا موضع التوتر وانعدام الثقة بالنفس ، ليلتفت رجل اقترب على الخمسين من عمره ولكنه لا زال يحتفظ ببهائه وطلته الساحرة..وما العجب في ذلك فعائلة الزيان يعرف عن رجالها الوسامة الفائقة..هو "وجيه الزيان" أشهر رجال الأعمال العزاب..كأن المرأة لم تشغر حيذ بتفكيره ولو انشاً!! استدار اليها بعدما كان يقف شارداً أمام النافذة وتساءل:
_ آنسة حميدة..وصلني أنك عملتي مشكلة مع عميلة عندنا بسبب يوسف أبن أخويا مراد الله يرحمه..ممكن أعرف اللي حصل؟
ازدردت حميدة ريقها بخوف وايقنت أنها على وشك الطرد أو ربما تم القرار بالفعل وينتظر فقط المناقشة..قالت بتلعثم :
_ بصراحة..بصراحة..هي اتفقت معاه على غداء عمل في مطعم عشان تتكلم معاه وتفهم منه كذا نقطة..مستر يوسف مش بيروح يقابل عميل غير لما اكون موجودة معاه..هي مرحبتش بيا نهائي وعاملتني بطريقة بشعة لمجرد أني حضرت وكأن دي مش مقابلة شغل !!
تفحص الرجل مظهرها عن كسب وتعجب لماذا اختارها يوسف عن غيرها لتكن مساعدته الشخصية بينما لا شيء بها يشجع على الحماس أو العمل فقال:
_ وبعدين؟ أنا عايز أعرف رد فعلك أنتِ كان إيه؟
أجابت حميدة بأقتضاب:
_ زعلت طبعاً..المفروض أن دي مقابلة شغل مش.....
حسها وجيه كي تتابع فهو على علم مسبق بما قالته وعندما رأى حيرتها أجاب عنها بعصبية :
_ مش اتنين ضاربين ورقة عرفي وبيتقابلوا من ورا الناس..مش ده اللي قولتيه؟!
احتدت نبرة حميدة بإنفعال وقالت:
_ هي اللي حسستني بكده يا فندم..ده أنا لسه بكلمها عن الشغل لقيتها شدت يوسف كده..اااقصد مستر يوسف..واترمت في حضنه البجحة وعايزة ترقص..لو حضرتك مكاني هتسيبها؟
هز وجيه رأسه وهو يخفي ابتسامته وأجاب:- والله كنت سيبتها..
صرت حميدة على أسنانها بغيظ وهتفت:
_ لو حضرتك عايزني اعتذرلها فأنا آسفة مش هقدر...استقيل ولا أني اعتذر لواحدة زي دي!!
صمت وجيه وهو يرمقها بعمق وتعابير وجهه لا توضح شيء..تحرك ليجلس أمام مكتبه وهي تئز قلق وخوف من احتمال طردها من العمل..وأكثر ما يؤلمها بذلك ليس الراتب بل الابتعاد عن حبيبها..قال وجيه ببطء:
_ ارجعي لشغلك على ما اقرر هعمل معاكي إيه..كل الاحتمالات موجودة..
ادمعت عين حميدة بيأس ولكن النظارة الطبية كان حائل بينها وبين رؤية ضعفها للعيان..
كادت أن تخرج من المكتب حتى دلف يوسف سريعاً وهو يقضم ساندوتشه وقال بعصبية:
_صباح الخير يا عمي..حميدو ما عملش حاجة!
ضمت حميدة شفتيها بغيظ منه فهو لم ينفك منادتها وكأنها صديق رجل له..لم يعتبرها مرة واحدة أنثى ولم يلتفت اليها كأمرأة ولو بنظرة..راقبها وجيه بنظرة ضاحكة وخفية ليشير لها بالخروج..نظر يوسف لحميدة بتوجس من عصبيتها وعاد جملته بعدما خرجت:
_ حميدو معملش حاجة يا عمي..البت الملزقة اللي اسمها كارين هي اللي شبطت فيا..واتحمرشت
اتسعت عين العم وجيه بتعجب وتساءل: اتحمرشت؟ يعني ايه؟!
أجاب يوسف وهو يأكل من ساندوتشه بنهم وقال موضحاً:
_ يعني اترمت عليا وأنا مش بتاع بنات..أنا بتاع ساندوتشات..
قال العم "وجيه" بيأس : أنت لا نافع في شغل ولا نافع في ارتباط ومش بشوف وشك غير وأنت بتاكل !! تصدق أن فعلًا حميدة لايقة عليك..متخلفين شبه بعض!!
أشار يوسف بتحذير: حميدو ياعمي..مابحبش حد يقول حميدة !!
ابتلع العم سيل الشتائم بفمه ثم قال: ولاد عمك فين؟ مش موجودين صح؟! اخواتي خلفوا عاهات وسابهوالي !
ابتلع يوسف الطعام بفمه بتكشيرة كالطفل وقال: الله يرحمهم بقى يا عمي بتفكرني بالحادثة دي ليه!! بتحب تنكد عليا ليه!! اكيد أنت قاصد تسد نفسي ؟!
اطرق العم على مكتبه بغضب وهتف: دور عليهم وبلغهم أن في اجتماع ليهم بكرة الصبح..تكونوا عندي هنا الساعة ٨ بالضبط..
أومأ يوسف بالايجاب ثم خرج من المكتب..
**بطرقة طويلة بها عدة مكاتب متراصة بصفوف منتظمة**
توجه يوسف لمكتب حميدة مباشرة..اخفض رأسه وقال بخفوت: ما تزعلش يا صاحبي..جبتلك حقك
رفعت حميدة رأسها الذي كان بين يديها وضربت المكتب بقبضتها وقالت: ياااا اخي أنت إيه؟! هي البسطرمة سدت نفوخك ؟! وعمت عنيك!! انا حميدة مش حميدو..أنا بنت مش ولد..سكرتيرتك مش صاحبك!!
ضيق يوسف عيناه كالطفل المعاقب..وقال: أنا ماليش صحاب واعتبرتك صاحبي..أنا مرتاح كده..عموماً أنا خارج كام ساعة كده..معاكي ساندوتشات؟
رفعت حاجبيها بعصبية ليقل مصححاً: خلاص مش جعان!
فتحت حقيبتها وأخرجت علبة صغيرة ودفعتها بين يداه فهي احياناً تشعر وكأنها أمه..قالت: معايا..خد اهيه
ابتسم وهي يتفحص الطعام وقال: الله..كبدة وسجق..ربنا ما يحرمني منك يا حميدو قلبي..
فرحته كانت طفولية فابتسمت رغماً عنها..ذهب من أمامها فهاجرتها الابتسامة مرة أخرى..إلى متى سيظل هكذا لا يشعر بها؟ لا يرى فيها سوى صديق!! ليته يراها حتى كصديقة!
*****
أسفل عدسات الكاميرا..بأحد الاستديوهات..وقف رعد يتفحص كاميرته حتى اتت إليه فتاة تعمل عارضة أزياء..ولكنها الآن تصور إعلان لمنتج خاص بالبشرة بماركة شهيرة..تغنجت بخطواتها وتنورتها القصيرة وهي تتوجه إليه..وضعت يدها على كتفه وهزت رأسها بدلال قائلة: وحشتني يا بيبي..كنت فين بقالك فترة؟!!
ابتسم رعد بسخرية وقال دون أن ينظر لها فما من معشوقة أكثر من تلك الكاميرا بيده..منذ صغره وهو مفتون بالتصوير وعدسات الكاميرات ولكن العم وجيه يرى أن ذلك العمل" تافه" ولا يصلح لأحد أبناء عائلة الزيان..أجاب رعد: كنت مشغول شوية..
اقتربت الفتاة من خده هامسة: بقولك وحشتني !!
تحركت عيناه من الكاميرا اليها ثم قال بسخرية: ده قبل سهراتك بتاعت بليل ولا بعد؟! شيليني من دماغك يا تيما..دماغي مش فيكي..
لوت شفتيها بحدة وعصبية وقالت: اومال دماغك فين! في حتت الحديدة دي؟!
أشار لها بتحذير: خلي بالك تغلطي مش هسمحلك!! وبعدين انا دماغي لسه فاضية..ومافيش واحدة قدرت تدخلها..
مطت تيما شفتيها بتعجب وتساءلت : ومواصفاتها ايه بقى؟ فتاة احلامك.
رفع رعد حاجبيه بدهشة وأجاب : تصدقي عمري ما سألت نفسي السؤال ده؟!! مش بفكر أصلا ارتبط..بس اكيد يعني هتكون بنت مالهاش زي..
كادت أن تتحدث لتتفاجئ بوجود شاب انيق يشبه بعض الشيء ذلك الذي سيقودها للجنون..ومثلها مثل غيرها لن تستطيع أن تلفت نظره ولو قليلاً..وقف يوسف ينظر لرعد لبرهة ثم قال:
_ أنت امتى هتفتح تليفونك؟ مافيش مرة بتصل بيك بلاقيك متاح!
علق رعد حامل الكاميرا على رقبته وأجاب:
_بشتغل يا يوسف ومش فاضي لتليفونات!! اكيد في حاجة حصلت بخصوص عمك!! لخص وانجز ورايا تصوير
تنهد يوسف بعمق وقال: عمك عاملنا اجتماع بكرة وانا قلقان..لازم نتكلم النهاردة كلنا قبل اجتماع بكرة..
قال رعد بموافقة: ماشي..أنا هرجع بدري ومش هتأخر..هكون في القصر على الساعة عاشرة كده..
اندهش يوسف : هو ده بدري!!
رعد بعصبية: هي دي مواعيدي..لو مش عايز تستناني أنت حر!!
قال يوسف مرغماً: هستناك..اوعى تتأخر
لوح له رعد وقد عاد لعمله بتركيز مع جلسة تصوير مع عارضة أخرى..
*****
بمبنى فخم بأحد الأحياء الراقية بالقاهرة..دق جرس أحد الشقق بعمارة سكنية..توجه بطوله الفارع وصدره العاري ليفتح الباب حتى ارتمت على صدره فتاة بملابس شبه عارية..ابتسم لها بلهفة وقال:
_ مستنيكي بقالي كتير...
قال ذلك وهو يغلق الباب بقوة ، تمايلت الفتاة التي تدعى"توتو" بمياعة وقالت وهي تلف يدها حول رقبته العارية وتتفحصه بشوقه :
_ وحشتني يا جاسر...أنت تعرف أني مابقتش اقابل حد من يوم ما عرفتك؟ كل صحابي مستغربين بس أنا عارفة السبب
جذبها أكثر الى صدره برغبة فلم يغضبه حديثها فبالنهاية هي فتاة ليل مثل غيرها ولكنه يروقه مدحها به فقال بمكر : ايه السبب ؟
نظرت له وهي تتأمله ببطء وبإعجاب شديد وقالت: كل اللي عرفتهم حاجة..وأنت حاجة تانية خااالص..اللي تعرفك مستحيل تعرف غيرك
ابتسم بثقة فليست أول إمرأة تقل عنه هذا..جميعهنّ قالن ذلك..بعد لحظات قد انتهى الحديث الى غرفة النوم..مثلما كان دائماً..ومثلما أصبح منذ سنوات..شاب لا يعرف بالحياة سوى المجون وفتيات الليل..هذه الشقة قد شاهدت الكثير منهنّ..
بعد مرور بعض الوقت كان يقف أسفل المياه بالحمام الخاص بغرفة النوم..يشعر بشيء يضيق عليه الصدر...يتلهف للخطأ برغبة جامحة ثم يعود نادماً..جرت المياه على ملامحه الشديدة الوسامة..وجسده الفارع الرياضي المفتول العضلات..خرج وهو يجفف شعره وحول خصره منشفة أخرى بيضاء..تأملته الفتاة بابتسامة راضية وقالت وهي ترتدي ثوب نوم قصير :
_ اجلت السفر عشان اجيلك النهاردة..
القى المنشفة على مد ذراعه وقال دون ادنى نظرة لها : طيب
ضيقت الفتاة عيناها بتعجب واقتربت له متساءلة : مالك يا جاسر ؟! أنت بقالك فترة متغير!! أول ما بتشوفني بحس أن مافيش حد فرحان اكتر منك وبعد ما بنقضي وقت مع بعض بتبقى بعيد..بعيد أوي!!
كاد أن يجيبها حتى دق جرس الباب..وقف لبرهة متعجباً فهو لا ينتظر أي ضيف بهذا الوقت..التفت للفتاة وقال بشيء من العصبية: البسي هدومك
مطت "توتو" شفتيها بغيظ فكانت تأمل أن تقضي معه حتى الغد ولكن يبدو أنه غير مرحب بذلك..
لم يعير جاسر لمظهر الكثير من الانتباه وذهب ليرى من الطارق حتى تفاجئ بوقوف أبن العم "يوسف" تطلع اليه يوسف من رأسه حتى اخمص قدميه ثم زفر بأشمئزاز وقال: معاك واحدة صح ؟!
لوى جاسر شفتيه بنفاذ صبر : عايز ايه يا يوسف؟ مش بعادة تجيلي هنا؟!
دلف يوسف للداخل بعدة خطوات وترك جاسر يقف عند الباب يتأمله بضيق ، هتف جاسر بعصبية: ما تقول يابني في ايه؟!
استدار يوسف بحدة وأجاب: عمك عاملنا اجتماع بكرة وانا مش عارف اتلم على واحد فيكوا !! ضروري نفكر في السبب اللي جمعنا عشانه عشان نرتب كلامنا معاه..
اغلق جاسر الباب بحدة ثم جلس على أحد المقاعد "بالريسيبشن" واضعاً ساق على ساق وهو يشعل أحد سجائرة وقال: هيكون عايز ايه يعني !! اكيد محاضرة هابطة من محاضراته وبعدها كل واحد يرجع لحاله تاني..
تعصب يوسف من هدوء جاسر وقال: أنت هتفضل كده لحد أمتى؟!
تعجب جاسر وقال بسخرية:
_ ده على أساس أنك احسن مني؟! ما الحال من بعضه يابن عمي !! لا انت بتحب شغل الشركة ولا انا ولا حد فينا احنا الاربعة بيحب يشتغل مع عمك في مكان واحد...عمك عايز يدفنا بالحياة زي ما دفن نفسه في الشغل..عايزنا نسخة مكررة منه بس أنا عن نفسي مش مستعد..
قال يوسف بغيظ: بس مستعد تبقى كل يوم مع واحدة!! مستعدة تفضل في القذارة دي!! محدش قالك ابقى زيه بس ماتبقاش أسوء منه وتاخد مبرر لنفسك أنك تفضل في المستنقع ده!!
نهض جاسر والقى سيجارته بعصبية بالمطفأة وهتف :
مستنقع!! انا كبرت لقيت ابويا كده ، كنت بشوفه بعيني وهو بيجيب كل يوم واحدة في البيت وامي مريضة مش حاسة بحاجة!! ولما عرفت سابته وسافرت..والعيلة كلها سافرت وراها عشان تقنعها ترجع بس القدر كان اسبق من الجميع والطيارة انفجرت بيهم كلهم وهما راجعين..مالحقش يصلح شكله في عنيا..
اقترب منه يوسف وربت على كتفه بمحبة: انت بتعاقب نفسك يا جاسر عشان انت اللي قلت لوالدتك وانت السبب في سفرها..بس ده قدر...ما تحملش نفسك ذنب ماعملتهوش!
تنهد جاسر بضيق شديد وهز رأسه كأنه ينفض هذه الذكريات عن رأسه وقال: بقولك ايه انا مرتاح كده..انت عايز ايه دلوقتي؟
تنفس يوسف بيأس وقال: تعالى معايا القصر..رعد هيجي بدري انا اتفقت معاه..وآسر هدور عليه لحد ما الاقيه..
خرجت "توتو" من الحجرة بعدما ارتدت ملابسها مرة أخرى وقالت لجاسر: لما اوصل هتصل بيك يا حبيبي..هتوحشني أوي
رمته بقبلة بالهواء ثم خرجت من الشقة دون أن تلتفت ليوسف أو يلتفت لها..صمت يوسف حتى خرجت فقال بتعجب: أنت بتعجبك الأشكال دي أزاي؟! أنا بشوفها بقرف!
تعجب جاسر وقال بسخرية: أنت آخرك ابن حميدو اللي مش بتفارقه
قال يوسف بحدة: مالكش دعوة بيها يا جاسر..حميدو صاحبي أنا وبس
رمقه جاسر بسخرية وقال متوجها لغرفة النوم:
_ خليك هنا على ما اغير هدومي..
*****
بالقصر..
يقف على أعلى قممه..يشعل كومة من الخشب لتلتهب النيران بالسنة ادخنة مشتعلة..ويتذئكر ذلك الصوت الحزين لآخر شيء قاله والده قبل أن يسافر تلك السفرية اللعينة :
_ عملت المستحيل عشان اخلي أمك تحبني ومعرفتش يا آسر ، ياريتني ما حبيتها كل الحب ده..اوعى تحب يابني عشان ماتبقاش زي أبوك..اتجوز اللي تجري وراك وبتحبك بس ما تحبهاش أنت عشان ما تحسش بالعذاب اللي انا حاسه..أو ما تحبش خالص احسن..
تفاجئ آسر وهو ينظر للنيران المتقدة بأيادي على كتفه فاستدار بدهشة ليجد يوسف وجاسر ينظران له بقوة...ارتبك آسر واخفى دموع عيناه سريعاً فقال يوسف بألم:
_ احنا هنفضل كده لحد امتى؟ كل واحد مش عارف يخلص من عقدته ولا عارف يعيش حياته!! بقينا عاملين زي الوحش الغني المسجون في قصره ، لا حاسس بغنا ولا بحرية والكل بيحسده !!
قال جاسر مغيراً دفة الحديث:
_ بلاش كأبة بقى !! تعالوا نشرب فنجانين قهوة على ما رعد يجي..بقالنا كتير ما اتكلمناش يا شباب..قعدتوا منيلة بس بحبكم ياكلاب..
ابتسم يوسف وقال:
_ عمي وجيه اكيد محضرلنا مفاجأة في اجتماع بكرة
تعجب آسر من الأمر وردد باستغراب: اجتماع لينا!!
أومأ يوسف بالإيجاب وقال:
_ بالضبط..واكيد ده عشان اهمالنا في الشغل وبصراحة عنده حق ، احنا اقل واحد فينا عنده ٢٩ سنة ولحد دلوقتي مافيش واحد مننا قادر يعتمد على نفسه!! عشان كده جمعتكم النهاردة ونشوف هنقوله ايه بكرة..على ما يوصل القصر هنكون اتفقنا..
******


