رواية ام العيال كاملة


رواية ام العيال


رواية ام العيال هي رواية جديدة من الروايات المنتشرة علي صفحات التواصل الاجتماعي حالياً 
وعنوان الرواية المثير هو الذي شجع القراء لقراءتها والبحث عنها حيث تُعتبر الاكثر بحثا في محرك البحث جوجل اليوم 


وسوف اتركك عزيزي القاريء مع الرواية لتستمتع بقراءتها 


المقدمة

"
أرسلت مع صديق لي الحلوى التي أعجبت التؤام الأسبوع الماضي. ستصل في الغد على الأرجح.."

استندت ندى على الجدار الفاصل بين غرفة الطعام والصالة، متوارية عن النظر، تتنصت بغيظ وحسرة على زوجها المحترم الذي تحين فرصة غيابها اللحظي ليخوض في روتين الإطمئنان على عائلته الأخرى: أمه وولداه التؤام.. وزوجته الأولى..

قالت لها صديقاتها أنها تخوض مغامرة غير مضمونة العواقب في الارتباط برجل متزوج. قد قلن أن اهتمامه بها لن يكون كاملا وسيبقى جزء منه لـ(أم العيال).

ماذا عساها تفعل، لكن، عندما كان عمار الدال أول رجل لفت انتباهها من اللحظة الأولى التي التقته فيها بعد توظيف أبيها له، ليشغفها إعجابا ثم عشقا أودى بها لتطلب من أبيها أن يلمح لرغبته في خطبتها له. محظوظة هي بوالدها، فبطبيعته المحبة لتدليلها لم يرفض لها طلبها ذاك. وكم سرها معرفة أن الانجذاب الذي لاحظته من عمار لها لم يكن وهما، فهو قد وافق على الزواج بها.

مضت خمس أشهر منذ حفلة زفافها الأسطورية، والحق يقال، لم يقصر عمار نحوها بأي شيء..
"
أنا لا أفرط بتدليلهما سميرة. أنا فقط أعطيهما ما يحبانه. هناك فرق..!"

..
إلا بولايته لعائلته تلك بالاهتمام والمداراة، اهتمام وجدت نفسها تبغضه وبشدة. صحيح أنه معها معظم الوقت بحكم عمله في المدينة ووجود زوجته الأولى وأولاده في القرية التي نشأ بها، لكنه يتصل بهم بشكل يومي ويتابع أخبارهم بالتفصيل، بل إنه يستقطع من وقته معها جزءا كي يوليهم اهتمامه. حتى في أيام عطله القليلة كان لهم النصيب الغالب فيها!

هي متملكة بطبيعتها، وكونها قد صبرت على هذا الوضع لهذه المدة يعتبر إنجازا لها بحق. وربما صبرها له علاقة بما تخيلته بنجاحها في الزواج بعمار، فهي توقعت انبهاره بها هي وبالحياة معها، أن ينساق وراء الرفاهية التي سيوفرها ارتباطه بها، وأن ينسى حياة القرى بالكلية.

لكن لا، ها هي الشهور تمر وعمار لم يطرأ عليه أي تغير.

بدا أن الصبر لا يجدي مع عمار نفعا، وعليها اختيار خطة أخرى.

انتظرت حتى انتهى من مكالمته لتدخل وتجلس جانبه، تلتصق به بدلال وغنج جعل عمار يبتسم لها بعبث، "ما الذي تفكرين به؟"

ابتسمت بسرور. "كعادتك تعرف ما أريد بنظرة حبيبي."

داعب جانب وجهها قائلا، "حسنا، ألقي ما عندك.."

لم يخطر لها للحظة أنها ستفشل، فكل العلائم ترسم لها النجاح. "لقد أفصح لي أبي عن رغبته في تعيينك لمنصب نائب المدير، لكن بشرط..."

"
شرط؟"

أومأت له بنعم، تردف بدلال، "لا يريد أن يعطيك المنصب وأنت مثقل بأوزان إضافية.. يريد ضمانا.."

