رواية ساعة قبل مُنتصف الليل - الحلقة الأولى - أحمد سمير حسن


رواية ساعة قبل مُنتصف الليل - الحلقة الأولى
أحمد سمير حسن
-




فبراير - 2040
جلس الكاتب الكبير فؤاد علام في الغرفة الزجاجية المزوده بالسماعات وظل يراقب الكاميرات الموجهة إليه من الجمهور الذي يرمقه من خارج الغرفه
الجميع كان ينتظره بفارغ الصبر فهذا أول لقاء مُباشر للكاتب بعد ثلاثة سنوات من الغياب عن الشاشات ولكنه كان متوترًا بعض الشيء
فلم يخوض لقاءًا مثل هذا من قبل .. فا نظام اللقاء نفسه لازال جديدًا على مصر فحتى وقتٍ قريب كانت مصر تقوم بعمل اللقاءات المباشرة بنفس النظام القديم الذي كان يُعرض على (التلفزيون) قبل انقراضه
ولكن بنظام اليوتيوب الجديد
يجلس الجمهور في ساحة كبيرة مكونه من عدة كبائن كُلٍ منها مزود بمايك وهيدفون
وأمامهم الضيف المعزول عنهم في غرفة زاجاجية مزوده بسماعات ومايك ليسمع اسئلتهم ويُجيب عليها
جاء السؤال الأول إلى فؤاد علام من مراهقة حسناء تقول له:
- أولًا أنا من أشد معجبين حضرتك وقرأتلك كُل كتاباتك .. ممكن تقولنا ليه حضرتك كُنت غايب عننا الفترة دي كلها .. من غير روايات أو حتى ظهور مباشر؟
تنحنح فؤاد علام ولم يستطع الرد على الثناء كعادته وبحكم طبيعته الخجوله وقال:
- أنا مش هتكسف من إني أقول الحقيقة .. أنا كُنت منفصل عن زوجتي وحب حياتي طول الفترة دي .. معرفتش اعمل حاجه من غيرها .. حقيقي حاولت .. لكن دايمًا كُنت بفشل .. وأهوه رجعنا لبعض أنا وهي .. وبالتالي رجعنا لبعض أنا وأنتوا
ابتسم وهو يقول جملته
فقامت فتاة أخرى بطرح سؤال آخر:
- ممكن حضرتك تديني نصائح ككاتبة شابه؟
ابتسم فؤاد كعادته وقال:
- هي الكتابة تجارب كتير وأنا بحكم إن عندي 43 سنة هقولك الخلاصة .. لازم تحددي وقت معين للكتابة وتسيبك من جو الإلهام والكلام إللي مبيأكلش عيش ده .. أنتي لازم تستحضري إلهامك بنفسك .. لازم يكون في الأبطال شيء منك وإلا هتكون الرواية سخيفه ومش هتعرف تعبر عنهم بشكل سليم .. لازم تحس بكل شيء يحسوه .. بخوفهم وبقوتهم .. اكتبي بشكل مُنتظم بمعنى إنك لازم تحددي عدد كلمات معين تكتبيهم كُل يوم .. وطبعًا الأهم من كل ده .. لازم تقري كتير جدًا .. وفي كُل أنواع الأدب .. عشان تطوري دايمًا من نفسك ... بس كده ده إللي فاكره دلوقتي
بعد التصفيق الكبير أتى السؤال الأخير من شاب في مُنتصف العشرينات قال فيه:
- حضرتك شايف مين أفضل كُتاب في مصر حاليًا بعدك؟
اتسعت أعين فؤاد عِندما سمع كلمة (بعدك) وقال:
= بعدي ايه يا راجل صلي على النبي .. أنا لسه محققتش شيء .. لكن هقولك أنا عن نفسي بحب محمد صادق جدًا شايفه عبقري وأحمد مراد إللي دايمًا بيكتب في مناطق محدش بيقدر يتخيلها وده من زمان من ساعة ما بدأ من 30 سنة فاتوا مش من دلوقتي بس وطبعًا في كاتب كبير كُلنا بنحبه بس لو يركز في الكتابة بس ويبطل جنان هيبقى عبقري وهو عمرو رمزي
ضحك الجميع وقال نفس الشاب:
- معلش اسمحلي اسألك سؤال كمان .. هو فعلًا فيه خلافات بينك وبين عمرو رمزي؟
قال فؤاد علام وهو يُلملم أغراضه ويستعد للنهوض ليرحل:
= كان موضوع بسيط خالص وخلص .. عمرو رمزي كاتب كبير وعبقري .. اختلافنا في شيء يخص الكتابة لا يعني إننا في خلاف شخصي .. بالعكس
وقف فؤاد علام وأنحني امام الجمهور ليُحيبهم .. ثم قال:
- اشكركم جدًا .. شكرًا لكل واحد جالي.