بأحد الأحياء الشعبية التي يركض الصغار خلف بعضهم بلهو مرح ويمررون الكرة بين اقدامهم الصغيرة..عادت حميدة لمنزلها البسيط ليهتف أحد الصغار ليغيظها:
_ أبرة طايرة في السمااا وحميدة ام كحلة هتتعمى
تعالت ضحكات الصغار عليها مرددين..استدارت حميدة بغيظ وصاحت به: لم نفسك يابو قردان أنت احسن اسرحلك شعرك بالشبشب..ولا اجيبلك سقراط أخويا يلمك؟
نظر الصغير لها بخوف على ذكر ذلك البلطجي الصغير المسمى" بسقراط" وهو طفل لم يتعدى الثالثة عشر عاماً ولكنه يفرض سيطرته على جميع صغار المنطقة..عادت وهي تتمتم بالشتائم فما كان ينقصها سوى هؤلاء الصغار أيضاً...
دلفت لمنزلها وكأنها تركض لتجد جدتها تقبض على "هون" معدني من النحاس وتصحن بمطرقة حديدية وجالسة على الأرض على "كليم" أزرق..هتفت حميدة بعصبية: بطلي بقى يا ستي صحن الكحل وتفرقيه على ستات الحته ! العيال الصغيرة بقت بتعايرني اكمن اسمي على اسمك !
رفعت الجدة حميدة رأسها الملثم بقماشة سوداء سميكة وقالت: مالك يابت داخلة ونافشة ريشك علينا ليه!! ولا عشان ما بقيتي تشتغلي شوفتي نفسك علينا!! الله يرحم المرحوم!!
ضمت حميدة شفتيها بغيظ حتى دلف أبيها "عم سمعه الميكانيكي" وهتف: صوتك طالع ليه يا حميدة..اوعي بتكوني بتزعقي لأمي يابت؟!
تماسكت حميدة وقالت : يابا هو مكنش في أي اسم قدامك غير حميدة !!
قال "سمعه" وهو يبتسم لأمه وجلس أمامها على الأرض:
_ وماله حميدة!! دي ستك دي ست الكل وحته عليها..عاملالنا ايه ياما النهاردة..
ضحكت الجدة حميدة لتغيظ حميدة الصغيرة وقالت: بصااااارة
سقف سمعه بيديه مهللا وقال ضحكة خشنة : اوعى البتنجان المحدق..أنتِ حنينة يا ام سمعة..ربنا يخليكي للمنطقة بحالها..
كظمت حميدة الصغيرة غيظها وقالت بعصبية:
_ مش عايزة اطفح ، هروح البيت التاني
لوت الجدة شفتيها وقالت لأبنها بهمس: اما يا سمعه عندي ليك حتت عروسة انما اااايه..بغاشة يا ولا
رفع اسماعيل يده بإعتراض وقال ونظرة الحزن ملأت عيناه: ولا تملئ عيني ست بعد أم حميدة الله يرحمها يأما..انسي الموضوع أنا مش عايز اتجوز..هجوز نفسي ولا هجوز عيالي !!
توقفت امه عن الصحن وقالت بضيق:
_ حقا والله يابني عندك حق..دي وداد الله يرحمها ماكنش ليها زي وكنت بحبها اكتر من بنتي وربي شاهد..انا مش هغصب عليك..لو نويت قولي وهجوزك في ظرف اسبوع..
التقطت يد أمه بمحبة وقبلها ثم رفع رأسه مبتسما وقال:
_ ربنا ما يحرمني منك ياما..
*****


وقفت سما تمشط شعرها برقة أمام المرآة بغرفتها حتى دلفت رضوى بغيظ وهتفت: ٣ساعات بتستحمي يا جربااانة !!
لم تكترث لها سما وتابعت تمشيط شعرها قائلة بهدوء:
_ ورانا ايه يعني! لا شغلة ولا مشغلة..
هتفت رضوى وهي ترفع يديها للسماء : نص برود أعصابها ياااارب البت دي هتجيبلي شلل!!
اتت جميلة إثر صوتهم العالِ ونظرت لسما بسخرية وقالت: أنتِ بتقعدي بالسعات ليه قدام المراية يا سمبوسة ؟! هتتلبسي يابت !!
أجابت سما بذات الهدوء والانتعاش:
_ بسرح شعري بهدااااااااوة ، أنتِ بقى هتفضلي مسترجلة كده كتير ؟ يابت ده أنتِ قمر وما اعرفش ايه اللي مدهولك كده !
جلست جميلة على الفراش ومددت قدميها قائلة: ماهو عشان أنا قمر ماينفعش أبين كده ، هيطمع فينا يا غبية واحنا مالناش حد يحمينا من ولاد الحرام...
قالت رضوى: لينا ربنا احسن من الكل
أخذت منشفة قطنية ثم توقفت فجأة.. وهي تتشممها: أنتِ بتسرحي شعرك بإيه يابت ياسمبوسة ؟!
ابتسمت سما بثقة: صابونة صن لايت اللي بتغسلي بيها وشك
هز رضوى رأسها بتفهم وقالت: وأنا بقول الريحة المعفنة دي جاية منين!
استدارت سما بغيظ وهتفت: ريحة شعري معفنة يا كدااابة !!
تمايلت وهي تهز شعرها الطويل يمينا وشمالا بغنج ثم قالت بثقة وفخر: ده البت نانا بتاعت الكوافير هتموت وتعرف بحط عليه ايه عشان يبقى ناعم وطويل كده..
فردت رضوى شعرها الذي ماثل شعر سما في طوله ونعومته وقالت: مش لوحدك ياختي..بلاش آلاطة وحياة والدك..
ركضت سما خلف رضوى لتمسكها فهرعت رضوى ضاحكة الى الحمام ثم توقفت سما عن الضحك أيضا وتركتها..جلست على الفراش ولاحظت أن جميلة تبدو شاردة فقالت بتساؤل:
_ مالك يابت تيهة كده ليه؟! حد زعلك في الشغل!
تنهدت جميلة بعمق وأجابت: مشيت من المصنع
حملقت سما بها بصدمة وقالت: ليييييه؟!
احتدت نظرة جميلة وصاحت بغيظ: مرات صاحب المصنع حطاني في دماغها ،تشوفني كأنها شافت عفريت ، فضلت تقرفني في الشغل لحد ما طفشت من نفسي..
قالت سما بكره: البت المعصعصة دي! حقها تغير منك بصراحة ، ده أنتِ بتلبسي لبس زي الرجالة ومع ذلك قمر وهي بتنام بالروچ ومالهاش منظر .
ضحكت جميلة رغما عنها من انفعال سما الذي يشبه صياح الأطفال وقالت: ضحكتيني وانا زعلانة
ضحكت سما وقالت: اضحكي اضحكي محدش واخد منها حاجة بكرة تلاقي شغل احسن منه وهفكرك..
اتت حميدة وعلى ملامحها الضيق لتتساءل سما بتعجب: مالك أنتِ كمان ؟!
قضمت حميدة اظافرها بغيظ وتمتمت وكأنها تحدث نفسها: آآآآآه بنت ال ....لو طولتها ، كنت هخرطها بسناني
قالت جميلة بدهشة: مين يا حميدة ؟!
قالت حميدة بغضب: واحدة وشها مالوش ملامح اصلا وعاملة نفسها الأميرة سوسن!!
عقدت سما حاجبيها وتساءلت: مين الأميرة سوسن دي؟!
نظرت حميدة لها بغيظ وهتفت بصريخ: وانا ايش عرفني !!
صمتت سما بتوجس من صياحها لتعيد جميلة السؤال: يابنتي قوليلنا ماااالك؟!
روت لهم حميدة ما حدث حتى قالت سما بهيام: بتحبيه بقى!!
دفعت حميدة الوسادة بوجهها وقالت: مش عندي مرارة ليكي يا زفته ومش فيقالك..انا متغااااظة
قالت جميلة بعدوتفكير: وتتغاظي ليه يا عبيطة ماهو سابها ورجع قعد جانبك وجابلك حقك كمان ، هو اكل وبحلقة!!
قالت حميدة بضيق: تقصدي يوسف!! لا خيالك ما يروحش لبعيد..ده بيعتبرني راجل زيي زيه بالضبط..ده عمره ما قالي يا حميدة ودايماً يقولي يا حميدو لدرجة أن زمايلي بقوا يقلولي زيه!!
اخفت سما ضحكتها حتى دفعتها حميدة واوقعتها على الأرض بغيظ لترتفع ضحكت سما أكثر وقالت: بقى كده يا حميدو !!
جاهدت جميلة أن لا تضحك وحاولت أن تمنع حميدة من اللحاق بسما المنفجرة بالضحك على الأرض وقالت: خلينا في المهم دلوقتي..
جلست حميدة بزفرة حارة وقالت: طريقة عمه معايا ما تطمنش ، ممكن جدًا الاقي نفسي برا الشركة في لحظة..
ربتت جميلة على كتفها وقالت: سبيها على ربنا وماتفكريش فيها ، اللي حصل حصل وخلاص!!
هزت حميبدة رأسها وقالت: عندك حق..تفكيري لا هيقدم ولا هيأخر..بقولكم ااايه تعالوا نشرب عصير قصب ونشم شوية هوا انا مخنوقة..
قفزت سما بحماس وقالت: هروح البس حاااالًا
ابتسمت جميلة وشاركتها حميدة فسما دائماً تتصرف كالأطفال..
*********
وقف سقراط وسيط مجموعة من سائقين"التوكتوك" يخبرهم بأحد مغامرته وقال: وبعد ما ضربت ٣من العصابة هوووب لقيت خمسة
قال أحد الرجال بفضول وحماس: هااااا حصل ايه يا وحش؟
أشار سقراط بيده وكأنه يستعد للقتال ثم قال: خلعت الساعة وحطيتها في جيبي..
من حوله بنفس واحد وبإندماج: وبعدين!
تابع سقراط: قلعت الشبشب..اومال هتعارك بيه! يتقطع
اضاف وهو يوسع عيناه وكأنه يرى غول: يقوم الخمسة يهجموا عليا مرة واحدة وانا طاااااخ طااااخ طرااااخ وقعتوهم كلهم على الأرض بإيد واحدة..
قال أحد الشاب بذهول: خمسة بإيد واحدة؟!
هز سقرتط رأسه مجيباً: ومن غير ما اتحرك..اصلهم خافوا مني وانصدموا لما شافوا جسمي
نظر الشاب لجسد سقراط الضئيل ليتلع نظرتهم بقلق وصحح: لأ ما انا بخلع القميص وبسقع عضلاتي بتتنفخ...
قال أحدهم بسخرية: المفروض يتعملك تمثال في الحتة دي..
وأشار تحت قدم سقراط..
كاد سقراط أن يجيبه حتى انتبه لصوت شقيقته الكبرى : يااامنيل
اشار لها لتصمت ولا تناشده بهذا الاسم ولكن حميدة لم تكترث...وقف أمامها قائلاً بحدة: عايزة ايه؟!
قرصته من أذنه بغيظ وقالت: مش قولنا بلاش واقفة مع دوووول وتروح المدرسة ؟! أنت حرررر هتطلع بصمجي وعرة
دفع يديها بعصبية وقال: أنا عايز أصرف على نفسي مالكيش دعوة يا بومة
كتم الفتيات ضحكاتهنّ لتوكزه حميدة بغيظ وركض من أمامها...تابعوا السير بالطريق حتى انتبهت رضوى لأحد الأبنية الفخمة التي كانت سوبر ماركت قديم بالماضِ وقالت : ده هيتقلب صالون تجميل!
نظرت حميدة للوحة خشبية مستندة على الحائط وقالت بعدما قرأت ما منقوش عليها : معقول!! ليليان يوسف هتفتح صالون تجميل في حارتنا الزبالة دي!! دي اكيد اتجننت!!
قالت سما بحماس: بالعكس دي زكية جدًا ، مكان مش غالي وهتشتغل فيه شغل عالي هيكسبها دهب ، دي أشهر ميكب ارتيست في مصر!!
تدخلت جميلة بالحديث وقالت ساخرة: طب يلا ياختي منك ليها ، مش عارفة بتتكلموا على ايه انتوا اساساً مش هتعرفوا تعدوا من هنا تاني مش تروحولها!!
قالت حميدة: والله عندك حق ، قال يعني هتشتغل للناس الغلابة اللي في الحارة دي اقل حاجة عندها بيدفع فيها الافات..
تركوا الفتيات المكان وهم يتشاركون أطراف الحديث..

الجزء الثاني

على ساحة عريضة من الطريق..يوجد محل بائع"عصير القصب" يسكب المشروب من آنية معدنية قد سحبها من أسفل صنبور العصير بالمكينة الكهربائية للعصر..فأعد أربع أكواب للفتيات فأخذت كلنّ منهنّ كوبها..أتى شاب بنظرات ماكرة بإتجاه جميلة وطلب كوب له قائلًا:
_ عندك واحد ليا وحساب القمرات دول عليا.
التفت الفتيات له حتى حدجته جميلة بغيظ: ماتخليك في حالك يا مصيلحي بدل ما انسر شبشبي على نفوخك!!
قال مصيلحي وهو يتوجه لها خصيصاً: يابت أنا شاري بس أنتي اللي دماغك جزمة..قولي آه بس وأنا اعملك فرح بِفراشة ما اتعملش لاستقبال المحافظ نفسه..طالع من عيني العنب ده يروح لغيري.
وضعت جميلة كوبها بعصبية واعطت العصار حقه من محفظة نقودها ثم التفتت ل"مصيلحي" هاتفة بتحذير:لآخر مرة هنبهك بعد كده..
قاطعها بتحدي: هتعملي إيه يعني؟! مين اللي هيوقفلي عندك !! هو أنتي ليكي حد اصلاً!
أطرفت جميلة عينيها بدمعة اخفتها حتى هجم عليه الفتيات واوسعوه ضرباً حتى تجمع الحشد حولهم فهتفت حميدة بغضب: لو عايز تعرف ليه مين يا صايع هنوريك احنا..
لكمته سما على قفاه وقالت وهي تشد أذنيه بغيظ: بقى أنت عايز تتجوز جميلة يا راس الفجلة أنت..
هتفت رضوى بهم وقالت: لا ده تسيبهولي بقى
أخذت معصمه وهو يتأوه من ضرب الفتيات ثم غرزت اسنانها بلحم يده حتى صرخ بأعلى صوته فهتفت جميلة بهم وقالت: سيبوه بقى يغور في داهية..
بالكاد استطاع أهل المنطقة تخليصه من أيدي الفتيات حتى أتى الأسطى سمعه"والد حميدة" راكضاً وتساءل: في ايه ؟!
قصت حميدة له كل شيء فوقف أمام "مصيلحي" بغضب وقال:
_ عشان خاطر أبوك الله يرحمه هسيبك بس لو حصلت تاني واتعرضتلها فقسما بالله محد هينجدك من ايدي..
نظر مصيلحي للنظرات الغاضبة حوله فحاول أن يصحح ما حدث وقال: براااحة ياأسطى هو أنا خطفتها!! شاريها وهي تقلانة عليا..
صاحت حميدة بعصبية: مش بطيق تبص في خلقتك هو بالعافية يا حمار !!
وجهت الحديث لأبيها بحدة وقالت: ده مترصد للبت في الرايحة والجاية وكل ما تهزأئه يزيد اكتر..والله لو بصلها تاني لكون جيباه من قلب بيته باللي في رجلي وافرج عليه أمة لا إله إلا الله.
هتف اسطى سمعة بأبنته وقال: خدي البنات وارجعي أنتي يا حميدة وأنا هعرف اخليه لو شافها في شارع يمشي من شارع تاني.
أخذت حميدة الفتيات بنظراتهنّ المتقدة غضب وتوجهوا للمنزل مرة أخرى..سارت جميلة بالطريق الذي تملأه الأحجار وبعض مياه الصرف الصحي دامعة..خيم الصمت على الفتيات فكل واحدة منهن تعاني من اليتم..حتى حميدة يتيمة الأم..
دلفوا لداخل المنزل الذي يقطنون به وصعدوا للطابق الثانِ...فاجئتهم جميلة وهي تتابع الصعود "للسطح" فنظر بقية الفتيات لبعضهن بضيق وقالت حميدة لسما: بت..روحي هاتيلنا حاجة ساقعة ولب نتسلى فيهم..ابقي حصلينا على السطح
فرت سما كالطيف للأسفل مرة أخرى حتى تبتاع المطلوب سريعاً بينما صعد حميدة ورضوى خلف جميلة..
مرت دقائق والفتيات الأربعة ممددين على "حصير" مفروش على أرضية سطوح المنزل..كلًا منهما شاردة..قالت حميدة بمواساة:
_ ولا يهمك يابت..كلنا جانبك..
تنهدت جميلة تنهيدة عميقة وقالت: دايمًا بتشاف أني لوحدي..ماليش حد يحميني..زي حتت اللحمة اللي وقعت وسط كلاب عايزين ينهشو فيها..
قالت رضوى بنبرة ضائقة: ومين سمعك..ما كلنا في الهوا سوا..ده لولا خالتي بهية الله يرحمها لقيتنا وربتنا الله وحده اللي عالم كان هيحصل لينا ايه!!
قالت حميدة بتذكر عمتها بهية فهي شقيقة والدها وكانت تحب تربية الأيتام وتركهنً بعدما يبلغوا سن الرشد ولكن صادف أنها توفت قبل أن يصل هؤلاء الثلاث فتيات للسن المسموح به لأثبات الهوية الشخصية: الله يرحمها عمتي..كانت معوضاني عن أمي بس هي كمان راحتلها..
قالت سما بتبرم: أنا مابحبش النكد..ايه القرف اللي انتوا فيه ده!!
نظرت للسماء بابتسامة واغمضت عيناها قائلة: تعالوا نحلم احسن..نقول اللي نفسنا فيه..مش يمكن يكون باب السما مفتوح واحلامنا تتحقق بغمضة عين!!
ابتسمت رضوى وقالت: والله عندك حق يابت يا سمكة..تعرفوا أنا نفسي ايه..نفسي اشتغل شغلانة حلوة..اسافر واروح واجي واشتري كل اللي نفسي فيه..
قالت حميدة بشرود وهي تتذكر يوسف: وأنا نفسي يوسف يشوفني زي ما انا نفسي يشوفني..نفسي يبطل يعاملني أني صاحبه!! نفسي أشوف في عنيه أني عجباه كبنت..
تنهدت جميلة مرة أخرى وقالت: وانا نفسي في بيت صغير أنا مش طماعة..ويبقى ليا أسرة وبيت احس أنه حياتي كلها..نفسي اجرب احساس أني مسؤولة من حد وحد مسؤول مني..مش عايزة افضل لوحدي..تعبت من الخوف
فردت سما ذراعيها وقالت: أنا بقى طماااااااعة..نفسي أعيش قصة حب ولا الحواديت..الأمير على حصانه الأبيض..يجي ويخطفني من وسط كل الناس..ويكون بيحبني أوي..بيحبني بجد..وبيغير عليا بغباوة..ويتكلم عني ويقول أني حبيبته الوحيدة..وأنا بقى اتقل عليه
ضحكت سما بمرح وهي تتخيل الفارس المجهول..ليشاركها الفتيات بمرحها..فقالت جميلة متعجبة: أنتي ليه ما حاولتيش يا حميدة تلفتي نظر يوسف ليكي؟!
صمتت حميدة لبرهة في الأجابة ثم قالت:
_ أنا بحب نفسي كده يا جميلة، بحب شكلي وبحب نضارتي، صدقيني حاولت في مرة اتغير بس محاستش أني مرتاحة وهو مخدش باله كمان..يوسف انسان محير وغريب..لحظة تحسيه طفل ولحظة تانية تحسي أنه فاهم كل حاجة ومخبي ولحظة تالته تحسي أني بعيد بعيد عن تفكيره أميال..الشكل لوحده مش هيلفت نظره بدليل أن معايا بنات زمايلي انا نفسي بستغرب هو مش بيبص ليهم أزاي !!
أنا بنت عادية..لا الهدوم هتزود جمالي ولا مظهري مقلل مني..ولو اتمنيت أنه يحبني فلازم يحبني وانا زي ما أنا..
وافقتها جميلة بذلك لتقل سما بإعتراض: طب أفرضي اتجوزتيه هتفضلي على رأيك ده؟! تبقي غبية! ساعتها الاهتمام والشكل مطلوبين جدًا..
لوت حميدة فمها وقالت بسخرية: اتجوزته!!! ده لو بس قالي كلمة حلوة في يوم هعتبرها معجزة..
قالت رضوى: محدش عارف بكرة في ايه..يمكن بكرة هو اللي يتمناكي!!
❤❤❤❤❤❤ ********الصلاة على النبي❤