بظرف ثانية تحول العبث الغزلي في عينيه إلى جليد، وبحركة واحدة تباعد في جلوسه عنها. "قولي لأبيك أنني شاكر لعرضه، لكن سيكون علي رفضه.."

لم تصدق ندى إجابته، تنهض بذهول محدقة إليه. كيف يرفض منصبا كذاك وهو خريج شهادة الماجيستر لسنة فقط؟ كيف يرفض منصبا ومكانة في شركة مرموقة ومعروفة كشركة أبيها؟

كل ذلك من أجل أولئك القرويين..؟ عائلته المزعومة؟ أيصل حبه لزوجته الأولى تلك لهذه الدرجة؟

"
إما هي أو أنا عمار! اختر لأن صبري معك قد نفذ!"

شخر بسخرية، "صبر؟ لا أظن أني أعطيتك أي تلميح حتى تصبري."

لحسرتها، كان محقا. لم يعطها أي آمال أو تلميحات. هي من افترض، وهي من تبين أنها كانت مخطئة في توقع فوزها.

الغيرة ونكران مطلبها جعلاها تنطق بصراخ، تغيب عن التعقل والتريث، "طلقني يا عمار، كفاني ما احتملته معك..!"

لم يلقي عمار لها نظرة وهو يرد ببرود، "لكِ ذلك.."

الفصل الأول

2015
م

راقبت شهد كنتها تخوض في روتينها الصباحي، من صراعها مع أولادها حتى يستيقظوا للصلاة إلى جعلهم يحضرون مائدة الإفطار. ابتسمت للمشهد اليومي المتكرر، فهو كفيل بأن يعلمها أن الدنيا بخير.

أحيانا ترى كلمة كنة قليلة في حق ما تشعره تجاه زوجة ابنها سميرة، فهي ابنتها التي لم تلدها، رفيقتها ومؤنسة وحدتها بعد رحيل الكثير من أحبائها من هذا العالم.

تنهدت سميرة بحب أمومي بعد ذهاب التوأم بضجتهم المعتادة، تعدل من شعرها الليلي الطويل لتسرحه على شكل كعكة، تلف بعدها حجابها السكري الذي ناسب ملابس عملها المحتشمة. "لا أدري متى سيتوقفان عن التدلل.."

ارتشفت من القهوة التي أعدتها سميرة لها قبل أن ترد عليها، "من تكون أمه مثلك حتما سيتدلل. ما زال كبيرهم يتدلل عليك فلم يتغيران؟"

أفلتت منها ضحكة مؤيدة وهي تتأكد من محتويات حقيبتها. "بالحديث عن ذاك الكبير، قولي له أني تكرمت وصنعت له تلك الفطيرة التي أزعجني بها."

أشارت شهد بحركة عسكرية. "عُلم يا حضرة الجنرال!"

وبعد عدة وصايا على نفسها، خرجت سميرة من البيت تاركة شهد ممزقة بين حبها لسميرة، والذنب للظلم الذي ارتكبوه وما زالوا يرتكبونه في حقها.

.

.

ما إن اقترب موعد وصول رئيسها حتى بدأت غادة في طقوس التأكد من زينتها، تحافظ على توازن بين المبتذل والمتحفظ البارد

هذا اليوم بالأخص أولت مظهرها أهمية أكبر، فبسبب عبقرية تفكير سليم سعيد، صديق رئيسها وشريكه في إدارة هذه الشركة، كان لديها غداء عمل مع رئيسها من تدبيره

كانت خطة بسيطة حقا، ستذهب برفقة سليم ورئيسها لغداء بين زملاء عمل في مطعم قريب، وبعد مضي فترة سيعتذر سليم عن الإكمال معهم، مخليا لها الساحة للانفراد برئيسها خارج نطاق العمل لأول مرة.