خرج من غرفته وإلتقط بعض الصور مع الجماهير
ثم ركب سيارته وذهب إلى إحدى مطاعم الأكل السوري وطلب وجبة كبيرة
ثم وعاد لسيارته مره أخرى وسار مُسرعًا إلى منزله وصلت الساعة وقتها إلى الثامنة مساءًا
وضع الأكل على طاولة الطعام ونظر إلى ساعته (apple watch series 23)
وبنظرته هذه أوصلت الساعة رسالة إلى زوجته بأنه أتى وفي إنتظارها
ثم أخرج سيجارته وظل يسحب منها انفاسًا وهو ينظر إلى الشارع من الشباك
أتت أميرة زوجته وشاهدته من بعيد وهو يشرب سيجارته وقال:
- أراك من بعيد فأظن إنك واحد من أساطير الإغريق تُفكر في مُستقبل العالم
ضحك فؤاد كثيرًا وقال:
- مش هتبطلي تتريقي عليا بقى .. بقالك عشرين سنة بتقوليلي نفس الجملة
ضحكت هي الأخرى وقالت:
= لما أنت تبقى توفي بوعدك إللي وعدتهولي من عشرين سنة وتبطل سجاير هبطل اتريق، وبعدين هو أنا مش هسمع صوتك تاني ولا ايه؟ أنت من ساعة ما اشتريتلنا الساعات دي ومبقتش تتكلم إلا قليل أوي وبعدين أنا مش فاهمه فيها إلا قليل .. من ساعة ما جيبتها وانت بتقولي هعلمك ومش بتعمل كده
قال فؤاد:
- هي مش محتاجه تعليم يا أميرة! .. بُصي يا ستي إنتي لو عايزه تقوليلي حاجه هتبصي للساعة وهتفكري في إللي عايزه تقولهولي وبعدين تفكري فيا أو في الشخص إللي هتقوليله الحاجه دي أو حتى تقولي اسمه والرساله هتوصل ولكن لو مثلًا أنا باعتلك رسالة معينه أو في حاجه عايز اقولهالك من غير ما اتكلم (عشان لو في ضيوف ولا حاجه ولا في شغل مش هقدر اتكلم فيه) هيجيلك اشعار واهتزاز كده في الساعة لحد ما تبصيلها مجرد ما تشوف وشك بتقنية الـ (Face id) هتلاقيها بتكتبلك إللي كُنت عايز اقوهولك ولو باعتلك الرسالة بصوتها هتسمعيها كـ رسالة صوتيه .. غير كده بقى كل المميزات التانيه إللي فيها عادية معروفه سواء نت ولا مزيكا ولا غيره، وبعدين ما هي ليها شروحات كتير اوي على النت .. مشفتهاش ليه؟
نظرت له بدلالها المُعتاد وقالت:
- عشان عايزاك أنت تعلمني! .. بحب اسمعك
ابتسم فؤاد وقال:
- لسه حلوه زي ما أنتي العُمر مهما يُمر لسه جميلة وبتزيدي جمال .. أنا بقى إللي خلاص بقيت عجوز
سحبت (أميرة) السيجارة من فم فؤاد وقالت:
- ما هو بسبب دي
ألقتها بعيدًا وتحسست الشعر الأبيض الذي بدأ ينبت بشكل واضح على أطراف شعر فؤاد علام وقالت:
- يعني هم شوية الشعر البيض الحلوين دول إللي مضايقينك؟ والله قمر ولا هاني عادل في شبابه
ضحك الجميع وقالها:
- طيب يلا ناكل .. يلا بدل ما تتحرقي من كتر الكدب
ضحك الجميع وظلا يأكلان
وبعدها نام فؤاد لمدة ساعة واحده
وفي العاشرة ونصف مساءًا
نهض من نومه ليستعد لكتابة روايته الجديدة كما هي عادته
يكتب في الحادية عشر من مساء كُل يوم
بعد تجهيز مشروبه المُفضل وبعض التسالي
وفي تمام الحادية عشر جلس وفتح (اللاب توب)
وبدأ في الكتابة ..
ولكن شيئًا ما أوقفه
صوت اهتزاز الساعة الذي وضعها في واحدة من أدلف مكتبه
حاول أن يتجاهل الصوت ولكن إلحاح الشخص الذي يُرساله جعله يترك الكتابة وينهض لعل شيئًا مُهمًا قد حدث
امسك الساعة ونظر لها
ولكنه تفاجئ ..
هذا ما لم يتوقعه أبدًا
رسالة من مجهول .. مكتوبًا فيها: (أنا هقتلك)
هرع فؤاد ليُمسك مسدسه وهو يررتعش
ينظر إلى الساعة فيجد أن كاتب الرسالة يقترب
على بُعد 15 متر
14 متر
10 متر ..
5 أمتار ..
يرتعش فؤاد أكثر ويأخذ نفسًا عميقًا وهو يُغمض عينيهع ويوجه مُسدسه في اتجاه الباب المُغلق امامه
3 أمتار ..
قرر فؤاد أن يذهب هو بنفسه إلى الباب ويفتحه ليرى من الذي يُريد قتله هذا
فلو لم يُقتل منه أو يقتله
سيموت بسبب التوتر الذي جعل فؤاد فيه
فتح الباب فوجد أميرة زوجته أمامه وفي يدها سكين تنظر له وما أن رأته اتسعت عيناها!
تفاجئ هو ورجع خطوتين إلى الخلف:
- أميرة!! .. إنتي!
يتبع ..
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-