❤❤بقصر الزيان❤❤

كانت ستارة النافذة تتمايل بفعل الهواء بينما حل الصمت على أبناء العم الأربعة بعدما تحدث يوسف بكل مخاوفه فتابع:
_ مقدمناش حل غير أننا نرجع الشركة ونشتغل بجد..مش اسبوعين وشكراً زي ما بيحصل كل مرة..
قال آسر بضيق: أنا مابحبش شغل الاستيراد والتصدير أنا بحب المقاولات ودخلت هندسة مخصوص عشان ابقى زي أبويا.
نهض رعد من مقعده بغيظ وقال: أنا مش شايف أني عاطل ولا شايف أن التصوير شغلانة تافهة زي ما عمك بيقول..أنا بحب الكاميرات والتصوير ومش هعرف اشتغل غيرها..
أجابه يوسف بصدق: ده لو أنت قدرت تعمل بمرتبك حاجة يا رعد ، لكن كل فلوسك موجه للكاميرات والسفر في الجبال للتصوير..تقدر تقولي حسابك في البنك بيزيد ولا بينقص بسبب التصوير! هتقدر بالشكل ده تكون مسؤول عن أسرة في يوم من الأيام؟!
تابع يوسف :
_ أنا مش احسن منكوا ، أنا فعلًا بعترف بده ، واننا بقالنا سنين راميين الحمل على عمي وكل واحد فينا عايش حياته بطريقته..
رد آسر بدهشة: والمطلوب مننا ايه دلوقتي؟
نظر لهم يوسف بقوة وقال: نعتذرله..حتى لو هنتحايل شوية..ونبدأ صفحة جديدة معاه..الاجتماع ده اكيد وراه قرار مش سهل..نبدأ احنا بالاعتذار عشان تعدي على خير..
صمت الشباب بوجوم ولم يجيب احداً فيهم ليقل يوسف:
_ طالما سكتوا يبقى مش معترضين..تمام..كده اتفقنا..
قال جاسر بمرح: نحتفل بقى..

❤❤❤❤❤❤*******استغفر الله العظيم

باليوم التالي...بمكتب فاروق بشركة **آل الزيان**
وقف الرباعي أمام العم "وجيه" متصافين بجانب بعضهم ليتوجه سليم إليهم بنظرات غيظ وهتف:
_ بالذمة مش مكسوفين من نفسكم؟! أربع شباب كل واحد فيهم شبه الجدار ومالوش أي لازمة في الدنيا !! ، شاطرين بس تاخدوا فلوس وتصرفوا ! ده أنتوا لو بنات كان افيد!!
امتقع وجه آسر بضيق شديد بينما لوى رعد شفتيه وهمس لجاسر وقال:- عمك بيهزأنا يا جاسر..استخدم غباوتك بسرعة
وكزه جاسر متمتما بشيء وقال: غباوة مين اللي تنفع مع القطر ده ! انا اخري ميكروباص وفاضي كمان
تقدم يوسف وتوجه لعمه وجيه ثم قبّل كتفه ببسمة وهتف بباقي الشباب:- يلا قولوا النشيد اللي سرقناه..ااقصد اللي الفناه لعمنا حبيبنا
بدأ الشباب يرددون الكلمات رغماً عنهم مابين الضيق والضحكة المكتومة فقالوا : عمو وجيه يا عمو وجيه ، حياتنا من غير هتبقى جحيم ، ابعد بس وجرب وأمشي هتلاقي الدنيا متنفعش ، كلنا ايد واحدة آه آه وبنحبك والله والله
كاد رعد أن يطلق ضحكة عالية فوضع جاسر يده على فم ابن عمه سريعاً وهمس: هتفضحنا خلينا نخلص من إذاعة الصباح ونمشي
فتابعوا بآخر مقطع : أوعى ياعمو تسيبنا وتمشي لأ لأ
قال رعد وهو يكتم ضحكته : تبقى معدية
ردد يوسف :- متسلمش عليا..يااااااسااافل
قالها وقد تحكم بنفسه ولا زال آثر على ضيقه وقف يوسف موازيا للصف ليقف أمامهم بمكر وقال : المرادي مفيش عقاب
صافح الشباب بعضهم ببهجة وابتسامة وهم يتلقوا التهاني حتى قال وجيه فجأة:- في طرد
توقف الشباب فجأة كالتماثيل فالتفت يوسف اليه بفم مفتوح وقال : ها؟
لوى جاسر شفتيه بسخرية وقال:- أنا طردت نفسي من زمان وليا شقتي اللي عايش فيها لوحدي
وكزه رعد بخبث وهمس:- لوحدك يا كداب !
أجابه جاسر بخفوت:- تقصد توتو ؟ لأ دي سافرت..جبت مكانها كاريمان حتت بت مانجا
ضغطت رعد على شفتيه بغمزة ماكرة فابتسم جاسر بثقة
قال آسر بكبرياء:- حاضر يا عمي اللي أنت شايفه
هتفت يوسف بغيظ: مش وقت كبريائك خالص دلوقتي ، بيقولك طرد يعني مش هنتعشى !!
ابتسم وجيه رغما عنه وقال : لأ ومش بس من القصر..ده من هنا كمان
اكفهر وجه جاسر وهتف: طب وهصرف على حريمي منين
كتم يوسف فم جاسر وصحح: هدومي..يقصد هدومه يا عمي ماتفهموش صح..
أضاف العم متأملاً أبناء أشقائه بعمق وقال:
_ اديتلكم فرص بعدد شعر راسكم وانتوا مصممين تفضلوا كده..قراري هو أنكم هتتعاقبوا لمدة سنة..لا ليكم علاقة لا بالشركة ولا بالقصر واما حصتكم في الأرباح هتكون محفوظة لكن متجمدة لحد ما السنة تنتهي..عايز اتفرج عليكم وانتوا بتشحتوا ومش عارفين تصرفوا على نفسكم..يمكن ساعتها تعرفوا قيمة الشغل..
نظر له الشباب بحدة وغضب مكبوت فختم وجيه قوله:
_ أنا عارف أنكم هتفشلوا اكتر من الأول وعمركم ما هتعتمدوا على نفسكم وتبقوا رجالة أبدًا..تقتدروا تتفضلوا..محدش يدخل هنا غير بعد سنة واتمنى تلتزموا بالقرار ده حتى لو جرالي حاجة..محدش عارف بكرة في ايه..
قال آسر مؤكداً: فعلًا محدش عارف بكرة فيه ايه!! بس لو جينا واحنا ناجحين ؟
قاطعه وجيه بتحدي: هعمل مؤتمر كبير واتنازل عن منصبي ليكم انتم الأربعة قدام الدنيا بحالها..ولأني عارف أن ده مش هيحصل بتحداكم وانا مرتاح..انتم فشلة!!
خرج جاسر من المكتب بغضب يقتدح بمقلتيه وتبعه بقية الشباب واحدا تلو الآخر..
وقف الموظفون على الجانبين عندما خرج أبناء عائلة الزيان الثلاثة خلف بعضهم وكأنهم يهرعون لقتال محتد..بينما وقف يوسف خارج المكتب بحيرة فاقترب منه حميدة بقلق متساءلة:
_ حصل ايه؟ شكل ولاد عمك ما يطمنش!
نظر اليها يوسف بضيق وهم : انطردنا..مش هتشوفني تاني يا حميدو!!
لأول مرة تغاضت حميدة عن ما يضيقها بمنادتها وكأنها رجل وانشغلت بكل تركيزها بالمصيبة الكبرى..تمتمت بصدمة:
_ اتطردت!! يعني مش هتكون هنا !!
هز يوسف رأسه بنفي: لأ طبعاً..ده كمان أنا ممنوع ادخل هنا غير بعد سنة كاملة..معتقدش أن حتى بعد السنة انا ممكن اجي هنا تاني
تركها واقفة ورحل..أصبح وجه حميدة شاحباً كالأموات بينما عندما خرجت من تيهتها لم تجده أمامها!! تلألأت الدموع بعيناها وركضت باحثة عنه وتخلت عن النظرة المنبعثة من الأعين بأستفسار هذه الأدمع بعيناها..
❤❤❤****لا إله إلا الله
دخل كل شاب سيارته وانطلق بالطريق دون حديث مع الآخر..بينما ركضت حميدة لخارج الشركة تتعارك مع الوقت لتلحق بيوسف..علها تنظر اليه وتشبع قلبها الذي انشق شوق ولهفة ولكنه رحل منذ ثوانِ..وقفت بمنتصف الطريق باكية وشعور مؤلم بأنها لم تراه مرة أخرى...
عادت لمنزلها فلم تستطع المواصلة بالعمل..لاحظ عليها أبيها هذا الشرود ولكنها بالطبع لم تخبره وكيف تخبره وأي شيء تخبره به؟ فهي أحبت ويبدو أنه من طرف واحد..
ولجت لغرفتها مباشرةً..وارتمت على الفراش واجهشت بالبكاء :
_ كده يا يوسف!! في لحظة زي دي لو كنت بتفكر فيا ولو بسيط كنت على الأقل قلت حاجة..حتى لو سلام..لأول مرة اتمنى أنك كنت تعتبرني صاحبك وفراقي غالي عليك..مشيت وسيبتني وقررت تبعد كمان ولا همك!!
.......بالمساء.......
فتح جاسر باب شقته ليجد يوسف أمامه بوجه ممتقع ونظرة منكسرة فقال جاسر: ادخل يا يوسف ، آسر ورعد هنا
دلف يوسف وهو يتقدم خطوات للداخل بإنهزام حتى وقعت نظرته على آسر الجالس شارداً بغموض ورعد الذي يكور قبضته على ذراع المقعد وكأنه سيتشاجر مع أحد..أغلق جاسر باب الشقة وقال:
_ أنا ما اتصدمتش كتير..لأني عارف عمك وعارف أنه عنيد
رد يوسف بضيق: ما تخيلتش أنه يعمل فينا كده، يعني مش بس من الشركة لأ من القصر كمان..صدمني فيه
نهض آسر بنظرة متحدية:
_ أنا قررت أننا نتحداه..هو قال علينا فشلة وطردنا..فاكرنا هنرجع ونتذلل بس لو واحد فيكوا هيعمل كده مش هعرفه تاني..
نظر رعد بحدة وقال: نتذلل!! ده مستحيل..أنا مش راجع القصر نهائي لا بعد سنة ولا بعد عشرين..
أضاف جاسر: طب وبعدين؟!..اكيد محدش هيرجع يتحايل بس كمان ما تنسوش أننا عايشين من الفلوس اللي بيحطهالنا في البنك..
جلس يوسف محاولًا التفكير بشيء فقال آسر بشكل حاسم:
_ خطوة كنت بفكر فيها وجه آوانها..أنا هفتح مكتب مقاولات صغير نقدر نشترك فيه كلنا ،لو نجحنا في خلال السنة دي هنرجع بعد سنة كل واحد ياخد نصيبه ويفتح مشروع ليه..اظن مافيهاش حاجة لو ضغطنا على نفسنا سنة واحدة بس ونسينا العز اللي عشنا فيه السنين اللي فاتت..
نظر يوسف له بأهتمام وقال: فكرة هايلة ،أنا شايف أنها الحل الوحيد الللي قدامنا..
رعد بتأفف: طب وشغلي؟!
أجاب يوسف: تقدر تواظب بين الاتنين..احنا هنكمل بعض
ضيق جاسر عيناه بتفكير ثم سأل: طب والمكان؟ والموظفين! ورأس المال؟
شرح آسر: عمك هيقدر يتحكم في الأرباح اللي لسه هيبعتها البنك لكن حسابنا ده خاص بينا..
جاسر بسخرية: رصيدنا كلنا كام يعني؟ انا عن نفسي مصرف جدًا ويدوبك اللي كان بيتحط كان بيقضيني واظن انكم زيي!! عمي وجيه عرف يلعبها صح للأسف..
قال يوسف بحماس: نبيع عربيتنا ،مانسيبش بس غير واحدة لينا كلنا..والشقة دي ممكن جداً تبقى المكتب..٣ أوض مكاتب والمكتب الرابع هخليه في الصالة هنا مش مشكلة..انا هرتبلكم المكان
قال رعد بتفكير: فكرة مش بطالة..معنديش مانع طالما شغلي مش هيتأثر..
رفع جاسر حاجبيه بذهول: شقة ايه اللي هتبقى مكتب !! اومال هنقعد فين؟! أنا لحد الفكرة وموافق لكن أن شقتي تبقى مكتب فأسف..مقدرش
وقف آسر بعصبية وقال: ومافيش ميزانية معانا تكفي أننا نشتري أو حتى نأجر!! لو عندي شقة كنت استخدمتها فورا يا جاسر..وأنت بالذات محتاج تثبت لعمك أنك مش مستهتر وفاشل وبتاع بنات..ارجوك ..اررررجوك وافق متوقفش الموضوع كله على حاجة زي دي..
قال يوسف بلطف: فكر يا جاسر لما ننجح هيكون شكلنا ايه قدامه..فكر أنه وعد لو رجعناله ناجحين هيتنازل عن منصبه وساعتها انا عن نفسي مش هقبل يتنازل لأنه عمي برضو وماحبش انه ينهزم لكن هنسحب وانا ناجح ومش خسران..أنا عجباني فكرة آسر جدًا وموافق عليها..
رد رعد بموافقة: وانا كمان موافق
زفر جاسر بغيظ وقال: هي جت عليا يعني..خلاص موافق!
******الله أكبر
مر أكثر من أسبوعان في تحويل الشقة لمكتب على هيئة شركة صغيرة..وقف يوسف بابتسامة متسعة بالردهة التي رتبت بالمقاعد الجلدية ومكاتب على أطرافها وقال: كده تمام أوي ، جاهزة على الشغل..
جلس آسر بعدما انهى عدة أتصالات تخص بعض العملاء التي عرض عليهم العمل ووافقوا على مضض وقال:
_ هنتعب شوية في الأول بس أنا حاسس اننا هننجح
ابتسم له يوسف وقال: فاضل بس نجيب طقم سكرتارية وساعي للمطبخ وكده تمام..
أجاب آسر بتحذير: فكرتني..كويس أن جاسر ورعد مش هنا..بخصوص طقم السكرتارية..أنا عايزهم رجالة مش بنات
حملق يوسف به بدهشة: رجالة!! وولاد عمك هيوافقوا ؟! مستحيل
عقد آسر حاجبيه وقال: لو جبت بنات فتأكد اننا مش هنشتغل وانت عارف طبعا جاسر ورعد !!
جلس يوسف بجانبه مفكراً وقال: بالنسبالي فعارف أنا هجيب مين لكن المشكلة في الباقي!
ضيق آسر عيناه لدقيقة ثم قال فجأة:
_ لقيتها..مش هنجيب رجالة..بس عايز سكرتيرات يعني...زي حميدو كده..
احتدت نظرة يوسف وهتف: وبتجيب سيرتها بالغلط ليه بقى دلوقتي؟
هز آسر رأسه بنفي وقال: ما غلطش يابني بالعكس..النوعية بتاعت حميدة دي مستحيل جاسر أو رعد يبوصلها...عشان لو جبت رجالة فبأكدلك أنهم مش هيقعدوا هنا ساعة واحدة انما لو زي حميدة اهو الوقت هيعدي من غير مشاكل..
صمت يوسف مفكرا وقال: خلاص..انا هسيب المهمة دي لحميدة بقى.
*****الحمد لله
دلفت حميدة والهالات السوداء تحت عيناها من كثرة البكاء طيلة الأيام الفائتة الى مكتب "وجيه الزيان" بناء على طلبه..دلفت حتى أصبحت أمامه وتفحصها بشك: قدمتي استقالتك ليه؟!
صمتت حميدة ونظرت للأسف وودت لو القته من النافذة حتى عاد حديثه بحدة:
_ عشان يوسف مشي صح؟ أوك..استقالتك مقبولة...برا
نظرت له بغضب اتيح له الفرصة بما انها قد طردت:
_ أنت مش بني آدم!! في حد يطرد ولاد أخواته بالمنظر ده ؟! أنت أزاي مش قلقان عليهم ؟! أزاي بيجيلك نوم؟!
أطرق وجيه على مكتبه بغضب وأشار لها لتخرج:
_ أخرجي برا قبل ما ابعتلك الأمن يخرجك!! أنتي مين عشان تكلميني بالشكل ده ؟! تعرفي ايه عني؟ أخرجي برا قبل ما اتهور
نظرت له بكره وقالت:
_ انا اللي قدمت استقالتي لأني ماحبش اشتغل عند واحد مايعرفش يعني ايه رحمة!! سلام
خرجت حميدة من المكتب وصفقت الباب خلفها بكل قوتها وعن قصد ثم التقطت حقيبتها سريعاً وركضت للخارج..
انسابت دموعها على خديها بغزارة..اشتاقت له بجنون وتمنت أن ترى حتى طيفه..حتى كادت أن تصعد لحافلة بالطريق فرأت بائع "الذرة المشوى" على الرصيف..تذكرت أن يوسف يحبه كثيرا غمرها الحنين رغما عنها فذهبت لتبتاع من البائع..فما أن انتهت حتى اخذ يوسف ما بيدها بضحكة عالية:
_ حميدووووووو...واااااحشناااااي
تسمرت حميدة للحظات ثم اتسعت ابتسامتها ببطء وصدمة وهي تردد: ي..يوسف!!
قضم يوسف من "كوز الذرة" بنهم وقد عادت النظرة المرحة الطفولية لعيناه وملامحه الوسيمة فأجاب: هو بعينه..تعرفي..من يوم ما سيبت الشركة ومابقتش أشوفك..وانا باكل برضو
اتسعت ابتسامتها ووظت لو تبكي وترتمي بين ذراعيه فتابع بضحكة: بس من غير نفس والله يا حميدو
قالت بحدة: برضو حميدو؟!
أجاب يوسف بعفوية: أنا بعتبرك صاحبي..عشان خاطري سبيني كده والله ببقى مرتاح كده..شوفتي كنت هنسى..عايزك في موضوع مصيري..
دق قلبها بجنون فأي شيء أتى اليه مخصوص؟! قالت بخجل وتوتر: موضوع ايه؟
شرح يوسف الأمر لتنسحب فرحتها المؤقته رويداً ولكن تبقى شيء جعلها تطمئن أن يريدها معه بمكانٍ آخر ،اخترها هي لا غيرها ! قالت بنظرة عاتبة: أنا قدمت استقالتي النهاردة..وعمك قبلها
قال يوسف بفرحة: طب كويس..كده أنتي جاهزة تبقي معايا
قالت بقلب يتمنى: معاك يا يوسف
ابتلع يوسف ما بفمه بشهية واضحة وأضاف:
_ طب والباقي؟ انا عايز ٣سكرتيرات زيك بالضبط ، يعني اقصد انهم محتشمين و
قاطعته فقد فهمت مقصد من التواء الحديث: فهماك..تقصد عايزهم نسخة من حميدو ابو اربع عيون
لوى شفتيه بتذمر وقال: مش اقصد ازعلك والله ، أنتي الوحيدة اللي جيتي في بالي وعقلي وقف عليكي والله..
جملته اربكتها واسعدتها بآنٍ واحد فقالت بحماس: سيب الموضوع ده عليا..بس اديني اسبوع كمان وعايزة لاب توب
يوسف بتساؤل: ليه؟!
أجابت فريدة: عشان اعلمهم شوية حاجات كده قبل المقابلة
وافق يوسف على الفور فقال: ماشي..بكرة زي دلوقتي نتقابل هنا
❤❤❤❤ ****** صلِ على النبي
عادت حميدة للمنول والسعادة تغمرها ثم ذهبت للفتيات مباشرةٍ لتخبرهم...بعد شرح ومناقشة ابتسمت رضوى وقالت:
_ ايه ده ؟ بقى اطلب من ربنا شغلانة حلوة تقوم الأمنية تتحقق بالسرعة دي؟!
جميلة بقلق: بس احنا برضو تعليمنا على ادنا يا حميدة؟!
سما وهي تسير بخطا متمايلة: اكيد هقابل فارس الأحلام بقى وهعيييييش..
هتفت حميدة بها: أنتي بالذات قلقانة منك يابت! اركزي شوية وبعدين المطلوب مننا كلنا واولهم أنا..اننا مانتعاملش غير جد أو اكتر شوية..
عقدت رضوى حاجبيها وتساءلت بدهشة: يعني ايه؟!
وقفت حميدة أمام الفتيات بنظرة متفحصة وهي ترفع إطار نظارتها الطبية على أنفها وقالت:
_ يعني الصوت الناعم ممنوع..الابتسامة ممنوع ، النظارات ما تتقلعش ، احنا نعتبر في الجيش.. ليه بقى؟
نظرت للفتيات تراقب تعابيرهنّ فلاحظت المقت والوجوم على ملامحهنّ فأضافت:
_قولتولي ليه..عشان أي مياعة أو رقة الجيش هيتقلب لكافيه على النيل وأنا بصراحة بحب كده بسسسسس مش وقته خالص ، ماينفعش نحب حد فيهم ، ماينفعش نعاملهم على أننا بنات ، عشان جاسر ولا رعد ولا حتى آسر لو حاسوا برقتكم يبقى هالله هالله على اللي هيحصل ، انما يوسف ده أصلًا تنين صغير عايش واتولد في صنية بطاطس ومش عارف يطلع منها..اللي هشوف سنانها وهي بتضحك هديها بضهر إيدي على خلقتها..