قد يتساءل البعض لم تحتاج للتطرف لجذب انتباه رجل لها، لكن عمار الدال لم يكن لها رجلا وحسب. كان تحديا، هوسا، طموحا..

في بادئ الأمر جذب انتباهها بمظهره، فهو وسيم ذو عيون خضراء حذقة خطرة، وبشعر كستنائي كثيف ناعم في تموجه وجدت نفسها كثيرا تتمنى تمرير أناملها خلاله. كان المثال للرجال الذين لا يُرون إلا في الأفلام، ولو كان مظهره لافتا، فعقله في مجال عمله أخطر وأروع. في الثانية والثلاثين فقط وأصبح لاسمه وزن وسمعة تسبقه في عالم الاستثمارات.

قابلت غادة عددا من الرجال الجذابين في مجال عملها كمساعدة، كلهم قد لهثوا خلفها متناسين التزاماتهم لتردهم خائبين. ظنت أن عمار الدال سيكون تكرارا لتلك الحكاية لكن هاهي سنة قد مرت منذ توظيفها عنده وما زال يخلط اسمها باسم مساعدته السابقة!

أجرت بحثها عنه لتعرف مواطن ضعفه، وعرفت أنه متزوج ولديه ولدان تؤام في الرابعة عشر من عمرهما. كات حقيقة فاجئتها، فهذا يعني أنه تزوج وهو في مراهقته! صعقها بنفس الضراوة اكتشافها لكونه قد تزوج على زوجته تلك قبل سبعة سنوات، من ابنة صاحب شركات الزاهي المشهورة، لينتهي ذاك الزواج بالطلاق بعد خمس أشهر فقط ويعود لحاله السابق.

احتارت، فعلى حسب ما اكتشفته لم يكن لدى عمار أي مانع في الزواج بأخرى على زوجته، دليل على أنه لا يهتم لها جديا. ربما كان مجبرا على الزواج بها، ويتحملها من أجل ولديه

لم تكن بالتي تسعى وراء رجل متزوج، لكن عمار كان الاستثناء. هو من تجرأ ألا يبدي لها اهتماما خاصا، وهو من تجرأ على جعل قلبها يتعلق به دون دراية، وهو الذي تجرأ على جعلها تلهث وراءه كما كانت تفعل كثيرات مثلها.

لكن على عكس أولئك الكثيرات، كانت لدى غادة أفضلية كونها مساعدته، والملازمة له طول فترة العمل. ولن تنغص عليها أخرى ذلك.

استقامت في جلوسها عندما سمعت صوت المصعد يصل للطابق الإداري، يليه صوت وقع خطوات عمار المميز. توقف لحظة ليسأل، "هل حضر سليم بعد؟ استدعيه لمكتبي إذا فعل من فضلك."

ابتسمت بإشراق. "لقد حضر وطلبت منه أن ينتظرك في مكتبك أستاذ عمار."

رد الابتسامة بتهذيب وقال قبل أن يكمل طريقه، "شكرا سارة، صدقا يُعتمد عليك."

في داخلها صرخت وهي تراقب ظهره المبتعد.

(
غادة! اسمي غادة يا جلمودي الإحساس!)

هدأت نفسها تفكر بالغداء الموعود اليوم، فبعده لن يخطئ عمار الدال باسمها مجددا. سيكون اسمها ملازما لفكره وأحلامه. ومن يدري، ستكون قريبا حرم الدال. أما عن أم العيال تلك؟

ستحرص على أن تكون في طي النسيان.

.

.

"
هل لديكِ أي مشكلة مع تعيينك الجديد؟"

كما توقع، فالشابة الواقفة أمامه لم تتردد بالإجابة، "لا، أستاذ رائد.."

مضت سنة وأشهر منذ خطو هذه الشابة، سميرة الصفي، داخل حصون مؤسسته، تثبت كفاءتها واجتهادها حتى وصلت بسرعة خاطفة إلى منصبها الحالي، مسؤولة قسم الحسابات، قسم أدارته بصرامة وعملية قصوى.