الجزء الثاني 

على ساحة عريضة من الطريق..يوجد محل بائع"عصير القصب" يسكب المشروب من آنية معدنية قد سحبها من أسفل صنبور العصير بالمكينة الكهربائية للعصر..فأعد أربع أكواب للفتيات فأخذت كلنّ منهنّ كوبها..أتى شاب بنظرات ماكرة بإتجاه جميلة وطلب كوب له قائلًا:

_ عندك واحد ليا وحساب القمرات دول عليا.

التفت الفتيات له حتى حدجته جميلة بغيظ: ماتخليك في حالك يا مصيلحي بدل ما انسر شبشبي على نفوخك!!

قال مصيلحي وهو يتوجه لها خصيصاً: يابت أنا شاري بس أنتي اللي دماغك جزمة..قولي آه بس وأنا اعملك فرح بِفراشة ما اتعملش لاستقبال المحافظ نفسه..طالع من عيني العنب ده يروح لغيري.

وضعت جميلة كوبها بعصبية واعطت العصار حقه من محفظة نقودها ثم التفتت ل"مصيلحي" هاتفة بتحذير:لآخر مرة هنبهك بعد كده..

قاطعها بتحدي: هتعملي إيه يعني؟! مين اللي هيوقفلي عندك !! هو أنتي ليكي حد اصلاً!

أطرفت جميلة عينيها بدمعة اخفتها حتى هجم عليه الفتيات واوسعوه ضرباً حتى تجمع الحشد حولهم فهتفت حميدة بغضب: لو عايز تعرف ليه مين يا صايع هنوريك احنا..

لكمته سما على قفاه وقالت وهي تشد أذنيه بغيظ: بقى أنت عايز تتجوز جميلة يا راس الفجلة أنت..2

هتفت رضوى بهم وقالت: لا ده تسيبهولي بقى

أخذت معصمه وهو يتأوه من ضرب الفتيات ثم غرزت اسنانها بلحم يده حتى صرخ بأعلى صوته فهتفت جميلة بهم وقالت: سيبوه بقى يغور في داهية..

بالكاد استطاع أهل المنطقة تخليصه من أيدي الفتيات حتى أتى الأسطى سمعه"والد حميدة" راكضاً وتساءل: في ايه ؟!

قصت حميدة له كل شيء فوقف أمام "مصيلحي" بغضب وقال:

_ عشان خاطر أبوك الله يرحمه هسيبك بس لو حصلت تاني واتعرضتلها فقسما بالله محد هينجدك من ايدي..

نظر مصيلحي للنظرات الغاضبة حوله فحاول أن يصحح ما حدث وقال: براااحة ياأسطى هو أنا خطفتها!! شاريها وهي تقلانة عليا..

صاحت حميدة بعصبية: مش بطيق تبص في خلقتك هو بالعافية يا حمار !!

وجهت الحديث لأبيها بحدة وقالت: ده مترصد للبت في الرايحة والجاية وكل ما تهزأئه يزيد اكتر..والله لو بصلها تاني لكون جيباه من قلب بيته باللي في رجلي وافرج عليه أمة لا إله إلا الله.

هتف اسطى سمعة بأبنته وقال: خدي البنات وارجعي أنتي يا حميدة وأنا هعرف اخليه لو شافها في شارع يمشي من شارع تاني.

أخذت حميدة الفتيات بنظراتهنّ المتقدة غضب وتوجهوا للمنزل مرة أخرى..سارت جميلة بالطريق الذي تملأه الأحجار وبعض مياه الصرف الصحي دامعة..خيم الصمت على الفتيات فكل واحدة منهن تعاني من اليتم..حتى حميدة يتيمة الأم..

دلفوا لداخل المنزل الذي يقطنون به وصعدوا للطابق الثانِ...فاجئتهم جميلة وهي تتابع الصعود "للسطح" فنظر بقية الفتيات لبعضهن بضيق وقالت حميدة لسما: بت..روحي هاتيلنا حاجة ساقعة ولب نتسلى فيهم..ابقي حصلينا على السطح

فرت سما كالطيف للأسفل مرة أخرى حتى تبتاع المطلوب سريعاً بينما صعد حميدة ورضوى خلف جميلة..

مرت دقائق والفتيات الأربعة ممددين على "حصير" مفروش على أرضية سطوح المنزل..كلًا منهما شاردة..قالت حميدة بمواساة:

_ ولا يهمك يابت..كلنا جانبك..

تنهدت جميلة تنهيدة عميقة وقالت: دايمًا بتشاف أني لوحدي..ماليش حد يحميني..زي حتت اللحمة اللي وقعت وسط كلاب عايزين ينهشو فيها..

قالت رضوى بنبرة ضائقة: ومين سمعك..ما كلنا في الهوا سوا..ده لولا خالتي بهية الله يرحمها لقيتنا وربتنا الله وحده اللي عالم كان هيحصل لينا ايه!!

قالت حميدة بتذكر عمتها بهية فهي شقيقة والدها وكانت تحب تربية الأيتام وتركهنً بعدما يبلغوا سن الرشد ولكن صادف أنها توفت قبل أن يصل هؤلاء الثلاث فتيات للسن المسموح به لأثبات الهوية الشخصية: الله يرحمها عمتي..كانت معوضاني عن أمي بس هي كمان راحتلها..

قالت سما بتبرم: أنا مابحبش النكد..ايه القرف اللي انتوا فيه ده!!

نظرت للسماء بابتسامة واغمضت عيناها قائلة: تعالوا نحلم احسن..نقول اللي نفسنا فيه..مش يمكن يكون باب السما مفتوح واحلامنا تتحقق بغمضة عين!!

ابتسمت رضوى وقالت: والله عندك حق يابت يا سمكة..تعرفوا أنا نفسي ايه..نفسي اشتغل شغلانة حلوة..اسافر واروح واجي واشتري كل اللي نفسي فيه..2

قالت حميدة بشرود وهي تتذكر يوسف: وأنا نفسي يوسف يشوفني زي ما انا نفسي يشوفني..نفسي يبطل يعاملني أني صاحبه!! نفسي أشوف في عنيه أني عجباه كبنت..

تنهدت جميلة مرة أخرى وقالت: وانا نفسي في بيت صغير أنا مش طماعة..ويبقى ليا أسرة وبيت احس أنه حياتي كلها..نفسي اجرب احساس أني مسؤولة من حد وحد مسؤول مني..مش عايزة افضل لوحدي..تعبت من الخوف1

فردت سما ذراعيها وقالت: أنا بقى طماااااااعة..نفسي أعيش قصة حب ولا الحواديت..الأمير على حصانه الأبيض..يجي ويخطفني من وسط كل الناس..ويكون بيحبني أوي..بيحبني بجد..وبيغير عليا بغباوة..ويتكلم عني ويقول أني حبيبته الوحيدة..وأنا بقى اتقل عليه6

ضحكت سما بمرح وهي تتخيل الفارس المجهول..ليشاركها الفتيات بمرحها..فقالت جميلة متعجبة: أنتي ليه ما حاولتيش يا حميدة تلفتي نظر يوسف ليكي؟!

صمتت حميدة لبرهة في الأجابة ثم قالت:

_ أنا بحب نفسي كده يا جميلة، بحب شكلي وبحب نضارتي، صدقيني حاولت في مرة اتغير بس محاستش أني مرتاحة وهو مخدش باله كمان..يوسف انسان محير وغريب..لحظة تحسيه طفل ولحظة تانية تحسي أنه فاهم كل حاجة ومخبي ولحظة تالته تحسي أني بعيد بعيد عن تفكيره أميال..الشكل لوحده مش هيلفت نظره بدليل أن معايا بنات زمايلي انا نفسي بستغرب هو مش بيبص ليهم أزاي !!


أنا بنت عادية..لا الهدوم هتزود جمالي ولا مظهري مقلل مني..ولو اتمنيت أنه يحبني فلازم يحبني وانا زي ما أنا..

وافقتها جميلة بذلك لتقل سما بإعتراض: طب أفرضي اتجوزتيه هتفضلي على رأيك ده؟! تبقي غبية! ساعتها الاهتمام والشكل مطلوبين جدًا..

لوت حميدة فمها وقالت بسخرية: اتجوزته!!! ده لو بس قالي كلمة حلوة في يوم هعتبرها معجزة..2

قالت رضوى: محدش عارف بكرة في ايه..يمكن بكرة هو اللي يتمناكي!!1

❤❤❤❤❤❤ ********الصلاة على النبي❤

❤❤بقصر الزيان❤❤

كانت ستارة النافذة تتمايل بفعل الهواء بينما حل الصمت على أبناء العم الأربعة بعدما تحدث يوسف بكل مخاوفه فتابع:

_ مقدمناش حل غير أننا نرجع الشركة ونشتغل بجد..مش اسبوعين وشكراً زي ما بيحصل كل مرة..

قال آسر بضيق: أنا مابحبش شغل الاستيراد والتصدير أنا بحب المقاولات ودخلت هندسة مخصوص عشان ابقى زي أبويا.

نهض رعد من مقعده بغيظ وقال: أنا مش شايف أني عاطل ولا شايف أن التصوير شغلانة تافهة زي ما عمك بيقول..أنا بحب الكاميرات والتصوير ومش هعرف اشتغل غيرها..

أجابه يوسف بصدق: ده لو أنت قدرت تعمل بمرتبك حاجة يا رعد ، لكن كل فلوسك موجه للكاميرات والسفر في الجبال للتصوير..تقدر تقولي حسابك في البنك بيزيد ولا بينقص بسبب التصوير! هتقدر بالشكل ده تكون مسؤول عن أسرة في يوم من الأيام؟!

تابع يوسف :

_ أنا مش احسن منكوا ، أنا فعلًا بعترف بده ، واننا بقالنا سنين راميين الحمل على عمي وكل واحد فينا عايش حياته بطريقته..

رد آسر بدهشة: والمطلوب مننا ايه دلوقتي؟

نظر لهم يوسف بقوة وقال: نعتذرله..حتى لو هنتحايل شوية..ونبدأ صفحة جديدة معاه..الاجتماع ده اكيد وراه قرار مش سهل..نبدأ احنا بالاعتذار عشان تعدي على خير..

صمت الشباب بوجوم ولم يجيب احداً فيهم ليقل يوسف:

_ طالما سكتوا يبقى مش معترضين..تمام..كده اتفقنا..

قال جاسر بمرح: نحتفل بقى..1

❤❤❤❤❤❤*******استغفر الله العظيم2

باليوم التالي...بمكتب فاروق بشركة **آل الزيان**

وقف الرباعي أمام العم "وجيه" متصافين بجانب بعضهم ليتوجه سليم إليهم بنظرات غيظ وهتف:

_ بالذمة مش مكسوفين من نفسكم؟! أربع شباب كل واحد فيهم شبه الجدار ومالوش أي لازمة في الدنيا !! ، شاطرين بس تاخدوا فلوس وتصرفوا ! ده أنتوا لو بنات كان افيد!!1

امتقع وجه آسر بضيق شديد بينما لوى رعد شفتيه وهمس لجاسر وقال:- عمك بيهزأنا يا جاسر..استخدم غباوتك بسرعة


وكزه جاسر متمتما بشيء وقال: غباوة مين اللي تنفع مع القطر ده ! انا اخري ميكروباص وفاضي كمان2

تقدم يوسف وتوجه لعمه وجيه ثم قبّل كتفه ببسمة وهتف بباقي الشباب:- يلا قولوا النشيد اللي سرقناه..ااقصد اللي الفناه لعمنا حبيبنا2

بدأ الشباب يرددون الكلمات رغماً عنهم مابين الضيق والضحكة المكتومة فقالوا : عمو وجيه يا عمو وجيه ، حياتنا من غير هتبقى جحيم ، ابعد بس وجرب وأمشي هتلاقي الدنيا متنفعش ، كلنا ايد واحدة آه آه وبنحبك والله والله6

كاد رعد أن يطلق ضحكة عالية فوضع جاسر يده على فم ابن عمه سريعاً وهمس: هتفضحنا خلينا نخلص من إذاعة الصباح ونمشي

فتابعوا بآخر مقطع : أوعى ياعمو تسيبنا وتمشي لأ لأ

قال رعد وهو يكتم ضحكته : تبقى معدية5

ردد يوسف :- متسلمش عليا..يااااااسااافل4

قالها وقد تحكم بنفسه ولا زال آثر على ضيقه وقف يوسف موازيا للصف ليقف أمامهم بمكر وقال : المرادي مفيش عقاب

صافح الشباب بعضهم ببهجة وابتسامة وهم يتلقوا التهاني حتى قال وجيه فجأة:- في طرد2

توقف الشباب فجأة كالتماثيل فالتفت يوسف اليه بفم مفتوح وقال : ها؟

لوى جاسر شفتيه بسخرية وقال:- أنا طردت نفسي من زمان وليا شقتي اللي عايش فيها لوحدي1

وكزه رعد بخبث وهمس:- لوحدك يا كداب !1

أجابه جاسر بخفوت:- تقصد توتو ؟ لأ دي سافرت..جبت مكانها كاريمان حتت بت مانجا

ضغطت رعد على شفتيه بغمزة ماكرة فابتسم جاسر بثقة

قال آسر بكبرياء:- حاضر يا عمي اللي أنت شايفه1

هتفت يوسف بغيظ: مش وقت كبريائك خالص دلوقتي ، بيقولك طرد يعني مش هنتعشى !!3

ابتسم وجيه رغما عنه وقال : لأ ومش بس من القصر..ده من هنا كمان

اكفهر وجه جاسر وهتف: طب وهصرف على حريمي منين2

كتم يوسف فم جاسر وصحح: هدومي..يقصد هدومه يا عمي ماتفهموش صح..3

أضاف العم متأملاً أبناء أشقائه بعمق وقال:

_ اديتلكم فرص بعدد شعر راسكم وانتوا مصممين تفضلوا كده..قراري هو أنكم هتتعاقبوا لمدة سنة..لا ليكم علاقة لا بالشركة ولا بالقصر واما حصتكم في الأرباح هتكون محفوظة لكن متجمدة لحد ما السنة تنتهي..عايز اتفرج عليكم وانتوا بتشحتوا ومش عارفين تصرفوا على نفسكم..يمكن ساعتها تعرفوا قيمة الشغل..2

نظر له الشباب بحدة وغضب مكبوت فختم وجيه قوله:

_ أنا عارف أنكم هتفشلوا اكتر من الأول وعمركم ما هتعتمدوا على نفسكم وتبقوا رجالة أبدًا..تقتدروا تتفضلوا..محدش يدخل هنا غير بعد سنة واتمنى تلتزموا بالقرار ده حتى لو جرالي حاجة..محدش عارف بكرة في ايه..


قال آسر مؤكداً: فعلًا محدش عارف بكرة فيه ايه!! بس لو جينا واحنا ناجحين ؟

قاطعه وجيه بتحدي: هعمل مؤتمر كبير واتنازل عن منصبي ليكم انتم الأربعة قدام الدنيا بحالها..ولأني عارف أن ده مش هيحصل بتحداكم وانا مرتاح..انتم فشلة!!1

خرج جاسر من المكتب بغضب يقتدح بمقلتيه وتبعه بقية الشباب واحدا تلو الآخر..

وقف الموظفون على الجانبين عندما خرج أبناء عائلة الزيان الثلاثة خلف بعضهم وكأنهم يهرعون لقتال محتد..بينما وقف يوسف خارج المكتب بحيرة فاقترب منه حميدة بقلق متساءلة:1

_ حصل ايه؟ شكل ولاد عمك ما يطمنش!

نظر اليها يوسف بضيق وهم : انطردنا..مش هتشوفني تاني يا حميدو!!

لأول مرة تغاضت حميدة عن ما يضيقها بمنادتها وكأنها رجل وانشغلت بكل تركيزها بالمصيبة الكبرى..تمتمت بصدمة:

_ اتطردت!! يعني مش هتكون هنا !!

هز يوسف رأسه بنفي: لأ طبعاً..ده كمان أنا ممنوع ادخل هنا غير بعد سنة كاملة..معتقدش أن حتى بعد السنة انا ممكن اجي هنا تاني

تركها واقفة ورحل..أصبح وجه حميدة شاحباً كالأموات بينما عندما خرجت من تيهتها لم تجده أمامها!! تلألأت الدموع بعيناها وركضت باحثة عنه وتخلت عن النظرة المنبعثة من الأعين بأستفسار هذه الأدمع بعيناها..

❤❤❤****لا إله إلا الله2

دخل كل شاب سيارته وانطلق بالطريق دون حديث مع الآخر..بينما ركضت حميدة لخارج الشركة تتعارك مع الوقت لتلحق بيوسف..علها تنظر اليه وتشبع قلبها الذي انشق شوق ولهفة ولكنه رحل منذ ثوانِ..وقفت بمنتصف الطريق باكية وشعور مؤلم بأنها لم تراه مرة أخرى...

عادت لمنزلها فلم تستطع المواصلة بالعمل..لاحظ عليها أبيها هذا الشرود ولكنها بالطبع لم تخبره وكيف تخبره وأي شيء تخبره به؟ فهي أحبت ويبدو أنه من طرف واحد..

ولجت لغرفتها مباشرةً..وارتمت على الفراش واجهشت بالبكاء :

_ كده يا يوسف!! في لحظة زي دي لو كنت بتفكر فيا ولو بسيط كنت على الأقل قلت حاجة..حتى لو سلام..لأول مرة اتمنى أنك كنت تعتبرني صاحبك وفراقي غالي عليك..مشيت وسيبتني وقررت تبعد كمان ولا همك!!

.......بالمساء.......

فتح جاسر باب شقته ليجد يوسف أمامه بوجه ممتقع ونظرة منكسرة فقال جاسر: ادخل يا يوسف ، آسر ورعد هنا

دلف يوسف وهو يتقدم خطوات للداخل بإنهزام حتى وقعت نظرته على آسر الجالس شارداً بغموض ورعد الذي يكور قبضته على ذراع المقعد وكأنه سيتشاجر مع أحد..أغلق جاسر باب الشقة وقال:

_ أنا ما اتصدمتش كتير..لأني عارف عمك وعارف أنه عنيد

رد يوسف بضيق: ما تخيلتش أنه يعمل فينا كده، يعني مش بس من الشركة لأ من القصر كمان..صدمني فيه2


نهض آسر بنظرة متحدية:

_ أنا قررت أننا نتحداه..هو قال علينا فشلة وطردنا..فاكرنا هنرجع ونتذلل بس لو واحد فيكوا هيعمل كده مش هعرفه تاني..

نظر رعد بحدة وقال: نتذلل!! ده مستحيل..أنا مش راجع القصر نهائي لا بعد سنة ولا بعد عشرين..

أضاف جاسر: طب وبعدين؟!..اكيد محدش هيرجع يتحايل بس كمان ما تنسوش أننا عايشين من الفلوس اللي بيحطهالنا في البنك..

جلس يوسف محاولًا التفكير بشيء فقال آسر بشكل حاسم:

_ خطوة كنت بفكر فيها وجه آوانها..أنا هفتح مكتب مقاولات صغير نقدر نشترك فيه كلنا ،لو نجحنا في خلال السنة دي هنرجع بعد سنة كل واحد ياخد نصيبه ويفتح مشروع ليه..اظن مافيهاش حاجة لو ضغطنا على نفسنا سنة واحدة بس ونسينا العز اللي عشنا فيه السنين اللي فاتت..

نظر يوسف له بأهتمام وقال: فكرة هايلة ،أنا شايف أنها الحل الوحيد الللي قدامنا..

رعد بتأفف: طب وشغلي؟!

أجاب يوسف: تقدر تواظب بين الاتنين..احنا هنكمل بعض

ضيق جاسر عيناه بتفكير ثم سأل: طب والمكان؟ والموظفين! ورأس المال؟

شرح آسر: عمك هيقدر يتحكم في الأرباح اللي لسه هيبعتها البنك لكن حسابنا ده خاص بينا..

جاسر بسخرية: رصيدنا كلنا كام يعني؟ انا عن نفسي مصرف جدًا ويدوبك اللي كان بيتحط كان بيقضيني واظن انكم زيي!! عمي وجيه عرف يلعبها صح للأسف..

قال يوسف بحماس: نبيع عربيتنا ،مانسيبش بس غير واحدة لينا كلنا..والشقة دي ممكن جداً تبقى المكتب..٣ أوض مكاتب والمكتب الرابع هخليه في الصالة هنا مش مشكلة..انا هرتبلكم المكان

قال رعد بتفكير: فكرة مش بطالة..معنديش مانع طالما شغلي مش هيتأثر..

رفع جاسر حاجبيه بذهول: شقة ايه اللي هتبقى مكتب !! اومال هنقعد فين؟! أنا لحد الفكرة وموافق لكن أن شقتي تبقى مكتب فأسف..مقدرش

وقف آسر بعصبية وقال: ومافيش ميزانية معانا تكفي أننا نشتري أو حتى نأجر!! لو عندي شقة كنت استخدمتها فورا يا جاسر..وأنت بالذات محتاج تثبت لعمك أنك مش مستهتر وفاشل وبتاع بنات..ارجوك ..اررررجوك وافق متوقفش الموضوع كله على حاجة زي دي..

قال يوسف بلطف: فكر يا جاسر لما ننجح هيكون شكلنا ايه قدامه..فكر أنه وعد لو رجعناله ناجحين هيتنازل عن منصبه وساعتها انا عن نفسي مش هقبل يتنازل لأنه عمي برضو وماحبش انه ينهزم لكن هنسحب وانا ناجح ومش خسران..أنا عجباني فكرة آسر جدًا وموافق عليها..

رد رعد بموافقة: وانا كمان موافق

زفر جاسر بغيظ وقال: هي جت عليا يعني..خلاص موافق!


******الله أكبر1

مر أكثر من أسبوعان في تحويل الشقة لمكتب على هيئة شركة صغيرة..وقف يوسف بابتسامة متسعة بالردهة التي رتبت بالمقاعد الجلدية ومكاتب على أطرافها وقال: كده تمام أوي ، جاهزة على الشغل..

جلس آسر بعدما انهى عدة أتصالات تخص بعض العملاء التي عرض عليهم العمل ووافقوا على مضض وقال:

_ هنتعب شوية في الأول بس أنا حاسس اننا هننجح

ابتسم له يوسف وقال: فاضل بس نجيب طقم سكرتارية وساعي للمطبخ وكده تمام..

أجاب آسر بتحذير: فكرتني..كويس أن جاسر ورعد مش هنا..بخصوص طقم السكرتارية..أنا عايزهم رجالة مش بنات2

حملق يوسف به بدهشة: رجالة!! وولاد عمك هيوافقوا ؟! مستحيل

عقد آسر حاجبيه وقال: لو جبت بنات فتأكد اننا مش هنشتغل وانت عارف طبعا جاسر ورعد !!

جلس يوسف بجانبه مفكراً وقال: بالنسبالي فعارف أنا هجيب مين لكن المشكلة في الباقي!

ضيق آسر عيناه لدقيقة ثم قال فجأة:

_ لقيتها..مش هنجيب رجالة..بس عايز سكرتيرات يعني...زي حميدو كده..3

احتدت نظرة يوسف وهتف: وبتجيب سيرتها بالغلط ليه بقى دلوقتي؟3

هز آسر رأسه بنفي وقال: ما غلطش يابني بالعكس..النوعية بتاعت حميدة دي مستحيل جاسر أو رعد يبوصلها...عشان لو جبت رجالة فبأكدلك أنهم مش هيقعدوا هنا ساعة واحدة انما لو زي حميدة اهو الوقت هيعدي من غير مشاكل..

صمت يوسف مفكرا وقال: خلاص..انا هسيب المهمة دي لحميدة بقى.1

*****الحمد لله1

دلفت حميدة والهالات السوداء تحت عيناها من كثرة البكاء طيلة الأيام الفائتة الى مكتب "وجيه الزيان" بناء على طلبه..دلفت حتى أصبحت أمامه وتفحصها بشك: قدمتي استقالتك ليه؟!

صمتت حميدة ونظرت للأسف وودت لو القته من النافذة حتى عاد حديثه بحدة:

_ عشان يوسف مشي صح؟ أوك..استقالتك مقبولة...برا

نظرت له بغضب اتيح له الفرصة بما انها قد طردت:

_ أنت مش بني آدم!! في حد يطرد ولاد أخواته بالمنظر ده ؟! أنت أزاي مش قلقان عليهم ؟! أزاي بيجيلك نوم؟!

أطرق وجيه على مكتبه بغضب وأشار لها لتخرج:

_ أخرجي برا قبل ما ابعتلك الأمن يخرجك!! أنتي مين عشان تكلميني بالشكل ده ؟! تعرفي ايه عني؟ أخرجي برا قبل ما اتهور

نظرت له بكره وقالت:

_ انا اللي قدمت استقالتي لأني ماحبش اشتغل عند واحد مايعرفش يعني ايه رحمة!! سلام

خرجت حميدة من المكتب وصفقت الباب خلفها بكل قوتها وعن قصد ثم التقطت حقيبتها سريعاً وركضت للخارج..


انسابت دموعها على خديها بغزارة..اشتاقت له بجنون وتمنت أن ترى حتى طيفه..حتى كادت أن تصعد لحافلة بالطريق فرأت بائع "الذرة المشوى" على الرصيف..تذكرت أن يوسف يحبه كثيرا غمرها الحنين رغما عنها فذهبت لتبتاع من البائع..فما أن انتهت حتى اخذ يوسف ما بيدها بضحكة عالية:

_ حميدووووووو...واااااحشناااااي2

تسمرت حميدة للحظات ثم اتسعت ابتسامتها ببطء وصدمة وهي تردد: ي..يوسف!!

قضم يوسف من "كوز الذرة" بنهم وقد عادت النظرة المرحة الطفولية لعيناه وملامحه الوسيمة فأجاب: هو بعينه..تعرفي..من يوم ما سيبت الشركة ومابقتش أشوفك..وانا باكل برضو2

اتسعت ابتسامتها ووظت لو تبكي وترتمي بين ذراعيه فتابع بضحكة: بس من غير نفس والله يا حميدو

قالت بحدة: برضو حميدو؟!

أجاب يوسف بعفوية: أنا بعتبرك صاحبي..عشان خاطري سبيني كده والله ببقى مرتاح كده..شوفتي كنت هنسى..عايزك في موضوع مصيري..

دق قلبها بجنون فأي شيء أتى اليه مخصوص؟! قالت بخجل وتوتر: موضوع ايه؟

شرح يوسف الأمر لتنسحب فرحتها المؤقته رويداً ولكن تبقى شيء جعلها تطمئن أن يريدها معه بمكانٍ آخر ،اخترها هي لا غيرها ! قالت بنظرة عاتبة: أنا قدمت استقالتي النهاردة..وعمك قبلها

قال يوسف بفرحة: طب كويس..كده أنتي جاهزة تبقي معايا

قالت بقلب يتمنى: معاك يا يوسف

ابتلع يوسف ما بفمه بشهية واضحة وأضاف:

_ طب والباقي؟ انا عايز ٣سكرتيرات زيك بالضبط ، يعني اقصد انهم محتشمين و

قاطعته فقد فهمت مقصد من التواء الحديث: فهماك..تقصد عايزهم نسخة من حميدو ابو اربع عيون

لوى شفتيه بتذمر وقال: مش اقصد ازعلك والله ، أنتي الوحيدة اللي جيتي في بالي وعقلي وقف عليكي والله..