ليس لدى رائد ابنة، لكن لو كان لديه لتمنى أن تكون مثلها رزانة. "حسنا إذا، لا تخيبي توقعاتي."

فوريا ردت سميرة بمهنيتها المعروفة، "لن أفعل."

.

.

تعود معرفة سليم بعمار الدال لأيام الجامعة، حيث كانا رفيقا السكن في أحد الشقق جوار الحرم الجامعي. يذكر تلك السنة الأولى التي قضاها عمار في التعود على حياة المدن بعد عمر في قرية، وتندره هو بحاله المستعصي. تارة يشتكي كرجل مسن من الضوضاء، تارة من الزحام، تارة من وقاحة الناس وعجلتهم.

مع ذلك، فعمار لم يجد صعوبة في اكتساب الناس وسحرهم ليصادقوه. ألم يكن هو خير مثال؟ 

مع سنوات الصداقة تلك، لكن، ما زال سليم لا يفهم موقف عمار تجاه النساء.

ربما كان عمار فتى قرية، لكن مظهره شد الصبيات نحوه كالمغناطيس. لم تخلو طاولته في كافيتريا الجامعة يوما من زميلة تتدلل جانبه، مرات لمحادثة، مرات بحجج شرح نقطة لم يفهمنها من محاضرة. لكن عمار بالكاد التفت لهن، يعاملهن بتهذيب (جنتلمان) لكن لا يقترب، أمر شدهن إليه أكثر لتصبح حلقة لانهائية. كان سليم ليشكك بكونه بشرا بأحاسيس لولا ارتباطه أخيرا بعقد قران بزميلة لهما طاردته بمثابرة. كان اسمها فادية، ابنة العميد، قنبلة أنثوية بحق، ومحل ولع كل شباب الجامعة.

لم يستمر ارتباط عمار بفادية طويلا لكن، فشهر مضى قبل أن تطالب بالانفصال. عندما سأل عمار لم يجبه، وعندما سأل فادية، أخبرته بغل أن السبب كونه يتكلم مع زوجته الأولى بكل بجاحة أمامها.

عمار كان متزوجا؟!

"
ظننتك تعرف. ألا تسمعني أكلمها؟"

عندها تذكر سليم مكالمات عمار اليومية لقريته. "ظننتها أختك!" 

إذا عمار كان متزوجا. وربما هذا سيفسر تصرفاته.. لكن لحظة.. "منذ متى وأنت متزوج؟"

"
منذ ست سنوات."

"
ست سنوات.. ست سنوات؟! هذا يعني أنك كنت في السابعة عشر يا رجل!"

ألح عليه سليم بعدها أن يخبره بقصة زواجه العجيب هذا. لم يخبره عمار شيئا، فوضع سليم افتراضاته الخاصة بكون عمار مجبرا على المضي في زواجه ذاك بسبب التقاليد أو ما شابه

دراسته في المديتة حررته من قيود زواجه تلك.. إذا، لم كان يصد صبيات الجامعة؟

مر الوقت، واستغرابه ازداد لارتباط عمار بأخرى بعد طول رفض للشابات حوله. هذه المرة بالحسناء ندى، ابنة رئيس عمار في العمل، أميرة مدللة لم تتقبل صدود عمار واعتبرته إهانة شخصية لها، وثابرت حتى تزوجها. حفل زواجهما الباذخ ما زال محفورا بذاكرته.

مضت خمس شهور قبل أن تطلب ندى الانفصال أيضا.

لا يدري إذا كان لدى عمار أفضل حظ مع النساء أو أكثره سوءا. حقا لا يدري. الذي يعرفه هو أن عمار لم يبدُ عليه ذاك التأثر بفراقهن.

مضت السنين، وها هما قد تعاونا ليؤسسا شركة اكتسحت الأسواق. مضت السنين، وما زال عمار غريبا تجاه نون النسوة.