جملته اربكتها واسعدتها بآنٍ واحد فقالت بحماس: سيب الموضوع ده عليا..بس اديني اسبوع كمان وعايزة لاب توب

يوسف بتساؤل: ليه؟!

أجابت فريدة: عشان اعلمهم شوية حاجات كده قبل المقابلة3

وافق يوسف على الفور فقال: ماشي..بكرة زي دلوقتي نتقابل هنا

❤❤❤❤ ****** صلِ على النبي2

عادت حميدة للمنول والسعادة تغمرها ثم ذهبت للفتيات مباشرةٍ لتخبرهم...بعد شرح ومناقشة ابتسمت رضوى وقالت:

_ ايه ده ؟ بقى اطلب من ربنا شغلانة حلوة تقوم الأمنية تتحقق بالسرعة دي؟!

جميلة بقلق: بس احنا برضو تعليمنا على ادنا يا حميدة؟!

سما وهي تسير بخطا متمايلة: اكيد هقابل فارس الأحلام بقى وهعيييييش..3

هتفت حميدة بها: أنتي بالذات قلقانة منك يابت! اركزي شوية وبعدين المطلوب مننا كلنا واولهم أنا..اننا مانتعاملش غير جد أو اكتر شوية..

عقدت رضوى حاجبيها وتساءلت بدهشة: يعني ايه؟!

وقفت حميدة أمام الفتيات بنظرة متفحصة وهي ترفع إطار نظارتها الطبية على أنفها وقالت:

_ يعني الصوت الناعم ممنوع..الابتسامة ممنوع ، النظارات ما تتقلعش ، احنا نعتبر في الجيش.. ليه بقى؟

نظرت للفتيات تراقب تعابيرهنّ فلاحظت المقت والوجوم على ملامحهنّ فأضافت:

_قولتولي ليه..عشان أي مياعة أو رقة الجيش هيتقلب لكافيه على النيل وأنا بصراحة بحب كده بسسسسس مش وقته خالص ، ماينفعش نحب حد فيهم ، ماينفعش نعاملهم على أننا بنات ، عشان جاسر ولا رعد ولا حتى آسر لو حاسوا برقتكم يبقى هالله هالله على اللي هيحصل ، انما يوسف ده أصلًا تنين صغير عايش واتولد في صنية بطاطس ومش عارف يطلع منها..اللي هشوف سنانها وهي بتضحك هديها بضهر إيدي على خلقتها..15

الجزء الثالث 

اللي هشوف سنانها وهي بتضحك هديها بضهر إيدي على خلقتها..
قالت حميدة ذلك بنظرة تحذيرية للفتيات الثلاث..اعترضت سما بغيظ: ده سجن!!
قالت حميدة : لو مش عاجبك الشغل قولي!
لوت سما شفتيها بضيق وتمتمت بعض الكلمات الخافته ثم قالت: عاجبني.
تعجبت رضوى قائلة: بس ليه لازم نظهر بالشكل ده؟!
أجابت حميدة وهي تجلس على الفراش: هعيد تاني..أولًا لو على موضوع السكرتارية بس فأكيد يوسف ماكنش كلمني ، لكن هو عايز حاجة معينة والاحسن تكون زيي ، لأن ببساطة ولاد عمه بتوع بنات وعينهم زايغة ، هو آسر مش بتاع بنات الصراحة بس برضو هو شاب  في الآخر ومايضمنش..
قالت سما بإعجاب: الله..اسمه حلو..يارب يكون حلو زي اسمه
قالت حميدة بسخرية: أنتي بالذات يا نحنوحة أنا خايفة منك..بس خليكي فاكرة أن أي غلط أو مياعة ماعرفش ممكن يحصل ايه خصوصا أني لسه مش عارفة مين هيبقى مع مين ، كل اللي أعرفه أني مع يوسف أنما بالنسبالكم ما أعرفش..
تدخلت رضوى وهي تمضغ علكة بفمها وقالت:
_ طب ودول هيوافقوا أن خرجين دبلومات يشتغلوا معاهم!؟
قالت حميدة موضحة: انتوا مش خدتوا كورس icdl لما جيتوا تقدموا في البريد؟! معاكم أسبوع هعلمكم فيه حاجات كتير اتعلمتها في الشركة..شغل المقاولات كل العملاء بتوعه مصريين غير الاستيراد والتصدير...وكمان دي فرصة كويسة تخدوا خبرة بحيث لو مشيتوا يبقى اتعلمتوا حاجة تفيدكم..
وافقتها جميلة: صح..وكده كده مش فارق معايا كتير..انا متبعة النظام ده من زمان في أي شغل بروحه بس الجديد حكاية النضارة دي..
سما بتبرم: مابحبش النضارات..تقيلة على مناخيري
أجابت حميدة وهي تعدل نظارتها لا اراديا: مافيش نضارات ، ومافيش ومافيش ، اومال أنا اخترتكم ليه! عايزين تكسفوني قدام يوسف؟! هو أنا أعرف حد غيركم؟!
أشارت سما بموافقة: خلاص خلاص ، مش مهم نستحمل
تنهدت حميدة بعمق وقالت: كل واحدة تحضرلي ورقها وترتبه ، في خلال أسبوع عايزاكم زي ما شرحت بالضبط..
                                   ******
بسهرة المساء بأحد قاعات الزفاف بالقاهرة
مضى "وجيه الزيان" خطوات بين الجموع حتى أشار له رجل أشيب وتقدم اليه ليبادله وجيه الابتسامة فقال الرجل بترحيب:
_ شرفتني بحضورك
ربت وجيه على كتف الرجل وقال بتهنئة: الف مبروك وربنا يتمم بخير..
قال الرجل بنظرة ماكرة وعشم صداقة منذ سنوات رغم أنه يكبر وجيه سنوات كثيرة: فرح بنتي مليان بنات ، اختارلك عروسة منهم
نظر وجيه له بإستياء وأجاب: أنا صرفت نظر عن الموضوع ده من زمان..وبصراحة احسن أني ما اتجوزتش ، أنت عارف أني مابحبش القيود والخنقة..
قهقه الرجل بشدة ثم بدأ يثرثر معه بالأحاديث...
بينما اجتمع عدد غفير من الفتيات بزاوية بعيدة خارج قاعة الزفاف المطلة على النيل...فرفعت احداهن زجاجة عطر باهظة الثمن وقالت:
_ 1, 3،2.ودلوقتي التحدي بدأ
صاح الفتيات بحماس فتابعت الفتاة وقالت بمكر:
_ اللي اد التحدي ترفع ايدها..الكلام النهاردة على المليونير العازب ، اشيك واحد في الفرح..
أتت على بُعد خطوات فتاة برداء سواريه من اللون الأحمر الناري فقالت عندما اقتربت من الفتيات: يا انداااال ، تحدي من غيري!
التفت لها الفتيات بصياح: للي
التفوا حولها بترحيب ومباركة على الفرع الجديد من صالون التجميل الذي ستفتتحه عن قريب...بينما هتفت الفتاة التي اعلنت التحدي وقالت: ادها يا للي؟
ابتسمت لليان قائلة: عيب عليكي..
قالت الفتاة بشرح: نص ساعة مع وجيه الزيان ، توقفي معاه ، أو ترقصي ، براحتك المهم ماينفعش تسبيه قبل نص ساعة..
ضيقت للي عيناها بدهشة: انتي مجنونة؟!! ده معقد !! أنا ما شوفتهوش بس سمعت عنه كتير ، ده عمره ما سهر مع واحدة أزاي هقف معاه ونص ساعة يا مفترية!!
هزت الفتاة كتفيها بلا مبالاة وقالت: لازم التحدي يكون صعب اومال هيكون تحدي أزاي؟! لو مش ادها تقدري تنسحبي
لوت للي شفتيها بقوة وقالت: ادها
صاح الفتيات بقوة بينما ليان دب القلق بداخلها ، هي لا تحب التحدث مع الرجال ولكن ذلك التسرع اللعين هو من جعلها تقف بهذا الموقف ، كيف ستسرق من هذا الرجل نصف ساعة من عمره؟
                                 ******
مر بعض الوقت وأتى وقت الرحيل..استأذن وجيه من صديقه العجوز لينصرف ووافق العجوز بعد الحاح..خطا وجيه لخارج القاعة بخطوات ثابته ورشيقة ، فلم يمر  بجانب إمرأة الا والتفتت بجانب عيناها اليه بينما المراهقات كان يتهامسنّ عليه..حتى كاد أن يدخل سيارته لينتبه لصوت خلفه، أتى الصوت مع صوت جريان المياه بالنيل القريب..تتلقف الأذن همهمات النسمات المتطايرة فأخذت بخفة موجات الصوت للآذان..قالت للي: وجيه
استدار وجيه سريعاً لذات الرداء الأحمر الناري بصبغة أكثر نارية على شفتيها..خصلات شعرها الأسود الطويل كأنها برقية عشقية من قرون ولت..خطف انتباهه نظرة عيناها العميقة حتى اقتربت له ببطء ، تمنت لو كل خطوة تمضي بساعات فإن كان بحقيقة الأمر لعبة فلا تنكر أنها تفاجئت بوسامته!! اعتقدت أنها سترى رجل كهل بدلا من ذلك الرجل الساحر..وقفت أمامه بعد خطوات اليه وظل واقفاً يتأملها بصمت..قالت ببطء: فاكرني ؟
اطرف عيناه بحيرة ، لم يتذكر مرة أن إمرأة خطفت أنفاسه منذ النظرة الأولى مثل هذه الفتاة ، حتى من احبها بالماضِ لم تكن نظرته الأولى لها مهلكة مثل الآن..قال بدهشة: أسف..مش فاهم؟!
ظل الأضواء التمع بعيناها بينما لمعة عيناها اتت من دمعة حقيقية فللحظة شعرت وكأنها تجسد الواقع ، أو كأنها انتظرته حقا فقالت متابعة: شكلك مش فاكرني..
قال مأخوذا بشيء مجهول بعيناها: احنا اتقابلنا قبل كده؟!
تظاهرت بالأسى والحزن وقالت: خيرت نفسي بين خيارين ، يأما تفتكرني وتفتكر كل اللي كان بينا ، يأما هنهي حياتي وقدامك..
النيل مش بعيد..زي ما جمعنا أول مرة هيكون النهاية..
تعالت سمات الدهشة بملامحه وقال معتذراً: أنا عمري ما قابلتك ، حقيقي أنا مش فاكر أني شوفتك ولو مرة واحدة! يمكن حد شبهي!
قالت عاتبة: حد شبهك ،ونفس اسمك كمان!
طال صمته بنظرته العميقة لعيناها وكأنه يدرس لفتاتها وارتباكها الواضح فتابعت : قبل ما اسيبك للأبد ، عايزني افكرك ، ولا ما اتعبش نفسي ؟
قال وكأنه مسلوب الإرادة ولم يعرف لما احب الحديث معها ، لم تكن بالباهرة الجمال أكثرمن غيرها ولكن بها شيء يجذبه بشدة فأجاب: سامعك..
نظرت لساعتها بقلق وضاقت لأن لم يمر من الوقت سوى منتصفه ، كيف سيمر النصف الآخر وأي شيء ستقل؟! أشارت للداخل فتعجب..قالت موضحة: ده من ضمن حكايتنا
رفع حاجبيه بمكر وقال: مش هينفع ادخل بعد ما استأذنت ، أسف
رمقته بغيظ خفي ، ثم سحبت زهرة كانت تزين بها شعرها واقتربت منه بحذر ووضعت الزهرة الصغيرة بالجيب الصغير بسترته السوداء وقالت: خليها معاك ، هتفكرك دايماً بيا
ضيق عيناها عليها بحيرة بينما تخللت رائحة شعرها الى أنفاسه بإنتعاش، اضطربت دفاعته كرجل..قالت : كنت هنا وأنت كمان..في يوم زي ده..
قاطعها بقوة : أنا عمري ما شوفتك ولا أعرفك! بس كملي
اخفضت رأسها بلافته حزينة بينما قصدت أن يمضي الوقت بالصمت خير من الحديث..قالت وهي ترفع عيناها لعيناه:
_ لأ أنت تعرفني بس نسيت
صدم لقولها وردد: نسيت!!!
هزت رأسها بقوة وتجمع شعرها الأسود حول وجهها البيضاوي الصغير واكدت: آه نسيت ، أنت قولتلي وقتها أن في حاجات بضيع من ذاكرتك
بدا عليه نفاذ الصبر حتى استدار لسيارته ليرحل فامسكت ذراعه تمنعه بقوة ، تفاجئ بما فعلته وتفاجئ أكثر بالصدمة البادية على وجهها وكأنها لم تشأ أن تفعل ذلك !! ، وضعت أناملها على فمها بتمتمت اعتذار والتمعت عيناها كعين هرة حزينة وقالت: آسفة ..ماكنش قصدي..
تأملها لبعض الوقت بحيرة ولكن ليس منها بل من نفسه ،فإن لم تجذبه هي لكان التفت لها مجددا وتابع الحديث!!
قال محاولا السيطرة على نفسه : أنا ما أعرفكيش ولا عمري شوفتك ، اكيد حد شبهي أو في حاجة غلط مش مفهومة!
تحدث بعد ذلك لدقائق وتركته يتحدث والدقائق تمر ببطء شديد حتى أشار احدى الفتيات عاليًا من بعيد وهذا يعني أن وقت التحدي انتهى..تنهدت براحة وابتسمت قائلة بانتصار: أنت صح ، احنا فعلا ما اتقابلناش قبل كده ، باااااي
أشارت له ملوحة وكأنها تبدلت لفتاة أخرى وركضت من أمامه للبعيد ، ظل متسمرا للحظات بصدمة ...

وقفت للي بين الفتيات بنظرة منتصرة وقالت: كسبت التحدي ، عشان تعرفوا بس أن مافيش حاجة توقف قدام لليان يوسف
اعطت الفتاة زجاجة العطر لليان وقالت:
_ بصرف النظر كلمتيه في ايه بس واضح أن لو مكنتش شاورتلك كان ممكن الكلام يعدي الوقت بكتير ،برافو للي
صاح الفتيات من حولها لتقل أحداهنّ : عايزين تحدي تاني ، النهاردة فرح شاهندا وعايزين نحتفل..
قالت للي بسخرية وجاجة العطر بيدها: كفاية كده وبعدين انا اكتر واحدة بتكسب في أي رهان ،كنتوا فاكرني مش هكسب ومش هعرف اتكلم مع وجيه الزيان بس اهو اتكلمت معاه وماكنش عايز يمشي كمان ...
ارتفعت ضحكتها بينما امتقعت وجوه الفتيات فجأة ، نظرت للي اليهم وقالت بسخرية: معلش معلش ، دي اقل حاجة عندي
أشارت فتاة لما خلفها فاستدارت للي لتتلقى صفعة مدوية على وجهها ، اسودت عين "وجيه" بغضب عنيف وركض الفتيات للداخل وتركوها بمفردها تقف مقيدة بسجن نظراته المشتعلة، هتفت بها بهدير صوت الغضب : حقيرة ورخيصة ، ورهان احقر عملتيه على حد ما تعرفيهوش وخليتيه اضحوكة قدام صحابك التافهين !!
كل يوم بتأكد أن كرهي ليكوا هو الصح..
انسابت الدموع من عين لليان ويدها لم تفارق خدها المصفوع وهمت أن تعتذر حتى القى وجيه بعض الأوراق النقدية بوجهها وهتف: مبلغ أكتر من كفاية احسان مني عشان ما تحطيش حد مالوش ذنب في الموقف السخيف ده تاني..ولا العاهرات اللي زيك
احتد غضبها رغم بكائها وقاطعته برفع يدها وكادت أن تصفعه مثلما فعل ولكنه قيد يدها بغضب وقال: مش أنا اللي ترفعي ايدك عليه يا حقيرة
دفع يدها بإزدراء بعيدا عنها ثم رماها بنظرة محاقرة وذهب من امامها..رغم قوة الغضب التي تملكتها للحظات ولكنها تعترف أن الحق معه فيما فعله..
أخذ وجيه سيارته منطلقاً بالطريق ، وشياطين الغضب والانتقام تتراقص أمام عيناه...
                                      ******
مرت الأيام ليأت يوم ما قبل مقابلة العمل"الأنترفيو" جلست حميدة على الأرض مستندة على وسادة خشنة وقالت وهي تحرك حبات "اللب" بين أسنانها : اهو كل شيء تمام ، بكرة الصبح أن شاء الله هنكون في المكتب..
جلست سما بضحكة : كل ما افتكر شكلنا بالنضارات ولبس الستينات اللي جبناه اموت من الضحك ، قال يعني احنا كنا ناقصين فقر !!
ابتسمت حميدة رغما وقالت: تعالي على نفسك يا سمكة معلش عشان خاطري
قالت سما بمرح: اجي ياختي ماجيش ليه ، بالمرة اخس شوية
رضوى بسخرية: اكتر من كده هتبقي خلة سنان !!
ردت سما وهي ترمش بعيناها : انا دلوقتي إمرأة عاملة ولازم ابقى رشيقة..
انهت جميلة اعداد عشاء سريع وقالت: اكلة سريعة ، مش بطماطم وجبنة بيضة بطماطم..
قالت سما ضاحكة: يارب الحلبة ماتبقاش بالطماطم هههههه ، وبعدين انا عايزة اندومي !
هتفت حميدة: بيعفن القولون ،ستي قالتلي كده
تجمع الفتيات حول الطعام البسيط مع الضحكات فيما بينهنّ فقالت حميدة لهم بمحبة: عارفين يا عيال ، أنا مش عارفة من غيركم كنت هعمل ايه
قالت سما بمرح: اعملي جمعية هاهاهاهاهاها
ضحكت رضوى وجميلة بينما نظرت حميدة لها بغيظ وقالت:
_ بكرة نشوف لماضتك ياشبر ونص
                                ******
بالصباح...
وقفت حميدة أمامهنّ بعدما استعدوا للخروج بينما استوقفها شيء فنظرت لسما بتفحص وقالت: أنا نمت امبارح بعد العشا واظاهر أن اللي بفكر فيه صح
كتمت رضوى وجميلة ضحكاتهنّ بينما أطرفت سما عيناها ببراءة وقالت: اوعي تكوني فكرتي أني روحت الكوافير ؟ اوووعك
هزت حميدة رأسها بنظرة للأسفل حتى خلعت ما بقدميها وركض سما بضحكة عالية وقالت: مش بحب ابقى غفر هههههههه ، يا لهواااااي
اسرعت حميدة خلفها وبالكاد كتمت ضحكتها حتى تسلقت سما الفراش وقالت: دول هما اللي نادولي عشان اشرب بيبس
قلدتها حميدة بابتسامة فرت من شفتيها وقالت: انزلي وخلصينا خلينا نمشي..
هبطت سما بالتدريج وبحذر بنظرات ضاحكة فقالت: ماتضربنيش وانا رايحة الشغل ، رايحة الشغل أنا رايحة الشغل ههههه
ضحك الفتيات عليها وقالت حميدة : ربنا يصبرني
                                   *****