آخر ضحاياه هي الفاتنة غادة، مساعدته الشخصية ظاهرا وأسيرة هواه سرا. كانت جريئة بحق لدرجة طلب عونه. وبضعفه تجاه النساء وسهولة تعاطفه معهن، وافق.

أحيانا يظن أن عمار يجد متعة مرضية في جعل الجميلات يلهثن خلفه. يفتخر في سره بكونه لا يحتاج لبذل أي مجهود كآخرين منحوسين.

تنهد مبتعدا بتفكيره عن تجاهل صديقه للخير حوله، يركز في العمل وبالصفقة المهمة التي حصلا عليها، صفقة أبدى عمار اهتماما بها منذ سماعه باسم المؤسسة لسبب ما. "سترسل مؤسسة الشهير مندوبا، أو بالأحرى، مندوبة لتشرف على الإجراءات. ستبدأ بالمدوامة هنا بعد غد." ناول عمار ملفا قبل أن يردف، "سميرة الصفي، رئيسة قسم الحسابات في المؤسسة، تدير قسمها كماكينة ألمانية على حسب ما سمعت. علينا توخي الحذر معها، فعلى ما يبدو فإنها من النوع الذي سينتبه على أبسط.." توقف مقاطعا استرسال تقريره عندما لاحظ شرود صديقه. "عمار، هل أنت معي؟"

لتعتريه الصدمة عندما نهض عمار فجأة مغادرا مكتبه على عجل.

-

.

.

-

1985
م

عرف عادل طريقة طرق الباب الفريدة من نوعها قبل أن ينهض للإجابة حتى، ولم يخب ظنه عندما لقي صديق العمر قصي الدال، بهيبته ووقاره رغم شبابه، ترافقه زوجته وولده الوحيد عمار.

استقبلهم عادل بحرارة وحفاوة زادتهما فرحة اليوم. ففي الصباح ولدت زوجته الحبيبة ابنة كالقمر أسماها على اسم أمه: سميرة.

أخذ قصي لغرفة الجلوس وترك زوجة قصي مع ابنها لتأخذ راحتها وتتجه إلى زوجته.

قال قصي حال جلوسه، مشيرا إلى فرحته الظاهرة في كل حركة، "أراك تكاد تقفز من جلدك فرحا يا عادل.."

ضحك هو، لا ينكر البتة. "وهل تلومني؟"

هز قصي رأسه منكرا، وفي بسمته لمعان مسرور شاكر. "أبدا، لا شيء يضاهي فرحة الولد.."

لقد كان عادل شاهدا على السنوات التي أضناها قصي بانتظار وريثه، لا يلتفت للهمسات الناصحة بالزواج على زوجته، أمر قد استهجنه الكثير من سكان هذه القرية الزراعية، والتي كانت للعائلة التي ينحدر منها قصي أكبر نصيب من الأراضي فيها.

صبره ودوام دعائه أثمر بأن رزقه الله بابنه عمار الذي سيحمل اسمه. لا زال يذكر عادل ما أقامه قصي احتفالا بالمناسبة.

ربت قصي على ظهره بخشونة مبتهجة. "مبارك يا صديقي..!"

.

.

بزواجها من قصي، وجدت شهد ترتبط بعائلة عادل الصفي.

استغربت في البداية صداقة زوجها مع عادل، فكلاهما من عالمين مختلفين. فبينما كان زوجها سليل عائلة عريقة النسب ومعروفة بالثراء، كان عادل مجرد حداد بسيط. لكن سرعان ما عرفت السبب، فعادل كان الماء لنيران قصي، الكابح لتهوره، والناصح لعثراته، وفي المقابل كان قصي له المساند والحامي، ولو كان بيده لفعل أكثر، لكن كما اكتشفت فإن لعادل الصفي كبرياء وعزة نفس شديدا البأس، لا يتزحزح لحظة أمام إلحاح قصي بمد مساعدات مالية له. كانا الندين لبعضهما كما كانا الصديقين، وكم غبطتهما شهد على تلك الصداقة.

دخلت الغرفة لتجد زوجة عادل، آية، تضع الصغيرة جانبها لتنام. ابتسمت لمرآها، ترحب بها بطبيعتها المضيافة رغم تعبها الواضح. "أهلا، أهلا بمن زار، نور البيت بكم!"

دفعت شهد عمار برقة جهة آية والصغيرة. "هيا يا عمار، سلم على العمة آية وضيفتها الجديدة."

خطى عمار ليتوقف باندهاش لرؤية سميرة نائمة، يهتف بطفولة سنتيه الاثنان، "صغيرة!"

هتافه ذاك جعلها وآية تنفجران بالضحك، لينخرطا في الأحاديث ويتركا عمار يتخطى صدمة لقيا من كان أصغر منه. بدا كما لو أنه مسحور بالمخلوقة الوردية الضئيلة.

وعندما نهضت تودع آية بوعد زيارة قريبة، ضحكت بخفة لرؤية المنظر، فعمار استلقى جانب سميرة نائما. كم كان منظرهما ظريفا.

توقعت شهد لحظتها أن يكون بين هذين الصغيرين علاقة تعكس ما كان بين أبويهما.

-

.

.

-

1989
م

مرت سنين وزادت شهد من زياراتها لدار الصفي، مصطحبة معها عمار

ولادته كانت خطرة عليها وقللت فرص حملها مرة أخرى. لم ترد أن يشعر طفلها بالوحدة دون إخوة يؤنسونه ورأت في سميرة خير الرفيق وسيكون عمار بذلك تحت ناظرها على الدوام. عصفوران بحجر واحد، أليس كذلك؟

لكنها لاحظت مؤخرا تمرد عمار وتفضيله رفقة أطفال القرية الآخرين على سميرة، متحججا بكونها فتاة أصغر منه. بإحباط وجدت نفسها ترضخ، فعلى الأرجح هذا من علامات النمو وعمار كان صبيا شديد الاستقلالية كأبيه، لا يرضى أن يتحكم به شخص.

لم يفطر قلبها سوى سؤال سميرة المتزايد عن عمار بعد غياب متكرر. المسكينة.. فبينما وجد عمار أنه كبر على رفقتها، تعلقت سميرة به.

شكت ذاك الحال لقصي ليجبيها بصرامة، "أتركيه يختار طريقه، لا تخنقيه باهتمامك.."

"
تعرف السبب.." عمار كان وحيدها، طفلها الذي رزقها الله به بعد طول انتظار. تخاف عليه من كل شيء، وتريد له كل شيء.

لانت صرامة قصي المشهورة بطريقة لا يعرفها سواها، يمسح عن عينيها دموعا لم تدرِ أنها تتشكل. "أعرف يا وجدان قصي، أعرف.."

-

.

.

-

1990
م

رأى العمة آية مع أمه تتسامران عندما مر بغرفة المعيشة في طريقه لفتح الباب لأصدقائه. وطبعا بوجود العمة آية فإن ابنتها سميرة كانت حاضرة، تنظر إليه بطريقتها الغريبة كالعادة. لم يكترث عمار بذلك وأكمل طريقه بخطى يقودها الحماس.

وفي طريق العودة لغرفته برفقة أصدقائه، هتفت أمه تشير إلى سميرة، "دعوا سميرة تنضم إليكم، لابد وأنها قد ضجرت وهي تتحمل ثرثرتنا!"

عبس عمار بعدم رضا، لكنه رضخ لكيلا يطيل في الوقوف هنا. أشار لسميرة أن تتبعه دون أن يتأكد من كونها ستفعل.

ما إن دخلوا الغرفة حتى وضح استهجان أصدقائه الصريح لوجود سميرة بينهم، خصوصا وهي لم تختلط بهم بالعادة، فقط به هو وبسبب صداقة والديهما.