أمام المبنى الذي يقطن به المكتب..وقف الرباعي بنظاراتهنّ السميكة ، قالت سما بتأفف: كان لازم يعني نضارات !! هو احنا يعني اللي أول ما يشوفونا هيضعفوا !! انا آه انتوا لأ هاهاهاها
ضحكت بمرح لتقل حميدة بضيق: فاضل ربع ساعة والشندوتش بتاع الصبح ده ما صالحش بطني ، جعااانة
قالت رضوى : شوفت بتاع عربية فول على أول الطريق ،تعالي نفطر أنا برضو جوعت
شاركتهم جميلة بينما قالت سما بنفاذ صبر: لأ هستناكم هنا ، مساحة العربيات اللي لابساها دي هتلبسني في الحيط..
قالت حميدة: خلاص ، هنروح انا والبنات وخليكي هنا ،خمس دقايق وراجعين..
وقفت سما بالطريق تنظر للفراغ بينما مر رجل عجوز بجانبها وقال ضاحكاً: يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم
قفز أحد الأطفال وأشار على سما قائلًا: تيمون وبمبااااا اهوووو
جزت سما على أسنانها بغيظ وهي تنظر للطفل بينما ترجل آسر من سيارته وهو يتحدث بالهاتف مشغولا عن النظر فيما حوله ، زفرت سما بضيق من وجودها بالشسارع تحت انظار الجميع المستهزأ فقررت أن تصعد وتنتظر الفتيات أمام باب المكتب فهذا أفضل حل ..
لم تلاحظ الذي دلف للتو بينما كل ما لاحظته تلك المحفظة السوداء الملقاة على الأرض ، احتارت أن تأخذها أو تتركها كما هي وما وجود لحارس المبنى ، أخذت المحفظة وقررت البحث عن صاحبها فيما بعد بينما آسر وقف أمام المصعد حتى انهى مكالمته الهاتفية قبل الدخول للمصعد الكهربائي حيث لا يوجد شبكة بالداخل ..فتح باب المصعد ودلف بداخله حتى دلفت سما دون أن تلتفت لمن ينظر بإتجاه الارقام ..اغلق الباب ووقفت خلفه والمحفظة بين يدها ،  المحفظة منها فجأة فجثت لتلتقطها عندما رأت صورة شاب بداخلها خطفت أنفاسها ، استقامت وهي تنظر للصورة بابتسامة وقالت : ايه القمر ده !!  هو بياكل بونبوني!
أخرجت البطاقة الشخصية وقرأت الأسم بينما تجاهل آسر همهمتها وهو يواليها ظهره ،قالت : آسر مصطفى الزيان
اتسعت عين آسر بصدمة وهو يستمع لأسمه فاستدار اليها ليجد فتاة ترتدي شيء أشبه بالفستان ولكنه بالطبع اقل رقة ، ونظارتها السميكة التي تخفي اغلب وجهها الصغير في حين أن كان بإمكانها إرتداء نظارة اصغر بكثير !! قال بصدمة وهو يخطف محفظته من بين يدها: دي محفظتي !!
رفعت سما عيناها بعصبية وسخرية بينما تسمرت بصدمة وهي ترى نفس الملامح ،جف ريقها من الصدمة حتى قال: لقيتيها فين دي كانت في جيبي من دقايق؟!
بالكاد استطاعت النطق وهي تشير لباب المصعد: لقيتها واقعة في الشارع
قال بسخرية: وخدتيها على طول من غير ما تسألي!!
ضاقت من نبرته وأجابت: هسأل مين انا ما اعرفش حد هنا ، ده غير أني كنت ناوية اخلص شغلي واسلم المحفظة لصاحبها بنفسي مش اديها لحد ويا عالم هيعمل بيها ايه!!
فتح باب المصعد قبل أن يجيب ، نظر لها بإعتذار وقال:
_ آسف ،اتعصبت من غير داعي
ضغطت سما على زر الهبوط دون أن تجيبه فأنغلق باب المصعد ، استندت على الحائط وهي تكاد تقفز ضاحكة....
هبطت للأسفل ووقفت تائهة بابتسامة وما مر دقيقة حتى اتى الفتيات ولم يكتشفوا ما حدث....
                                     *****
تجمع الثلاثي الشباب بمكتب واحد بينما قال رعد بتعجب:
_ هو احنا متجمعين ليه مش المفروض كل واحد يختار اللي هتكون سكرتيرته؟!
أجاب آسر وهو يتفحص هاتفه: خليها مقابلة واحدة ونخلص ورانا شغل كتير ، عندي ميعاد مع فريق مهندسين هيشتغلوا معانا من بكرة ولازم تكونوا معايا في الاجتماع..
دلف يوسف بحماس للمكتب وقال: في طقم نضارات برا هندوس بيهم السوق لأننا مش هنشوف حاجة أصلا ،شباااااب أنا متفائل
همس رعد بأذن جاسر وهو جالس بجانبه وقال:
_ حاسس بفتحة خير بالسكرتيرات الجداد
كتم جاسر ضحكته وقال:- ما تتعشمش أوي ،دول مجايب شربة العدس اللي مع يوسف هيكونوا ايه يعني ، اكيد صلصة ، أنا قررت أني اجيب توتو تشتغل معايا
قال آسر بجدية وهو يجلس بجانب أبناء عمه وامامهم مكتب خشبي عريض خصص مسبقا لدراسة التصميمات :
_ دخلهم مع بعض يا يوسف1
وقف يوسف بعتب الحجرة وأشار لحميدة للدخول حتى اصطف الفتيات خلفها كطابور النمل..دلفت واحدة تلو الآخر..رفع جاسر عيناه لهن واطلق ضحكة عالية لم يستطع كتمها..بينما صدم رعد للحظة الأولى فقال جاسر بضحكة: دي مرحلة ما بعد الصلصة
همست جميلة بغيظ وقالت لحميدة: هو ماله الأخ فشته عايمة كده ليه؟!
نظرت حميدة له لتصمت بينما ظلت سما تنظر بصمت وخجل لآسر الذي علمت أنها ستلقاه منذ معرفتها بهويته ، صدم آسر من رؤيتها فرمقها بنظرة تكرر الاعتذار بصمت..
قال رعد بتيهة: هو مين طفا النور؟!
اطلق جاسر ضحكة عالية وقال له بخفوت: على ما تخرج من صدمتك هبدأ انا..
لم تستطع جميلة كتم غضبها فقالت: انت بتضحك علي ايه ؟!
اطرق جاسر بالقلم على مكتبه وكتم ضحكته بالكاد وأجاب:
_ أنتي اسمك ايه؟
أجابت جميلة بغيظ: اسمي جميلة
اتسعت ابتسامته وقال: طب احلفي !!
وكزت جميلة ذراع حميدة التي بالطبع كانت تتوقع ذلك وقالت: مين الطور اللي بيستظرف ده؟ جاته نيلة في شكله
نهض جاسر وتلاشت كل معالم المرح بملامحه وكأن لدغه عقرب وقال لها مشيراً: أنتي قولتي ايه؟!!
لوت شفتيها بسخرية وقالت: ماقولتش
رفع حاجبه بدهشة من جرأتها فألقى القلم من يده وقال  وهو يتحرك واقفاً امامها بتحدي: أوك ، المقابلة انتهت
قالت بنبرة أشد سخرية: عارفة ،مرفوضة
هز رأسه بنفي ونظرته تتوعد بشيء غامض :  لأ اتقبلتي يا...مش فاكر...المرة الجاية ابقي فكريني
رماها بنظرة مستهزأة وقال لآسر ورعد الذي شاهدوا المشهد بصمت ودهشة من هذا العداء الغير مبرر وقال: سكرتيرتي
خرج من المكتب بعد كلمته دون أن يلتفت اليها ولو بنظرة..شيء جعلها ترتبك من نظرته وتقلق ،وشيء جعلها تقبل التحدي ،وشيءجعلها تبتسم !!
وضعت سما ملف أوراقها أمام آسر الذي تفاجأ بهذا وكأنها هي من اختارته ليعمل معها وليس العكس!! ابتسم بخفة وقبل ملفها وهو ينظر لأشياء قد علمها من يوسف مسبقاً وقال: تمام..
تبقى رعد الذي نظر لرضوى وقال: احدفي الملف في وشي واجري
تعجبت رضوى من حديثه وقالت : ليه هو أنا عفريت؟!
اومأ برأسه رافضا: لأ طبعاً ، أنا اللي استاهل اللي بيحصلي ،ادي آخر اللي ما يسمعش كلام عمه...مش عارف هكمل أزاي بس هحاول
قال آسر وهو ينظر لسما:
_ هنبدأ الشغل من...
قاطعته سما بنظرة خجولة وابتسامة : من النهاردة لو حبيت
نظر لها الفتيات بغيظ وهم يضغطون على أسنانهم وبأعينهم نظرة انتقامية...فرفع آسر رأسه بابتسامة تمايلت بعيناه وقال:
_ من بعد بكرة...بالتوفيق لينا كلنا
                                     ******
وقف يوسف مع الفتيات بخارج المكتب وقال: الحمد لله المقابلة انتهت على خير ،جهزوا نفسكم للشغل..بس حميدو هيبدأ شغل من النهاردة..
ضحكت سما رغما بينما تطلعت حميدة اليها بغيظ فقالت رضوى: طب بالأذن احنا بقى
جذبت رضوى سما من يدها للخارج وتبعتهم جميلة حتى تفاجئت بالذي يخرج من غرفة أخرى ويقف أمامها بنظرة متعالية..نظر لها من رأسها حتى اخمص قدميها وقال : ابو شكلك

الجزء الرابع 


نبدأ بالصلاة على النبي والباقيات الصالحات والاستغفار❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤1

ابو شكلك

قال ذلك وتحرك من أمامها للغرفة الأخرى، تسمرت للحظات ، هل تعود اليه وتعنفه أم تقبل بذلك العمل ولا تفكر كثيراً ؟! يبدو أنه يتوعد لها بالكثير فنظرته قالت ذلك..

رحل الثلاثي من المبنى بينما خلعت رضوى نظارتها وتبعها الفتيات بضيق.

**بالمنزل**

فُتح باب المنزل البسيط لتولج اليه جميلة ومن خلفها سما ورضوى، وضعت رضوى حقيبتها ببعض الشرود وهي تتذكر ما حدث بالمقابلة ، دلفت جميلة للغرفة لتبدل ملابسها بينما جلست سما الذي لم تختفي معالم الابتسامة من وجهها على آريكة قديمة بالصالة وتقرب من التلفاز المتربع على منضدة خشبية وتاهت شاردة..منذ أن وقعت نظرتها عليه وهي تشعر بألم ممتع بقلبها ، بأن هناك الكثير بينهما سيأت ، وأن القصة بدأت اليوم..مر ساعتين وهي جالسة وشاردة وبالكاد استفاقت من شرودها قبل أن يلاحظ أحد بينما يبدو أن رضوى لاحظت وأنتهى الأمر فرمقتها بنظرة ضيقة فقالت ضاحكة:-

- بت يا سمكة؟

أجابت سما ببعض التيهة:- ها؟ إيه؟!

رضوى بضحكة عالية:- ها وإيه؟!! هههههه مالك اتخشيبتي كده في المقابلة ؟ دي حميدة هتعلقك في مروحة السقف.1

أجابت سما وهي تتمايل بهيام:- هو شباكنا ستايره إيه؟!

هتفت حميدة الذت أتت للتو بنظرات مغتاظة:- حديد..حديد هيدغدغ على دماغك النهاردة..بقى هو ده اللي اتفقنا عليه؟! وقال ايه لو حبيت نشتغل من النهاردة...ما كنتي تديله عنوان البيت بالمرة! ده آسر الزيان يخربيتك

قلدتها حميدة تحت نظرات جميلة ورضوى المنفجرين من الضحك فقالت سما بابتسامة :- زوجي قرة عيني أوي..2

وضعت سما يدها على وجهها بخجل وقالت بحياء:- هيتقفل علينا باب واحد أزاي ده؟!2

حملقت حميدة فيها لوهلة ثم ركضت خلفها لتركض سما ضاحكة وصححت :- بااااب المكتب ، ماتبقيش قفوشة بقى1

هزت حميدة رأسها وقالت:- والله هو اللي يتخاف عليه

تساءلت رضوى بتعجب:- مش يوسف قال هتشتغلي النهاردة ؟!

تنهدت حميدة وهي تجلس على الفراش وتخلع عنها حجابها فقالت:- حضرت معاهم اجتماع المهندسين الجداد ومشيت

ظهر الضيق على وجه جميلة الذي حاولت أن تخفيه وقالت:- والله لولاكي لكنت خليت اللوح اللي اسمه جاسر ده يترحم على كرامته ،بس ماحبتش اعملك مشاكل

وافقتها رضوى وقالت بغيظ:- ولا الحمار التاني ، "احدفي الملف في وشي واجري" ده كأنه هيتنازل عن العرش لما وافق يشغلني!!

قالت جميلة بعصبية:- أنا ليه ما رميتهوش من الشباك ساعتها؟!

أجابت رضوى بحدة :- وانا ليه ما اديتلوش بونية في وشه بدل الملف ؟!

سحبت سما يد جميلة لمرآة كبيرة مثبته بخشب خزانة الملابس القديمة وقالت وهي تشير لأنعكاس مظهرهما وقالت:- بذمتك ده منظر بني آدمة..حدديلي ملامحك ! ده احنا كنا شبه الصيادين!

وقفت جميلة تنظر لنفسها بتأفف واجابت:- وحتى لو منظرنا وحش ، هما هيتجوزونا يعني ؟!

قالت سما بدعا:- ياررريت

نظرت لها رضوى بغيظ وقالت:- انا اصلا رعد ده ما يملاش عيني

سما بضحكة:- هيخترق النظارة بكرة تشوفي ههههههه

قال حميدة بسخرية:- والله أنا حاسة أنك هتخدي مقلب يخرج من عينك..

هزت سما كتفيها بعدم اكتراث وقالت:- ما تخافيش على سمكة

****

**بالمكتب**

رتب آسر الأوراق بعد إنتهاء فحصها وقال وهو يعود بظهره للخلف بتنهيدة:- بصراحة كنت فاكر أن صعب نلاقي عملا بس اتفاجئت بصراحة..الحمد لله عندنا ٣مشاريع هنبدأ فيهم ودي بداية هايلة.

دلف يوسف وبيده حقيبة بلاستيكية بها طعام سريع وقال:- جبت ١٨ سندوتش ، كل واحد فيكوا ياخد واحد وانا ١٥ عشان بجوع بليل..5

أخذ جاسر واحد منه بنظرة غيظ وقال له:- جلاب المصايب

وضع يوسف ما بيده على المكتب بضحكة وقال:- اهو كده اضمن انكم هتشتغلوا ، اومال كنت فاكرني هجيبلكم سكرتيرات زي بتوع الشركة؟!

قضم جاسر من الساندوتش بعصبية وقال:- بنت ال..والله لطفشها

هتف آسر بحدة:- وبعدين بقى؟! دول احسن من غيرهم على فكرة ، على الأقل مش هيطلبوا مرتبات عالية لأن معندهمش خبرة كفاية ، المرحلة دي هنستحمل فيها حاجات عشان نحقق هدفنا..

رد رعد بسخرية ممزوجة بالمرح وقال:- لأ والتانية لسه بتسأل ومستغربة أنها مش عفريت..انا عمري ما خوفت من الضلمة بس خوفت منها وربنا..

ابتسم آسر ابتسامة واسعة وقال بمرح:- والله شكلهم مبهج..

قال يوسف بضحكة:- الحمد لله أني مش زيكم ، أنا مرتاح مع حميدو جدًا..

ضيق جاسر عيناه وفكر في شيء ما..رمق رعد ملف رضوى وتعجب من صورتها بدون النظارة الطبية وقال:- العجيب أن صورهم في أوراقهم مختلفة!

سخر جاسر:- عيب عليك ده أنت أكتر واحد خبير في الموضوع ده

أومأ رعد قائلا:- آه فعلًا ، الصور بتداري كتير1

****

بشقة كبيرة في أحد الأحياء الراقية بالقاهرة...