انصرف للحظة ليطلب من الخادمة إحضار بعض المرطبات والحلوى له ولأصدقائه. لكن قبل أن يعود للغرفة لقي سميرة تجلس متقوقعة على نفسها في زواية قريبة من المطبخ. توجه إليها بفضول. "لم خرجتِ؟"

أجابته بوجوم وهي تكفكف عن دمعها، "كانوا يسخرون من وظيفة أبي، ولا يريدونني أن ألعب معهم.."

عبس هو بدوره. صحيح أن أصدقائه كانوا من ذوي العائلات الميسورة الحال في القرية، إلى أنه لم يتوقع أن ينظروا بدونية لغيرهم هكذا. "سأكلمهم."

هزت سميرة رأسها باعتراض. "إذا كانوا لا يريدونني فأنا لا أريدهم."

تقوقعت على نفسها أكثر، وبدا عليها الحزن البالغ. لم يصدقها في كونها لا تريد اللعب مع الآخرين.

رجع إلى غرفته وباله مشغول مستاء بسببها. لم يلحظ دخول الخادمة بما طلبه منها حتى

سأله أحدهم عن سبب شروده، وكان جوابه أنه سيخرج للحظة. أخذ معه عصيرا وبعض الحلوى بالإضافة لبعض الألعاب التي اشترتها خالته له، والتي جمع أصدقائه ليشاركها بهم.

لم تتحرك سميرة لا من مكانها ولا من وضعيتها. وضع صحن الحلوى مع العصير ودعاها للأكل بينما هو انهمك في إخراج جهاز لعبة محمول من علبته الكرتونية.

بتردد أخذت سميرة قطعة من الحلوى وبدأت تقضم عليها وهي تنظر إلى الجهاز بيده بفضول. "ما.. هذا؟"

"
جهاز لعب، اسمه (قيم بوي). جلبته خالتي سهى من الولايات المتحدة، قالت أن جميع الأطفال في سني كانوا يحملون مثله." شغل الجهاز وبدأ باللعب، تفيده خبرته المسبقة مع أجهزة مماثلة. عندما لاحظ انشداه سميرة بالجهاز، ناولها إياه. "دورك لتلعبي.."

اتسعت عيونها الواسعة أصلا بعدم تصديق. "هل يمكنني اللعب؟"

"
بالطبع، لم برأيك أحضرت الجهاز عندك؟"

ابتسمت سميرة عندها ابتسامة عريضة مسرورة، وبدأت تلعب بكل تركيز. الحق يقال، تعلمت تفاصيل اللعب بسرعة، وسرعان ما انخرطا كلاهما في التنافس بأدائهما.

لم يدرك عمار كم مضى من الوقت إلا عندما سمع أمه تهتف، "إذا كنتما هنا..!" نظرت إلى عمار بكلمات تحمل عتابا لم يظهر بنبرتها. "وأنت، عليك أن تهتم بضيوفك. لقد كانوا يسألون عنك إلى أن اضطروا للرحيل.."

كان متفاجئا لنسيانه أمر أصدقائه. انغمس في اللعب مع سميرة لدرجة عدم ملاحظته للوقت أو الظروف.

نظرت أمه بعدها إلى سميرة. "تعالي صغيرتي، أمك تسأل عنك لتذهبا."

نهضت سميرة تلحق أمه، لكن قبل ابتعادها توقفت والتفتت إليه بفرح، "شكرا عمار على اللعب معي..!"

لم يستطع عمار إلا أن يرد ابتسامتها. "العفو.."

على مائدة العشاء، سألته أمه، "هل قضيت وقتا ممتعا اليوم؟"

أخذ عمار لحظة ليفكر، فقد أمضى معظم النهار مع سميرة، ومع ذلك.. "نعم أمي، فعلت."

لم تكن رفقة سميرة بالسيئة حقا.


اترك تعليق وقم بعمل شير للرواية حتي يصلك الجديد من الرواية


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-