وضعت الخادمة الأجنبية كوبين من القهوة أمام "للي" ورحلت ، وضعت للي كوب امام صديقتها واخذت كوبها حتى قالت صديقتها نهلة :- مالوش حق يضربك بالقلم !!


تنهدت للي بشعور غريب وقالت:- ساعات بحس بكده وارجع واقول لو أنا مكانه كان هيبقى ده رد فعلي برضو ، خصوصاً أنه مش حد قليل...بصراحة عشان اكون صريحة التحدي كان سخيف فعلًا ومش عارفة وافقت عليه أزاي...كل مرة كان بيبقى بعيد عن أي شخص لكن المرادي الشلة افورت أوي..

قالت نهلة بتعجب:- للي أنتي مش صغيرة عشان تمشي ورا البنات دي ، أنتي واحدة ناضجة مش لسه مراهقة متهورة مش عارفة بتعمل ايه..

وضعت للي كوبها بعصبية وقالت بملء الدمع بعيناها:- وأنا عملت ايه وانا مراهقة يعني؟! اهلي جوزوني لواحد وراني العذاب الوان ،فضل يضربني لحد ما سقطت واتحرمت من الحاجة الوحيدة اللي كانت هتفرحني..ماتوا وسابوني معاه اتعذب...اتجوزت ١٩سنة واطلقت وانا ٢٤ وفات عشر سنين غيرهم وانا لسه الكسرة جوايا..

نهلة بتعجب:- اللي يسمعك يقول أنك كنتي بتحبيه !!

تنهدت للي بحزن وقالت:-

- ياريتني كنت بحبه ، يمكن كنت قدرت استحمل لحد ما يتغير، بس أنتي عارفة يعني ايه تعيشي مع واحد مش طايقة تبصيله؟ مش قادرة حتى ترتاحيله؟ انا ماكنتش بحب حتى نفسي وانا معاه ، وهو ماسابليش أي فرصة أني احترمه ، سمعت مرة واحدة جارتنا بتشتكي أن بنتها اتأخرت في الجواز لحد التلاتين كنت عايزة أصرخ فيها واقولها أن لو بإيدي اكون مكانها ما اترددت لحظة...كان أهون عليا مليون مرة افضل من غير جواز ولا أشوف اللي شوفته..

قالت نهلة برفق:-

- بس أنتي ما ضعفتيش بعد الطلاق بالعكس...حققتي حلمك وبقيتي أشهر ميكب ارتيست ، اظن ده كفاية

هزت للي رأسها بدموع وقالت بضعف:- لأ مش كفاية يا نهلة ، أنا عشان اكون صريحة مع نفسي فهعترف أن حلم بنت ال ١٩ لسه جوايا..نفسي احب واتحب..صحيح جوازتي الأولى كسرت جوايا الأمل..بس الحنين للحلم ده لسه موجود...نفسي اقابل اللي...

صمتت حينما مر بعقلها ملامح وسيمة غاضبة...تعجبت نهلة وقالت متساءلة:- سرحتي في ايه!

أطرفت عين للي ببعض التيهة وقالت نفياً :- لا أبداً

عادت نهلة متساءلة:- أفرضي قابلتي وجيه الزيان تاني..هتعتذريله؟

نفت للي وقالت برفض:- لا طبعاً ، كفاية القلم اللي خدته ، خلصانة

*****

**بقصر الزيان**

وضع الخادم العجوز كوب من القهوة على المكتب أمام وجيه ذو النظرة الشاردة الذي يتخللها الحزن وقال:- قهوتك يابني

خرج وجيه من شروده ورد على العجوز:- شكراً يا عم نعيم

قال الرجل مترددا:- أنا عارف أنهم وحشوك ، رجعهم لو ليا خاطر عندك...أنا ربيتكم كلكم زي ولادي

تنهد وجيه وقال بلطف للرجل العجوز رغم ما يعتمل بصدره من ضيق:- خاطرك غالي عندي ياراجل يا طيب ، بس للأسف المرادي ماينفعش اتراجع وإلا ما انتظرش منهم أي تغيير...ما تفتكرش أن بعادهم عني سهل لكن ماينفعش يفضلوا معتمدين عليا طول الوقت...أنا كبرت يا نعيم مابقتش صغير


قال الرجل بطيبة:- ٤٧سنة مش كبير يابني ، فكر في نفسك ودور على بنت حلال تعوضك اللي فات..

ابتسم وجيه بمرارة وأجاب:- بنات الحلال قلوا أوي اليومين دول..أنا نسيت أصلًا الموضوع ده..

صمت الرجل بنظرات حزينة ثم استأذن ورحل...رفع وجيه كوب القهوة الى شفتيه بينما ذكره لون البن لعينان شائكة الٱغراء...لذات الرداء الأحمر الناري..للمخادعة المجهولة..اعتلى صدره الضيق والحزن أكثر حتى وضع الكوب بحدة ونهض الى الشرفة المطلة على الحديقة...أخذ نفس ملء رئتيه حتى تهبط تلك الغصة المريرة بحلقه ولكن لا زالت عالقة..ما بهذه الفتاة يجعله يضيق من خداعها !! كأنه للحظة تمنى أن يكن حديثها صادقاً!!

*****

بصباح يوم العمل...

تملمت سما وهي تمط ذراعيها بكسل ولم تنتبه أنها صفعت رضوى دون قصد على وجهها...فتحت رضوى عيناها بغيظ ودفعت جسد سما الصغير على الأرض فتأوهت بتذمر:- يا كلبة1

ابتسمت رضوى بانتصار:- عشان تبقي تتمطعي كويس، بقرة نايمة جانبي..

استقامت سما وهي تسند ظهرها وقالت :- هروح استحمى بسرعة

جميلة بضحكة وهي تخلع اسدال الصلاة :- قررتي تنضفي خلاص.

لوت سما شفتيها وقالت:- مش هخليكم تنرفزوني يا عرسة منك ليها.

ركضت سما الى الحمام ضاحكة قبل أن تلحقها جميلة..ابتسمت رضوى بمرح وقالت:- لسانها طويل بس بتموتني من الضحك

قالت جميلة بابتسامة واسعة حتى دلفت حميدة وهي تفرك عينيها بكسل فقالت رضوى متساءلة:- أنتي زعلانة من ستك ولا ايه ؟ بقيتي تباتي معانا اكتر الوقت..

قالت حميدة وهي ترتشف الماء من آنية فخارية تسمى"القلة" :- من ساعة موضوع جميلة وانا بقلق اسيبكم لوحدكم ، الواد مصيلحي ده طايش وممكن يطب عليكم..

قالت رضوى بحدة:- طب خليه يعملها وانا اطلعه على نقالة

ظلت حميدة تتحدث و"القة" بيده وتغافلت عن هذا حتى خرجت سما وهي تلتف بداخل برنس قصير وقالت بضحكة:- ايه ده؟ بتشربي من القلة يعععع3

نظر الفتيات لما ترتديه سما وقالت حميدة بذهول:- انتي لابسة ايه يا آخرة صبري؟ جبتي البرنس ده منين يابت؟!

تمايلت سما أمام المرآة وقالت بثقة:- كنت اشتريته وعينته في جهازي ، طلعته عشان استخدمه وهبقى اجيب غيره..لأ واشتريت علبة شامبو كمان بدل الكياس هاهاهاها..بصرف ببزخ

ضحكت بإستفزاز لتقل حميدة وهي بالكاد تكتم ضحكتها:- وايه كمان ؟ اشجيني

التفتت سما وقالت بفخر:- كله جاي..انا دلوقتي بشتغل

رضوى بتساؤل:- أن شاء الله تنطردي النهاردة

قالت سما بغنج وهي تمشط شعرها وتقسمه الى نصفين:- فشر


قالت حميدة بتحذير:- أنتي عارفة لو ما اتلمتيش واتعدلتي هعمل فيكي ايه؟ انا بحمد ربنا أن حظك وقعك مع آسر مش ولاد عمه التانيين..على الأقل اعقل منهم..

ظهر الوجوم على وجه سما فقالت حميدة لتطمئنها:- بس ما تخافيش أحنا جانبك كلنا ، قولي يا مهلبية يا هتلاقينا كلنا جانبك.

هتفت سما :- يارب يتعدي منهم3

حملقت حميدة بها بذهول بينما انفجرت جميلة بالضحك وصححت سما بتوجس من نظرة حميدة:- بهزر يا رمضان..

****

**بالمكتب**

بالغرفة الخاصة بالاجتماعات...جلس الشباب بإستثناء آسر الذي ظل واقفاً أمام شاشة بيضاء تعرض عليها دراسة مشروع مخطط حتى انتبه لقرع على الباب فنهض يوسف ليفتحه ودقيقة وكان الثلاثي الشباب يجلس قبالتهم الرباعي من الفتيات وظل آسر على حاله..رمق جاسر جميلة بسخرية جعلتها تشتعل غيظاً ، بينما سوم رعد نظرة الى رضوى ليجد نظارة ضخمة تواجهه فاستدار سريعاً لجهة أخرى بقلق..قال آسر ببسمة يخفيها من نظرات سما الخجولة اليه وكأنه تقدم لخطبتها :- قال آسر بتوضيح..4

- دلوقتي نرتب المهام..يوسف طبعاً مع آنسة حميدة وشغلهم مع العملا، رعد وآنسة رضوى شغلهم هيكون حسابات..

- قال رعد بحزن :- هتحاسب على الحيا..ذنب مغفور أن شاء الله3

أضاف آسر بجدية:- وجاسر وآنسة جميلة شغلهم في المواقع

ابتسم جاسر بمكر وبغمزة الى جميلة قائلًا:- آه أنا بحب الجغرافيا ، احييك على اختيارك..كمل جميلك بقى وانقذني من حشائش السافانا2

كتم رعد ضحكته وهز رأسه لجميلة التي امتقع وجهها وقال:- آه انتي2

ضغطت جميلة على نواجذها بعصبية بينما أضاف جاسر بسخرية:- الجو كان معتدل قمر صيفاً في نفس ذات المكان ، ايه اللي جاب رياح الخماسين في وشي ، اتخض كده

قالت جميلة لتغيظه:- معلش

رفع جاسر حاجبيه بتعجب ونظر لرعد بنظرة ماكرة وهمس له بشيء جعل رعد ينتفض من الضحك..2

قالت سما بصوت رفيع:- وأنا مع مين؟

وكزتها حميدة بجانبها بحدة حتى تعتدل في طريقها بالحديث فقال آسر وقصد الجدية:- معايا

نظرت سما للأسفل بخجل وقالت بهمس:- بأذن الله4

****

جلست حميدة بالاستقبال على مكتبها بينما اعطى لها يوسف قائمة بارقام هواتف العملاء وقال:- دي تليفونات الزباين واسمائهم ،هجيبلك كل التفاصيل عن كل اسم عشان تبقي مجمعة

أخذ حميدة منه القائمة وسرعان ما فتحت برنامج على "اللاب توب" لتدون الارقام والمعلومات حتى نظر لها يوسف وقال بابتسامة:- رغم أني كنت ساكت في الأجتماع بس بصراحة كنت هموت من الضحك


كتمت حميدة ضحكتها وقالت:- وانا كمان ، بس أنا واثقة في أخواتي

نظر يوسف بتعجب:- بس هما مش أخواتك!!

هزت حميدة راسها وقالت :- لأ اخواتي وعمري ما اعتبرتهم غير كده ، لو واحد في ولاد عمك زعل واحدة فيهم ماتزعلش مني ساعتها..

أجاب يوسف بتأكيد:- لا ما تخافيش ، ولاد عمي مش مؤذيين للدرجادي..في الأول بس ممكن التعامل يبقى فيه شوية خشونة بعد،كده هنكون كلنا فريق واحد أن شاء الله..

رددت حميدة بتمني:- أن شاء الله.

*****

**بمكتب رعد**

ظل يطرق بقلمه بصمت..ظلت جالسة بمقعد بعيد تتفحص أحد الأوراق بينما الارتباك نال منها كثيراً..قال بتمتمة:- خلصي اللي في ايدك واخرجي..

نظرت له بثبات وهي تعدل نظارتها وقالت:- استاذ آسر قال أن مكتبك هو مكتبي مؤقتاً على يرتب الموضوع ده.

صرّ رعد على أسنانه بغيظ وقال بيأس:- كل المآسي طلعت على مقاسي..3

نظرت له بسهرية وعادت تنظر للأوراق تؤكد على تدقيق بعض الحسابات ، أخرج رعد كاميرته الثمينة من حقيبة صغيرة بجانب المكتب وظل يتفحصها...رفعت رضوى رأسها بتعجب وقالت:- هو حضرتك مش هتشتغل؟!

ضيق عيناه عليها بغيظ وأجاب:- مالكيش دعوة..خليكي في حالك

قالت بسخرية وصوت يكاد لا يسمع:- قال يعني مهتمية بيك!!

زم شفتيه بغيظ وعندما نظرت له بتلك النظارات المخيفة ارجع نظرته سريعاً للكاميرا فكادت أن تبتسم...3

****

**بمكتب آسر**

فرد آسر أول مشاريعه الهندسية على طاولة دائرية وقال موجهاً الحديث لسما:- نبدأ بسم الله..أنا عارف أنك مش هتفهمي كلامي بس مع الوقت هتفهمي..غير كده عايزك تبقي دراعي اليمين

تمتمت سما بهيام وقالت:- وقلبك في الشمال يا حبيبي8

عقد حاجبيه بتساؤل وقال:- قولتي ايه؟!

هزت رأسها بنفي وقالت وهي تقف بجانبه:- اكيد أن شاء الله..هبهرك

كلمتها جعلت ينظر لها بشيء من المرح ثم اعاد نظرته للتصميم مرة أخرى وبدأ يتحدث بجدية...

كانت سما تهز رأسها بعلامة الفهم بينما لم تفهم حرف مما قيل..

***

**بمكتب جاسر**

وضع جاسر سماعة الهاتف بعد إجراء مكالمة تخص العمل بينما زفرت جميلة بملل ونفاذ صبر من الأنتظار..نهض من مقعده وبيده ملف...وقف أمام مقعدها والقى بالملف على الطاولة أمامها وأشار بنظرته للنلف لتقل جميلة وكأنها ستتشاجر معه:- ايه؟!

نظرته كانت ساخرة وهو يجلس على مقعد أمامها واضعاً ساقاً على ساق بثقة ، ومقتت هي أن يكن على هذا القدر من الغرور والوسامة أيضاً ، ما كان عليه أن يكن بهذه الطلة التي تسلب القلوب وهو بهذه العجرفة...قال بنظرات تسلية:- افتحي الفايل

زفرت بحدة وهي ترفع الملف وتفتحه فلم تفهم ما هو عملها بالتحديد فقالت بحدة:- اعمل بيه ايه؟!

اخفى ابتسامته وقال:- اعربي وترجمي ما تحته خط

حدجته بصدمة بينما تمالكت شتات فكرها وفهمت خطته في النيل من كبريائها ، نظرت للكلمات التي تم وضع خط اسفلها وودت لو تضحك فقالت:-

- كلمة ال"المشروع" فاعل مجرور بالشبشب..ومعانا حرف هيتجرجر دلوقتي بعد الإعراب..هيحتاج حرف عطف معاه لأنه مبتدأ8

رمقها بغيظ فقد تحدته بإجابتها المستفزة فقال:-

- مش عايز اشد عليه واكسره واخليه مفعول به..

أجابت بتحدي:- أنا وأنت والأعراب طويل

وافق بقوة:- على الرحب والسعة..أنتي مش أدي

سخرت عيناها:- بتهيألك..أنت لسه ما تعرفنيش

تعجب جاسر وقال بحدة:- أنتي اللي لسه ما تعرفنيش...خافي مني

ابتسمت بسخرية وكأن الأمر لا يشغل لها بالًا:- طيب

غضب من ثباتها واستهزائها به ، فمن تكن لتحدثه بهذه النبرة والهدوء وهو من تنافست أكثر الفتيات جمالًا على مرافقته وصحبته...تلقى ٱتصال آخر فأجاب...ظل يتحدث لدقائق حتى انتهى الاتصال فنهض من مقعده وقال بنظرة تتوعد بشيء:- عندنا موقع محتاج معاينة...يلا بينا

كشرت جميلة وتفاجئت بالأمر قائلة:- يلا فين؟!

رمقها بإستهزاء:- يلا على الشغل ولا فاكرة أنك هتقعدي ترتاحي؟!

لو مالكيش في الشغل قولي..ولا تكوني خايفة؟

دفعت الملف من يدها بانفعال وقالت بجدية:- أنا مابخافش غير من ربنا...هنروح فين؟

ود جاسر لو يدفعها بعيداً عنه ويخرج من هنا ويعود لحياة الصخب والرفاهية من جديد ولكن سينتج هذا أشياء لم يستطع مواجهتها فأخبرها بالعنوان حتى ذهبت معه وشعور الضيق يغمرها...

تساءلت حميدة عن ذهاب جميلة مع جاسر فأجاب يوسف بأطمئنان:- مافيش قلق عليها..جاسر هيشوف الموقع بتاع المشروع وسط العمال وبعدين جاسر مش ذئب بشري يعني، هو آه بتاع بنات بس والله هما اللي بيجروا وراه وانا شوفت ده بنفسي..2

قالت حميدة ببعض الضيق:-

- مش حابة جميلة تخرج مع حد غريب ، بس أنا واثقة فيها3

****

ياترى هيحصل ايه😂😂

الجزء الخامس  

باقي حلقات الرواية متوفره بشكل حصري على مدونة يوتوبيا
يجب كتابة تعليق كي تظهر لك الآن
اكتب رأيك في الفصول المنشوره من الرواية في تعليق كي تظهر لك باقي الفصول

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-